المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدوائر الثلاث للفساد



الجبل
27-01-2013, Sun 12:19 PM
الفساد كفعل وممارسة يوجد في كل المجتمعات، هذه حقيقة لا مراء فيها لكن يختلف من مجتمع إلى مجتمع في نسبته، وأنواعه فقد يكون في مجتمع بصورة كبيرة، ويزكم الأنوف، وتشمئز منه النفوس حتى، وإن لم تتمكن من تحجيمه في حين يكون في مجتمع آخر محدوداً، ويمارس على استحياء، كما أن من يمارسه يتعرض للعقاب في حال اكتشافه.

وحتى نعرف الفساد في تركيبه لا بد من تشريح العناصر التي تشكله، إذ إن هناك ثلاث دوائر تتداخل فيما بينها، وتؤثر وتتأثر فيما بينها. أولى هذه الدوائر هي الفرد بما يحمله من غرائز، ومشاعر، ورغبات، وطموحات، وأفكار كل هذه تشكل بنية الفرد التي تؤثر في سلوكه، وتصرفاته، وتقوده إلى ممارسة الفساد، فالرغبة الجاحمة بالإثراء لدى الفرد الذي يعمل في مكان ما قد تقوده إلى السرقة من العمل، أو أخذ الرشوة، أو الغش في البضاعة التي تسوق عن طريقه، وهذا بحد ذاته يمثل استعداداً لدى الفرد للقيام بأي شيء يوصله لهذه الرغبة التي توجد لديه.

الفرد بتكوينه الداخلي يشكل الحلقة أو الدائرة الأولى التي ينطلق منها الفساد لكن هذه الحلقة قد تكون بذرة صالحة سليمة ناقمة على الفساد لا تسمح به لذاتها، ولا للآخرين، وفي هذه الحالة سنكون في وضع مريح يكفينا الكثير من المشاكل، والمتاعب في محاربة الفساد، ولذا فالعناية في غرس ثقافة محاربة الفساد، وتجسيده بالسلوك المعيب، والمرفوض لدى الأفراد أمر لا بد منه إذا ما أردنا القضاء على الفساد، أو على أقل تقدير الحد منه، وجعله في أضيق الحدود، وهذا الإجراء يأتي من خلال المناهج الدراسية، والإعلام، والقدوات الصالحة.

الدائرة الثانية التي تشكل الفساد هي دائرة المنظمة أو بيئة العمل التي يعمل فيها الأفراد، هذه البيئة بما يتوافر فيها من أنظمة، وقوانين، وترتيب، وتنظيم للأعمال، والمهمات الموكلة للعاملين في هذه البيئة تمثل التربة الخصبة إما لنمو الفساد، وانتشاره، وتجذره في أوساط العاملين، أو على العكس قد تكون بيئة طاردة نابذة رافضة للفساد. الأنظمة الواضحة، والحازمة لا تجعل مكاناً للفساد فيها، ويهاب العاملون في المكان من الإقدام على أي ممارسة فيها فساد لأنهم يدركون خطورة اقتراف هذه الأفعال، ويدركون ما قد يترتب على ذلك من عقاب كالفصل، أو حرمان من ترقية، أو تحقيق، وما إلى ذلك من عقوبات.

بعض الأفراد يلتحق بالعمل في بيئة من البيئات، وقد يكون في طبيعته نزيهاً لكنه يجد نفسه بين أفراد تمرسوا على الفساد، واستمرأوه، وأصبح جزءاً من حياتهم اليومية، ومع مرور الوقت قد يجد نفسه منساقاً للقيام بكافة الممارسات الفاسدة التي تمارس في هذه البيئة، حيث يضعف أمام الضغوط التي تمارس عليه من زملاء العمل، وأمام المغريات التي قد تعرض عليه، ولذا فالإدارة الصالحة الأمينة المقتدرة في الوقت ذاته تكون سبباً رئيساً في ردع من يفكر في ممارسة الفساد بشتى صوره.

الحلقة الثالثة من حلقات الفساد هي البيئة الاجتماعية العامة، إذ قد يتحول الفساد في مجتمع من المجتمعات كالرشوة، أو سرقة المال العام، والتلاعب به، أو غير ذلك من أوجه الفساد إلى ممارسات اعتيادية لا يعاب، ولا يستنكر على من يقوم به حتى تكون مظاهر الفساد منتشرة، ومحل حديث الناس لا للاستنكار بل التسلي بهذه الأحاديث بشأن الفساد، أو أحياناً للإشادة بمن يمارسها حيث تكون أشبه بالبطولات التي يحاول البعض إبرازها أمام معارفه، وأصدقائه.

لا شك أن كل دائرة من هذه الدوائر لها دورها في وجود الفساد، وتشكيله لكن أخطرها الدائرة الاجتماعية العامة حيث يكون الفساد في حال وجودها أشبه بالثقافة العامة، وهذا من أخطر الأمور، إذ لا ينكر أحد على مرتكب الفساد، ولا تتم محاسبة مرتكبه. إن محاربة الفساد تتطلب تعاملنا مع هذه الدوائر الثلاث بما تحتاجه كل دائرة، أو حلقة، وبما يتناسب معها لكن أهم شيء في هذا السياق هو تطبيق الحديث الشريف ''إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن''.

الكاتب:-
د. عبدالرحمن الطريري