المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مصر والعرب . . علاقة حب مرهق



a_h_m_a_d
08-05-2002, Wed 4:03 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

أحد أسخف مشاكل أمتنا أننا نتظاهر بأن العلاقات بيننا على مايرام.
لا . . هناك شرخ بشع فى الأمة، هذه حقيقة.
جربنا الوحدة السياسية ولم تنجح، ثم يأتى الآن من ينادى بالوحدة الإقتصادية مثلما فعلت أوروبا، وأنا شخصيا أتنباء من الأن بأنها أيضا ستفشل كسابقتها.
نحن لسنا أوربا المتجمدة المشاعر يقاتل بعضهم بعضا حربين عالميتين يموت فقط فى إحداهما أربعون مليونا، ثم بعد بضعة سنوات يضعوا أيديهم فى أيدى بعض من أجل " البيزنيس " .
نحن نكره بعضنا بعضا هذه حقيقة يجب أن نعترف بها ولا نخفى رؤسنا فى الرمال.

وهذه الحقيقة على الرغم من قسوتها تبشر بالخير، لأن من يستطيع أن يكره، يستطيع أن يحب . .
ولو بعد حين.

أما على المستوى الشخصى فقد عشت فى ألمانيا ثمانى سنوات بهدف الدراسة فكانت فرصة طيبة تعرفت فيها على بقية العرب، ولا أنكر أننى فى البداية كنت أجد صعوبة شديدة فى التعامل معهم، ولم أكن أعرف كيف أكسر هذا الحاجز النفسى الثقيل بينى وبينهم.
ولكن بعد فترة قصيرة وجدت الحل وهو ألا أدير ظهرى وأتظاهر بأن كل شئ على مايرام.
وأن أتعامل معهم متجاهلا عن عمد كل مشاعر الكره المسبق الموجهة ضدى.
وأن اتماسك وأنظر فى قرص الشمس الحارقة ولا أهتز.
وأن أظل على طبيعتى أنا . . وفقط أنا.
متخلصا من كل العقد ومركبات النقص.
وكانت النتيجة الحتمية بفضل الله أن كل من قابلتهم يصابوا فى البداية بشئ من التوجس ثم سرعان ما ينهار حاجز الكره الثقيل بيننا ونتحول إلى أصدقاء وإخوة حقيقيين.
لقد تمكنت بهذه الرؤية وبهذه الفلسفة من أن أشارك فى صنع جامعة دول عربية مصغرة فى كل مدينة ألمانية عشت به، عربية حقيقية كتلك التى نقرأ عنها فى الأساطير.
يكفينى فخرا أننى وبعد أن عدت الى مصر لا يمر عيد إلا ويتصلوا بى من ألمانيا كى يعيدوا على فيه.
يكفينى فخرا أن هذا الود قد نما بينى وبين أفراد ينتمون الى أكثر الشعوب العربية كره لبلدى مصر.
وأعنى هنا الفلسطينيين ، وهم فى كرههم هذا معذورون لأننا خذلناهم ولازلنا نخذلهم.
ليس هذا فحسب بل أنه من المخزى أن نرى كثيرا من المصريين من يتصور أن مصر قد خاضت خمس حروب من أجل فلسطين.
وهو إدعاء فج لايمكن وصفة إلا بالكذب أو على أحسن الإحتمالات بالجهل.
فحرب 56 كانت تأديبا لنا من قبل قوى الإستعمار القديم على تأميمنا لقناة السويس ولا علاقة لها بفلسطين، وحرب 67 كانت بسبب إغلاق مصر لمضيق تيرانا أمام ناقلات البترول المتجه إلى إسرائيل، وحرب الإستنزاف كانت من أجل إستعادة الأرض المصرية التى أحتلت فى العام 67 وكذلك حرب 73.
فأى سخف هذا عندما يتصور البعض أن مصر قد خاضت خمس حروب من أجل فلسطين؟
إنها حرب واحدة فقط التى خاضتها مصر من أجل هذا البلد، وأعنى بها حرب 48 والتى لم تكن مصرية خالصة بل كانت بمشاركة قوات عربية أخرى أنتهت بخيبة أمل كبرى.
وقد علق أحد أصدقائى الفلسطينيين ساخرا فقال: هنالك من المصريين من يتصور أن مشكلة المجارى فى مصر سببها فلسطين.

عموما على الرغم من كره الفلسطينيين فى مجملهم لمصر فقد كان لى شخصيا حظ أحسن معهم، يكفينى أن أذكر حادثة واحدة فقط تدل على مدى الحب الذى نما بينى وبين أبناء هذا الشعب، فبعد أن عدت إلى مصر بفترة ليست بالقصيرة حدث أن إتصل بى أحد أصدقائى الفلسطينيين من ألمانيا كى يشكو لى ويبث أحزانه النفسية بعد أن خذلته خطيبته وتركته بدون سبب.
لا يمكننى أن أصف مدى تأثرى النفسى بمكالمته الهاتفية تلك لى.
أن يشكو لى أحد البشر على بعد ألاف الكيلومترات أحزانه كأخ فى لحظة ضعف وإنكسار إنسانى مر بها هذا مالم تنجح فى صنعه كل أنواع وحدتنا السياسية والإقتصادية المفتعلة.

وأنا أدرك أن مصر بلد يصعب فهمه، فهى بلد عبد الناصر زعيم العروبة رغم تحفظاتى الشديدة عليه، وبلد السادات زعيم مبدأ مصر للمصريين.
إنها نفس البلد الذى وجه الفكر الإسلامى توجيها على يد كثيرين من أبنائه من أمثال محمد عبده وحسن البنا و محمد و سيد قطب و محمد الغزالى و القرضاوى، وفى نفس الوقت بلد شارع الهرم والليالى الحمراء.
إنها بلد العقاد عملاق الأدب العربى، وفى نفس الوقت بلد الأربعين فى المائة أمى لا يفكون الخط.
إنها بلد قاد الأمة كلها فى فترة من الفترات، ثم تحول بشكل عجيب إلى تابع للغرب لا يهش ولا ينش.
إنها بلد أم كلثوم وعبد الحليم حافظ و عبد الوهاب وسيد درويش و الموجى و السنباطى، وفى نفس الوقت بلد عدوية وكتكوت الأمير وحسن الأسمر.

وكما قال حسنيين هيكل فإن مصر تعانى من إضطراب فى هويتها، فهى أفريقية بالجغرافيا، لكنها أسيوية بالتاريخ، فهى تقع فى أفريقا على الخريطة لكن كل أو أهم ما صنع ملامح شخصيتها تاريخيا أتى من أسيا، فدين مصر أتى من أسيا، ولغة مصر أتت من أسيا، وتاريخ مصر أغلبه إن لم يكن كله هو خلاصة مؤثرات أسيوية، إن مصر بعد كل هذه القرون لاتزال حائرة بين جد فرعونى وأب عربى.

ولكن من يقرأ شخصية مصر عبقرية المكان لجمال حمدان سيدرك مدى عمق العلاقة بين مصر وبقية إخوانها من العرب، سيدرك أن الفراعنه والعرب بيلوجيا لهم جد أعلى مشترك، سيدرك أن مصر أتت من نفس البوتقة التى أتت منها مصر، سيدرك لماذا لم تتغير ملامح المصريين بعد الفتح الإسلامى حيث أن التزاوج والإختلاط بين العرب والمصريين كان فى الواقع أشبه ما يكون بزاوج الأقارب، فالعرب والمصريين القدماء لهم نفس الملامح تقريبا لأن كليهما أتى من جد مشترك أعلى. ومن المهم أن نتذكر أن المصريين قد رفضوا الإختلاط بالرومان عندما كانت مصر جزء من الأمبراطورية الرومانية وفرضوا عليهم حصار جنسى، هذا على عكس ما حدث مع العرب الذين استقروا فى مصر بعد الفتح الإسلامى فقد إختلط المصريون بهم وأخذوا منهم الدين واللغة كذلك.
وكما قال حمدان فإن مصر لن تسترد مكانتها بين العرب إلا بعد أن تسترد لهم فلسطين، وسيكون دور مصر فى ذلك هو أهم مراحل تاريخها على الإطلاق، حيث ستتزعم العالم العربى بل العالم النامى كله الساعى إلى الحرية والتقدم ضد أمريكا أو من سيلها فى قيادة الغرب المتسلط على شعوب العالم.
وكما قال كذلك فإن من يملك فلسطين ملك سيناء، ومن ملك سيناء ملك مصر، هذه هى الجغرافيا، فمتى نقرأ الخريطة؟
فهل آن الأوان لنا كمصريين أن نفيق ونعرف مصر وحجمها؟
إننى أتقدم لمثقفى مصر بدعوة مخلصة بأن نفتح قلوبنا وعقولنا لبقية إخواننا العرب، فهذا هو مجالنا الحيوى الذى لايجوز التخلى عنه.

كما أننى أجد فى هذا الكره العابر والغير دائم من جانب كثير من العرب لمصر نقطة إيجابية حيث أنه ليس كالكره الذى يكون بين الأعداء، إنه أشبه ما يكون بالعتاب واللوم من جانب العرب لمصر على تقصيرها فى دورها التاريخى تجاه أمتها العربية.فالزعامة لها ثمن، ومن يريد القيادة عليه أن يتحمل مسؤلياتها.
والزعامة لاتؤخذ بل هى دور يمنح لا على سبيل التسلط بل على سبيل الحب والثقة.
فهل آن لمصر أن تعى دورها؟

إننى لكل ما سبق أشعر بكل لحظة صداقة عشتها مع بقية العرب، لأنها كانت نابعة من قلوبهم . . فعلا من قلوبهم .
ومن لايفهمنى من المصريين فهو الخسران لا أنا، لقد عرفت الزعتر وزيت الزيتون والمرامية والتبولة والكبة والكسكس المغربى والكبسة الخليجية. ببساطة وكى لا أطيل لقد عرفت البشر.

ومن يحب مصر صدقا لابد وأن يحب العرب، فأى دور يمكن أن نتخيله لمصر إن لم تنسجم فى محيطها العربى؟
هناك حكمة تقول " ظلام الكون كله لا يستطع أن يقهر ضوء شمعة ".
وأنا أقول " لحظة حب واحدة لا يستطيع كره العالم كله أن يسحقها.
يدى ممدودة . .
أرنى من هذا الذى سيقطعها.

well_meaning
08-05-2002, Wed 2:26 PM
بعد التحية ...
لقد تفضلت أخي الكريم بالضغط على موقع الألم في الجسد .
نحن العرب .. إتفقنا أخيراً و الحمد لله ..
( إتفقنا على أن لا نتفق ) .