نجل الرياض
31-08-2011, Wed 4:46 PM
بتاريخ 16 اغسطس من عام 1969 الساعه الثانيه ظهرا غادرت ميناء جده البحرى السفينه المملوكه
لشركة الملاحه البحريه
ومن ضمن ركابها محسوبكم وكنت صغيرا انذاك والوالد والوالده رحمهما الله واسكنهما فسيح جناته وبقية الاسره الكريمه
وكان تعدادنا جميعا العشرة افراد متجهين الى الحبشه والتى كانت تسمى انذاك واريتريا كما تسمى
اليوم .
كان ربان المركب يونانى الجنسيه ومساعده من الجنسيه نفسها وكان الربان من ضخامته يلفت الانتباه
عندما كان يمر من امامنا لدرجه كان الوالد يطلق عليه ( بعرة الفيل ) من شدة ضخامته ونتانة رائحته عندما
يقف امامك .
كنا نودع مدينة جده وهى تذوب من امامنا رويدا رويدا حتى اختفت معالمها وصار البحر يلفنا من الجهات
الاربع
كان البحر هادئا وكنا جميعا نجلس على سطح الباخره الا من غرفة واحده تفضل البحارين من اخلائها
بعد معرفتهم بأننا الوحيدون السعوديين فى تلك الرحله وتفهما لعاداتنا وتقاليدنا فى تستر النساء
وكان بقية الركاب من الجنسيه الحبشيه
كانت الغرفة لا تتسع لأكثر من شخصين من الحجم المتوسط
لم تمضى علينا الا ساعات حتى اظلنا الليل بسكونه الموحش وظلامه الدامس الا من لمعان النجوم حين
توجيه اعيننا الى السماء ناظرين الى ابداع الخالق عز وجل
وسماع هدير الامواج ومحركات السفينه وهى تمخر عباب البحر الآحمر
لم تكن هناك اى خدمات على السفينه سوى صنبور من الماء الحلو لشرب الركاب
وكان كل واحد منهم قد جهز نفسه قبل السفر بزاده الذى يكفيه مابين ثلاثة الى اربعة ايام
وقد كنا قد تزودنا ولله الحمد بكل ما نحتاجه لتلك الرحله
كان يحكم الحبشة انذاك وقبل انفصال ارتيريا عنها الأمبراطور هيلا سيلا سى
كان نصرانى المله يهودى الآنتماء دكتاتوريا متغطرسا لدرجه العبوديه
وكنت ترى جموع مواطنيه تقوم بالسجود له حين مرور موكبه من امامهم والعياذ بالله
وهذه عادات الأحباش عند تحية ملوكهم
امضينا ثلاثة ايام بلياليهن فى الطريق الى ميناء مصوع
ولم يكن المركب من الكبر كالذى نراه الآن فى احجام البواخر فالمركب الذى سافرنا فيه اقرب الى سفينة شحن
منها الى سفينة ركاب ولذلك كنا طيلة فتره السفر نسكن سطح الباخره ما عدا الغرفه التى ذكرناها
فى الحلقه السابقه والتى خصصناها للوالده رحمها الله واخواتى الأناث
لم نذق طيلة ثلاثة ايام متعة طعم الزاد ليس من قلة الطعام او ندرته ولكن كل ما دخل جوفنا شئ
اخرجه دوار البحر والذى لم نكن متعودين عليه ولم يكن يواسينا انذاك الا روية دلافين البحر تشاركنا الطريق
جوار الباخره وعليها ابتسامة تقول لا تخافوا فالله ثم نحن معكم
بعد ثلاثة ايام اعلن القبطان قربنا من ميناء مصوع وما هى الا بعض الساعات حتى بدئنا نرى
اطلال القاره الافريقيه امامنا .
وصلنا ميناء مصوع قرب المغرب ولم نستطع دخول الميناء الا بعد غروب الشمس وحسب القوانين هناك
علينا تمضية تلك الليله على الباخره والدخول الى الميناء فى صبيحة اليوم التالى
استيقظنا فى صباح اليوم التالى على اصوات العاملين فى الميناء بعد ان قام ربان السفينه بالدخول الى
الميناء دون ان نشعر من شدة الارهاق والتعب .
قمنا بختم جوازات السفر وقام الوالد رحمة الله عليه بأستئجار حافله صغيره كانت تسمى فى ذلك الزمان
( انيسه ) وهى من نوع فلوكسواجن
كان هنا نوع آخر من المواصلات وهى قطار سكة الحديد ولكن من النوع البخارى الذى يقطع نفسك حتى
توصل الى هدفك او مبتغاك .
كانت العمله النقديه فى تلك الحقبه تسمى الدولار الحبشى وكان قيمته ريالين الا ربع سعودى
مصوع تعتبر من اقدم المدن الساحليه على البحر الاحمر وكان لها شأن كبير اثناء الأحتلال الايطالى
للحبشه وهى تشبه الى حد كبير مدينه جده ايام زماااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااان
وتشعر عندما تمشى فى مدينة مصوع انك فى حوارى وازقة مدينة جده
مع ارتفاعات الجبل بدءت السياره تتلكأ فى الصعود وكنا كلما
وقفت فى منتصف الطريق ينزل السائق ويقوم بالنفخ فى فتحة
البنزين بغية دفع البنزين الى الماطور .
وهكذا حتى وصلنا اسمره بعد اكثر من سته ساعات وبعد طلوع
الروح.
بحث الوالد رحمة الله عليه على فندق حتى توصلنا الى فندق فى
شارع الرابطه يسمى فندق الرابطه.
كان هناك مسجد مشهور فى نفس الشارع يسمى مسجد الرابطه
يتجمع فيه زوار اسمره انذاك من السعوديين والأخوه الحضارم
من اليمن الجنوبى
وذلك لكثرة الجاليه من اليمن الجنوبى هناك واستقرارهم وتجارتهم
انذاك حتى كانوا ينافسون الجاليه الآيطاليه والتى استحوذت على
الأقتصاد والتجاره بحكم الأستعمار الايطالى للحبشه
حتى كان التزاوج على قدم وساق مابين الذكور من الأيطاليين
والأناث من الحبشيات
والناتج كان يطلق عليه اللون القمحى وما يسمى ( حنفصيه )
كان الوالد ملتزما ولله الحمد وذلك ما حداه بالسكن جوار ذلك
المسجد
ولكن فوجئنا ان الفندق لم يكن بالمستوى نفسه فبعد ان سكنا فيه
ووضعنا
رحالنا فى غرفتين متجاورتين
كانت رواد واصحاب الفندق ترمقنا بأعينهن
واكتشفنا اجابة تلك الحيره فى اليوم الثانى وذلك عندما فوجئ
الوالد ان ساكنى ذلك الفندق لم يكن الا من طالبى النزوات واللحم
الأسمر
فكان كلما قام الوالد او احد اخوانى الكبار بالدخول لدورات المياه
والتى كانت مشتركه تجد من يسبقهن من الجنس الناعم فى
محاولة الدخول معهم رغبة فى الأغراء
حسبنا الله ونعم الوكيل .
اكتشف الوالد ذلك واخذ قراره بسرعه بوجوب مغادرتنا الفندق
على وجه السرعه .
ولحسن الحظ ان الوالد قد تعرف على رجل اعمال من اليمن
الجنوبى فى المسجد واشار عليه ان ينتقل
الى فيلته والتى كان يؤجرها على العوائل السعوديين القادمين
للسياحه
انتقلنا للسكن فى الفيلا التى تم استئجارها من رجل الاعمال المذكور ولقد كان قمة فى الشهامه
والكرم فلم تكن فله كما توقعنا وانما كان قصرا مشيدا على مساحه واسعه جدا عدد غرفه اكثر من اثنى
عشر غرفه بمنافعها من حمامات ومطابخ وحديقه كبيره جدا مطله على ارقى منطقه فى اسمره
ومسبح كبير .
اضافة الى خادمتين اتذكر اسميهما حتى اليوم واحده اسمها مريم والثانيه اسمها نيقستى
وحارس على مدخل القصر على مدار الساعه
كان ايجار ذلك القصر بمئة دولار فى اليوم
قمة المتعه والخصوصيه والرفاهيه
كنا نذبح خروف كل يوم وكان سعره لا يتجاوز الخمس وعشرون ريال سعودى
لم نرى الشمس الا ايام معدودات وكانت الامطار يوميا تبدء من منتصف اليوم ولا تنتهى الا عند الغروب
تقوم الخادمتين بتتبيل الخروف على الطريقه الحبشيه وبمساعدة الحارس يتم وضعه على سيخ الشواء فى
الحديقه وكلنا حوله ( افواه وارانب ) ننتظر انتهاء شيه لنستمتع بمذاقه الطازج فى ذلك الجو الغائم احيانا
والممطر تارة.
اما الفواكهه فلا تحتاج الى شرائها فالحديقه مليئه باشجار الحمضيات والخوخ وبقية انواع الفواكهه
التى يسيل لها اللعاب
واما لو رغبنا فى التتغيير فالبطيخ على ظهر من يشيل وبتراب الفلوس او اقفاص البرشومى
السكرى المذاق كان سعر القفص مع تقشيره لا يتجاوز الريال واحد
ما هذه النعمه والخير الذى تنعمنا فيه وشكرنا الواهب وحمدناه ان انعم علينا بالصحة والمال
لم نشاهد التلفاز طيلة فتره بقائنا فى اسمره وكان جل اهتمامنا ان نرى ملكوت الله
والطبيعه البكر التى من الله بها على هذا الشعب
كنا نستمتع بيومنا كاملا من طلوع الفجر الى غروب الشمس الا من بعض الشقاوات البريئه التى
تجاوزنا بها على الخادمتين بعنادهن وجر شعورهن ولقد كنا صغار السن انذاك وكن هم اى الخادمات
يتقبلهن بالابتسامه والضحك.
كانت المنطقه التى كنا نسكن فيها غالبها من تلك الفلل الراقيه وكان الكثير من سكانها من الجنسيه الايطاليه او من كبار التجار العرب
وكانت قريبه من الشارع الرئيسى فى اسمره وهو شارع الملك هيلاسيلاسى
كانت هناك كنيسه مشهوره اثريه بناها الايطاليين ابان الحكم الايطالى للحبشه وكان يرتادها السياح
بشكل مكثف وكانت اجراسها تقرع كل احد ويسمعها غالبية سكان اسمره المجاورين لها :
كان صاحب الفيلا كما اسلفت تاجر عربى من اليمن الجنوبى من منطقة عدن وهاجر الى الحبشه واستقر
فيها وتزوج من امرأه ايطاليه وانجب ابنا كان حينها فى الثانيه عشر من العمر مؤدبا لبقا مثل ابيه ساعدنا
كثيرا على حل مشكلة اللغه وعرفنا على الكثير من الأماكن التى كنا نجهلها فى اسمره .
كان يقول لنا ان فترة الشتاء عندهم فى اسمره قاسية البروده ولم نصدق ان نسمع بنزول الثلج فى
اسمره حتى ارانا بعض الصور التى تبين نزول الثلج فى مدينة اسمره .
كانت والدتى رحمها الله تعانى من مرض الغده الدرقيه وأشاروا على والدى رحمه الله بالعلاج فى الحبشه وبالذات
فى المستشفى الأيطالى الذى كان يعتبر فى تلك الحقبه افضل
مستشفى فى القاره الأفريقيه
وكان الأطباء وغالبية فريق التمريض من الجنسيه الايطاليه :
تم ادخال والدتى الى المستشفى للعلاج وامكانية اجراء عمليه
جراحيه لها ومكثت تعالج هناك اكثر من اسبوع لم يرق لها
الحال واصرت على عدم اجراء العمليه واكتفت بالعلاج تخوفا
من مضاعفات العمليات .
وكان هذا ديدن امهاتنا فى تلك الفتره والذى كان مبنيا على
اعتقادات المخاطره ولا نلومهن فى ذلك
بسبب معرفتنا بتدنى مستوى الطب فى بلداننا انذاك .
خرجت من المستشفى وآثرت البقاء مكتفية بالتمتع بالجو
والطبيعه والخير الوفير الموجود فى اسمره
اخى الأكبر كان له شأن آخر فلقد تعلق حتى النخاع بشابه
ايطاليه تعرف عليها فى المستشفى والتى كانت تزور احد
اقاربها هناك.
وكانت تقيم فى اسمره هى وعائلتها وكان والدها
رجل اعمال لديه محل تحف وهدايا وانتيكات فى وسط مدينة
اسمره .
واصر على الوالد ان يزوجه اياها وكان عمر اخى فى تلك
الأيام لم يتجاوز الثامنه عشر من العمر
ولقد كانت هى تكبره بعامين .
ولو تمعنا فى واقعنا فى تلك الفتره لعذرنا اخى فيما ذهب اليه
فلم يكن متعودا على رؤية اللحم الأبيض
والشعر الأشقر والعيون الزرقاء فى السعوديه بحكم عادتنا
وتقاليدنا وقيمنا الأسلاميه .
ولكن الطيش والهوى غلب عليه وحداثة سنه دفعت به الى
الأصرار امام الوالد على طلبه
اخى كان يجيد الأنجليزيه وما كدب خبر وما صدق انها كانت
تتردد على المستشفى
ما قصر اخذ عنوانها وعنوان والدها
ومما زاد من اصراره انها استلطفته وفتحت معه باب للحوار
والملاطفه ,,,,
الوالد كان حكيما هادئا فى تصرفاته وعد اخى بالذهاب الى
والدها والتعرف عليه .
اخى كان مولعا بالبنيه الايطاليه لدرجه الهيام ولعلى اذكر هنا
من باب العلم كيف صنف العرب درجات الحب :
(الحب) وهو نقيض البغض والمحبه هي غليان القلب وثورانه عند الاهتياج الى لقاء المحبوب
(الصبابه):وهي الشوق
(الهوى) محبة الانسان للشيء وغلبته على قلبه
(العلاقه) هي الحب والهوى الملازم ابداً للقلب
(الجوى)تحول الحب الى داء طويل الأمد
(الخلة) الخليل هو المحب الذي ليس في محبته خلل
(الكلف) الولوع بالشيء مع شغل القلب ومشقته
(العشق)فرط الحب واذا صح ان تجاوز المقدار في الحب يعني السعادة فان العشق بمعنى الحب المفرط يكون المعنى الوحيد
السعيد لهذه الكلمة
(الشعف)شعفة الجبل رأسه والشعف هو الحب الشديد الذي يتمكن من سواد القلب
(الشغف) قال تعالى في سورة يوسف(قد شغفها حباً) والشغاف داء في القلب اذا اتصل بالطحال قتل صاحبه
(التيم)ان يستعبده الهوى وهو ذهاب العقل من الهوى
(التبل) رجل متبول:اي اسقمه الهوى .وقلب متبول:اذا غلبه الحب وهيمه
(الدله) ذهاب الفؤاد من هم او نحوه
(الهيام) هو وصول الحب الى درجة الجنون
وهذا ما حصل مع اخى بالضبط
حاول الوالد والوالده ثنيه عن عزمه ولكن ذهبت محاولاتهما
ادراج الرياح ولم يكن لهما بد من اخذ موعد من والد السنفوره
وكان ذلك .
طبعا اخى لم تسعه الدنيا من الفرح وقام بتجهيز نفسه للزياره الميمونه
بالطبع لم نكن نعرف العنوان ولتسهيل وصولنا فى اليوم
والموعد المحدد قام والدها بارسال سيارته الخاصه مع سائقه
الحبشى لينقل الوالد والوالده واخى ومحسوبكم بعد اصرارى
بالذهاب معهم ومن خلال توسط والدتى عند الوالد رحمهما الله
لا اخفى عليكم ان منزلهما كان كقصر مشيد من سعته وحديقته الغناء وموقعه .
وكانوا جميعا فى استقبالنا ولم يغب عن ذهن الوالد ان يطلب
من صاحب الفله التى استأجرناها اصطحابنا بعد ان شرح له
مقصدنا وكذلك لتسهيل عملية الترجمه لو اقتضى الأمر .
كان الوقت بعد الظهر وتم اجلاسنا فى الحديقه وكنت اتذكر
الجو بطبعه اليومى كان غائما .
بدء التعارف بهز الرؤوس بسبب ان الوالده كانت لا تعرف اى
من لغاتهم لا الايطاليه ولا الانجليزيه ولا الحبشيه
فأكتفت بالأبتسامه مع كل نظره وهز الرأس مع كل تحيه .
وتركت الأمر برمته للوالد ليقوم بما يمليه عليه الموقف .
وكل شويه يستدير الوالد صوب اخى لائما قائلا : الله يهديك يا
ولدى احرجتنا مع الناس .
العائله كانت لطيفه ومهذبه ولقد جاملونا بشكل كبير .
وكان التعارف .
الوالد بلغته الأنجليزيه وصديق الوالد بلغته الايطاليه التى
يجيدها والعائله الأيطاليه من الام والأب والسنفوره
بخليط اللغتين .
واخى اضاف نظراته للبنيه بشىء من اللهفه والتودد .
والوالده كل شويه تلتفت وتعلق ايش بتقولوا ..................
العائله تعتنق المسيحيه ونحن على ملتنا الاسلاميه ولله الحمد
وكان الحديث فى سياقه يتمحور عن الديانتين .
كان والدها كما افدت سابقا تاجرا والوالد كان كذلك ومن ثم بدء
الحديث يدخل هذا الحيز من النقاش .
لم يكن هناك ممانعة من والد البنت فى موضوع الزواج خاصة
عندما عرف ان اخى سوف يكمل تعليمه خارج المملكه
ولكن والدها اصر على ان يأخذ الأثنين وقتهما الكافى فى
التعارف حسب تقاليدهم .
وقاموا بواجب الضيافه على اكمل وجه .
اخى عجبته الفكره فى مزيدا من التعارف وتدخل مؤكدا للوالد
ومبررا ان هذه اصولهم فلا مانع من ذلك .
يتبع ، ( عذراً للإطاله )
لشركة الملاحه البحريه
ومن ضمن ركابها محسوبكم وكنت صغيرا انذاك والوالد والوالده رحمهما الله واسكنهما فسيح جناته وبقية الاسره الكريمه
وكان تعدادنا جميعا العشرة افراد متجهين الى الحبشه والتى كانت تسمى انذاك واريتريا كما تسمى
اليوم .
كان ربان المركب يونانى الجنسيه ومساعده من الجنسيه نفسها وكان الربان من ضخامته يلفت الانتباه
عندما كان يمر من امامنا لدرجه كان الوالد يطلق عليه ( بعرة الفيل ) من شدة ضخامته ونتانة رائحته عندما
يقف امامك .
كنا نودع مدينة جده وهى تذوب من امامنا رويدا رويدا حتى اختفت معالمها وصار البحر يلفنا من الجهات
الاربع
كان البحر هادئا وكنا جميعا نجلس على سطح الباخره الا من غرفة واحده تفضل البحارين من اخلائها
بعد معرفتهم بأننا الوحيدون السعوديين فى تلك الرحله وتفهما لعاداتنا وتقاليدنا فى تستر النساء
وكان بقية الركاب من الجنسيه الحبشيه
كانت الغرفة لا تتسع لأكثر من شخصين من الحجم المتوسط
لم تمضى علينا الا ساعات حتى اظلنا الليل بسكونه الموحش وظلامه الدامس الا من لمعان النجوم حين
توجيه اعيننا الى السماء ناظرين الى ابداع الخالق عز وجل
وسماع هدير الامواج ومحركات السفينه وهى تمخر عباب البحر الآحمر
لم تكن هناك اى خدمات على السفينه سوى صنبور من الماء الحلو لشرب الركاب
وكان كل واحد منهم قد جهز نفسه قبل السفر بزاده الذى يكفيه مابين ثلاثة الى اربعة ايام
وقد كنا قد تزودنا ولله الحمد بكل ما نحتاجه لتلك الرحله
كان يحكم الحبشة انذاك وقبل انفصال ارتيريا عنها الأمبراطور هيلا سيلا سى
كان نصرانى المله يهودى الآنتماء دكتاتوريا متغطرسا لدرجه العبوديه
وكنت ترى جموع مواطنيه تقوم بالسجود له حين مرور موكبه من امامهم والعياذ بالله
وهذه عادات الأحباش عند تحية ملوكهم
امضينا ثلاثة ايام بلياليهن فى الطريق الى ميناء مصوع
ولم يكن المركب من الكبر كالذى نراه الآن فى احجام البواخر فالمركب الذى سافرنا فيه اقرب الى سفينة شحن
منها الى سفينة ركاب ولذلك كنا طيلة فتره السفر نسكن سطح الباخره ما عدا الغرفه التى ذكرناها
فى الحلقه السابقه والتى خصصناها للوالده رحمها الله واخواتى الأناث
لم نذق طيلة ثلاثة ايام متعة طعم الزاد ليس من قلة الطعام او ندرته ولكن كل ما دخل جوفنا شئ
اخرجه دوار البحر والذى لم نكن متعودين عليه ولم يكن يواسينا انذاك الا روية دلافين البحر تشاركنا الطريق
جوار الباخره وعليها ابتسامة تقول لا تخافوا فالله ثم نحن معكم
بعد ثلاثة ايام اعلن القبطان قربنا من ميناء مصوع وما هى الا بعض الساعات حتى بدئنا نرى
اطلال القاره الافريقيه امامنا .
وصلنا ميناء مصوع قرب المغرب ولم نستطع دخول الميناء الا بعد غروب الشمس وحسب القوانين هناك
علينا تمضية تلك الليله على الباخره والدخول الى الميناء فى صبيحة اليوم التالى
استيقظنا فى صباح اليوم التالى على اصوات العاملين فى الميناء بعد ان قام ربان السفينه بالدخول الى
الميناء دون ان نشعر من شدة الارهاق والتعب .
قمنا بختم جوازات السفر وقام الوالد رحمة الله عليه بأستئجار حافله صغيره كانت تسمى فى ذلك الزمان
( انيسه ) وهى من نوع فلوكسواجن
كان هنا نوع آخر من المواصلات وهى قطار سكة الحديد ولكن من النوع البخارى الذى يقطع نفسك حتى
توصل الى هدفك او مبتغاك .
كانت العمله النقديه فى تلك الحقبه تسمى الدولار الحبشى وكان قيمته ريالين الا ربع سعودى
مصوع تعتبر من اقدم المدن الساحليه على البحر الاحمر وكان لها شأن كبير اثناء الأحتلال الايطالى
للحبشه وهى تشبه الى حد كبير مدينه جده ايام زماااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااان
وتشعر عندما تمشى فى مدينة مصوع انك فى حوارى وازقة مدينة جده
مع ارتفاعات الجبل بدءت السياره تتلكأ فى الصعود وكنا كلما
وقفت فى منتصف الطريق ينزل السائق ويقوم بالنفخ فى فتحة
البنزين بغية دفع البنزين الى الماطور .
وهكذا حتى وصلنا اسمره بعد اكثر من سته ساعات وبعد طلوع
الروح.
بحث الوالد رحمة الله عليه على فندق حتى توصلنا الى فندق فى
شارع الرابطه يسمى فندق الرابطه.
كان هناك مسجد مشهور فى نفس الشارع يسمى مسجد الرابطه
يتجمع فيه زوار اسمره انذاك من السعوديين والأخوه الحضارم
من اليمن الجنوبى
وذلك لكثرة الجاليه من اليمن الجنوبى هناك واستقرارهم وتجارتهم
انذاك حتى كانوا ينافسون الجاليه الآيطاليه والتى استحوذت على
الأقتصاد والتجاره بحكم الأستعمار الايطالى للحبشه
حتى كان التزاوج على قدم وساق مابين الذكور من الأيطاليين
والأناث من الحبشيات
والناتج كان يطلق عليه اللون القمحى وما يسمى ( حنفصيه )
كان الوالد ملتزما ولله الحمد وذلك ما حداه بالسكن جوار ذلك
المسجد
ولكن فوجئنا ان الفندق لم يكن بالمستوى نفسه فبعد ان سكنا فيه
ووضعنا
رحالنا فى غرفتين متجاورتين
كانت رواد واصحاب الفندق ترمقنا بأعينهن
واكتشفنا اجابة تلك الحيره فى اليوم الثانى وذلك عندما فوجئ
الوالد ان ساكنى ذلك الفندق لم يكن الا من طالبى النزوات واللحم
الأسمر
فكان كلما قام الوالد او احد اخوانى الكبار بالدخول لدورات المياه
والتى كانت مشتركه تجد من يسبقهن من الجنس الناعم فى
محاولة الدخول معهم رغبة فى الأغراء
حسبنا الله ونعم الوكيل .
اكتشف الوالد ذلك واخذ قراره بسرعه بوجوب مغادرتنا الفندق
على وجه السرعه .
ولحسن الحظ ان الوالد قد تعرف على رجل اعمال من اليمن
الجنوبى فى المسجد واشار عليه ان ينتقل
الى فيلته والتى كان يؤجرها على العوائل السعوديين القادمين
للسياحه
انتقلنا للسكن فى الفيلا التى تم استئجارها من رجل الاعمال المذكور ولقد كان قمة فى الشهامه
والكرم فلم تكن فله كما توقعنا وانما كان قصرا مشيدا على مساحه واسعه جدا عدد غرفه اكثر من اثنى
عشر غرفه بمنافعها من حمامات ومطابخ وحديقه كبيره جدا مطله على ارقى منطقه فى اسمره
ومسبح كبير .
اضافة الى خادمتين اتذكر اسميهما حتى اليوم واحده اسمها مريم والثانيه اسمها نيقستى
وحارس على مدخل القصر على مدار الساعه
كان ايجار ذلك القصر بمئة دولار فى اليوم
قمة المتعه والخصوصيه والرفاهيه
كنا نذبح خروف كل يوم وكان سعره لا يتجاوز الخمس وعشرون ريال سعودى
لم نرى الشمس الا ايام معدودات وكانت الامطار يوميا تبدء من منتصف اليوم ولا تنتهى الا عند الغروب
تقوم الخادمتين بتتبيل الخروف على الطريقه الحبشيه وبمساعدة الحارس يتم وضعه على سيخ الشواء فى
الحديقه وكلنا حوله ( افواه وارانب ) ننتظر انتهاء شيه لنستمتع بمذاقه الطازج فى ذلك الجو الغائم احيانا
والممطر تارة.
اما الفواكهه فلا تحتاج الى شرائها فالحديقه مليئه باشجار الحمضيات والخوخ وبقية انواع الفواكهه
التى يسيل لها اللعاب
واما لو رغبنا فى التتغيير فالبطيخ على ظهر من يشيل وبتراب الفلوس او اقفاص البرشومى
السكرى المذاق كان سعر القفص مع تقشيره لا يتجاوز الريال واحد
ما هذه النعمه والخير الذى تنعمنا فيه وشكرنا الواهب وحمدناه ان انعم علينا بالصحة والمال
لم نشاهد التلفاز طيلة فتره بقائنا فى اسمره وكان جل اهتمامنا ان نرى ملكوت الله
والطبيعه البكر التى من الله بها على هذا الشعب
كنا نستمتع بيومنا كاملا من طلوع الفجر الى غروب الشمس الا من بعض الشقاوات البريئه التى
تجاوزنا بها على الخادمتين بعنادهن وجر شعورهن ولقد كنا صغار السن انذاك وكن هم اى الخادمات
يتقبلهن بالابتسامه والضحك.
كانت المنطقه التى كنا نسكن فيها غالبها من تلك الفلل الراقيه وكان الكثير من سكانها من الجنسيه الايطاليه او من كبار التجار العرب
وكانت قريبه من الشارع الرئيسى فى اسمره وهو شارع الملك هيلاسيلاسى
كانت هناك كنيسه مشهوره اثريه بناها الايطاليين ابان الحكم الايطالى للحبشه وكان يرتادها السياح
بشكل مكثف وكانت اجراسها تقرع كل احد ويسمعها غالبية سكان اسمره المجاورين لها :
كان صاحب الفيلا كما اسلفت تاجر عربى من اليمن الجنوبى من منطقة عدن وهاجر الى الحبشه واستقر
فيها وتزوج من امرأه ايطاليه وانجب ابنا كان حينها فى الثانيه عشر من العمر مؤدبا لبقا مثل ابيه ساعدنا
كثيرا على حل مشكلة اللغه وعرفنا على الكثير من الأماكن التى كنا نجهلها فى اسمره .
كان يقول لنا ان فترة الشتاء عندهم فى اسمره قاسية البروده ولم نصدق ان نسمع بنزول الثلج فى
اسمره حتى ارانا بعض الصور التى تبين نزول الثلج فى مدينة اسمره .
كانت والدتى رحمها الله تعانى من مرض الغده الدرقيه وأشاروا على والدى رحمه الله بالعلاج فى الحبشه وبالذات
فى المستشفى الأيطالى الذى كان يعتبر فى تلك الحقبه افضل
مستشفى فى القاره الأفريقيه
وكان الأطباء وغالبية فريق التمريض من الجنسيه الايطاليه :
تم ادخال والدتى الى المستشفى للعلاج وامكانية اجراء عمليه
جراحيه لها ومكثت تعالج هناك اكثر من اسبوع لم يرق لها
الحال واصرت على عدم اجراء العمليه واكتفت بالعلاج تخوفا
من مضاعفات العمليات .
وكان هذا ديدن امهاتنا فى تلك الفتره والذى كان مبنيا على
اعتقادات المخاطره ولا نلومهن فى ذلك
بسبب معرفتنا بتدنى مستوى الطب فى بلداننا انذاك .
خرجت من المستشفى وآثرت البقاء مكتفية بالتمتع بالجو
والطبيعه والخير الوفير الموجود فى اسمره
اخى الأكبر كان له شأن آخر فلقد تعلق حتى النخاع بشابه
ايطاليه تعرف عليها فى المستشفى والتى كانت تزور احد
اقاربها هناك.
وكانت تقيم فى اسمره هى وعائلتها وكان والدها
رجل اعمال لديه محل تحف وهدايا وانتيكات فى وسط مدينة
اسمره .
واصر على الوالد ان يزوجه اياها وكان عمر اخى فى تلك
الأيام لم يتجاوز الثامنه عشر من العمر
ولقد كانت هى تكبره بعامين .
ولو تمعنا فى واقعنا فى تلك الفتره لعذرنا اخى فيما ذهب اليه
فلم يكن متعودا على رؤية اللحم الأبيض
والشعر الأشقر والعيون الزرقاء فى السعوديه بحكم عادتنا
وتقاليدنا وقيمنا الأسلاميه .
ولكن الطيش والهوى غلب عليه وحداثة سنه دفعت به الى
الأصرار امام الوالد على طلبه
اخى كان يجيد الأنجليزيه وما كدب خبر وما صدق انها كانت
تتردد على المستشفى
ما قصر اخذ عنوانها وعنوان والدها
ومما زاد من اصراره انها استلطفته وفتحت معه باب للحوار
والملاطفه ,,,,
الوالد كان حكيما هادئا فى تصرفاته وعد اخى بالذهاب الى
والدها والتعرف عليه .
اخى كان مولعا بالبنيه الايطاليه لدرجه الهيام ولعلى اذكر هنا
من باب العلم كيف صنف العرب درجات الحب :
(الحب) وهو نقيض البغض والمحبه هي غليان القلب وثورانه عند الاهتياج الى لقاء المحبوب
(الصبابه):وهي الشوق
(الهوى) محبة الانسان للشيء وغلبته على قلبه
(العلاقه) هي الحب والهوى الملازم ابداً للقلب
(الجوى)تحول الحب الى داء طويل الأمد
(الخلة) الخليل هو المحب الذي ليس في محبته خلل
(الكلف) الولوع بالشيء مع شغل القلب ومشقته
(العشق)فرط الحب واذا صح ان تجاوز المقدار في الحب يعني السعادة فان العشق بمعنى الحب المفرط يكون المعنى الوحيد
السعيد لهذه الكلمة
(الشعف)شعفة الجبل رأسه والشعف هو الحب الشديد الذي يتمكن من سواد القلب
(الشغف) قال تعالى في سورة يوسف(قد شغفها حباً) والشغاف داء في القلب اذا اتصل بالطحال قتل صاحبه
(التيم)ان يستعبده الهوى وهو ذهاب العقل من الهوى
(التبل) رجل متبول:اي اسقمه الهوى .وقلب متبول:اذا غلبه الحب وهيمه
(الدله) ذهاب الفؤاد من هم او نحوه
(الهيام) هو وصول الحب الى درجة الجنون
وهذا ما حصل مع اخى بالضبط
حاول الوالد والوالده ثنيه عن عزمه ولكن ذهبت محاولاتهما
ادراج الرياح ولم يكن لهما بد من اخذ موعد من والد السنفوره
وكان ذلك .
طبعا اخى لم تسعه الدنيا من الفرح وقام بتجهيز نفسه للزياره الميمونه
بالطبع لم نكن نعرف العنوان ولتسهيل وصولنا فى اليوم
والموعد المحدد قام والدها بارسال سيارته الخاصه مع سائقه
الحبشى لينقل الوالد والوالده واخى ومحسوبكم بعد اصرارى
بالذهاب معهم ومن خلال توسط والدتى عند الوالد رحمهما الله
لا اخفى عليكم ان منزلهما كان كقصر مشيد من سعته وحديقته الغناء وموقعه .
وكانوا جميعا فى استقبالنا ولم يغب عن ذهن الوالد ان يطلب
من صاحب الفله التى استأجرناها اصطحابنا بعد ان شرح له
مقصدنا وكذلك لتسهيل عملية الترجمه لو اقتضى الأمر .
كان الوقت بعد الظهر وتم اجلاسنا فى الحديقه وكنت اتذكر
الجو بطبعه اليومى كان غائما .
بدء التعارف بهز الرؤوس بسبب ان الوالده كانت لا تعرف اى
من لغاتهم لا الايطاليه ولا الانجليزيه ولا الحبشيه
فأكتفت بالأبتسامه مع كل نظره وهز الرأس مع كل تحيه .
وتركت الأمر برمته للوالد ليقوم بما يمليه عليه الموقف .
وكل شويه يستدير الوالد صوب اخى لائما قائلا : الله يهديك يا
ولدى احرجتنا مع الناس .
العائله كانت لطيفه ومهذبه ولقد جاملونا بشكل كبير .
وكان التعارف .
الوالد بلغته الأنجليزيه وصديق الوالد بلغته الايطاليه التى
يجيدها والعائله الأيطاليه من الام والأب والسنفوره
بخليط اللغتين .
واخى اضاف نظراته للبنيه بشىء من اللهفه والتودد .
والوالده كل شويه تلتفت وتعلق ايش بتقولوا ..................
العائله تعتنق المسيحيه ونحن على ملتنا الاسلاميه ولله الحمد
وكان الحديث فى سياقه يتمحور عن الديانتين .
كان والدها كما افدت سابقا تاجرا والوالد كان كذلك ومن ثم بدء
الحديث يدخل هذا الحيز من النقاش .
لم يكن هناك ممانعة من والد البنت فى موضوع الزواج خاصة
عندما عرف ان اخى سوف يكمل تعليمه خارج المملكه
ولكن والدها اصر على ان يأخذ الأثنين وقتهما الكافى فى
التعارف حسب تقاليدهم .
وقاموا بواجب الضيافه على اكمل وجه .
اخى عجبته الفكره فى مزيدا من التعارف وتدخل مؤكدا للوالد
ومبررا ان هذه اصولهم فلا مانع من ذلك .
يتبع ، ( عذراً للإطاله )