المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الارتفاع الكبير لأسعار النفط .. الأسباب والنتائج



أبو عزيز
24-05-2004, Mon 1:39 AM
الارتفاع الكبير لأسعار النفط .. الأسباب والنتائج




إعداد: عبير أبوشمالة

ارتفعت اسعار النفط الخام الى اعلى مستوياتها منذ 13 عاما فوق 40 دولارا للبرميل، وتباينت الآراء حول اسباب هذا الارتفاع الكبير في اسعار الذهب الاسود، وكالعادة اتهمت الولايات المتحدة الاوبك بتعمد رفع اسعار النفط. غير ان غالبية دول اوبك تنتج بطاقتها القصوى في الوقت الحاضر ولم يتغير بالتالي حجم امدادات النفط، فالدول المنتجة تلبي معظم ان لم يكن كل طلبات الشركات وحسب العقود المبرمة معها. إذاً فما هي الاسباب الحقيقية وراء الارتفاع الكبير في الاسعار؟

يميل العديد من خبراء الطاقة الى القول إن العامل الاساسي وراء الارتفاع الحالي في اسعار النفط الخام انما يرجع للنمو الاقتصادي القوي خاصة في الولايات المتحدة والصين، الأمر الذي اسهم في رفع الطلب بشدة على موارد الطاقة. واظهرت تقديرات وكالة الطاقة الدولية ان الطلب على النفط الخام مرشح للنمو بنحو مليوني برميل في اليوم للعام الجاري، كما ترى منظمة الاوبك ان الطلب سوف ينمو للعام ككل بمعدل 1،9 مليون برميل في اليوم.



التنين الصيني

احتلت الصين مؤخرا مكان اليابان كثاني اكبر مستهلك للنفط الخام في العالم بعد الولايات المتحدة. وتظهر البيانات الحديثة ان استهلاك التنين الصيني من البترول وصل الى 6 ملايين برميل يوميا خلال الربع الاول من العام الجاري. وذكرت مؤسسة جولدمان ساكس الاستشارية ان الطلب بذلك يكون قد نما بمعدل 15% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

ويرجع البعض نمو الطلب الصيني على البترول للزيادة في ملكية السيارات والتي وصلت الى 75%، اضافة الى قصور طاقة توليد الكهرباء وحصول العديد من المرافق الرئيسية في الدولة من مبانٍ وفنادق ومدارس على الطاقة اللازمة لها باستخدام الديزل، وكان الاقتصاد الصيني قد نما في العام الماضي بمعدل 9%، كما حققت اسواق الاسهم في الدولة نموا بلغ 90%.

وكانت الصين تستهلك قبل 10 أعوام مضت نحو 5% من موارد النفط العالمية، ومن المتوقع ان يصل هذا الرقم الى 10% بحلول عام ،2010 وذلك وفقاً لتقديرات اتحاد ابحاث الطاقة التابع لجامعة كامبريدج.



الأزمة الأمريكية

تعاني الولايات المتحدة بصورة خاصة من الارتفاع الأخير في سعر النفط الخام، والذي اسهم بدور متواضع ان جاز التعبير في رفع اسعار البنزين. نعم، فارتفاع سعر البنزين في الولايات المتحدة لا يعزى الى قصور في إمداداتها من واردات النفط أو لمؤامرة تنظمها اوبك ضدها وإنما الى اختناقات في معامل التكرير الخاصة بها والى النمو المتواصل في الطلب مع التعافي الاقتصادي والاقبال المتزايد للمواطن الامريكي على اقتناء السيارات الرياضية الفارهة التي تستهلك الكثير والكثير من البنزين.

وكان سعر جالون البنزين قد وصل في شهر مايو/ ايار الجاري الى دولارين في الولايات المتحدة، أي بزيادة تقدر بنحو 45% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الامريكية ان ينمو الطلب على البنزين في الولايات المتحدة من 8،93 مليون برميل في اليوم وصولا الى 9،2 مليون برميل بحلول عام 2005 ونحو 9،4 مليون برميل في 2006.

ومع الاختناقات المتواصلة في طاقة تكرير النفط في الدولة، والمعايير البيئية المتشددة التي تمنعها من انشاء معامل جديدة، وتزيد من صعوبة استيراد البنزين من الخارج نظرا للمعايير الخاصة بوقود السيارات الخالي من الرصاص، فمن المنتظر ان تواجه الدولة ازمة حقيقية خلال الاعوام المقبلة ما لم تتوصل الى حل مناسب لهذه المعضلة وتكف عن إلقاء اللوم على الأوبك، فمشكلة الولايات المتحدة مشكلة بنزين، وليست نفطا خاما.

وبالاضافة الى ما تقدم فإن من اسباب ازمة اسعار البنزين في الولايات المتحدة صفقات الاندماج في قطاع النفط العالمي والتي حولت سوق النفط الى سوق احتكاري لا تنافسي يتحكم في الاسعار لمصلحة الشركات النفطية التي تسهم بسخاء في تمويل الحملات الانتخابية لرؤساء الولايات المتحدة.



توتر الاوضاع في المنطقة

من دون شك لعبت الاوضاع المتوترة في المنطقة دورا مهما في الارتفاع الاخير في سعر النفط الخام، خاصة الوضع المتفجر في العراق وتفجيرات البصرة وتفجيرات ينبع السعودية.

ومن المعروف ان البترول بطبيعته حساس الى درجة كبيرة تجاه الاوضاع السياسية، فما بالك والتوتر يقع في اكبر المناطق المنتجة للنفط في العالم، وفي المملكة العربية السعودية التي تعتبر الدولة الوحيدة بالاضافة الى الامارات التي تملك طاقة انتاج فائضة تقدر بنحو مليوني برميل في اليوم.

ويخشى المتداولون في أسواق النفط من ان تتعرض البنية التحتية لانتاج النفط في السعودية والعراق الى هجمات اخرى، الأمر الذي سيؤدي بطبيعة الحال الى التأثير على امدادات النفط. وتسهم هذه المخاوف بدورها في رفع اسعار البترول خاصة مع اقدام العديد من مستهلكي الذهب الأسود على تخزينه بهدف تفادي أية ازمات محتملة يمكن ان تطرأ.



المضاربات وصناديق التحوط
ومن جهة اخرى فإن الاقبال الشديد على الاستثمار في اسواق النفط وخاصة من قبل صناديق التحوط لعب دورا مهما في تعزيز توجه النمو المستمر في اسعار النفط العالمية. ومن أهم العوامل التي تجتذب صناديق التحوط للاستثمار في اسواق النفط هو تذبذب الاسعار. كما ان الاستثمار في النفط يمنح الصناديق فرصة لتنويع حافظاتها الاستثمارية بعيدا عن اسواق الاوراق المالية، وقد اسهم النشاط الذي شهدته الاسواق في الأشهر الاخيرة في رفع مستوى الطلب على النفط الخام وعمل بالتالي على رفع الاسعار.

ويعتبر نمو استثمارات صناديق التحوط في اسواق النفط سلاحا ذا حدين، إذ من الممكن ان تبادر هذه الصناديق وبشكل مفاجئ الى تسييل حيازاتها من العقود الآجلة لتتسبب بذلك في خفض اسعار النفط. ويقدر الخبراء ان انشطة هذه الصناديق أدت الى ارتفاع وهمي في الأسعار (لا علاقة له بآلية العرض والطلب) يقدر بما يتراوح بين 7 و8 دولارات للبرميل.



تراجع الدولار

لكن هل تعتبر اسعار النفط الخام مرتفعة بالفعل؟ ربما لا، خاصة إذا ما اخذنا بعين الاعتبار عامل التضخم وانخفاض سعر صرف الدولار الامريكي. وكان وزير النفط والثروة المعدنية في الامارات عبيد بن سيف الناصري قد اكد مؤخرا ان السعر الحقيقي للبرميل يقدر بنحو 25 دولارا فقط في حال احتسبنا مستوى التضخم والتراجع في قيمة الدولار الامريكي.

حيث تظهر البيانات ان قيمة النفط نمت بمعدل 51% من 20 دولارا للبرميل عام 2002 الى 35 دولارا في فبراير/ شباط ،2004 في حين لم ترتفع قيمته باليورو إلا بمعدل 4% فقط خلال الفترة نفسها، وكان الدولار قد تراجع في هذه الفترة من 1،16 يورو الى 0،80 يورو. وبالتالي فمن الطبيعي ان يرفع موردو النفط الخام الاسعار لمواجهة التراجع المستمر في قيمة الدولار.



هل تستمر الاسعار على ارتفاعها؟
من الواضح ان منظمة الاوبك حريصة على الحفاظ على استقرار الاسعار خاصة السعودية التي وعدت مؤخرا بزيادة انتاجها الى 10،5 مليون برميل يوميا واقترحت على اوبك زيادة الامدادات بمليوني برميل يوميا،

لتهدئة مخاوف الدول المستهلكة ازاء ارتفاع اسعار النفط.

ويبدو من التحركات المبدئية للأسواق ان جهودها هذه المرة سوف تؤتي ثمارها وتسهم في الحد من ارتفاع الاسعار.

كما يرى الخبراء أنه ما من سبب سوقي حقيقي (خاص بالعرض والطلب) وراء الارتفاع الاخير في الاسعار، وهم يؤكدون ان الاستقرار على الساحة السياسية من شأنه بالاضافة الى زيادة الانتاج ان يسهم في خفض الاسعار بنحو 5 دولارات للبرميل بشكل فوري.