كاترينا
26-08-2011, Fri 10:47 PM
في ظل الملكة (1)
ليلى الطرابلسي لجأت للسحر والشعوذة للسيطرة على الرئيس
تأليف: لطفي بن شرودة
ترجمة: حسن الحسيني
اعده للنشر: محمد أمين
صدر في باريس أخيراً كتاب «في ظل الملكة» عن دار نشر ميشال لافون
لكاتبه (أو بالاحرى راويه) لطفي بن شرودة.
وكان بن شرودة يعمل طاهياً وخادماً في قصر الرئاسة التونسي،
وقد اختارته ليلى بن علي زوجة الرئيس التونسي المخلوع ليكون بخدمتها.
الكتاب يروي بداية حياة ليلى الطرابلسي الفقيرة في بيت صغير في وسط تونس القديمة،
وصولاً الى اللحظات الأخيرة التي عايشها في القصر، وكيف رأى عائلة ليلى
اخوتها واخواتها يلجأون الى القصر الرئاسي، هرباً من غضب الشعب التونسي.
ويسلط الكتاب، الذي شاركت في صياغته ايزابيل سوارس بوملالا الضوء على جوانب
من شخصية ليلى الطرابلسي، وكيف تمكنت من السيطرة على زوجها رئيس الجمهورية
لتحول تونس الى جمهورية موز تسيطر على اقتصادها وقراراتها مع بقية افراد اسرتها،
كما يروي لطفي بن شرودة كيف ان سيدة تونس الاولى كانت تلجأ الى السحر والشعوذة
للسيطرة على زوجها، ويتطرق الكتاب الى الخيانات الزوجية المتبادلة بين
الرئيس وزوجته.
كما انه يروي كيف ان ليلى الطرابلسي وزوجها زين العابدين بن علي خدعا سهى عرفات
واستوليا منها على عدة ملايين من الدولارات، وكيف حاولت ليلى ان تزوج سهى عرفات
من شقيقها الذي طلق زوجته لهذه الغاية.
القبس تنشر بعض فصول الكتاب:
الملكة السوداء
الزمان: يوليو عام 1992. الشمس تسطع بقوة في
سماء الحمامات هذا الصباح سيكون النهار حاراً للغاية.
عند الفجر شاهدت أشعة الشمس وقد بدأت تشعل الخليج وتلمع على صفحة الماء.
ومن خلال الزجاج المحيط بالقصر، كان بمقدوري الاستمتاع بهذا المنظر الخلاب
وبالهدوء الذي لا تكسره سوى زقزقة العصافير. ولكني كنت أفكر بما ينتظرني
«كم من الوقت سأمضي تحت هذه الشمس المحرقة، حيث سأُشوى في الوقت ذاته مع
اللحم المشوي. تراكم التعب يجعل من الصعب استجماع القوى والحفاظ على رباطة الجأش،
بينما كل أفراد قبيلة الطرابلسي يتشمسون بكسل ويطلبون بأصوات عالية ان املأ لهم الصحون.
المشعوذة صالحة
لم يعد تدليك زملائي لظهري بزيت الزيتون والسانتول يكفي للتخفيف من آلامي،
فقد أصبحت مفاصلي شبه صدئة والآلام تفتت عضلاتي. ثلاث ساعات راحة
غير كافية لتجديد قواي. ولكن ليس أمامي خيار آخر سوى الحفاظ على وظيفتي.
السيدة تناولت الفطور باكراً هذا الصباح. في قاعة السفرة الكبيرة بمفردها، كنت
في المطبخ، عندما اتصلت بي عبر الهاتف، صارخة في وجهي: «حضّر الكانون».
وكنت في كل صباح أشعل الكانون وبعد ان يصبح الفحم جمراً أحمر أضعه في
وسط المنزل في القاعة الكبرى. كانت ليلى لا تزال في قميص النوم، وأمرتني
أن أضعه على الأرض وان أجلب لها حرباء وسكين.
بالقرب من مكان عملي يوجد قفص وبداخله حرباء من الغرب الأفريقي، عادة
ما تقترب منها وتلاعبها مع شقيقاتها. فتحت باب القفص وأمسكت بواحدة.
«انتظرني هنا» - قالت لي، «انتظر من دون طرح أي سؤال».
عادة تحرق صباح كل يوم حرباء حيّة في الكانون. وكانت الحرباء تصرخ ألماً كالطفل،
فيعتمرني الحزن الشديد. ولكن أصبح ذلك نوعاً من الطقوس التي اعتدت عليها رغم أنفي.
وذات صباح فوجئت بوجود امرأة أخرى مع ليلى. امرأة تدعى صالحة ذات جسد
ضخم وعينين واسعتين مثل اللبؤة، اما الملابس السوداء والخمار الملون على رأسها
مثل الولفية التي تجترع المعجزات في معبد دلف، فإنها لا تبشر بالخير.
لقد شعرت بشيء من الخوف، فهذا صباح لا يُطمئن.
وهي تشكلُ جزءاً من أمتعة السيدة، إذا جاز التعبير. ومنذ ان استقرت في قصر دار
السلام في قرطاج وهي معروفة بممارسة الشعوذة وتأتي من وقت إلى آخر الى
القصر لتقرأ في ورق اللعب وتنجز بعض الأعمال لليلى وشقيقاتها.
المعلم الكبير
بالأمس لم أشاهدها في القصر. وفي الصباح الباكر،
وصلت وهي تحمل بيدها علبة مغلقة من الفضة.
سنرى المعلم الكبير - قالت لي ليلى. يجب الا تخاف. وسأشرح لك ما يتعين عليك
القيام به. ولا تخف لأنني سبق وتحدثت اليه مع صالحة وهو على علم بكل شيء.
عليك ان تذبح الحرباء. وتضع إصبعك في دمها وترسم دائرة على كاحل الرئيس
وكأنك تكحلها. وعليك ان تقوم بذلك بهدوء شديد والا تترك أي لون أبيض
حتى تغطيه الدائرة كلياً.
واعتدت على سماع صراخ الرئيس وشكواه خاصة عندما كان يستيقظ ويجد تحت
رأسه حرباء. وكان يعثر عليها دائماً وفي كل مكان. تحت السرير، تحت المخدة،
تحت الكنبة. في كل الأماكن التي يجلس فيها.
وكان يصرخ «ماذا فعلت بي باسم الله أعوذ بالله»، فترد عليه ليلى:
أنت تعرف اننا نحميك! فأنت لا تعرف كم من الناس يغارون منك وكم يحقدون
عليك. ولا يوجد أحد سواي يدافع عنك! أساعدك لكي تنام أريد ان تكون بأحسن حال.
أجواء ثقيلة
ومع الوقت اعتاد الرئيس واستسلم. اما نحن فكنا نتجاهل ما يحدث. وكأننا لا نسمع
شيئاً في هذه الأجواء الثقيلة، وكنا نكتفي بالتنظيف ونغسل أيدينا ونسمي بالله ثلاث مرات.
لذلك جعلتني ليلى هذا الصباح اشعر انني شاهد على شيء خطير. شعرت بما
يختلج في صدري، وكررت علي عدة مرات لا تخف، يجب ألا تخاف، لكني اعتدت
على الخوف، لانه كان حاضرا دائما.
إننا جميعا نعيش حالة من الخوف، ففي أي لحظة يمكن أن تتغير الأمور رأسا على
عقب، والحدود بين الحرية والقهر لم تحدد في يوم من الأيام. وبالطبع، كلما
حاولت طمأنتي كلما ازددت اضطرابا.
وقفت أمام مكتب الرئيس التقط انفاسي، واسترق السمع لمعرفة ما يحدث بعد ان دخلت
اليه مع صالحة. وسمعتها تقول ان لطفي يقف ومعه الحرباء وقد ذبحها لك.
وبعدها ناداني الرئيس: ادخل يا ولد.
مصدر سخرية
دخلت احمل الكانون والسكين بيد، والحرباء باليد الأخرى. انفعلت لدى رؤيتي
للرئيس، ولكنني تجرأت بالنظر إلى عينيه. وكنت على استعداد في قرارة نفسي
أن أعصي الأوامر، إذا ما شعرت أنه متردد. فانفجر بالضحك مثل الولد الصغير،
وكأن الأمر كان مصدر سخرية بالنسبة له.
• ماذا ستفعل اليوم يا ولد؟
ــــ سأذبح الحرباء، سيدي الرئيس.
• أنت إذن قاتل! قال لي وضحك مجددا.
نظرت إلى السيدة، فأشارت لي إلى المكان الذي يجب أن أقف فيه.
قام الرئيس من مكانه، وكان يرتدي جلابية بيضاء، وجلس على مقعد في منتصف
القاعة. رفع تربيزة صغيرة ووضع قدمه عليها. ووقفت السيدة خلفه ووضعت
يدها على كتفيه.
ألقت صالحة، التي كانت تقف إلى جانبه، بالبخور في الكانون، وراحت تهمس
بكلمات غير مفهومة، افعل ما طلبت منك القيام به! أمرتني ليلى.
ماذا ستفعل بي سألني الرئيس ضاحكا؟ ردت ليلى قائلة:
سيضع دم الحرباء كما
شرحت لك. فاقتربت من قدم الرئيس ونحرت الحرباء، حيث بدأ الدم ينهمر.
طقوس غريبة
أيها المجرم ماذا تفعل، قال الرئيس وراح يضحك من جديد ليخفي انزعاجه،
وبينما كنت اضع دم الحرباء على اصبعي تحت مراقبة ليلى، قلت لنفسي: الآن
وبعد أن قمت بما طلب مني سيعدمونني، وأحسست بأن الوقت القصير الذي
يتطلبه رسم الدائرة على كاحل الرئيس هو دهر بكامله.
وما ان انتهيت حتى وقف الرئيس، وعاد إلى مكانه خلف مكتبه، وهو يضحك باستمرار،
وأمرتني ليلى بأن أحمل الكانون وأدور به سبع مرات خلف مكتب الرئيس.
وما ان بدأت بتنفيذ أوامرها، حتى ضاق المكتب بالدخان المتصاعد من الكانون.
وضاق معه صبر الرئيس الذي صرخ بأعلى صوته،
اخرجوا جميعا. كفاني، اخرجوا من مكتبي.
توجهنا إلى القاعة التي نضع فيها عادة الكانون. وقالت لي عليك أن تشف الحرباء كليا.
اخذت خلطة سوداء اللون ممزوجة بالعسل، وملأت بطن الحرباء، وأمرتني بأن أطمرها
تحت الجمر، لكي تحترق كليا.
• احترس لا تنطق لأحد بكلمة.
ــــ اعرف ذلك، اعرف ذلك جيدا سيدتي.
ولا داعي لتذكريني، فأنا أعرف ما الذي ينتظرني فيما لو تحدثت لأحد عما شاهدت.
عدت إلى المطبخ، وأنا افكر فيما يحدث من حولي، وأفكر بالرئيس وبقوته عندما
بدأت بخدمته، فأنا لا أؤمن بالشعوذة التي تمارسها الطبقات الشعبية، والتي
تخطاها الزمن، ولكنني كنت ألاحظ ان ارادة الرئيس تضعف يوما بعد يوم،
منذ أن بدأت ليلى باخضاعه لطقوس السحر، وحيث بدأ ميزان القوى يتغير
لمصلحتها. وفي كل مرة كانت تظهر أنها اقوى وأكثر هيمنة.
وكانت لا تعرف كلمة المستحيل بينما كان الرئيس يضعف باستمرار.
ويتساءل عديد من التونسيين، كيف أمكن لهذه المرأة أن
تستحوذ على هذا القدر من السلطة في البلاد؟
حاكمة قرطاج .. المرأة المسيطرة:
وفي شهر يونيو الماضي، كشف لطفي بن شرودة الخادم السابق لزوجة الرئيس التونسي
المخلوع زين العابدين بن علي - ليلى الطرابلسي، عن أسرار في شخصية من وصفها
بـ"الملكة" في كتابه الجديد الصادر عن دار نشر "ميشال لافون" الفرنسية تحت
عنوان "في ظل الملكة".
ووصف بن شرودة في حوار مع قناة "فرانس24" ليلى طرابلسي "بالمرأة المسيطرة
التي تعامل خدمها كالعبيد"، "خدم لا حياة شخصية لهم"، "تشتمهم" "تمارس عليهم
ضغطا نفسيا لتبقيهم كالكلاب الجائعة يمشون خلفها".
ويضيف: "تعيش من وصفت مرة بحاكمة قرطاج بهواجس بأن الكل يريد سرقتها"،
"تحب عائلتها لدرجة كبيرة...وتكلم الآخرين بكلمات بذيئة".
ويعود بن شرودة في هذا الحوار كذلك إلى العلاقة التي كانت تربط بن علي بزوجته
ليلى التي كانت تسيطر على كل شيء حتى على أعلى أهرامات الدولة فكل ما "كانت
تطلبه ليلى ينفذه بن علي، الذي فقد شخصيته أمامها من كثرة حبه لها"، كما يقول بن شرودة.
ويضيف: "ليلى عرفت كيف تستغل نقطة ضعف بن علي لتسيطر عليه، فبن علي
كان طول عمره يريد أن يرزق بصبي...ومع مجيء محمد ".
وكشف بن شرودة في كتابه وحواره مع فرانس24 كيف أصيبت ليلى طرابلسي بذعر
عندما توفي مفجر الثورة الشعبية في تونس التي أطاحت بالرئيس بن علي محمد
بوعزيزي، والخوف الذي انتاب بن علي آنذاك.
وبكثير من التأثر عاد بن شرودة إلى حادثة وقعت لأحد خدم ليلى والذي عاقبته
بوضع يديه في الزيت الساخن، لتطعنه بعد أيام قليلة بسكين.
من "كوافيرة" .. إلى أعلى سلطة:
وليلى الطرابلسي ولدت عام 1957 في عائلة بسيطة، وكان والدها بائعا للخضر
والفواكه الطازجة. حصلت على الشهادة الابتدائية والتحقت بمدرسة الحلاقة،
وعملت كوافيرة، ثم تعرفت على رجل أعمال يدعى خليل معاوي وتزوجته وهي
في الثامنة عشرة من عمرها.
وعاشت معه ثلاث سنوات قبل أن يطلقها، تعرفت خلالها على محيط رجال الأعمال،
وكما يقول كتاب " حاكمة قرطاج" المحظور حتى الآن من دخول تونس، لكن تم
توزيع نسخ ألكترونية منه، أنها عملت في التجارة بين تونس وإيطاليا،
إلى أن ألقي القبض عليها وسحب منها جواز سفرها.
وطلبت من أحد معارفها وهو الجنرال طاهر مقراني التدخل لاسترجاع الجواز
وكان الرئيس بن علي وقتئذ مديرا للأمن.
ويقول الكتاب إنه في السنوات الأولى من حكم بن علي كدس المقربون من النظام
ثروات هائلة. وبعد زواجه منها استحوذ أخوها الأكبر بلحسن على شركة الطيران
"كورتاجو إيرلاينز" ثم سيطر أقاربها على قطاعات الاقتصاد. وهناك اتهامات أيضا
يسوقها الكتاب ضد عماد الطرابلسي باختلاس يخت قيمته مليون ونصف مليون يورو.
واتهمت السيدة ليلى بأن سلطاتها تفوق سلطات الوزير الأول، حيث كانت تقيل
الوزراء وتعين السفراء والمدراء العامين، يقول كتاب "حاكمة قرطاج.. يد مبسوطة
على تونس" إن شبكة أقاربها ضربت خيوطا عنكبوتية على كل القطاعات
مثل الهاتف الخلوي والتعليم الحر.
ليلى الطرابلسي لجأت للسحر والشعوذة للسيطرة على الرئيس
تأليف: لطفي بن شرودة
ترجمة: حسن الحسيني
اعده للنشر: محمد أمين
صدر في باريس أخيراً كتاب «في ظل الملكة» عن دار نشر ميشال لافون
لكاتبه (أو بالاحرى راويه) لطفي بن شرودة.
وكان بن شرودة يعمل طاهياً وخادماً في قصر الرئاسة التونسي،
وقد اختارته ليلى بن علي زوجة الرئيس التونسي المخلوع ليكون بخدمتها.
الكتاب يروي بداية حياة ليلى الطرابلسي الفقيرة في بيت صغير في وسط تونس القديمة،
وصولاً الى اللحظات الأخيرة التي عايشها في القصر، وكيف رأى عائلة ليلى
اخوتها واخواتها يلجأون الى القصر الرئاسي، هرباً من غضب الشعب التونسي.
ويسلط الكتاب، الذي شاركت في صياغته ايزابيل سوارس بوملالا الضوء على جوانب
من شخصية ليلى الطرابلسي، وكيف تمكنت من السيطرة على زوجها رئيس الجمهورية
لتحول تونس الى جمهورية موز تسيطر على اقتصادها وقراراتها مع بقية افراد اسرتها،
كما يروي لطفي بن شرودة كيف ان سيدة تونس الاولى كانت تلجأ الى السحر والشعوذة
للسيطرة على زوجها، ويتطرق الكتاب الى الخيانات الزوجية المتبادلة بين
الرئيس وزوجته.
كما انه يروي كيف ان ليلى الطرابلسي وزوجها زين العابدين بن علي خدعا سهى عرفات
واستوليا منها على عدة ملايين من الدولارات، وكيف حاولت ليلى ان تزوج سهى عرفات
من شقيقها الذي طلق زوجته لهذه الغاية.
القبس تنشر بعض فصول الكتاب:
الملكة السوداء
الزمان: يوليو عام 1992. الشمس تسطع بقوة في
سماء الحمامات هذا الصباح سيكون النهار حاراً للغاية.
عند الفجر شاهدت أشعة الشمس وقد بدأت تشعل الخليج وتلمع على صفحة الماء.
ومن خلال الزجاج المحيط بالقصر، كان بمقدوري الاستمتاع بهذا المنظر الخلاب
وبالهدوء الذي لا تكسره سوى زقزقة العصافير. ولكني كنت أفكر بما ينتظرني
«كم من الوقت سأمضي تحت هذه الشمس المحرقة، حيث سأُشوى في الوقت ذاته مع
اللحم المشوي. تراكم التعب يجعل من الصعب استجماع القوى والحفاظ على رباطة الجأش،
بينما كل أفراد قبيلة الطرابلسي يتشمسون بكسل ويطلبون بأصوات عالية ان املأ لهم الصحون.
المشعوذة صالحة
لم يعد تدليك زملائي لظهري بزيت الزيتون والسانتول يكفي للتخفيف من آلامي،
فقد أصبحت مفاصلي شبه صدئة والآلام تفتت عضلاتي. ثلاث ساعات راحة
غير كافية لتجديد قواي. ولكن ليس أمامي خيار آخر سوى الحفاظ على وظيفتي.
السيدة تناولت الفطور باكراً هذا الصباح. في قاعة السفرة الكبيرة بمفردها، كنت
في المطبخ، عندما اتصلت بي عبر الهاتف، صارخة في وجهي: «حضّر الكانون».
وكنت في كل صباح أشعل الكانون وبعد ان يصبح الفحم جمراً أحمر أضعه في
وسط المنزل في القاعة الكبرى. كانت ليلى لا تزال في قميص النوم، وأمرتني
أن أضعه على الأرض وان أجلب لها حرباء وسكين.
بالقرب من مكان عملي يوجد قفص وبداخله حرباء من الغرب الأفريقي، عادة
ما تقترب منها وتلاعبها مع شقيقاتها. فتحت باب القفص وأمسكت بواحدة.
«انتظرني هنا» - قالت لي، «انتظر من دون طرح أي سؤال».
عادة تحرق صباح كل يوم حرباء حيّة في الكانون. وكانت الحرباء تصرخ ألماً كالطفل،
فيعتمرني الحزن الشديد. ولكن أصبح ذلك نوعاً من الطقوس التي اعتدت عليها رغم أنفي.
وذات صباح فوجئت بوجود امرأة أخرى مع ليلى. امرأة تدعى صالحة ذات جسد
ضخم وعينين واسعتين مثل اللبؤة، اما الملابس السوداء والخمار الملون على رأسها
مثل الولفية التي تجترع المعجزات في معبد دلف، فإنها لا تبشر بالخير.
لقد شعرت بشيء من الخوف، فهذا صباح لا يُطمئن.
وهي تشكلُ جزءاً من أمتعة السيدة، إذا جاز التعبير. ومنذ ان استقرت في قصر دار
السلام في قرطاج وهي معروفة بممارسة الشعوذة وتأتي من وقت إلى آخر الى
القصر لتقرأ في ورق اللعب وتنجز بعض الأعمال لليلى وشقيقاتها.
المعلم الكبير
بالأمس لم أشاهدها في القصر. وفي الصباح الباكر،
وصلت وهي تحمل بيدها علبة مغلقة من الفضة.
سنرى المعلم الكبير - قالت لي ليلى. يجب الا تخاف. وسأشرح لك ما يتعين عليك
القيام به. ولا تخف لأنني سبق وتحدثت اليه مع صالحة وهو على علم بكل شيء.
عليك ان تذبح الحرباء. وتضع إصبعك في دمها وترسم دائرة على كاحل الرئيس
وكأنك تكحلها. وعليك ان تقوم بذلك بهدوء شديد والا تترك أي لون أبيض
حتى تغطيه الدائرة كلياً.
واعتدت على سماع صراخ الرئيس وشكواه خاصة عندما كان يستيقظ ويجد تحت
رأسه حرباء. وكان يعثر عليها دائماً وفي كل مكان. تحت السرير، تحت المخدة،
تحت الكنبة. في كل الأماكن التي يجلس فيها.
وكان يصرخ «ماذا فعلت بي باسم الله أعوذ بالله»، فترد عليه ليلى:
أنت تعرف اننا نحميك! فأنت لا تعرف كم من الناس يغارون منك وكم يحقدون
عليك. ولا يوجد أحد سواي يدافع عنك! أساعدك لكي تنام أريد ان تكون بأحسن حال.
أجواء ثقيلة
ومع الوقت اعتاد الرئيس واستسلم. اما نحن فكنا نتجاهل ما يحدث. وكأننا لا نسمع
شيئاً في هذه الأجواء الثقيلة، وكنا نكتفي بالتنظيف ونغسل أيدينا ونسمي بالله ثلاث مرات.
لذلك جعلتني ليلى هذا الصباح اشعر انني شاهد على شيء خطير. شعرت بما
يختلج في صدري، وكررت علي عدة مرات لا تخف، يجب ألا تخاف، لكني اعتدت
على الخوف، لانه كان حاضرا دائما.
إننا جميعا نعيش حالة من الخوف، ففي أي لحظة يمكن أن تتغير الأمور رأسا على
عقب، والحدود بين الحرية والقهر لم تحدد في يوم من الأيام. وبالطبع، كلما
حاولت طمأنتي كلما ازددت اضطرابا.
وقفت أمام مكتب الرئيس التقط انفاسي، واسترق السمع لمعرفة ما يحدث بعد ان دخلت
اليه مع صالحة. وسمعتها تقول ان لطفي يقف ومعه الحرباء وقد ذبحها لك.
وبعدها ناداني الرئيس: ادخل يا ولد.
مصدر سخرية
دخلت احمل الكانون والسكين بيد، والحرباء باليد الأخرى. انفعلت لدى رؤيتي
للرئيس، ولكنني تجرأت بالنظر إلى عينيه. وكنت على استعداد في قرارة نفسي
أن أعصي الأوامر، إذا ما شعرت أنه متردد. فانفجر بالضحك مثل الولد الصغير،
وكأن الأمر كان مصدر سخرية بالنسبة له.
• ماذا ستفعل اليوم يا ولد؟
ــــ سأذبح الحرباء، سيدي الرئيس.
• أنت إذن قاتل! قال لي وضحك مجددا.
نظرت إلى السيدة، فأشارت لي إلى المكان الذي يجب أن أقف فيه.
قام الرئيس من مكانه، وكان يرتدي جلابية بيضاء، وجلس على مقعد في منتصف
القاعة. رفع تربيزة صغيرة ووضع قدمه عليها. ووقفت السيدة خلفه ووضعت
يدها على كتفيه.
ألقت صالحة، التي كانت تقف إلى جانبه، بالبخور في الكانون، وراحت تهمس
بكلمات غير مفهومة، افعل ما طلبت منك القيام به! أمرتني ليلى.
ماذا ستفعل بي سألني الرئيس ضاحكا؟ ردت ليلى قائلة:
سيضع دم الحرباء كما
شرحت لك. فاقتربت من قدم الرئيس ونحرت الحرباء، حيث بدأ الدم ينهمر.
طقوس غريبة
أيها المجرم ماذا تفعل، قال الرئيس وراح يضحك من جديد ليخفي انزعاجه،
وبينما كنت اضع دم الحرباء على اصبعي تحت مراقبة ليلى، قلت لنفسي: الآن
وبعد أن قمت بما طلب مني سيعدمونني، وأحسست بأن الوقت القصير الذي
يتطلبه رسم الدائرة على كاحل الرئيس هو دهر بكامله.
وما ان انتهيت حتى وقف الرئيس، وعاد إلى مكانه خلف مكتبه، وهو يضحك باستمرار،
وأمرتني ليلى بأن أحمل الكانون وأدور به سبع مرات خلف مكتب الرئيس.
وما ان بدأت بتنفيذ أوامرها، حتى ضاق المكتب بالدخان المتصاعد من الكانون.
وضاق معه صبر الرئيس الذي صرخ بأعلى صوته،
اخرجوا جميعا. كفاني، اخرجوا من مكتبي.
توجهنا إلى القاعة التي نضع فيها عادة الكانون. وقالت لي عليك أن تشف الحرباء كليا.
اخذت خلطة سوداء اللون ممزوجة بالعسل، وملأت بطن الحرباء، وأمرتني بأن أطمرها
تحت الجمر، لكي تحترق كليا.
• احترس لا تنطق لأحد بكلمة.
ــــ اعرف ذلك، اعرف ذلك جيدا سيدتي.
ولا داعي لتذكريني، فأنا أعرف ما الذي ينتظرني فيما لو تحدثت لأحد عما شاهدت.
عدت إلى المطبخ، وأنا افكر فيما يحدث من حولي، وأفكر بالرئيس وبقوته عندما
بدأت بخدمته، فأنا لا أؤمن بالشعوذة التي تمارسها الطبقات الشعبية، والتي
تخطاها الزمن، ولكنني كنت ألاحظ ان ارادة الرئيس تضعف يوما بعد يوم،
منذ أن بدأت ليلى باخضاعه لطقوس السحر، وحيث بدأ ميزان القوى يتغير
لمصلحتها. وفي كل مرة كانت تظهر أنها اقوى وأكثر هيمنة.
وكانت لا تعرف كلمة المستحيل بينما كان الرئيس يضعف باستمرار.
ويتساءل عديد من التونسيين، كيف أمكن لهذه المرأة أن
تستحوذ على هذا القدر من السلطة في البلاد؟
حاكمة قرطاج .. المرأة المسيطرة:
وفي شهر يونيو الماضي، كشف لطفي بن شرودة الخادم السابق لزوجة الرئيس التونسي
المخلوع زين العابدين بن علي - ليلى الطرابلسي، عن أسرار في شخصية من وصفها
بـ"الملكة" في كتابه الجديد الصادر عن دار نشر "ميشال لافون" الفرنسية تحت
عنوان "في ظل الملكة".
ووصف بن شرودة في حوار مع قناة "فرانس24" ليلى طرابلسي "بالمرأة المسيطرة
التي تعامل خدمها كالعبيد"، "خدم لا حياة شخصية لهم"، "تشتمهم" "تمارس عليهم
ضغطا نفسيا لتبقيهم كالكلاب الجائعة يمشون خلفها".
ويضيف: "تعيش من وصفت مرة بحاكمة قرطاج بهواجس بأن الكل يريد سرقتها"،
"تحب عائلتها لدرجة كبيرة...وتكلم الآخرين بكلمات بذيئة".
ويعود بن شرودة في هذا الحوار كذلك إلى العلاقة التي كانت تربط بن علي بزوجته
ليلى التي كانت تسيطر على كل شيء حتى على أعلى أهرامات الدولة فكل ما "كانت
تطلبه ليلى ينفذه بن علي، الذي فقد شخصيته أمامها من كثرة حبه لها"، كما يقول بن شرودة.
ويضيف: "ليلى عرفت كيف تستغل نقطة ضعف بن علي لتسيطر عليه، فبن علي
كان طول عمره يريد أن يرزق بصبي...ومع مجيء محمد ".
وكشف بن شرودة في كتابه وحواره مع فرانس24 كيف أصيبت ليلى طرابلسي بذعر
عندما توفي مفجر الثورة الشعبية في تونس التي أطاحت بالرئيس بن علي محمد
بوعزيزي، والخوف الذي انتاب بن علي آنذاك.
وبكثير من التأثر عاد بن شرودة إلى حادثة وقعت لأحد خدم ليلى والذي عاقبته
بوضع يديه في الزيت الساخن، لتطعنه بعد أيام قليلة بسكين.
من "كوافيرة" .. إلى أعلى سلطة:
وليلى الطرابلسي ولدت عام 1957 في عائلة بسيطة، وكان والدها بائعا للخضر
والفواكه الطازجة. حصلت على الشهادة الابتدائية والتحقت بمدرسة الحلاقة،
وعملت كوافيرة، ثم تعرفت على رجل أعمال يدعى خليل معاوي وتزوجته وهي
في الثامنة عشرة من عمرها.
وعاشت معه ثلاث سنوات قبل أن يطلقها، تعرفت خلالها على محيط رجال الأعمال،
وكما يقول كتاب " حاكمة قرطاج" المحظور حتى الآن من دخول تونس، لكن تم
توزيع نسخ ألكترونية منه، أنها عملت في التجارة بين تونس وإيطاليا،
إلى أن ألقي القبض عليها وسحب منها جواز سفرها.
وطلبت من أحد معارفها وهو الجنرال طاهر مقراني التدخل لاسترجاع الجواز
وكان الرئيس بن علي وقتئذ مديرا للأمن.
ويقول الكتاب إنه في السنوات الأولى من حكم بن علي كدس المقربون من النظام
ثروات هائلة. وبعد زواجه منها استحوذ أخوها الأكبر بلحسن على شركة الطيران
"كورتاجو إيرلاينز" ثم سيطر أقاربها على قطاعات الاقتصاد. وهناك اتهامات أيضا
يسوقها الكتاب ضد عماد الطرابلسي باختلاس يخت قيمته مليون ونصف مليون يورو.
واتهمت السيدة ليلى بأن سلطاتها تفوق سلطات الوزير الأول، حيث كانت تقيل
الوزراء وتعين السفراء والمدراء العامين، يقول كتاب "حاكمة قرطاج.. يد مبسوطة
على تونس" إن شبكة أقاربها ضربت خيوطا عنكبوتية على كل القطاعات
مثل الهاتف الخلوي والتعليم الحر.