المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نص محاضرة الشيخ المنيع عن التامين فى الغرفه التجارية بالرياض(منقول)



ghenaim
09-12-2009, Wed 6:58 PM
العدد 2163 | 9 شوال 1429 هـ

إعداد: محمد الأنصاري
حول المنظور الشرعي للتأمين ألقى معالي الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع محاضرة بعنوان "التأمين بين الإباحة والحظر" وذلك في الغرفة التجارية بالرياض مؤخراً، مهد لها بالكلام عن قيمة المال في نظر الإسلام والعناية بحفظه وسلامته وكيفية كسبه وتحصيله وهل هو غاية أم وسيلة، كما تطرق إلى مسألة تكدس الثروات في أيدي الملاك ثم عَرّف معالي الشيخ عبدالله المنيع التأمين لغة واصطلاحاً وأشار إلى المؤتمرات والندوات والمجالس العلمية التي عقدت لبحثه ثم تناول جانب التأمين التعاوني ومستند القول بجوازه لدى القائلين به وأكد على أن ما يقال في التأمين التجاري من أوصاف تقتضي القول بحرمته يلزم أن يقال ذلك في التأمين التعاوني.
وذهب الشيخ المنيع إلى أن التأمين التعاوني والتأمين التجاري كلاهما يتفقان في جميع الخصائص وأن الحواجز بينهما حواجز وهمية والتمييز بين النوعين خرافة تنم عن عدم إدراك حقيقة التأمين وواقعه.
وفي البداية قال معاليه: إن التأمين على الأموال والمنافع وغيرها وسيلة من وسائل حفظ المال ورعايته والتعويض عنه في حال تلفه أو ضياعه. والحديث عن التأمين من هذا المنطلق والتصور يقتضي التمهيد له بما يعطي العلم عن مفهوم الإسلام للمال ونظرته إليه من حيث قيمته، والحفاظ عليه وتحصيله وإنفاقه. وهل هو وسيلة أم غاية؟
ومن حيث توجيه الإسلام إلى الأخذ بأسباب إثباته والضمانات الكافية لأدائه وتنظيم الإجراءات لمنع وجوده وتكاثره في أيدي قلة من الناس وذلك بسن التشريعات الإلهية لتوزيع الثروات بين مستحقيها ولينتفع بالمال مجموعة من المحتاجين إليه من المسلمين، وقد مهّد فضيلة الشيخ المنيع للحديث عن ذلك بذكر المسائل الآتية:



1 - قيمة المال في نظر الإسلام
قال فضيلته: ينظر الإسلام إلى المال نظرة تقدير واحترام وأنه من الأمور التي تعين الإنسان على تحقيق حكمة خلقه ووجوده في هذه الحياة فالمال قيام الحياة الدنيا وزينتها قال تعالى: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً } (5) سورة النساء. وقال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } (46) سورة الكهف وقال صلى الله عليه وسلم: "نعم المال الصالح للعبد الصالح" وقال صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين - ومن الثنتين - رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته"



2 - العناية بالمال وحفظه
وأكد الشيخ المنيع على أن الإسلام يدعو إلى العناية بالمال وحفظه وعدم تمكين السفهاء من وجوده في أيديهم. وإذا كانوا مالكين له فيجب أن يكون المال تحت يد أمينة تحفظه لهم وتقوم باستثماره وتنميته وإخراج الحقوق الواجبة فيه منه. وإذا كان المال قد تعلق بذمم فيجب بذل الأسباب لإثباته بالكتابة والشهادة وأخذ الضمانات الكافية لأدائه من رهن وكفيل ونحو ذلك، وفي حال إنفاقه فيجب أن يكون ذلك في وجوهه الشرعية من غير تقتير ولا إسراف. قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (67) سورة الفرقان وقد أنحى الإسلام باللائمة على المسرفين في الإنفاق، فقال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ } (27) سورة الإسراء وقال تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف. وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال.
وقد جاءت الرخص الشرعية في ترك صلاة الجمعة والجماعة في المسجد لمن يخشى على ماله الضياع أو السرقة وذكر صلى الله عليه وسلم أن من قاتل دون ماله فقتل فهو شهيد وأن دم من قتله دون ماله هدر.



3 - نظرة الإسلام نحو كسب المال وتحصيله
وأشار الشيخ إلى أن الإسلام يعترف للمال بقيمته وأهميته في سبيل أداء حكمة الوجود في هذه الحياة يقول صلى الله عليه وسلم: "نعم المال الصالح للعبد الصالح" فهو يدعو إلى السعي في تحصيله.
قال الله تعالى{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ } (10) سورة الجمعةويقول تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } (15) سورة الملك. ويقول تعالى: { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ } (20) سورة المزمل. وقال: النصوص من كتاب الله تعالى ومن سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم في الترغيب في اكتساب المال أكثر من أن تحصر، إلا أنه يضع الضوابط والقيود في ابتغاء المال وتحصيله. فيجب أن يكون الحصول عليه خاليا من التعدي والبغي وأخذ أموال الناس بالباطل كان يكون تحصيله عن طريق الربا أو القمار أو الغرر أو الجهالة أو أن يكون تحصيله عن طريق المتاجرة بتأليف أو نشر أو تسويق كتب الضلال والزندقة والبدع والمحدثات مما له أثر في إفساد الاعتقاد والأخلاق، أو أن يكون عن طريق المتاجرة بالأسلحة في أوقات الفتن والاضطرابات السياسية مما له أثر في تعريض النفوس للهلاك، أو أن تكون المتاجرة بما يعود على العقول بالخلل والاضطرابات النفسية كالمتاجرة بالمخدرات والمسكرات ومشتقاتها وأنواعها وأجناسها. أو أن تكون المتاجرة بما يتعبر أكلاً لأموال الناس بالباطل من ربا ورهان وغرر وجهالة وغير ذلك، أو أن تكون المتاجرة فيما يعود بالضرر والفحشاء على الأعراض والنسل كالنشاطات الاقتصادية في المتاجرة بالأعراض مباشرة بفتح دور البغاء وملاهي الليل، أو غير مباشرة كتأليف ونشر كتب الجنس ومجلاته وإيجاد قنوات فضائية لترويج العهور والفجور ونشر الصور العارية وتمثيل الجنس أو أي نشاط يأتي على الحشمة والكرامة أو العفة أو يؤثر فيها. أو أن يكون اكتساب المال عن طريق الغش أو التدليس أو الخيانة أو التعدي عليه بسرقته أو غصبه أو انتزاعه بغير حق.
فكل مال تم تحصيله من طريق غير مشروع فهو سحت وباطل ونار في بطون مكتسبيه. وهكذا فإن اكتساب المال مشروع ومرغوب في تحصيله إلا أنه يجب أن يكون اكتسابه خالياً من أي طريق تعسفي في اكتسابه.



4 - نظرة الإسلام إلى المال .. هل هو غاية أم وسيلة؟
وعن نظرة الإسلام إلى المال قال الشيخ المنيع: الواقع أن الإسلام ينظر إلى المال باعتباره وسيلة إلى تحقيق مرضاة الله بعبادته وتعظيمه وصرف المال في سبيل ذلك. حيث إن بعض العبادات مالية محضة كالزكاة والصدقات والنفقات والصلاة والوقوف. وبعضها بدنية إلا أن المال عنصر أدائي في القيام بها كالحج والعمرة والجهاد في سبيل الله، ومما يؤكد ذلك أن مالك المال بعد وفاته تفنى ذمته التي كانت في حياته أهلا للإلزام والالتزام. ويفنى بفناء ذمته حقه في التملك، حيث تنتقل ملكيته إلى الورثة وإلى من أوصى لهم مما لا يتعارض مع مشروعية الوصية - لا وصية لوارث - ولا وصية فيما زاد عن الثلث. فقد انتفت بوفاة مالك المال حاجته إليه فزال ملكه عنه وانتقل إلى غيره. فالمال في نظر الإسلام وسيلة لا غاية وهو مال الله، قال تعالى: { وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } (33) سورة النــور



5 - نظرة الإسلام إلى تكدس الثرواث في أيدي الملاك
وأضاف الشيخ: إن نظرة الإسلام إلى المال باعتباره وسيلة تقتضي تفتيت الثروات وتوزيعها بين أكبر عدد مستحق لها كي لا يكون دولة بين الأغنياء من المسلمين، وقد اتخذ الإسلام مجموعة من التشريعات في سبيل توزيع الثروات، من ذلك الزكاة والصدقات والصلات والنفقات والوقوف والحض على الإهداء - تهادوا تحابوا - والعطايا والإنفاق في سبيل الله والصدقات الجارية والوصايا ثم بعد الممات توزيع الباقي من الأموال على الورثة كل حسب حصته واستحقاقه. وهذا يؤكد القول إن الإسلام ينظر إلى المال بصفته وسيلة لا غاية وإنه ضد تكدس الأموال في أيدي قلة من الناس وضد أي تنظيم يؤدي إلى ذلك.



6 - عناية الإسلام بحفظ المال عن طريق وسائل الإثبات
وذكر الشيخ عبدالله المنيع أنه لا يخفى أن الإسلام دين العقل والنصف والحق والعدل ورعاية الحقوق. وقد رتب العقوبات المناسبة على الخروج على هذه الثوابت والأصول. والمال حق أساسي في التمليك، فللإسلام في سبيل حمايته وإثباته والمحافظة عليه الكثير من الوسائل المحققة لحفظه ومنها:
1 - الاعتراف بالحق والاقرار به وإثبات ذلك بالكتابة.
2 - الإشهاد على الحق ممن هم أهل للشهادة وأدائها.
3 - الرهن للحق، حيث إنه توثقة دين بعين. للمرتهن الحق في بيع الرهن لاستيفاء دينه من ثمنه.
4 - الضمان بأي وسيلة من وسائل الضمان كالكفيل والضامن وخطابات الضمان والاعتمادات المستندية.
5 - حفظ المال في الخزائن الحديدية أو الإيداعات البنكية أو الحسابات الجارية مما يتيح لصاحبه السحب والإيداع والاعتماد على ذلك بالإشعارات الممثلة لوثائق حفظ وائتمان.
6 - استخدام وسائل المحافظة على المال في حال التنقل.
مثل الشيكات بمختلف أنواعها ومن ذلك الشيكات السياحية، والبطاقات الائتمانية وبطاقات الصرف والتحويلات المصرفية وكل وسيلة من وسائل الحفظ والإثبات والائتمان مما تتتابع اختراعاته ومستجداته.
7 - التأمين على الأموال والمنافع بما يتوافر معه وعن طريقه الأمن والأمان وتتحقق بواسطته السلامة من ضياع المال أو تلفه حيث يقوم التعويض مقامه في حال تلفه أو ضياعه.
ونظراً إلى أن موضوع المحاضرة إحدى وسائل حفظ المال والاطمئنان على انتفاء خسارته وهو التأمين فقد آن لنا الدخول في الموضوع مستعينين بالله على تقديمه والوصول في ختام البحث إلى نتيجة تتفق مع أصول الشريعة وقواعدها العامة. والله ولي ذلك والمستعان عليه.



التأمين لغة واصطلاحاً
وعرّف الشيخ المنيع التأمين في اللغة وقال: إن الكلمة تأتي من مادة أمن يأمن أمنا إذا وثق وركن إليه وأمنه تأمينا إذا جعله في الأمن فكان بذلك آمنا وفي المنجد: يقال أمّن على ماله عند فلان تأمينا، أي جعله في ضمانه. وأما في الاصطلاح فقد اختلفت تعريفاته لدى الباحثين إلا أن الاختلاف في الغالب اختلاف لفظي، ولعل أقرب تعريف إلى الجمع والمنع والشمول هو: أنه تعاقد بين طرفين هما المؤمن والمؤمن له يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي للمؤمن له أو من يعينه مستفيدا مبلغا من المال أو إيرادا دوريا أو تعويضا عن ضرر إثر حادث مغطى ضرره في العقد وذلك نظير قسط مالي يؤديه المؤمن له للمؤمن بصفة دورية أو دفعة واحدة.
وقال: إن التأمين من المسائل المستجدة حيث لم يكن لفقهائنا السابقين ذكر له لعدم وجوده في عصورهم. ويذكر أن أول من ذكره من الفقهاء ابن عابدين، رحمه الله، وذلك حينما اتسعت التجارة بين الشرق والغرب واضطر التجار إلى التأمين على نقل بضائعهم عبر البحر فسئل عنه، رحمه الله، فأجاب بجواب خلاصته الكراهة.
ويظهر - والله أعلم -أن الفتوى منه بالكراهة لم تكن مبنية على تأصيل وتعليل بقدر ما كانت مبنية على الانطباع العام والمفاجأة بعرضه.



مؤتمرات وندوات
واستطرد الشيخ قائلاً: إنه بعد تطور التجارة واتساعها وظهور مستجدات في محيط اتساع نشاطها ظهر التأمين نازلة من نوازل العصر واتجه الاضطرار إلى بحثه من حيث تصوره وحكمه تحليلا أو تحريما فعقدت لبحثه مجموعة من المؤتمرات والندوات والمجالس العلمية وكان من أهم ذلك:
1 ـ أسبوع شيخ الإسلام ابن تيمية المنعقد في دمشق سنة 1362هـ وحضره مجموعة من فقهاء العصر وعلمائه وقدمت فيه البحوث وكان من أبرز المشاركين فيه الشيخ مصطفى الزرقاء ـ رحمه الله ـ القائل بإباحته مطلقا. وقد انتهى المؤتمر باختلاف المشاركين ما بين مبيح مطلقا ومحرم مطلقا، ومنهم من فصل في ذلك فأباح التأمين على الأموال ومنع التأمين على الحياة.
2 ـ أعيد بحث الموضوع في مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة سنة 1365هـ واختلف المشاركون فيه في حكم جوازه أو منعه، وقد عرض في هذا المجمع مجموعة من البحوث ما بين مجيز ومحرم، وقام الشيخ فرج السنهوري الأمين العام للمجمع بجمعها، وقد كادت الآراء المختلفة فيه تتساوى من حيث القول بجوازه والقول بتحريمه.
3 ـ صدرت مجموعة بحوث وفتاوى من فقيه العصر الشيخ مصطفى الزرقاء ـ رحمه الله ـ جمعها في مجموعة كتب انتهى بها إلى القول بجوازه، وأول فتوى منه بذلك كانت قبل 60 عاما فيما نعلم قدمها في أسبوع شيخ الإسلام ابن تيمية المنعقد في دمشق سنة 1362هـ.
4 ـ صدرت فتوى من شيخ الأزهر جاد الحق سنة 1390هـ بتحريم التأمين التجاري لما فيه من الربا والغرر والقمار.
5 ـ عرض موضوع التأمين على مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة سنة 1397هـ وصدر به قرار المجلس بتقسيم التأمين إلى تأمين تعاوني مباح وتأمين تجاري محرم، وذكر في القرار تعليل القول بإباحة التعاوني وتعليل القول بتحريم التجاري.
6 ـ صدر قرار المؤتمر العالمي المنعقد في مكة المكرمة سنة 1386هـ بتحريم التأمين التجاري.
7 ـ صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي سنة 1397هـ انتهج فيه المسلك الذي أخذ به مجلس هيئة كبار العلماء بإباحة التعاوني وتحريم التجاري.
8 ـ صدر قرار مجمع الفقه الدولي في جدة سنة 1406هـ بمثل ما صدر به قرار مجلس هيئة كبار العلماء ومجمع الفقه الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي.
9 ـ صدرت مجموعة من الفتاوى والقرارات من هيئات الرقابة الشرعية والفتوى لمجموعة من المؤسسات المالية الإسلامية وصدرت بحوث من بعض فقهاء العصر بانتهاج المسلك الذي أخذ به مجلس هيئة كبار العلماء وأخذ به المجمعان ـ المجمع الدولي ومجمع الرابطة ـ بتقسيم التأمين إلى تعاوني مباح وتجاري محرم.
10 ـ صدر قرار الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار سنة 1411هـ بجواز التأمين مطلقا ـ التأمين التعاوني والتأمين التجاري.
11 ـ وأخيراً صدرت فتوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بتفسير قرار هيئة كبار العلماء فيما يتعلق بالتأمين التعاوني وأن المقصود به إيجاد جمعية تعاونية معروف أعضاؤها يقومون بجمع مال منهم يستثمر ويخرج منه ما تقتضيه الحوادث عليهم وجاء في الفتوى أن التطبيق الحالي للتأمين التعاوني من قبل شركات التأمين التعاونية غير صحيح، وأن هذه الشركات التعاونية تتفق مع شركات التأمين التجارية في العناصر الأساسية في التأمين فهي بذلك تتفق مع شركات التأمين التجارية في الحكم بالتحريم.



التأمين التعاوني ومستند القول
بجوازه لدى القائلين به
وحول التأمين التعاوني وجوازه قال فضيلة الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع: لا شك أن التأمين التعاوني يعتمد في إجرائه وترتيب أحكامه على ذلك الإجراء على ما يعتمد عليه التأمين التجاري من إجراءات، حيث إن التأمين مطلقا يعتمد على خمس ركائز، هي: المؤمن، المؤمن له، محل التأمين، القسط التأميني، والتعويض في حالة الاقتضاء.
ويذكر القائلون بالتفريق بين التأمين التجاري والتعاوني أن التأمين التعاوني يختلف عن التأمين التجاري في أن الفائض من التزامات صندوق التأمين التعاوني يعود إلى المشتركين فيه كل بحسب نسبة اشتراكه، وهذا أثر من آثار وصف هذا النوع بالتأمين التعاوني. فهو تعاون بين المشتركين فيه على رأب الصدوع وجبر المصائب وما زاد على ذلك رجع إليهم، وما ظهر من عجز تعين عليهم سداده من أموالهم كل بقدر نسبة اشتراكه.
وأما التأمين التجاري فليس فيه هذا التوجه، حيث يعتبر الفائض في صندوقه ربحا لشركة التأمين التجارية وفي حال وجود عجز في هذا الصندوق فيعتبر خسارة، على شركة التأمين التجارية الالتزام بتغطية هذا العجز من رأسمال الشركة أو من احتياطياتها، حيث تعد هذه الخسارة ديناً على الشركة. ومن هذا العرض يظهر أن دعوى اختلاف التأمين التعاوني عن التأمين التجاري في موضوع الفائض دعوى غير صحيحة، فالفائض في القسمين ربح والعجز في صندوق كل منهما خسارة. وسيأتي، إن شاء الله، مزيد إيضاح في أن التأمين التعاوني يتفق مع التأمين التجاري في الحصول على الربح.
وبهذا يتضح أن التأمين التعاوني يتفق مع التأمين التجاري من حيث الإجراء التطبيقي في جميع المراحل التنفيذية وفي العناصر الأساسية وليس بينهما اختلاف يقتضي التفريق بينهما في الحكم إباحة أو تحريما، فكلا القسمين يشتمل على خمسة أركان، هي: المؤمن، المؤمن له، محل العقد، القسط التأميني، والتعويض في حالة الاقتضاء. وأن الإلزام والالتزام فيهما يتم بإبرام عقد بين الطرفين، المؤمن والمؤمن له، يكون في العقد بيان أحوال التغطية ومقاديرها والالتزام بها بغض النظر عن ربح أو خسارة.
وقيل في توجيه التفريق بين التأمين التعاوني والتأمين التجاري إن التأمين التجاري يشتمل على الربا والغرر الفاحش والقمار والجهالة وأن التأمين التعاوني يخلو من ذلك، حيث إنه ضرب من التعاون المشروع فهو تعاون على البر والتقوى. وإن القسط التأميني يدفعه المؤمن له للمؤمن على سبيل التبرع وأن التعويض في حال الاقتضاء يدفع من صندوق المشتركين وأنهم بحكم تعاونهم ملتزمون بالتعويضات سواء أوجد في الصندوق ما يفي بسدادها أم حصل في الصندوق عجز عن السداد، فهم ملزمون بتغطيته من أموالهم كل بنسبة اشتراكه. وإذا وجد في الصندوق فائض تعين إرجاعه إليهم بخلاف التأمين التجاري، فما في الصندوق من فائض يعد ربحا لشركة التأمين التجارية، فهي شركة ربحية قائمة على المتاجرة وطلب الربح لا على التعاون، كما قيل: إن التأمين التجاري مبني على الربا والقمار والغرر والجهالة وأكل أموال الناس بالباطل بخلاف التأمين التعاوني فهو مبني على التبرع والتعاون المطلوب شرعا وعلى المسامحة وانتفاء عنصر المعاوضة.



وقفات ومناقشات
وأضاف الشيخ المنيع إن هذا التوجيه لتسويغ القول بجواز التأمين التعاوني وحرمة التأمين التجاري تحتاج مناقشته إلى وقفات حتى يتضح لنا وجه قبول هذا التوجيه أو رده.
الوقفة الأولى: فيما يتعلق بدعوى التعاون المحمود في التأمين التعاوني وانتفائه عن التأمين التجاري.
القول إن التعاون المحمود والمشروع في التأمين التعاوني مقصود عند الدخول من قبل المشتركين قول غير صحيح، فليس لواحد من المشتركين فيه قصد تعاون بينه وبين إخوانه المشتركين بل إنه في الغالب لا يعرفهم أو أنه يجهل أكثرهم، فهو تعاون تم بغير قصد كالحال بالنسبة للمشتركين في التأمين التجاري، ولا شك أن التأمين بصفة عامة يحصل منه تعاون غير مقصود من المشتركين فيه كما يحصل ذلك في جميع الأعمال المهنية ومن جميع العاملين فيها، فرغيف الخبز مثلا لا يصل إلى يد آكله حتى يمر بمجموعة من مراحل إعداده: زراعة، وحصادا، وتنقية وطحنا وعجنا وخبزا ـ دون أن يكون لعمال كل مرحلة قصد في التعاون مع الآخرين على إعداد هذا الرغيف، فهذا نوع من التعاون فهل هو تعاون مقصود أم هو تعاون تم بحكم بواعثه ونتائجه والحاجة إليه؟ وهذا يعني أن التأمين بقسميه تم بطريق تعاوني غير مقصود كالحكم في تأمين الحاجات البشرية بين مجموعة من الأفراد على سبيل المراحل التنفيذية من غير قصد تعاون فيما بينهم في تحصيلها.
ولا أظن أحدا يدعي التفريق بين مشترك في التأمين التعاوني ومشترك في التأمين التجاري فيقول: إن المشترك في التأمين التعاوني بقصد التعاون على البر والتقوى محتسباً الأجر في ذلك عند الله بخلاف المشترك في التأمين التجاري فليس له قصد في التعاون، لا شك أن القول بذلك دعوى موغلة في الوهم وعدم الانفكاك عما يكذبها من حيث الحس والعقل، وبهذا يظهر أن وصف التأمين التعاوني بالتعاون المقصود قول لا حقيقة له وأن الصحيح أنه تعاون غير مقصود كالتعاون التجاري، فبطل القول بأن التعاون فرق بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني.

ghenaim
09-12-2009, Wed 7:00 PM
تــــــــــــــكملة
----------------------
دعوى باطلة
الوقفة الثانية: كما قال معالي الشيخ المنيع: مع القول إن القسط التأميني في التأمين التعاوني تم تقديمه من قبل المؤمن له على سبيل التبرع.
هذا القول قرين لدعوى التعاون المقصود الذي تبين بطلانه، فمن خصائص التبرع أن المتبرع له حق العدول عن التبرع بكامل ما يتبرع به أو يجزئه فما على المحسنين من سبيل، كما أن له حق الامتناع عن الاستمرار بما وعد به من تبرع بالأقساط أو بالمشاركة في سد عجز الصندوق. فهل يقبل من المشترك في التأمين التعاوني هذا الحكم على اعتبار أن مشاركته كانت على سبيل التبرع؟ أم أن امتناعه عن الاستمرار في دفع الأقساط أو الامتناع عن المشاركة في تغطية عجز الصندوق يسقط حقه في التعويض وفي المطالبة بما مضى منه دفعه ويعطي القائمين على إدارة التأمين التعاوني حق فسخ العقد معه؟
إن الإجابة عن هذا التساؤل من باحث عن الحقيقة تبطل القول بدعوى التبرع وتلزم بالقول إن التعاقد بين المؤمن والمؤمن له تعاقد معاوضة توجب الإلزام والالتزام كالحال بالنسبة للتأمين التجاري. وأن القول بالتبرع دون أن تثبت له أحكامه ضرب من الوهم والخيال.



طلب الربح ليس محرماً
الوقفة الثالثة والتي يقفها الشيخ المنيع هي: مع القول إن توزيع الفائض في الصندوق بعد دفع المستحقات عليه يخرج التأمين التعاوني من أن يكون طريقا من طرق المتاجرة وطلب الربح.
ويضيف: وجه الوقوف مع هذا القول من جانبين أحدهما أن طلب الربح والأخذ بأحوال وأنواع التجارة ليس أمراً محرماً أو مكروهاً حتى يعد ذلك من مسوغات القول بتحريم التأمين التجاري لكونه يستهدف الربح وبإباحة التأمين التعاوني لانتفاء الربح فيه. فالضرب في الأسواق والسعي في طلب الرزق والربح أمر مشروع.
الجانب الآخر يتلخص في أن التأمين التعاوني في واقعه شركة تأمين مكونة من المشتركين هم أعضاؤها. فكل مشترك يحمل في الشركة صفتين، صفة المؤمن باعتباره باشتراكه فيها عضوا له حق في الفائض بقدر نسبة اشتراكه وعليه الالتزام بالمشاركة في سداد عجز صندوق الشركة عن الالتزام بالتعويضات بنسبة مشاركته، وله صفة المؤمن له باعتباره باشتراكه أحد عملاء الشركة ملتزما بدفع القسط التأميني وتلتزم الشركة له بدفع تعويضه عما يلحقه من ضرر مغطى بموجب تعاقده مع الشركة. وبهذا ينتفي وجه التفريق بين التأمين التعاوني والتأمين التجاري فكلاهما شركة تأمين تتفق إحداهما مع الأخرى في جميع خصائص التأمين من حيث عناصره ومن حيث الإلزام والالتزام والصفة القانونية لكلا القسمين. فشركة التأمين التجارية شركة قائمة على الإلزام والالتزام والحقوق والواجبات وكذلك الأمر بالنسبة لشركة التأمين التعاونية فهي شركة قائمة على الإلزام والالتزام والحقوق والواجبات. ومعلوم أن لكل شركة من الشركتين إدارة مسؤولة عن الجانب التنفيذي لأعمال كل شركة سواء أكانت هذه الإدارة من أهل الشركة نفسها أم كانت إدارة أجنبية مستأجرة للإدارة. وكما أن شركة التأمين التجارية ملزمة بدفع التعويضات المستحقة عليها للمشتركين عند الاقتضاء والوجوب سواء أكانت الشركة رابحة أم خاسرة فكذلك الأمر بالنسبة لشركات التأمين التعاونية فهي ملزمة كذلك بدفع التعويضات المستحقة عليها للمشتركين عند الاقتضاء والوجوب وإذا كان صندوق الشركة فيه عجز يحول دون كامل التزاماته أو بعضها تعين الرجوع إلى المشتركين فيها لسد عجز الصندوق، حتى يكون قادرا على الوفاء بتغطية كامل التزاماته، حيث إنهم أصحاب الشركة وملاكها. فيجب على كل واحد منهم أن يسهم في تغطية العجز كل بقدر نسبة اشتراكه فيها. وقد جاء النص على ذلك في الأنظمة الأساسية لشركات التأمين التعاونية وصدرت قرارات وفتاوى الهيئات الشرعية الرقابية بذلك كما صدرت قرارات مجموعة من المجالس والمجامع الفقهية والندوات العلمية بإلزام المشتركين في شركات التأمين التعاونية بسد عجز صناديقها. وهذا ما تزول به الحواجز الوهمية بين شركات التأمين التجارية وشركات التأمين التعاونية.
الوقفة الرابعة: ويقف فيها معالي الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع مع القول: إن التأمين التجاري يشتمل على الربا والقمار والغرر والجهالة وأن التأمين التعاوني لا يشتمل على شيء من ذلك وإنما هو ضرب من ضروب التعاون والتسامح والتبرعات.
ويقول إن مناقشة هذا القول تحتاج إلى استعراض مجموعة أمور:
أحدها: على افتراض أن التأمين التجاري ينطوي على الربا والقمار والغرر والجهالة فإن التأمين التعاوني يصب في نفس هذا الحوض مع التأمين التجاري. فأهل هذا القول يقولون إن المؤمن له يدفع أقساطاً تأمينية هي أقل بكثير مما قد يدفع له تعويضاً في حال الاقتضاء. وليس تقابض العوضين في مجلس واحد وإنما أحد العوضين يتسلم قبل تسلم العوض الآخر إن استحق وذلك بوقت قد يكون طويلا، وهذا هو عين الربا بقسميه ربا الفضل وربا النسيئة.
ويمكن أن يقال في مقابلة هذا القول إن التأمين التعاوني يسلك هذا المسلك حذو القذة بالقذة ومن يفرق بينها بدعوى التبرع أو التعاون فتفريقه مردود عليه بما سبق. والقول: إن التأمين التجاري يشتمل على القمار حيث إن القمار يعتمد على غرم محقق وغنم محتمل.
حيث إن المشترك يدفع أقساط اشتراكه قطعا ولا يدفع له التعويض عن الضرر إلا في حال وقوعه. ووقوع الضرر محتمل فقد يقع فيدفع له مبلغ يفوق ما سبق منه دفعه وقد لا يقع الضرر فتضيع مبالغه التي دفعها في شكل أقساط وهذا هو القمار - غرم محقق وغنم محتمل - ويمكن أن يناقش هذا القول إن التأمين التعاوني يتفق مع التأمين التجاري في هذا التصور. فالمشترك في التأمين التعاوني يلتزم بدفع أقساط التأمين بكل حال وقد ينتهي عقد التأمين معه دون أن يقع عليه ما يقتضي التعويض، فاتفق مع التأمين التجاري في دعوى اشتماله على القمار - غرم محقق وغنم محتمل -. والقول إن التأمين التجاري يشتمل على الغرر الفاحش حيث إن المؤمن له لا يدري هل ينتهي عقده دون أن يقع عليه ما يوجب التعويض فتضيع عليه مبالغ أقساطه التي دفعها؟ أم يقع عليه ما يوجب التعويض فما مقداره؟ فهذا عين الغرر. ويمكن أن يناقش هذا القول إن التأمين التعاوني يتفق مع هذا التصور ويسير بهذا مع التأمين التجاري جنباً إلى جنب. ولا يدفع هذا دعوى أن التأمين التعاوني مبني على التبرع والتعاون والتسامح. فهو قول موغل في الوهم والخيال، وبمثل ما ذكرنا في دعوى الربا والقمار والغرر نقول في دعوى الجهالة. فما يقال في التأمين التجاري من أوصاف تقتضي القول بحرمته يلزم أن يقال ذلك في التأمين التعاوني فليس بينهما فروق تقتضي التقسيم والتفريق في الحكم. وأذكر كلمة لفقيه العصر وعلامته الشيخ مصطفى الزرقاء ـ رحمه الله ـ وهو ينتقد القول بالتفريق بين التأمينين التجاري والتعاوني حيث يقول: وقد بينت في كتبي وبحوثي في المجمع الفقهي أن التمييز بين تأمين تجاري وتأمين تعاوني خرافة وأن هذا التمييز الوهمي هو نتيجة عدم الإدراك لحقيقة التأمين وواقعها. أ.هـ.



محل العقد في التأمين
الأمر الثاني: كما يستطرد الشيخ أن التأمين بنوعيه لو تحقق فيه القول باشتماله على الربا والقمار والغرر الفاحش والجهالة، لو تحقق فيه ذلك أو اشتمل على صفة واحدة مما ذكر لكان ذلك كافيا في القول بحرمته. ولا نعلم في القول ببطلان أي عقد يشتمل على الربا أو الغرر الفاحش أو القمار أو الجهالة خلافا بين أهل العلم في البطلان. والنصوص الشرعية من كتاب الله ومن سنة رسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ متوافرة في ذلك، فهل التأمين بنوعيه يشتمل على ما ذكر من ربا وقمار وغرر وجهالة؟ إننا نستطيع أن نتبين ذلك عن طريق التعرف على محل العقد في التأمين. هل محل ذلك المعاوضة بين نقد ونقد كما هو الحال في المصارفة؟ أم أن محل ذلك عنصر الرهان والمقامرة بحيث يربح أحد المتقامرين ويخسر الآخر؟ أم أن محل العقد أمر مجهول لا نعلم حقيقته ولا قدره ولا وجه حصوله؟ أم أن الغرر متحقق حصوله لدى أطرافه؟ الواقع أن محل العقد في التأمين بقسميه ليس ما ذكر وإنما هو ضمان الأمن والأمان والسلامة من ضياع المال أو تلفه. فالأقساط التأمينية ثمن للضمان. فليس لدينا نقود بنقود وليس لدينا غارم وغانم، وإنما كل طرفيه غانم. فالمؤمن غانم للأقساط التي هي ثمن ضمانه السلامة. والمؤمن له غانم السلامة سواء سلمت العين المؤمن عليها حيث كسب الطمأنينة والارتياح النفسي أثناء مدة عقد التأمين عليها. وفي حال تلفها فهو كاسب التعويض عنها، فهو سالم في حال السلامة أو التلف. وقد يثار حول تخريج التأمين على بيع الأمن وشرائه أمور يراد منها رد هذا القول.
من هذه الأمور: إن الأمن شيء معنوي لا يصح أن يكون محلا للمعاوضة والجواب عن هذا الإيراد أن الأمن مطلب يسعى لتحقيقه الأفراد والجماعات فالأموال تبذل في سبيل الحماية والحراسة والحفظ وذلك لتحقيق الأمن والسلامة من النقص والتلف والضياع والغصب واضطراب الأمن وانتفاء الاستقرار، يستوي في استهداف ذلك الأفراد والجماعات والدول. ويضرب الشيخ عبدالله المنيع مثلاً على ذلك بقوله: لو نظرنا إلى ميزانيات الدول لوجدنا أن وزارات الداخلية تختص بنسب كبيرة من الميزانية ثمناً لتحقيق الأمن والأمان والاستقرار في البلاد وهذا يعني أن الأمن والسلامة والأمان والاستقرار أمور معنوية تبذل في سبيل تحقيقها وتوفيرها للبلاد وأهلها أموال كثيرة قد تتجاوز ثلث ميزانية الدولة. وغني عن البيان القول: إن هناك حقوقا معنوية صالحة لأن تكون محلا للمعاوضات بيعاً وشراء وتنازلا وصلحا. مثل حقوق الطبع والنشر والإنتاج والعلامات التجارية وبراءات الاختراع والتنازل عن الاختصاصات والمعاوضة عن الرغبات الثابتة بالاختصاص كل ذلك من الحقوق المعنوية القابلة لتنقل الأيدي على تملكها بالمعاوضة عنها وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي في جدة باعتبارها حقوقا صالحة للتداول والمعاوضة عنها ويعد الاعتداء عليها كالاعتداء على الحقوق المحسوسة وبهذا يتضح أن القول إن الأمن لا يصح أن يكون محل معاوضة غير صحيح حيث إنه حق معنوي متفق مع الحقوق المحسوسة في اعتباره محل معاوضة ومحلا لتداول الأيدي على تملكه وحقا تثبت له حقوق حفظه والعقوبة على الاعتداء عليه..
وذكر معالي الشيخ المنيع من الإيرادات على ذلك قائلاً: إن من شروط البيع أن يكون المبيع مملوكاً للبائع وقت العقد والأمن والأمان ليسا مملوكين للمؤمن وقت إبرام عقد التأمين بينه وبين المؤمن له. والجواب عن هذا الإيراد أن المُؤِمنَ وهو شركة التأمين باع من ذمته أمناً جرى وصفه وصفاً تنتفي منه الجهالة، وجرى ذكره في العقد وهو قادر على تحقيقه للمؤمن له وقت الاقتضاء وذلك بدفعه التعويض الجالب للطمأنينة والسلامة والأمان. وهذا من أشباه ضمان الأسواق وضمان أمن الطرقات التي جرى ذكرها واعتبارها لدى بعض الفقهاء ومنهم فقهاء الحنفية فقد ذكروا: (لو قال شخص لآخر اسلك هذا الطريق فإنه آمن وإن أصابك شيء فيه فأنا ضامن فسلكه وأخذ اللصوص ماله ضمن القائل تعويضه عما أخذ منه) ا.هـ. وهذا نوع من التأمين وهذا القائل: اسلك هذا الطريق وأنا ضامن ما يحصل عليك. لا يملك الضمان وإنما ضمن له من ذمته الأمن كبيوع السلم فهي مبيعات لا يملكها بائعها وقت العقد وإنما باع من ذمته ما يغلب على الظن قدرته على حصوله عليه وقت حلول أجل التسليم. وبهذا ينتفي رد هذا القول إن بائع الأمان لا يملكه وقت العقد. ومن هذا الإيرادات:
إن القول ببيع الضمان ـ الأمن والأمان ـ باعتباره محل العقد يعني القولَ بأخذ الأجرة على الضمان. وهذا القول قد رفضه جمهور أهل العلم بل حكى ابن المنذر الإجماع ممن يحفظ عنه من أهل العلم على منع أخذ الأجرة على الضمان، حيث جرى تخريج محل العقد في التأمين على شراء الضمان ـ أي ضمان حصول الأمن والسلامة للمؤمن له ـ وأن ذلك غير جائز. والجواب عن هذا ما يلي:
إن القول بمنع أخذ الأجرة على الضمان ليس محل إجماع بين أهل العلم وإن ذكر ذلك ابُن المنذر ـ رحمه الله ـ فقد قال بجوازه الإمام إسحاق بن راهويه أحد مجتهدي فقهائنا الأقدمين وهو سابق لابن المنذر.
وقال بجوازه من فقهاء العصور المتأخرة من علماء الأزهر الشيخ علي الخفيف والشيخ عبد الرحمن عيسى والشيخ عبد الحليم محمود ومن علماء المملكة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي والشيخ عبد الله البسام. وللمحاضر بحث مستقل في جواز أخذ الأجرة على الضمان جرى فيه مناقشة دعوى الإجماع وانتهى البحث إلى أن التيسير على المسلمين يقتضي القول بالجواز أسوة بمسلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً.
والإثم في ذلك مخالفته لنص شرعي من كتاب أو سنة أو اشتماله على ما يعتبر تسويغاً لأكل أموال الناس بالباطل. ولا سيما والقول بتحريم أخذ الأجرة على الضمان قول لا يعتمد على نص من كتاب الله تعالى ولا من سنة رسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا على قول صاحب أو عمله كما أن القول بالإجماع منقوض بالقول بجوازه عند أحد أئمة علمائنا السابقين وهو الفقيه المجتهد إسحاق بن راهويه وهو متقدم على حاكي الإجماع ابن المنذر ـ رحمهم الله. ومع ذلك فابن المنذر في حكايته الإجماع كان دقيقاً حيث قال: "أجمع من نحفظ عنهم من أهل العلم على أن الحمالة بجعل يأخذه الحميل لا تحل ولا تجوز" أهـ. فهل من يحفظ عنهم ابن المنذر ينعقد بما يتفقون عليه الإجماع؟



ضمان المجهول وضمان المعلوم
وتساءل الشيخ: إن الضمان في التأمين وقع على أمر مجهول قدره وغير واقع وقت حصول التعاقد بين الطرفين والعقد على أمر مجهول قدره وغير واقع وقته مما تفسد به العقود. وأجاب معالي الشيخ المنيع عن هذا قائلاً: إن جمهور أهل العلم يجيزون ضمان المجهول وضمان المعدوم، لأن ما له العلم إذا وقع، والإلزام بأثر الضمان لا يتم إلا بوقوع مقتضاه، ومتى وقع حصل العلم بمقداره، وقد نص على جواز ضمان المعدوم والمجهول مجموعة من أهل العلم منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما من المحققين من الفقهاء. فقد جاء في الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية جمع علاء الدين البعلي ص132 مانصه: "ويصح ضمان المجهول ومنه ضمان السوق ـ إلى أن قال ـ ويصح ضمان حارس ونحوه وتجار حرب بما يذهب من البلد أو البحر وغايته ضمان مجهول وما لم يجب وهو جائز عند أكثر أهل العلم مالك وأبي حنيفة وأحمد" أهـ.
وبعد فبصرف النظر عن الحقائق العلمية والنظامية والقانونية المتعلقة بصناعة التأمين وتكييفه وحكمه وانتقاء مبررات تقسيمه إلى تعاوني مباح وتجاري محرم بصرف النظر عن ذلك كله فقد اتجهت الدولة ـ أعزها الله ـ إلى الترخيص بمزاولة التأمين وأن يكون ذلك عن طريق التأمين التعاوني وذلك بالتأمين على حوادث المرور ومجالات الصحة وعلى ما تقتضيه الحاجة من التأمين وَوَجَّه المقام السامي الجهات التنفيذية إلى وضع التعليمات واللوائح الإجرائية والتنظيمية لإصدار الترخيص لمن يرغب في إنشاء شركات تأمين تعاوني يزاول عن طريقها أعمال التأمين التعاوني.
وتقدمت مجموعات ممن يريدون الترخيص لهم بإقامة شركات تأمين تعاونية والطريق ممهد بالترخيص لهم بذلك ـ إن شاء الله ـ ونسأل الله تعالى أن يوفقهم فيما فيه مصلحتهم خاصة ومصلحة البلاد وأهلها عامة.



سوء فهم حقيقة التأمين
وبهذه المناسبة يوضح معالي الشيخ المنيع سوء فهم حقيقة التأمين التعاوني مما أوجد اللبس والخلط في النظر والعمل وذلك بين شركات التأمين التعاوني والشركات القائمة بإدارة أعمال شركات التأمين التعاوني فذكر ما يلي:
أولا: شركات التأمين التعاوني تتكون من مجموعات المشتركين في هذه الشركات فكل مشترك يعد عضوا في هذه الشركة له غنمها وعليه غرمها بمعنى أن الفائض ـ بعد تصفية الشركة بإخراج مصاريفها وما عليها من تعويضات ـ هو لجميع المشتركين مدة اشتراك كل واحد منهم حتى التصفية وظهور الفائض. لكل مشترك نصيبه من هذا الفائض بقدر نسبة اشتراكه وفي حال عجز صندوق الشركة - شركة التأمين التعاوني - عن الوفاء بمتطلبات الالتزام عليه فعلى كل مشترك حصته لسداد هذا العجز بقدر نسبة مشاركته. تحقيقا لقاعدة الغنم بالغرم.
ثانيا: تأسيسا على ما جاء في - أولاً - فيجب أن يكون لكل شركة تأمين تعاوني مجلس إدارة من كبار ووجهاء المشتركين فيها يكون هذا المجلس طرفا مختصا بمسؤولية إدارة الشركة يتولى التعاقد مع شركة إدارية تقوم بأعمال التأمين التعاوني وذلك بأجر يجري تعيينه في عقد الإدارة كما يجري تعيين اختصاصاتها الإدارية في التعاقد معها. ومن ذلك تقبل الاشتراكات، وإبرام العقود مع المشتركين، والنظر في دعاوى التعويض والتحقيق في الاستحقاق، ودفع التعويضات وإعداد الميزانية السنوية لشركة التأمين، وتصفية الفائض وتوزيعه بين مستحقات من المشتركين في الشركة - شركة التأمين التعاوني - واستثمار سيولة ما في صندوق شركة التأمين التعاوني على سبيل الأجرة أو المضاربة وذلك بعقد يجريه مجلس إدارة شركة التأمين مع الشركة المديرة.
ثالثا: لا يصح أن تسمى الشركة القائمة بإدارة أعمال شركة التأمين التعاوني شركة تأمين تعاوني. فشركة التأمين التعاوني هم المشتركون في الشركة. وربح هذه الشركة وخسارتها لهم وعليهم وأما الشركة المديرة فهي شركة أجيرة لشركة التأمين التعاوني بأجرة يجري تحديدها وتعيينها في عقد التعاقد معها على الإدارة.
وبناء على هذا فتسمية هذه الشركات المديرة بشركات تأمين تعاوني تسمية خاطئة وخلط ولبس بين المفاهيم الصحيحة والمفاهيم الخاطئة. ومع الأسف الشديد فقد امتد هذا الخلط واللبس إلى الجهات التنفيذية لإصدار التراخيص لمزاولة صناعة التأمين التعاوني فقد صدرت اللوائح التنفيذية وجاء النص فيها على أن الفائض مستحق للشركة القائمة بأعمال شركة التأمين التعاوني المسماة خطأ شركة التأمين التعاونية ووجه اللبس والخلط عدم التفريق بين شركة التأمين التعاوني المكونة من المشتركين أنفسهم وبين الشركة القائمة بإدارة أعمال شركة التأمين التعاوني حيث جاء النص في اللوائح أن الفائض مستحق كثيره للشركة القائمة بإدارة أعمال التأمين التعاوني والتي صدر الترخيص لها بذلك والصحيح أن الفائض حق محض لأعضاء شركة التأمين التعاوني - المشتركين - وليس للشركة القائمة بإدارة أعمال التأمين التعاوني شيء من ذلك وإنما حقها أجرتها المعينة في العقد المبرم بينها وبين مجلس إدارة شركة التأمين التعاوني. وعليه فما دام الترخيص من الدولة بجواز مزاولة صناعة التأمين وأن يكون تأمينا تعاونيا فيجب للاتجاه بذلك الاتجاه الصحيح الأخذ بما يلي وذكر معالي الشيخ عدة أشياء هي:
أ ـ التفريق بين شركة التأمين التعاوني وبين الشركة القائمة بإدارة أعمال شركة التأمين التعاوني والتي صدر الترخيص لها بذلك وإعطاء كل شركة منهما خصائصها واختصاصها ومسؤوليتها ووضعها القانوني.
ب ـ تشكيل مجلس إدارة لشركة التأمين التعاوني يتكون من كبار ووجهاء المشتركين فيها. يتولون التعاقد مع الشركة المرشحة لإدارة أعمال التأمين التعاوني وما يقتضيه التعاقد من تحديد الأجرة وتعيين الاخصاص واستثمار سيولة صندوق شركة التأمين التعاوني على سبيل المضاربة أو الأجرة وتحديد نصيب المضارب من الربح أو تعيين أجرته إن كان أجيراً. إلى غير ذلك مما تتطلبه أعمال شركة التأمين التعاوني.
ج ـ يؤخذ في الاعتبار أن موارد الشركة ذات التراخيص والتي هي الشركة المديرة لأعمال شركة التأمين التعاوني موارد هذه الشركة ما يلي:
1 ـ أجرتها مقابل قيامها بأعمال شركة التأمين التعاوني هذه الأجرة إما أن تكون نسبة مئوية من كل اشتراك أو نسبة مئوية من مجموع الاشتراكات شهريا أو سنويا وذلك حسبما يجري عليه الاتفاق والتعاقد بين مجلس إدارة التأمين التعاوني والشركة المديرة.
2 ـ ما تستحقه الشركة المديرة بصفتها مضاربا في أموال صندوق شركة التأمين التعاوني أو أجيراً لاستثمار أموال الصندوق.
3 ـ ما يعود عليها من استثمار رأسمالها من أرباح.
رابعاً: يجب أن تخرج الميزانية السنوية بحسابين أحدهما خاص بالقوائم المالية الخاصة بشركة التأمين التعاوني والثاني خاص بالقوائم المالية الخاصة بالشركة ذات الترخيص والمختصة بإدارة أعمال التأمين التعاوني. وأن يكون كل حساب مستقلا ومنفصلا عن الحساب الآخر.
خامساً: يختتم الشيخ كلامه بالقول: يجب أن يعين لشركة التأمين التعاوني هيئة شرعية تتولى مراقبة أعمالها حسبما يقتضيه الوجه الشرعي وتكون مرجعا شرعيا للقرارات والفتوى والتوصيات.

أبوطارق
09-12-2009, Wed 10:16 PM
بارك الله فيك اخي ghenaim (http://www.thegulfbiz.com/vb/member.php?u=3023)
وجزاك الله كل خير
كنت ابحث عن هذه المحاضره منذ فتره

فيصل السعود
11-12-2009, Fri 2:17 AM
هل هذه المحاضرة مسجلة

وأين نجد تسجيلها

ghenaim
11-12-2009, Fri 1:01 PM
هل هذه المحاضرة مسجلة

وأين نجد تسجيلها

اخى فيصل هذا رابط موقع الشيخ
http://www.olamaashareah.net/nawah.php?tid=665