الجبل
03-10-2012, Wed 12:05 AM
شعور متنامٍ بأن ازدهار 8 أعوام شارف على النهاية
بعد أن انفجرت فقاعة الدوت كوم على نحو مذهل في 2001/2000، مرت صناعة التكنولوجيا بسنوات قليلة كئيبة، تلاها مسار مذهل. اذ عادت شركة أبل لتحلق من جديد بعد أن أوشكت على الانهيار، لتصبح في الآونة الأخيرة الشركة الأكثر قيمة في التاريخ. فيما جمع فيسبوك المستخدمين وفتن المستثمرين على مدى سنوات قبل أن تنظم وول ستريت ما يبدو الآن أنه الاكتتاب الأولي المبالغ في تسعيره الى حد كبير.
وقد تحول موضوع التنبؤ بزوال وسائل التواصل الاجتماعي الى خدعة. وقد تكون هناك شركات نجحت وازدهرت (فيسبوك) وأخرى أخفقت (ماي سبيس)، الا أن القطاع نما وتغير بطرق مدهشة لا نهاية لها. عادات جيل واحد على الأقل، وجزء كبير من أجيال أخرى، تغيرت دون رجعة فيما يتعلق بالمشاركة والتوصية وتحديد مكان بعضهم البعض في الواقع. وتزيد الحوسبة السحابية من سرعة التغير التكنولوجي.
تناقض
وفي الوقت الذي تغرق فيه الولايات المتحدة في الركود الاقتصادي، يشهد وادي السيليكون وغيره من جيوب التقنية العالية ازدهارا. لكن الفقاعات يمكن أن تنفجر محدثة دويا كبيرا أو أن تتقلص ببطء وعلى امتداد وقت طويل. وهناك شعور متنام بأن ازدهارا استمر 8 أعوام قد شارف على النهاية.
ديفيد ساكس عمل مديرا للعمليات لدى شركة «باي بال»، قبل أن تباع الى شركة «اي باي» بمبلغ 1.5 مليار دولار عام 2002. وباع هذا العام أحدث شركة أسسها وهي «يامر»، التي تقدم شبكات التواصل الاجتماعي الى الشركات، الى «مايكروسوفت» بمبلغ 1.2 مليار دولار. ويعتبر ساكس واحدا من أكثر رجال الأعمال في وادي السيليكون نفوذا وتأثيرا. وكان كتب في الآونة الأخيرة على حسابه في فيسبوك أنه يعتقد أن «وادي السيليكون الذي نعرفه ربما شارف على النهاية».
وأضاف: انه من أجل تأسيس شركة تكنولوجيا ناجحة «عليك أن تعثر على الفكرة التي: أولا، فات على شركات التكنولوجيا الرئيسية، التي باتت تدار بصورة أفضل من السابق، الانتباه اليها. ثانيا، أن تكون قادرة على اطلاقها وأن تحقق البذرة النموذجية لاطلاق شركة عند حوالي 5 ملايين دولار، اضافة الى سلسلة من الاستثمارات. وثالثا، أن تكون محمية من هجوم الشركات الكبيرة عليها عندما تدرك تلك الشركات ما أنت مقبل عليه. فكم تبقى من أفكار على تلك الشاكلة؟».
الرد الأقوى على تلك التعليقات جاء من مارك أندريسن، أحد أكثر المستثمرين المخاطرين قوة في الوادي. فكما يقول أندريسن: «ان الشركات الكبيرة التي يخشاها ساكس غير قادرة على الخروج بابتكار ناجح. فكلما أديرت بشكل أفضل، كان لديها ما تخسره، وبالتالي أصبحت أقل تقبلا للتغيير. الابتكار سيبقى حكرا على الشركات المبتدئة الذكية والمزعجة».
وادٍ محيّر
ومن الممكن أن يكون كل من اندريسن وساكس على حق. فوادي السيليكون اليوم محير، بالنسبة لمن يعيش هناك بقدر ما هي الحال بالنسبة لمن ينظرون اليه من بعيد. ويظل فيسبوك، حتى بعد أن تراجع سعر السهم بنسبة %50 منذ الاكتتاب الأولي في مايو، قصة استثنائية في مبادرة الأعمال. لكن يمكن أن تبدو أيضا كالغش والاحتيال.
فالمعلنون يحبون فيسبوك، لكنهم غير قادرين على معرفة كيف يستخدمونه لبيع منتجاتهم. وأولئك الذين يعرفون الشركة حق المعرفة يبدون متحمسين جدا لبيع أسهمها. بيتر تيل، الذي استثمر 500 ألف دولار في 2004، باع ملكيته الكاملة تقريبا بمبلغ قريب من مليار دولار. صحيح أنه كسب عائدا كبيرا جدا بيد أن هذا الفعل لا ينجم عمن يؤمن حقيقة بفيسبوك.
وتواصل «أبل» جني الأموال كما لو كانت آلة مكسورة للقطع النقدية، وربما تصبح قريبا أول شركة في العالم تبلغ قيمتها السوقية تريليون دولار. لكنها بالتأكيد باتت أقل إثارة وبريقا من دون مؤسسها الراحل ستيف جوبس. العروض الجديدة جميلة لكنها حتما ليست آيفون وآيباد.
تكنولوجيا غير عادية
وهو ما يشير الى مشكلة أكثر عمقا، ألمح اليها أندريسن وساكس. فحتى تبنى شركة تكنولوجيا كبيرة في فضاء جديد، لا يمكنك أن تكون عاديا. وهذا هو بالضبط ما يشعر به الكثير من الشركات المبتدئة وبعض شركات التكنولوجيا الكبيرة حاليا. اذ أن 10 تطبيقات من أصل 15 أفضل تطبيق مدفوع الثمن على آي تيون في الآونة الأخيرة كانت تطبيقات خاصة بالألعاب. أما بالنسبة لجميع اعلانات أبل التجارية التي تظهر الناس وهم يقومون بأمور ذكية وعلمية بأجهزتها، فان ما يقوم به معظم الناس هو أنهم يستخدمون أجهزتها للعب لعبة أنغري بيردس بدلا من حل مشكلات العالم.
منذ اندلاع الأزمة المالية يبدو أن جميع طلاب الماجستير في ادارة الأعمال وزملائهم في السكن باتوا يرتدون سترات ذات غطاء الرأس، ويدخلون في مسابقات لضمان التمويل لفكرة تطبيق تافه. وقد تم تحريضهم من قبل من يقدمون الدعم لمبادرات الأعمال والموجهين والممولين أو حاضنات المشاريع أو المدرسين المتحمسين، لكنهم يكونون في بعض الأحيان غير صادقين وهتافين ليس أكثر.
من الناحية النظرية لم يكن أمر تأسيس شركة للتكنولوجيا أسهل مما هو عليه الآن. إذ أصبح من السهل الوصول الى الأسواق العالمية من خلال كبسة زر، وتكاليف البنية التحتية باتت جزءا يسيرا مما كانت عليه قبل عقد من الزمن. لكن الأفكار العظيمة المنفذة بشكل جيد تبقى نادرة كما هي حالها دائما. ولعل ريادة الأعمال قد تم دمقرطتها، لكن مع ذلك قليلون هم القادرون على الاستفادة منها جديا. فإذا ما انهارت الألعاب على الفيسبوك والصفقات اليومية على ملابس المصممين العالميين أو التطبيقات التي تحدد موقع أصدقائنا في الحانات، قليلون هم الذين سيحزنون عليها أو مشتقاتها المقصورة على فئة معينة. لأن هذه الفقاعة موجهة الى هوامش حياتنا وليس جوهرها.
ان ساكس محق في قوله: ان حقبة في وادي السيلكون في طور النهاية، تستنزف وتفرغ ببطء بدلا من أن تنفجر. لكن أندريسن محق أيضا باحتفاظه بإيمانه بالمبتكرين والشركات المبتدئة. ليس هناك معني لكون المرء جزءا من صناعة التكنولوجيا سواء في لندن أو نيويورك أو سان فرانسيسكو ما لم يدرك أن الفقاعات أمر حتمي ولا مفر منها، لكن عليك أن تثق بأن الفقاعة التالية دائما تكون أفضل من سابقتها.
■ فايننشال تايمز ■
بعد أن انفجرت فقاعة الدوت كوم على نحو مذهل في 2001/2000، مرت صناعة التكنولوجيا بسنوات قليلة كئيبة، تلاها مسار مذهل. اذ عادت شركة أبل لتحلق من جديد بعد أن أوشكت على الانهيار، لتصبح في الآونة الأخيرة الشركة الأكثر قيمة في التاريخ. فيما جمع فيسبوك المستخدمين وفتن المستثمرين على مدى سنوات قبل أن تنظم وول ستريت ما يبدو الآن أنه الاكتتاب الأولي المبالغ في تسعيره الى حد كبير.
وقد تحول موضوع التنبؤ بزوال وسائل التواصل الاجتماعي الى خدعة. وقد تكون هناك شركات نجحت وازدهرت (فيسبوك) وأخرى أخفقت (ماي سبيس)، الا أن القطاع نما وتغير بطرق مدهشة لا نهاية لها. عادات جيل واحد على الأقل، وجزء كبير من أجيال أخرى، تغيرت دون رجعة فيما يتعلق بالمشاركة والتوصية وتحديد مكان بعضهم البعض في الواقع. وتزيد الحوسبة السحابية من سرعة التغير التكنولوجي.
تناقض
وفي الوقت الذي تغرق فيه الولايات المتحدة في الركود الاقتصادي، يشهد وادي السيليكون وغيره من جيوب التقنية العالية ازدهارا. لكن الفقاعات يمكن أن تنفجر محدثة دويا كبيرا أو أن تتقلص ببطء وعلى امتداد وقت طويل. وهناك شعور متنام بأن ازدهارا استمر 8 أعوام قد شارف على النهاية.
ديفيد ساكس عمل مديرا للعمليات لدى شركة «باي بال»، قبل أن تباع الى شركة «اي باي» بمبلغ 1.5 مليار دولار عام 2002. وباع هذا العام أحدث شركة أسسها وهي «يامر»، التي تقدم شبكات التواصل الاجتماعي الى الشركات، الى «مايكروسوفت» بمبلغ 1.2 مليار دولار. ويعتبر ساكس واحدا من أكثر رجال الأعمال في وادي السيليكون نفوذا وتأثيرا. وكان كتب في الآونة الأخيرة على حسابه في فيسبوك أنه يعتقد أن «وادي السيليكون الذي نعرفه ربما شارف على النهاية».
وأضاف: انه من أجل تأسيس شركة تكنولوجيا ناجحة «عليك أن تعثر على الفكرة التي: أولا، فات على شركات التكنولوجيا الرئيسية، التي باتت تدار بصورة أفضل من السابق، الانتباه اليها. ثانيا، أن تكون قادرة على اطلاقها وأن تحقق البذرة النموذجية لاطلاق شركة عند حوالي 5 ملايين دولار، اضافة الى سلسلة من الاستثمارات. وثالثا، أن تكون محمية من هجوم الشركات الكبيرة عليها عندما تدرك تلك الشركات ما أنت مقبل عليه. فكم تبقى من أفكار على تلك الشاكلة؟».
الرد الأقوى على تلك التعليقات جاء من مارك أندريسن، أحد أكثر المستثمرين المخاطرين قوة في الوادي. فكما يقول أندريسن: «ان الشركات الكبيرة التي يخشاها ساكس غير قادرة على الخروج بابتكار ناجح. فكلما أديرت بشكل أفضل، كان لديها ما تخسره، وبالتالي أصبحت أقل تقبلا للتغيير. الابتكار سيبقى حكرا على الشركات المبتدئة الذكية والمزعجة».
وادٍ محيّر
ومن الممكن أن يكون كل من اندريسن وساكس على حق. فوادي السيليكون اليوم محير، بالنسبة لمن يعيش هناك بقدر ما هي الحال بالنسبة لمن ينظرون اليه من بعيد. ويظل فيسبوك، حتى بعد أن تراجع سعر السهم بنسبة %50 منذ الاكتتاب الأولي في مايو، قصة استثنائية في مبادرة الأعمال. لكن يمكن أن تبدو أيضا كالغش والاحتيال.
فالمعلنون يحبون فيسبوك، لكنهم غير قادرين على معرفة كيف يستخدمونه لبيع منتجاتهم. وأولئك الذين يعرفون الشركة حق المعرفة يبدون متحمسين جدا لبيع أسهمها. بيتر تيل، الذي استثمر 500 ألف دولار في 2004، باع ملكيته الكاملة تقريبا بمبلغ قريب من مليار دولار. صحيح أنه كسب عائدا كبيرا جدا بيد أن هذا الفعل لا ينجم عمن يؤمن حقيقة بفيسبوك.
وتواصل «أبل» جني الأموال كما لو كانت آلة مكسورة للقطع النقدية، وربما تصبح قريبا أول شركة في العالم تبلغ قيمتها السوقية تريليون دولار. لكنها بالتأكيد باتت أقل إثارة وبريقا من دون مؤسسها الراحل ستيف جوبس. العروض الجديدة جميلة لكنها حتما ليست آيفون وآيباد.
تكنولوجيا غير عادية
وهو ما يشير الى مشكلة أكثر عمقا، ألمح اليها أندريسن وساكس. فحتى تبنى شركة تكنولوجيا كبيرة في فضاء جديد، لا يمكنك أن تكون عاديا. وهذا هو بالضبط ما يشعر به الكثير من الشركات المبتدئة وبعض شركات التكنولوجيا الكبيرة حاليا. اذ أن 10 تطبيقات من أصل 15 أفضل تطبيق مدفوع الثمن على آي تيون في الآونة الأخيرة كانت تطبيقات خاصة بالألعاب. أما بالنسبة لجميع اعلانات أبل التجارية التي تظهر الناس وهم يقومون بأمور ذكية وعلمية بأجهزتها، فان ما يقوم به معظم الناس هو أنهم يستخدمون أجهزتها للعب لعبة أنغري بيردس بدلا من حل مشكلات العالم.
منذ اندلاع الأزمة المالية يبدو أن جميع طلاب الماجستير في ادارة الأعمال وزملائهم في السكن باتوا يرتدون سترات ذات غطاء الرأس، ويدخلون في مسابقات لضمان التمويل لفكرة تطبيق تافه. وقد تم تحريضهم من قبل من يقدمون الدعم لمبادرات الأعمال والموجهين والممولين أو حاضنات المشاريع أو المدرسين المتحمسين، لكنهم يكونون في بعض الأحيان غير صادقين وهتافين ليس أكثر.
من الناحية النظرية لم يكن أمر تأسيس شركة للتكنولوجيا أسهل مما هو عليه الآن. إذ أصبح من السهل الوصول الى الأسواق العالمية من خلال كبسة زر، وتكاليف البنية التحتية باتت جزءا يسيرا مما كانت عليه قبل عقد من الزمن. لكن الأفكار العظيمة المنفذة بشكل جيد تبقى نادرة كما هي حالها دائما. ولعل ريادة الأعمال قد تم دمقرطتها، لكن مع ذلك قليلون هم القادرون على الاستفادة منها جديا. فإذا ما انهارت الألعاب على الفيسبوك والصفقات اليومية على ملابس المصممين العالميين أو التطبيقات التي تحدد موقع أصدقائنا في الحانات، قليلون هم الذين سيحزنون عليها أو مشتقاتها المقصورة على فئة معينة. لأن هذه الفقاعة موجهة الى هوامش حياتنا وليس جوهرها.
ان ساكس محق في قوله: ان حقبة في وادي السيلكون في طور النهاية، تستنزف وتفرغ ببطء بدلا من أن تنفجر. لكن أندريسن محق أيضا باحتفاظه بإيمانه بالمبتكرين والشركات المبتدئة. ليس هناك معني لكون المرء جزءا من صناعة التكنولوجيا سواء في لندن أو نيويورك أو سان فرانسيسكو ما لم يدرك أن الفقاعات أمر حتمي ولا مفر منها، لكن عليك أن تثق بأن الفقاعة التالية دائما تكون أفضل من سابقتها.
■ فايننشال تايمز ■