المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدين العام لن يتناقص دون وجود استراتيجيات زمنية واضحة المعالم..



الحامي
14-07-2002, Sun 12:39 PM
الدين العام لن يتناقص دون وجود استراتيجيات زمنية واضحة المعالم..

د. أحمد بن صالح السالم *

تملك الدولة في الوقت الحاضر ممثلة بوزارة المالية 240مليون سهماً من اسهم شركة الاتصالات السعودية يتوقع أن تكون قيمتها السوقية ما يقارب 60مليار ريال. وفي الوقت نفسه تستحوذ على 70% من ملكية اسهم شركة سابك حيث تساوي القيمة السوقية لها حوالي 25مليار ريال، كما ان حصتها في شركة الكهرباء السعودية تعادل 30مليار ريال. هذا يعني أن حصة الدولة في الثلاث شركات كفيلة بتخفيض مستوى الدين العام بمعدل 20% دون النظر في دور مساهمات الدولة في الشركات المحلية الاخرى والاستثمارات الخارجية التي لا تملك المعلومات الكافية للتطرق لها. وستظل ندرة المعلومات والبيانات من الخصائص الملازمة لاقتصادنا التي نأمل ان تختفي مسبباته في القريب العاجل.وبالطبع لا تستطيع الدولة بيع حصتها في هذه الشركات دفعة واحدة، حتى وإن كانت على الصناديق الاستثمارية وكبار المستثمرين، بسبب توقع حدوث تأثيرات متقلبة على اداء السوق بشكل عام. ولهذا فإنه من المفترض ان يتم البيع تدريجياً وعلى فترات زمنية مختلفة تخدم جميع الاطراف ذات العلاقة. ومع وجود وجهات نظر مختلفة حول امكانية استيعاب السوق للزيادة الكبيرة في الأسهم المطروحة، الا ان ذلك لا يمنع ان نذكر ان امتلاك اعداد قليلة من المستثمرين للنسبة العالية من كمية الأسهم قد يكون وراء ضعف مستوى التداول.
فعلى سبيل المثال، نلاحظ ان وجود البنك السعودي الهولندي في السوق مثل عدمه بسبب أن جل اسهمه يملكها اما الشريك الأجنبي او عدد صغير من كبار المستثمرين، ولذلك فمستوى التداول اليومي يقترب من الصفر. بل انه قد وجد تنظيمات مستقبلية تجعله من الأسهم غير المؤهلة للاستمرار في السوق بسبب انخفاض مستويات التداول عن المعدلات المعيارية.
وحتى نستطيع رفع مستوى معدل الدوران في سوق الأسهم المحلي الذي لا يتعدى ربع في المائة، لابد من زيادة مسوى تفاعل صغار المستثمرين والمضاربين او بمعنى آخر تقليص معدلات الاحتكار الخفي.
وبما ان اسعار سوق الاسهم في المملكة والأسعار الدولية للنفط يسيران في الاتجاه نفسه مع وجود فترة حضانة قصيرة المدى، فإن هذا يعني قدرة الدولة على إعادة شراء اسهمها السابقة من السوق المفتوح بأسعار قد تكون اقل من اسعار البيع الحالية. وبالتالي فوزارة المالية لا تملك الحجة الكافية لتبرير الاحتفاظ بحصة الدولة في هذه الشركات كخيار استراتيجي باعتباره مصدراً من مصادر التمويل عند تدني اسعار النفط. بل انها الطريقة العلمية المثلى والاجدى بأن تقوم الحكومة بعملية البيع في الظروف المناسبة اقتصادياً كما هو الحال في عام 2002الذي يتفوق بكثير على عام 1998على سبيل المثال، فالتوقيت المناسب يعتبر احد العوامل الأساسية المؤثرة في نجاح العمل الاستثماري وتعظيم معدلات الأرباح او تقليص الخسائر على جميع المستويات. ولا ينقصنا في الوقت الحاضر الا السياسات الفعالة الهادفة لتقليص مستوى الدين بشكل عملي وفوري بدلاً من الغوص في البيروقراطية الى ما لا نهاية زمنياً.
وأعتقد ان المشكلة الاساسية في اثارة مثل هذه النقاشات تكمن في عدم رؤيتنا لاستراتيجية واضحة المقاصد تنوي وزارة المالية اتباعها لتخلص من كاهل الدين العام الذي بالتأكيد اثر تأثيراً سلبياً على مستوى انفاق الحكومة على المرافق الاساسية كالصحة والتعليم و الضمان الاجتماعي ودعم اصحاب الدخول المحدودة. فهل من المعقول ان تتمسك الدولة في حصتها في الشركات الخاصة على حساب ازدياد معدل نمو الدين لدرجة قد تصل لمستوى يصعب عنده المفاضلة بين البدائل المتاحة للتعامل مع خطورة عدم القدرة على السداد بالشكل الذي لا يضر بمستوى العيش الاقتصادي.
كما ان العوائد التي تجنيها استثمارات الدولة في القطاع الخاص لا توازي تكلفة الدين العام التي وصلت لمعدل 12% من اجمالي الإنفاق الحكومي. فهذه النسبة لا يمكن الاستهانة بها فهي تعادل ما بين 25و 30مليار ريال سنوياً ما يعني اضطرار الحكومة لتخفيض مستويات الانفاق على قطاعات ترتبط ارتباطاً مباشراً باحتياجات الفرد اليومية التي لا تستحمل التأجيل إذا ما اردنا الحفاظ على القيم المعيارية اللازمة اقتصادياً واجتماعياً وحضارياً. كما انه يفترض ان تنمو هذه النسبة بشكل تزايدي ومستمر اذا لم تتحرك وزارة المالية في الاتجاه التصحيحي سعياً وراء التقليص بشكل يأخذ طابع الجدية.هناك مشكلة اخرى ولكنها تنظيمية هذه المرة حيث تتعلق في مسألة ان وزير المالية هو البائع والمشتري في آن واحد عند بيع حصة الدولة في الشركات لحساب مصلحة معاشات التقاعد باعتباره رئيس مجلس ادارة المصلحة، خاصة عندما يتعلق الأمر ببعض الشركات التي لم نتطرق لها من حيث انها قد لا تمثل خياراً استثمارياً مجدياً للادارة الاستثمارية في المصلحة.
ولهذا فإنه من الاجدر ان تكون هناك استقلالية في اتخاذ القرار حتى لا يتضرر الصندوق، فأمواله هي اموالنا كموظفين حكوميين ويهمنا في المقام الاول ان تستثمر بطريقة مثلى حتى لا تتأثر الملاءة المالية لصندوق المصلحة في المستقبل.
كنا ايضاً نأمل ان تقوم وزارة المالية باطلاعنا على مستوى الدراسات التي قامت بها في الماضي وتقوم بها في الوقت الحاضر في محاولاتها لإطفاء الدين العام والمفاضلة بين الخيارات المتاحة للمساهمة في انجاز هذه المهمة من ناحية مقارنة معدلات المخاطرة والعوائد. فهي لا تعدو كونها مستثمراً، على نطاق واسع، يملك بعض الاستثمارات المجدية وغير المجدية في آن و احد وفي الوقت نفسه عليه التزامات وديون متراكمة ولهذا فلابد من الموازنة بين الطرفين في التوقيت المناسب مع الأخذ في الاعتبار ان الدخول والخروج من قطاعات معينة يخضع لعوامل اقتصادية بحتة لا تمت للقضايا السياسية بأي صلة.
وأخيراً يجدر التنويه ان نقطة الضعف الرئيسة في اقتصادنا عبر السنوات العشر الماضية ترتبط في المقام الأول بمسألة عدم القدرة على التحكم بمستويات الدين العام. وبما أن هناك علاقات مباشرة وغير مباشرة بين هذه القضية والانشطة الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، لاحظنا امتداد الضرر ليشمل باقي القطاعات المرتبطة ارتباطاً مباشراً بيوميات الفرد العادي خاصة في الجانب الاقتصادي.
إذن نقطة التحسن في المستوى الاقتصادي الكلي تبدأ من المعالجة الفعالة لهذه القضية الحساسة التي تعتبر من المؤشرات الاقتصادية ذات التأثير الداخلي والخارجي في آن واحد باعتبارها من معايير قدرة الملاءة المالية للدول.
جامعة الملك سعود