المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفساد...............



الحامي
15-07-2002, Mon 4:55 AM
الفساد..؟!*

التاريخ: 7/15/2002 م

سيذكر التاريخ ان الفساد نافس أكثر المفاهيم شيوعاً في العشر الأواخر من القرن الماضي والحالي.. سيقال في زمن لاحق.. ان هذا المفهوم تبوأ مكانة معتبرة بين أحاديث الخاصة والعامة على نطاق عالمي، المنشغلون منهم بالاصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعاملون في الاتجاه المعاكس، الغريب هو الغموض والضبابية التي واجهها الجميع، وهم بصدد التعريف بهذا المفهوم، على كثرة تداوله، الا ان هناك دائما عناصر مشتركة تجمع ذيول الفساد..!
فعلى الرغم من وجود اتفاق عام على أن الفساد هو أحد ابرز الآفات التي تعانيها المجتمعات المعاصرة، ومدى انتشاره، وتطور الاساليب المعقدة التي تكتنف ممارسات المفسدين لتجنب العقوبات - ان وجدت - ، وانعكاساته على ضرورة العمليات الاقتصادية والسياسية.. فقد نالت قضية الفساد الاهتمام منذ وقت مبكر، فمعنى الفساد تجلى في كتابات افلاطون وارسطو قبل الميلاد، وصولا الى وقتنا الراهن الذي تخصص فيه عملاء مرموقون لدراسته، وعهد فيه الى بعضهم اخراج نتائج بحوثهم في دوريات متخصصة كدورية (الفساد والاصلاح) التي بدأ صدورها عام 1993بالولايات المتحدة.
هناك التعريف الذي يرى بأن الفساد (هو اساءة استخدام المنصب العام أو السلطات او الموارد لتحقيق منافع خاصة!) يركز هذا التعريف على السلوك الذي يضطلع به من يشغل منصبا عاما، ولكن الصعوبة تنشط في اطاره من عدم القدرة على تعيين المعايير التي تحدد معنى (سوء الاستخدام)؟ وكذلك معنى الخاص والعام في الواقع العملي؟ وكيف تتأتى المعايير المتعلقة بفكرة المنفعة العامة؟
ولما كانت المنفعة العامة والمصلحة العامة موضوعات خلافية، لا تصلح كمعيار يستخدم لتحديد الاساءة اليها من عدمه، فقد رأى البعض ان يجري اللجوء للقوانين واللوائح كوسائل لتقييم معنى الاساءة والفساد، بحيث يكون الشخص (المؤسسة) الذي يخرق القانون مفسدا، لكن لنتذكر ان لدى بعض القوى الاجتماعية الاقتصادية ادوات ويستطعيون بها صياغة القوانين ذاتها بما يسهل مهمتهم، وعندئذ قد يصبح الفساد مشروعا او يكتسب مشروعية بحكم القانون..!!
وهناك تعريف ثان يعتبر ان الفساد (هو مايقرر الرأي العام انه فساد وفقا لمعاييره الثقافية والاجتماعية).. والمعضلة هنا ان المعايير الثقافية والاجتماعية شديدة التباين، وهو ما قد يؤدي الى انتشار مفاهيم للفساد بعدد الثقافات الفرعية داخل كل دولة.. وربما ينتهي الأمر، بان يصبح ما يعتبر سلوكا فاسدا في مكان (قرية مثلا) ليس كذلك في مكان آخر (قرية مجاورة اخرى) او ان تصبح انماط معروفة من الفساد مساحة للتفاخر الاجتماعي واستعراض العضلات ودون حياء او خوف او ردع..
تعريف ثالث، يقول ان الفساد (سلوك منحرف عن الواجبات الرسمية لوظيفة عامة بسبب خاص (عائلي او شخصي او عصبة خاصة) لتحقيق مكاسب مالية او مركز مرموق او نفوذ)، وهو ما يتعلق بالوظيفة العامة او احتمال استخدامها لمآرب شخصية، ولكن ماذا لو كان المقصود بهذا المعنى شخصيا يضطلع بحكم وظيفته بامور مناوئة للمنطق والعدل وحقوق الانسان؟ ماذا لو كان قاضيا يسهر على تنفيذ قانون جائر، وآثر ان يغض النظر في بعض القضايا نظير رشوة؟ أيكون مثل هذا القاضي فاسدا ام العكس؟
وفي تعريف رابع، يرى أن (نمط الفساد يتواجد، حيثما يمكن اغراء صاحب سلطة بواسطة المال او اية مكافآت أخرى لا ينص عليها القانون، للقيام باعمال لصالح الطرف الراشي، بما يضر الجمهور والمصلحة العامة) وبخلاف المأخذ على هذه التعريفات بسبب ما تنطوي عليه من نقائص في تحديدها لمفهوم الفساد، فقد نأخذ عليها جميعا مقاربتها للمفهوم في اطار الوظيفة العامة وسلوكيات المسؤولين في مواقع تخص المصلحة العامة بمعناها الواسع الفضفاض.
إن للفساد انماطا فرعية ودروبا جانبية، من ذلك لنا ان نتصور نشوء ظاهرة (عدوى الفساد)، وذلك حين يرى البعض ان طهريتهم والتزامهم بالسوية الأخلاقية، لن تجر عليهم الا خسارة لانفسهم او مصالحهم في مناخ موبوء(!!) ممايدخلهم في نزاع داخلي بين الرغبة في العفاف ومتطلبات التعامل مع هذا المناخ، نحن والحال كذلك، بصدد مفهوم يتعلق بظواهر شديدة التعقيد، له أنماط صعبة الحصر، وتداعيات خطيرة، ولو امتد النظر الى ماهو ابعد، لأمكن الحديث عن انماط من الفساد لا تتصل فقط بالواقع المحلي في دولة او مجتمع بعينه، بل انماط تخترق الحدود الجغرافية والسياسية والاجتماعية، بما يحقق تسميتها بالفساد العابر للقارات..
اي التعريفات تغطي رائحته العفنة اجواءنا..؟
* من دراسة حول اشكالية تعريف الفساد، محمد خالد الأزعر