المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الريال والدولار والنفط ( مقال تحليلي )



مرضي
07-02-2011, Mon 11:07 AM
سعر الصرف الحقيقي يستخدم كعامل مساعد في التنبؤ باتجاه أسعار الصرف في العملات المعومة الحرة على المدى الطويل





تحليل - د. حمزة بن محمد السالم :


من أجل بناء ثقافة اقتصادية واعية في الأسباب والمعاني الاقتصادية من تحديد قيمة الريال بـ 26 سنتا أمريكيا بلادنا حديثة عهد ببدايات الانفتاح الاقتصادي والتخلي تدريجيا عن التخطيط المركزي للاقتصاد. لذا فهناك حاجة إلى نشر الثقافة الاقتصادية والاستثمارية والمالية بين المجتمع على وجه علمي تطبيقي صحيح وإبعاد المفاهيم الخاطئة، من أجل تمكين المجتمع من اتخاذ القرارات الاقتصادية الصحيحة سواء أكانت جماعية أو فردية. فمفاهيم المجتمع تؤثر في القرار وتتأثر به. وأفضل ما يُبدأ به هو فهم وضعنا الاقتصادي العام لكي نبني على أسس صحيحة قراراتنا الاستثمارية والمالية.

يكثر الحديث في موضوعات شتى هي مترابطة ومتفككة في آن واحدة تدور حول ربط الريال بالدولار وعلاقة الدولار بالنفط ولم لا يباع النفط بالريال وما الفائدة من الوحدة النقدية الخليجية. ولكي نستطيع تبسيط المسألة وتوضيحها فسنبدأ بتفكيك هذه الموضوعات ثم تشريح كل موضوع إلى عدة مفاصل وشرحه منفصلا عما غيره، ثم نستخرج بعض نتائج ذلك وأثرها على نفسها وعلى غيرها. ثم نبدأ بالضم والتجميع في مسيرة تطبيقية قائمة أو مقترحة يتضح من خلالها تداخل هذه الأمور وتعارضها عند تطبيقها واقعيا أو افتراضيا إلى أن تكتمل الصورة فتنفك ألغاز الريال والدولار والنفط فنفهم سياسات الدولة النقدية الماضية والحالية والمستقبلية بصورة علمية حقيقية واقعية.

والتسلسل الفكري يقودنا إلى أن نبدأ فنتساءل: على أي أساس معياري ربط الريال بالدولار بقيمة دولار واحد = 3.75 ريال وقبل الدخول في تاريخ قيمة الريال بالنسبة للدولار، ولماذا تغيرت نسبيا خلال الفترة 1960م -1986م ثم ثبتت بعد ذلك. أي لماذا لا يكون الريال= 3 دولارات مثلا كالريال العماني أو عشرة أو أقل أو أكثر.

وبشرح بسيط للمسألة: فإنه حين تقرر تحديد قيمة الريال بالنسبة للدولار، أخذنا سلة من السلع والخدمات في أمريكا والموجودة مثلها في السعودية والتي هي من عامة ما يستهلك ويُطلب. ووجدنا أن قيمة هذه المجموعة من السلع والخدمات في أمريكا تساوي 1,000 دولار وأن قيمتها في السعودية تساوي 3,750 ريال سعودي. إذن فمن معه 3,750 ريال يستطيع شراء نفس كمية ونوعية سلة السلع من السعودية أو من أمريكا والعكس صحيح إذا فالدولار يساوي 3.75 ريال أو الريال يساوي 26 سنتا أمريكي. فقررنا ربط الريال مع الدولار على هذه القيمة فلا تتغير قيمته بالنسبة للدولار مهما تغيرت الأمور. وقد تغيرت الأمور بعد ذلك واختلف مستوى الأسعار بيننا وبين أمريكا، فصعد في أمريكا أي أن الأسعار زادت هناك بينما ثبتت في السعودية، فما معنى ذلك مع ثبات سعر الصرف.

وقبل أن نستطرد في هذا الموضوع، يستحسن أن نمهد له بإيجاز. الريال لم يكن مربوطا بالدولار بالمعنى المقصود اليوم بل قد كان مربوطا بالذهب عن طريق الدولار. ثم منذ عام 1971م حصلت له عدة تغيرات في قيمته عائدة إلى انفصال الدولار عن الذهب وانخفاض قيمته بالنسبة إليه ثم ربطنا الريال بعملة صندوق النقد الدولي (وهي عملة محاسبية فقط مدعومة بالذهب آنذاك) وتسمى حقوق السحب الخاصة وسمح بهامش تذبذب. وبعد ظهور قوة البترول الاقتصادية، وأصبحت تجارة السعودية تشكل أكثر من 1% من التجارة الدولية، أصبح الريال ضمن سلة العملات الست عشرة التي يتكون منها مؤشر عملة صندوق النقد، ثم فُك ربط الريال عام 1981م وكان له هامش تذبذب ثم أصبح التذبذب بالمتوسط مقترنا بالدولار.

وسبب عدم الاستقرار التام لقيمة الريال لم يكن عبثا، فالعالم كان يمر بتحولات اقتصادية ضخمة كهجران الذهب وخروجه كرقيب ومقياس للعملات الورقية، وكالتضخم العالمي الذي أصبح حقيقة أصيلة لا طارئة بسبب النفط والدولار فلا عودة إلى الأسعار القديمة أبدا، وكظهور التكنولوجيا وأثرها في الطفرة الصناعية. وكانت بلادنا كذلك تمر بتغيرات اقتصادية ضخمة محلية. فمن الفقر إلى الغنى المفرط والتضخم الهائل إلى انخفاض أسعار النفط، ولم تستقر الأمور وتتضح نسبيا إلا عام 1986م وحينها رُبط الريال بالدولار بالشكل الذي هو عليه اليوم.

والرسم البياني الأول يوضح سعر صرف الريال منذ عام 1961م . وعلى كل حال، فإن فكرة تقييم الريال بالنسبة للدولار إنما هو تعبير للقوة الشرائية للريال في السعودية بمثلها في أمريكا، قد كانت متمثلة تقريبا إلى حد بعيد في خلال تلك الفترة 1960-1986م التي تحول العالم فيها من عصر الذهب إلى عصر الدولار أو من عصر القيمة الحقيقية إلى عصر القيمة الرمزية، وظهور عصر البترول.

فترة 1986م-2007م وهي تمثل مرحلة تغير مستوى الأسعار وتباينها بين السعودية وأمريكا مع ثبات قيمة الريال التامة على سعر 26 سنتا أمريكيا (دولار=3.75 ريال): وبعد أن انتهينا بإيجاز من عصر الانتقال من الذهب إلى حقوق السحب الخاصة إلى الربط الكلي بالدولار، فلنرى ماذا حدث بعد ذلك. ففي عصر الذهب الأسعار ثابتة لا تتغير ولا يمكن أن يتواصل التضخم دون زيادة غنى حقيقي على شكل تدفق للذهب للبلاد أو بسبب مجاعة مستمرة. أما في عصر الأوراق النقدية فالحالة بالعكس. فلا يمكن في الغالب في الحالات الطبيعية أن تثبت الأسعار دون تضخم إلا في حالة الانكماش الاقتصادي أو الكساد. (وتفصيل هذا ليس هنا محله). لذا فقد تباعدت الفجوة بين مستوى الأسعار في أمريكا، أرض اقتصاد الدولار المربوطين به، وبين مستوى الأسعار في السعودية. فقد كانت أمريكا تنمو اقتصاديا مما يستلزم زيادة الأسعار فيها، بينما كان اقتصادنا هنا في حالة عدم نمو أو انكماش أي تناقص، مما أدى إلى ثبات الأسعار أو تناقصها في بعض السنين. (وقد جعلت المقارنة التي تتساوى فيها الأسعار من السنة التي ثبت فيها الربط وهي 1986م).

ومن الرسم البياني الثاني يتضح لنا أن سلة من المشتريات في السعودية كانت قيمتها 3,750 ريال كانت تُشترى في أمريكا عام 1986 م بـ 1,000 دولار وبالعكس أي أن الدولار= 3.75. ثم بدأ التباين بعد ذلك حتى وصل في عام 2007م أن سلة المشتريات التي كانت تشترى في أمريكا عام 1986 م بألف دولار أو 3,750 ريال أصبحت تُشترى ب 1,890 دولار عام 2007م أي ما يساوي 7,087 ريال. أي أننا أردنا أن نتبع تفاوت مستوى الأسعار بيننا وبين أمريكا المربوطين بعملتها فتعدل سعر الصرف على أساسه، لكان سعر الصرف عام 2007م هو سبعة (7.08) ريالات مقابل الدولار واحد، أو 14 سنتا مقابل الريال. وهذا ما يسمى نظريا بسعر الصرف الحقيقي وهو يستخدم كعامل مساعد في التنبؤ باتجاه أسعار الصرف في العملات المعومة الحرة على المدى الطويل. ولكن في حالتنا هنا، فمستوى الأسعار الثابت أو النازل عندنا من بعد 1986م (أي بعد تصحيح أسعار الطفرة، وهذا اعتبار مهم) هو في حقيقته يعكس ضعف اقتصادنا وعدم نموه مما سبب عدم زيادة الأسعار في بلادنا مما انعكس على ضعف الريال حقيقة أمام الاقتصاد الأمريكي وقوة الدولار حقيقة أمام الاقتصاد السعودي. فبـ 3,750 ريال أصبحنا نشتري من أمريكا تقريبا نصف سلة المشتريات الذي يشتريها الأمريكي بـ1000 دولار من السعودية. ((ففي 1979م كان سعر الصرف 3.3 ريال لكل دولار والمقارنة الكاملة بمستوى الأسعار في أمريكا يجعل سعر الصرف 2.5 ريال لكل دولار ولكن التضخم عندنا كان في طفرة الأراضي والأشياء غير القابلة للتجارة الدولية وهناك عنق الزجاجة في الموانئ فلا ينضبط أخذ أسعار 1979م على ظاهرها، وهذه تحتاج إلى تفصيل خلاصته أن سعر الصرف المحقق ( 3.3 ) أكثر واقعية من سعر الصرف النظري (2.5) مع اعتبار العوامل الإنسانية وعدم الدقة والفجوات الزمنية خاصة عندنا في ذلك الوقت).

وفي هذا المثال تجسيد حقيقي لمعنى التضخم الناتج عن نمو الاقتصاد (وسأشرحه في المستقبل) بخلاف التضخم الناتج عن مجرد طبع النقود. وهنا يتضح بعض أسباب ربط الريال بالدولار صاحب أعظم اقتصاد عالمي وعملة الاحتياط الدولية التي حلت محل الذهب.

ولكي تتضح الصورة فلنفترض أننا قد ربطنا الريال بالجنيه المصري عندما كان على ما أذكر ستة ريالات تساوي جنيها واحدا. وحافظنا على معدل سعر الصرف إلى 2007م، لما ثبت مستوى الأسعار عندنا ولتضاعف مستوى الأسعار عندنا أضعافا مضاعفة مما يشرح أن التضخم في مصر هو تضخم نقدي من طباعة الفلوس بينما التضخم في أمريكا هو تضخم إنتاجي تنموي. فالصين مثلا، لأنها أصبحت اقتصادا منتجا، أدركت أمريكا في مستوى الأسعار رغم ربطها في الدولار.

وعليه فثبات الأسعار عندنا مع زيادة الأسعار في أمريكا وكون الريال مربوط بالدولار هي قصة تحكي ضعف نمو الاقتصاد السعودي وقوة نمو الاقتصاد الأمريكي في تلك الفترة. وفرضيا، فلو أن الجنيه المصري كان مربوطا بالدولار لاستمرت قوته الشرائية في مصر كما كانت منذ عشرين عاما، أو ربما زادت قوته محليا (أي حصل انخفاض الأسعار عندهم) لو كان الاقتصاد المصري في حالة تدهور وانكماش في تلك الفترة.

فهل يقال إن من العدل تخفيض قيمة الريال إلى النصف على عكس ما يشاع بأن الريال يجب أن ترفع قيمته. وبإيجاز، فإن تخفيض قيمة الريال إلى النصف لكي يقابل الأسعار الأمريكية هو هدم تام للاقتصاد. فمن أجل تحقيق ذلك فيجب على ساما أن تطبع ضعف كمية الريال الموجودة الآن مما سيرفع الأسعار 100%. فيفقد أهل الادخار ثرواتهم وتضيع حقوق أهل الديون ويهجر الريال فلا يريده أحد وتضيع الثقة فيه. وهذا ما سيكون في أحسن الأحوال دون أي عوامل أخرى لو لم نربط الريال بالدولار، وما زال هناك أسباب وجيهة للربط بالدولار أخرى تأتي لاحقا. وهل من العدل لو افترضنا جدلا أن الريال ربط بالدولار على أساس مستوى الأسعار فأصبحت قيمته نصف قيمته اليوم أن يقال إن الأجور سترتفع معه كما حدث في أمريكا؟ المفترض لا وإلا فهي مجرد عبء معيق للإنتاج. لأن العمال في أمريكا أعضاء منتجين لذا فهم عامل في رفع الأسعار ومسبب له كما أن أجورهم ترتفع بمقدار إنتاجيتهم. أما مجتمعنا فهو غير إنتاجي، والأجور في حالة ارتفاعها -بافتراض انخفاض قيمة الصرف- فهي ليست عاملا وسببا من أسباب رفع الأسعار. فنحن لو تماشينا للحفاظ مع مستوى الأسعار الأمريكي عن طريق طباعة الريال فقط فتضخمنا سيكون مجرد تضخم نقدي محض، مما سينعكس سلبيا على الإنتاجية وهذه مواضيع تطول لكنها تترك أسئلة مفتوحة سنجيب عنها مجزأة على حلقات أسبوعية حتى تتضح صورة الديناميكية الكلية إنشاء الله. وسنبدأ الأسبوع القادم بشرح كيفية الربط، وكيف يتم، وما معنى المضاربات على الريال وكيف تتم، يتخلل ذلك وقفات اقتصادية تأملية تثقيفية كما فعلنا اليوم فإلى اللقاء.


منقووووووووول من جريدة الجزيرة

مرضي
07-02-2011, Mon 11:09 AM
الجزء الثاني ( 2/3 )

تحدثنا في الأسبوع الماضي عن سبب اختيار معدل الصرف دولار=3.75 ريال سعودي. ووضحنا أن الربط أعاننا على ضبط التضخم خلال ثلاثين عاما. وأوضحنا أن التضخم في أمريكا هو تضخم تنموي لازم من نمو الإنتاجية، ولهذا نقول إن الريال قد تناقصت قيمته أمام الدولار بسبب عدم نمو الإنتاجية عندنا حتى أصبح سعر الصرف الافتراضي في عام 2007 هو دولار=7 ريالات تقريباً. ولو أرادت ساما فعل ذلك للزمها طبع ضعف مستوى الريالات الموجود حاليا فترتفع الأسعار إلى مستوى الأسعار الأمريكية وهذا الافتراض التعليمي لو حصل فما هو إلا تضخم نقدي بحت أي أنه لا يعني تقوية للريال بل إضعافه. وقلنا إن هذا سيؤثر على الثقة بالريال فيُهجر من التعاملات الاستثمارية الضخمة. واستكمالا لمقال الأسبوع الماضي، ففي الرسم البياني الأول صورة لمستوى الأسعار في بلدان منتجة وأخرى غير منتجة أو ريعية الدخل. فهناك السعودية ومصر بلدان لا تتمتع باقتصاد إنتاجي تنموي. فأما السعودية فبسبب ربطها بالدولار فقد حافظت على مستوى سعر ثابت. وأما مصر فقد تضاعفت فيها الأسعار 9 مرات تقريبا من 1986م إلى 2007م. فسلة المشتريات التي كانت تساوي 100 جنية عام 1986م أصبحت تساوي 900 جنيه عام 2007م. وهذا أكثره مجرد تضخم نقدي محض أي طبع للجنيهات من غير إنتاج. أما الصين فنموها الإنتاجي في المتوسط ضعف نمو أمريكا في تلك الفترة تقريبا فتضاعف مستوى الأسعار فيها عن أمريكا بالضعف فسلة بـ 100 ياوان عام 1986م أصبحت بـ 400 تقريبا في عام 2007 رغم ربطها التدريجي بالدولار. وأما أمريكا وبريطانيا فتضاعفت الأسعار فيهما خلال 1986-2007 وكما قلنا في الأسبوع الماضي إنه تضخم إنتاجي وإن التضخم لازم من لوازم النمو في الحالات الاعتيادية، وسأشرح ذلك بالتفصيل في أسابيع قادمة.وبعد هذه التوطئة الانتقالية، سننتقل من موضوع الأسبوع الماضي إلى موضوع اليوم وهو كيف تكون ديناميكية الربط. أي كيف نربط وكيف نحافظ على الربط. فعندما قررت ساما أن تجعل سعر الصرف بين الريال والدولار 1 ريال = 26 سنتا أمريكيا قامت بإعلان ذلك رسميا وتعهدت بالمحافظة على سعر الصرف المعلن والدفاع عنه.

والسيطرة على سعر الصرف ثابتا في العملة المربوطة ليس أمرا عسيرا من الناحية الاقتصادية الفنية. والصعوبة الشديدة التي تحتاج إلى فن وخبرات عتيقة هي المحافظة على الثبات النسبي للقوة الشرائية للعملة المعومة مع السيطرة على الاقتصاد الكلي للدولة، وبخاصة إذا كانت العملة من العملات الدولية.

والريال ليس عملة دولية، لأسباب ثلاثة.

1- أنه مربوط بالدولار والعملة المربوطة لا تصبح عملة دولية إذا كانت مربوطة بأخرى لأنه لا يوجد مجال كبير يذكر للتكسب أو التحوط من اختلاف وذبذبة سعر الصرف.

2- السلع التي تنتجها السعودية وتصدرها إلى الخارج تباع غالبا بالدولار لا الريال كالنفط ونحوها. ولو افترضنا -من أجل الفهم- أن بعضها يباع بالريال، فلن تحتفظ البنوك الأجنبية ولا الشركات بالريال من أجل استخدامه في معاملاتها التجارية مع السعودية. والسبب في ذلك أنها لا تستطيع الاستفادة منه خلال احتفاظها به في إقراض ولا في إيداع وتحصيل فوائد عليه ولا في شراء سندات قصيرة الأجل حكومية أو تجارية سعودية مقومة بالريال. وبما أنه مربوط بسعر ثابت فلا توجد مخاطرة اختلاف سعر الصرف، لذا فالاحتفاظ بما رُبط الريال به وهو الدولار يعتبر بديلا استثماريا افضل، فإذا احتاجت للريال استبدلت الدولار به.

3- أن الريال لا يستخدم في سوق السلع الدولية مطلقا كعملة تبادلية تخدم بعض السلع الدولية، لذا ليس له دور في التجارة الدولية. فالعملات الدولية كالين يستخدم كعملة قياس تجارية تبادلية لكثير من دول شرق آسيا كما أنه عملة البضائع اليابانية كما أنه متذبذب وله ثقة في المحافل المالية الدولية. وأما الدولار فهو ليس فقط عملة دولية بل أنه عملة الاحتياط المهيمنة في العالم، وعملة الاحتياط احتكارية بالطبيعة وسيأتي شرح ذلك مستقبلا.

وبعد أن فهمنا هذا الأسبوع المزية الثانية من ربط الريال بالدولار وهي سهولة إدارة السوق المالية المتعلقة به، سنشرح كيف تفعل ساما ذلك. والمسألة سهلة نوعا ما مقارنة بالعملة المعومة، فما على ساما من أجل أن تحافظ على سعر الصرف إلا أن تتحكم في كمية الريال محليا لكي لا يزيد ولا ينقص عن حاجة السوق وعن طريق شرائه وبيعه دوليا إذا لزم الأمر بسعر ثابت هو 3.75.

فأما محليا فساما تطبع من الريالات ما يحتاجه الناس لتعاملهم في السوق المحلية باعتبار قدرة بنوكنا على التمويلات، فالتمويلات هي التي تولد المال. (واستخدام كلمة الطبع من أجل تسهيل المعنى ولكن في الحقيقة أن معظم الريال أرقام في حواسب الكمبيوتر وهي التي تستخدم في التمويلات). وما تطبعه ساما هو ما يسمى بالقاعدة النقدية وما تولده البنوك عن طريق الإقراض هو ما يسمى بعرض النقود وهو على ثلاثة مستويات تبدأ من واحد وهو الأكثر سيولة إلى الثالث وهو الأقل سيولة، وتفصيل هذا ليس هنا محله.

لذا فكلما زاد النشاط الاقتصادي واحتيج للسيولة زادت ساما من طباعة الريال وهذا ما نسمعه دائماً بزيادة المعروض النقدي. فإذا خفت حدة النشاط الاقتصادي ولم تعد هناك حاجة لهذه الكمية من الأموال سحبت ساما هذا الريال من السوق لتوازن بين كمية الريال وبين النشاط الاقتصادي. لذا فعند حالات عدم النمو لا يزيد المعروض النقدي لأن الريال يدور حول المجتمع من يد إلى يد في تبادل محض للسلع الموجودة دون إيجاد سلع جديدة. ولكن عند نمو الاقتصاد يجب توفير الريالات لكي لا تشح السيولة فتنخفض الأسعار فيتوقف النمو. (وهذا يشرح جزءا من أسباب عدم صلاحية الذهب لأن يصبح عملة في الوقت الحاضر فهو محدود مقابل النمو العالمي المتواصل مما سيخلق انخفاضا في الأسعار يؤدي إلى الكساد). واستمرار انخفاض الأسعار ليس شيئا جيدا عكس المفهوم الشائع. فانخفاض الأسعار يمنع المستثمرين من الاستثمار لأن فلوسهم اليوم تساوي أكثر غدا، على عكس التضخم المعقول وبخاصة إذا كان متوقعاً.

وعودة إلى كيفية الربط. فإن سحب الأموال الذي ذكرناه آنفا الذي تقوم به ساما في السوق المحلية عند زيادته هو من أجل الحفاظ على سعر الريال دوليا ومن أجل كبح جماح التضخم النقدي محلياً. فلو لم تسحب ساما معروض الريالات الزائد لانعكس على ارتفاع الأسعار محليا من غير زيادة في الطلب فيحصل التضخم النقدي، وأما دوليا فسيؤدي إلى خلق فجوة بين أسعار السلع محليا ودوليا. فسلعة عندنا أصبحت تساوي ألف ريال بعد كانت بـ800 ريال بسبب زيادة المعروض النقدي المحلي. لذا فسعر هذه السلعة في دولة مجاورة هو 800 مع أجور الشحن. فتبدأ الريالات بالخروج من أجل الاستفادة من فرق السعر وجلب السلع إلى السعودية. هذه الريالات يجب أن تتحول إلى العملة الأجنبية ولن تجد شاريا إلا ساما على المستوى الدولي لأن الريال ليس عملة دولية. فإن لم تشتره ساما هبط سعره وإن اشترته ساما فستشتريه من احتياطياتها الأجنبية بالعملة الأجنبية، (أي لتسهيل الصورة فكأن ساما هي صراف العملات المختص بالريال دوليا). وبهذا يكون الريال قد سُحب من الأسواق المحلية فانخفضت كميته حتى تعود الأسعار إلى وضعها الطبيعي.

ولكن قبل أن يحدث ذلك تقوم ساما بسحب الفائض النقدي محليا عن طريق بيع السندات الحكومية للبنوك قبل خروجه، كما تقوم بشراء هذه السندات في حالة زيادة الطلب المحلي على الريال للمحافظة على مستوى الأسعار محليا.

وأما دوليا فساما تقف مستعدة للدفاع عن ثبات قيمة الريال في حالة هروب رؤوس الأموال غير المتوقع إلى الخارج أو هجومها إلى الداخل. (والأموال المحولة من أجل الاستيراد لا مشكلة فيها لأنها متوقعة وهي لا تخلف كمية المعروض النقدي إلا بذبذبة قصيرة، لأنها عبارة عن تدوير).

فأما في حالة هروب رؤوس الأموال بتحويلها إلى الخارج، كما حدث في حرب الخليج، فإن ساما تستخدم احتياطياتها النقدية الأجنبية في عملية التحويل، أي أنها تشتري الريال بالدولار مثلا إذا كان التحويل بالدولار، وتقوم بإقراض البنوك المحلية من الريال السعودي في حالة عدم وجود سيولة كافية عند البنوك، أو بشراء سندات حكومية منها لتعويض المعروض النقدي (التعقيم) مع مراقبة المعروض النقدي، فقد لا يحتاج إلى ذلك. فإذا استمر هروب رؤوس الأموال فستنفد الاحتياطيات فتعجز ساما عن شراء الريال مما يسبب انكسار الربط وانهيار قيمة الريال. إلا أن ساما قد تستعين بإحدى الدول الصديقة فتقترض منها احتياطيات أجنبية بطريقة مباشرة أو بطريقة التبادل (نوع من المشتقات).وأعتقد أن ما أشيع في التسعينات من دين أجنبي تحملته بلادنا لليابان أيام حرب الخليج لم يكن إلا من أجل الدفاع عن قيمة الريال فقد نزلت احتياطيات ساما الأجنبية (الاحتياط النقدي الأجنبي لا الموجودات الأجنبية) في فترة معينة خلال أزمة الخليج 1990م إلى 2 بليون دولار، ولم ينكسر الريال مما يؤكد أن هناك مساعدة قُدمت من الحلفاء والتي قد تكون هي الديون اليابانية قصيرة الأجل التي أشرت إليها سابقا، فانكسار الريال أثناء الحرب هو هزيمة معنوية عظيمة لها آثار سياسية واقتصادية وعسكرية سيئة للغاية، نشرح الاقتصادية منها لاحقا. ومن هذا قيام السعودية بإمداد البنك المركزي اللبناني بمليار دولار كاحتياطيات أجنبية أثناء الغزو الإسرائيلي من أجل تطمين الناس فيحتفظوا بالليرة ولا يستبدلونها لعلمهم بوجود الغطاء الأجنبي اللازم. وهذا المليار قد لا يستخدم مطلقا فالمساعدة هنا معنوية لا تلحقها خسارة مادية، فالاحتياطيات الأجنبية للعملة كالجيش مكلف ماديا ولكن إذا كان قويا لا يهاجم أهله فلا يستخدم وإن كان ضعيفا تسلط عليه الغرباء فكثر استخدامه وقد يعجز عن دور الحماية.

وأما إن حدث هجوم على الريال بشرائه دوليا كما حدث 2007م بسبب الاعتقاد أن الريال سيعاد تقييمه ويرتفع سعره فإن ساما تقف كذلك مدافعة عن سعر الريال لكي لا يزيد بأن تطبع ريالات جديدة لمن أراد أن يشتري ثم تسحبها فيما بعد. ويحدث هذا بعدة طرق. منها الإقبال على الريال في الخارج: وهذا يحدث إما بأن تفتح حسابات بالريال السعودي في بنوك أجنبية ثم يقوم المضاربون بالطلب من بنوكهم بتحويل مبالغ من حساباتهم (بالدولار مثلا) إلى الريال لتودع في هذه الودائع التي هي بالريال السعودي. وهنا تكمن مشكلتين بالنسبة للبنك الأجنبي. فالريال ليس عملة دولية فهي لن تنتفع به في كونه مودعا عندها فتكون كلفة الفوائد عليها بلا استثمار، وكذلك فروقات أسعار الفوائد على الريال. لذا فالبنوك الأجنبية قد تقوم بعملية تبادلية للودائع بفوائدها مع أحد البنوك السعودية (وهنا يجب على ساما أن تسحب ريالات هذه الوديعة بما يسمى بالتعقيم وسيأتي شرحه) أو أن يقوم البنك بإيداع وهمي للريال مقابل أخذ ما يقابله من الدولار بينما يتحوط فيشتري الريال بفوائده في العقود المستقبلية (على حسب الأنظمة المختلفة).

وقد يكون الهجوم بأن تتحول أموال أجنبية إلى البنوك السعودية لتودع فيها بالريال السعودي مما يستلزم تحويلها إلى الريال السعودي عن طريق ساما. وهنا تقوم ساما بأخذ العملة الأجنبية وتضعها في احتياطياتها ثم نقوم بطبع الريالات وإدخالها في حسابات البنوك السعودية. ثم تقوم ساما بخطوة إضافية (كما فعلت في تبادل الودائع الدولية) فتسحب هذه الريالات الحارة من البنوك السعودية لكي لا يزداد المعروض النقدي ويكون ذلك عن طريق بيع سندات للبنوك، وهو ما يسمى بالتعقيم. وتستمر ساما بفعل ذلك حتى ييأس المضاربون من رفع سعر الصرف فيبدؤون ببيع الريال (أي تحويله إلى عملات أجنبية) وتقوم ساما بشراء الريال من احتياطياتها الأجنبية، أي أن هذه بضاعتكم ردت إليكم.وكل هذا الضخ والسحب للريالات هو عمليات رقمية محاسبية في جوهرها. وللتبسيط فلو كانت القاعدة النقدية 200 مليار ريال هو الموجود والذي تراه ساما أنه يوافق الطلب. فلو تحول إلينا من الخارج 100 مليون دولار لكي تودع على شكل ريالات في أحد البنوك المحلية تقوم ساما بأخذ هذه الدولارات وإيداعها في احتياطها النقدي في شكل سندات أمريكية قصيرة الأجل. ثم تخلق 375 مليون ريال لم تكن موجودة من قبل لكي تودع في البنك المحلي. وهذا يعني أن القاعدة النقدية زادت وسيزيد المعروض النقدي لأن البنك سيولد من هذه الأموال أموالا أخرى. ولن ترضى ساما بأن يتلاعب بالمعروض النقدي من شاء من الخارج أو الداخل. ولذا تقوم ساما ببيع سندات على هذا البنك المحلي وتسحب منه الريالات التي أوجدتها من قبل فلا يتغير المعروض النقدي. والذي سيتغير هو نسبة موجودات الأجنبية لساما مقابل المحلية. ففي هذا المثال ستزيد السندات الأجنبية وتنقص السندات الحكومية المحلية في جانب موجودات ساما وأما مطلوباتها فلن تتأثر. والتوازن كما هو 200 مليار في كلا الجهتين.وموضوع التعقيم لم يستوف الشرح فيه هنا وسيأتي الأسبوع القادم ضمن شرح السياسة النقدية السعودية ولماذا «نحن غير» وقصة اتباعنا للفائدة الأمريكية ولعلنا نتمكن -إن توفرت المساحة- أن نشرح علاقة الريبو وعكسه بالسايبر واختلافه عن الايبور.

تنفيذ
07-02-2011, Mon 12:52 PM
بعد قراءة سريعة للأسف لهذا المقال الرائع
وسوف اقرأه مرة اخرى
يتضح لي ان العملات الورقية على اسمها
وتبقى القيمة الحقيقية هي للذهب والفضة

الإنسان عدو ماجهل عندما كنا في المرحلة المتوسطة كنا ننتقد دراسة (الدينار) وهو ذهب و(الدرهم) وهو فضة فتبين الان انها ميزان حقيقي للعملات

لاشك ان التعامل بالعملات الورقية اسهل ولكن تبقى على اسمها ورقية (اطبع لاحسيب ولارقيب) ويتم رفعها وخفضها من قبل البنوك المحلية