المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يرفع مع التحية الى معالي الدكتور غازي القصيبي



صنوبر
08-05-2004, Sat 3:59 PM
الدكتور مازن عبد الرزاق بليلة
اكاديمي واداري واقتصادي خبير رجل وطني صادق كتاباته واراءه تجذبني اتمنى ان يكون احد فريق العمل معك سعادة الوزير وستشكرني كثيرا على هذه النصيحة
منع الاستقدام عن "الصغيرة" لن يخدم اقتصادنا الوطني

مازن عبد الرزاق بليلة*
أصدرت وزارة العمل تعليماتها بعدم السماح بالاستقدام للمؤسسات الصغيرة التي تقل عمالتها عن عشرة عمال، وذلك إنفاذاً للتوجيهات السامية الكريمة بتدريب وتأهيل وتشغيل السعوديين وإتاحة فرص العمل لهم في منشآت القطاع الأهلي وإحلالهم محل غيرهم، وترشيد استقدام واستخدام العمالة الوافدة إلا للحاجة الضرورية، كما ذكر الخبر الذي أوردته (واس)، الأسبوع الماضي، والخبر، وإن بدا في ظاهره روح الوطنية والغيرة على القوى العاملة الوطنية، وتوفير فرص العمل لها، لكن كانت قد صدرت توجيهات سامية كريمة قبل 7 سنوات، بسعودة الوظائف 5% كل عام، لمن تزيد العمالة لديه على 20 عاملاً، مما يعني أن إلزامية السعودة وترشيد الاستقدام كانت للمنشآت الصغيرة (صفراً)، قبل سبع سنوات، ونريد أن تقلبها لنفس هذه المؤسسات ولنفس الأسباب إلى 100% في يوم واحد.
سياسة الإلزام قبل سبع سنوات لم تنجح، والأرقام تقول ذلك، فقد زادت نسبة العمالة الوافدة مؤخراً، ولم تنقص، وقد تزيد مع ذلك نسب السعودة في بعض المنشآت الفردية، لكن الإجمالي العام، للعمالة الوافدة بالمملكة في ازدياد وليس في نقصان، وهي تصريحات سمو وزير الداخلية، وليس من التخمين أو الاجتهاد الشخصي، والسبب معروف، ليس لعدم وطنية المنشآت الوطنية، وليس كرهاً للعمالة الوطنية، إنما السبب يتلخص في أمرين: الأول عدم توفر العمالة الوطنية المؤهلة لاحتياجات سوق العمل، وثانياً أن الغالبية العظمى من العمالة الوافدة، هي عمالة مهنية لأعمال دنيا قليلة الأجر، لا يقبل عليها الشباب السعودي، ولا تعبر عن اهتماماته وتطلعاته.
مقابل عدم السماح للمؤسسات الصغيرة بالاستقدام، كان يمكن إلزام الشركات الكبيرة بالحد الأدنى من الأجور، وهو مما يشجع العمالة الوطنية على تقبل الأعمال المهنية الدنيا، لو كانت مجزية مادياً، لكن الشركات الكبيرة اعترضت، لأن تثبيت الحد الأدنى من الأجور سوف يرفع قيمة السلع والخدمات، مما يتسبب في تضخم اقتصادي محلي، لن يساعد المواطن على توفير الاحتياجات الأساسية التي كان متعوداً عليها، ولكن بالمقابل منع المؤسسات الصغيرة من الاستقدام سوف يتسبب في نفس هذا التضخم، لأن منع الاستقدام سوف يساهم في إغلاق الكثير من هذه المؤسسات، وبالتالي قتل الفرص الوظيفية فيها، مما يزيد البطالة، وهو أمر لن يخدم اقتصادنا الوطني، وتضطر الشركات الكبيرة لأداء هذه الأعمال، التي كان من المفترض أن تقوم بها المؤسسات الصغيرة، لكن بتكاليف أعلى، وهو أمر لن يخدم اقتصادنا الوطني.
الجيد في المؤسسات الصغيرة، هو توفير الخدمات بأسعار مقبولة، لعدم وجود تكاليف ثابتة، أو تكاليف إدارية كبيرة، ويمكن للشخص الواحد فيها، القيام بعدة أعمال في وقت واحد، مثل التسويق والمالية والإدارة، لكن الشركات الكبيرة، بالعكس من ذلك، متخصصة، وعمالتها متنوعة، وتكاليفها الثابتة والإدارية ضخمة، تصور بائع الفول والتميس، الذي لن يتمكن من الاستقدام، وبالتالي سوف يبحث عن عمالة وطنية، لمثل هذا العمل، ولن يجد بسهولة، فيغلق محله، وتتجه المتاجر الكبيرة مثل بنده، ومتاجر وطني، ويورمارشيه لتقديم هذه الخدمات، وستكون بأسعار مضاعفة، حتى تستطيع أن تستوفي الهامش الإداري الضخم المرتبط بتقديم هذه الخدمات.
إذا كانت الشركات الكبيرة، التي لديها ميزانيات ضخمة للتدريب والتأهيل على رأس العمل، والتجربة للموظفين واختبار قدراتهم، ما زالت تعجز عن شروط ومتطلبات السعودة، فكيف بالمؤسسات الصغيرة التي لا طاقة لها للإنفاق الكبير على مثل هذه المتطلبات الأولية لنجاح السعودة، كيف ونحن ندعي أن اقتصادنا يتجه نحو دعم ومساندة المؤسسات الصغيرة، وتشجيع رجال الأعمال المبتدئين، وأن هذه المؤسسات بحاجة أكثر من غيرها للرعاية والمساندة، لأن كل نبتة صغيرة هي الأحوج، والأكثر ضرورة، للمرونة والتنازل، من وزارة العمل، وتقديم دفعة، غير مادية، للتغاضي عن الشروط القاسية التي تعيق النمو والتقدم، فهذه المنشآت هي اقتصاد المستقبل، ونجاح واحدة من هذه المنشآت لتصبح كبيرة سيكون إضافة غير محدودة للاقتصاد الوطني، وسوف تفتح بعد ذلك مئات بل ربما ألوف من فرص العمل للمواطنين.
نحن نسير عكس الاتجاه الدولي للاقتصاد، هم يدعمون ويساعدون المنشآت الصغيرة، ونحن نتشطر عليها بتضييق الخناق، بالقرارات الإلزامية المكلفة، في العالم نسمع عن حاضنات الأعمال، التي تقدم لها الدولة الأساسيات الأولية للنجاح، مثل المكاتب والخدمات المساندة التابعة لها، بحيث يصرف المستثمر الناشئ، على إنجاح فكرته، وتسويق خدماته فقط، بدون قلق على مصروفات التشغيل الأساسية، من إيجار للموقع، وهاتف، وفاكس، وكمبيوتر، وحراسة، وصيانة، وتغذية، بل قد يتعدى ذلك لدراسة القوائم المالية، وتوفير النصح والإرشاد ودراسات الجدوى، والاتصال بالشركات الكبيرة لتبني الفكرة، بل الأهم من ذلك كله، قد تساهم في التمويل، أو بجزء من التمويل، أو على الأقل توفير مصدر غير مكلف وغير شاق للتمويل طويل الأجل، لكن هنا بالعكس، ليس لدينا حاضنات أعمال، وبنوكنا تقرض الكبار، ولا تنظر في طلبات الصغار، وجاءت وزارة العمل لتزيد المأساة، فتمنع الاستقدام للصغار، بحيث تقضي على آخر أمل لهم للبقاء والصراع مع الكبار.
ثم ما هي الشركات الكبيرة؟ ألم يكن هؤلاء الكبار صغاراً يوماً ما، إذن لماذا نمنع ونعيق أن يكبر الصغار؟ بل إن الشركات الكبيرة سوف تهرم يوماً ما، وقد تموت، والمصدر القادم للكبار هم الناجحون الصغار، لذلك فنحن بحاجة لندعم الصغار، قبل الكبار، أو نمنع التفرقة، فترشيد الاستقدام لن يكون يوماً ما بالقوة، ولا بالقرارات السياسية، فالسعودة قرارات اقتصادية، قبل أن تكون سياسية، تتحكم فيها قوانين السوق، والحاجة والطلب، ويلعب التعليم والتدريب والتأهيل فيها، دوراً أساسياً في تقبل العمالة الوطنية ونجاحها، فنحن بحاجة لتجسير الفجوة بين قطاعات التعليم وبين قطاعات الإنتاج، ونحن بحاجة لمتغيرات اجتماعية تقول للشباب إن العمل المهني أمر مقبول اجتماعيا، قبل أن نطلق المزيد من القرارات السياسية غير المجدية.