رادار الشاشة
27-08-2009, Thu 12:14 PM
من الممكن أن يكون النفط نقمة على الأمم الفقيرة
الاقتصادية- ويزيس ناييم 27/08/2009
النفط نقمة. الغاز الطبيعي والنحاس والألماس كذلك سيئة لصحة البلدان. بالتالي إليكم هذه البصيرة التي هي قوية مثلما هي مخالفة للأفكار المعتادة لدى الناس: البلدان الفقيرة، لكن الغنية بالموارد الطبيعية يغلب عليها أن تكون من البلدان غير مكتملة التطور، ليس على الرغم من ثرواتها الهيدروكربونية والمعدنية، وإنما بسبب ثرواتها الطبيعية. بصورة أو بأخرى يجعلك النفط، أو الذهب، أو الزنك فقيراً. هذه حقيقة عصية على التصديق. والاستثناءات من البلدان التي من قبيل النرويج أو الولايات المتحدة تستخدَم في الغالب للمجادلة بأن النفط والرخاء يمكن بالفعل أن يسيرا جنباً إلى جنب.
لكن ندرة هذه الاستثناءات ليس من شأنها فقط تأكيد القاعدة، وإنما تبين كذلك ما نحتاج إليه حتى نتجنب العواقب المؤدية إلى البؤس في الثروة المبنية على الموارد الطبيعية: وهي الديمقراطية والشفافية والمؤسسات العامة ذات الكفاءة والتي تستجيب لحاجات المواطنين. هذه شروط قبلية ضرورية للجوانب ذات الطابع الفني في الوصفة، بما في ذلك الحاجة إلى وجود الاستقرار الاقتصادي الكلي، وإدارة الأموال العامة على نحو حصيف، واستثمار جزء من الثروة الكبيرة في الخارج، وإنشاء صناديق على مبدأ «القرش الأبيض لليوم الأسود»، وتنويع الاقتصاد وضمان أن العملة المحلية لا تصل إلى أسعار عالية فوق الحد.
هذا كله يبدو كلاماً منطقياً. ولأن البرازيل وغانا وبلدان أخرى ستصبح قريباً من اللاعبين النفطيين الكبار، نستطيع أن نتوقع أن نشاهد عدداً من حالات الاختبار النادرة لهذه التوصيات.
للأسف هذه الدفاعات المقترحة، بالنسبة لمعظم البلدان النامية، ذات طابع مثالي طوباوي، شأنها شأن الهدف الأكبر الذي يفترض فيها أن تساعد على تحقيقه. البلدان التي تتمتع أصلاً بكل هذه القوى المؤسسية ليست بحاجة إلى القلق على لعنة الموارد. بالنسبة لبقية البلدان، فإن هذه اللعنة، شأنها شأن أمراض المناعة الذاتية (التي تُضِر بمناعة الجسم نفسه) تقوض قدرة البلد على بناء دفاعات ضدها. كما أن تركيز القوة في أيدي فئة معينة، والفساد وقدرة الحكومات على تجاهل حاجات السكان، تجعل من الصعب مقاومة اللعنة.
خوان بابلو بيريز ألفونزو، وزير النفط الفنزويلي في أوائل الستينيات وأحد المؤسسين لمنظمة البلدان المصدرة للنفط «أوبك»، كان أول شخص يلفت الأنظار إلى المشكلة. قال إن النفط ليس ذهباً أسود، لكنه براز الشيطان.
منذ ذلك الحين وضعت بصيرة بيريز ألفونزو على محك الاختبار الشديد، وتأكدت من قبل الاقتصاديين والعلماء السياسيين. مثلا، هناك حالات موثقة تشير إلى أنه منذ عام 1975 كانت معدلات النمو في البلدان النامية الغنية بالموارد الطبيعية تسير على نحو أبطأ من البلدان التي لم يكن بمقدورها الاعتماد على تصدير المواد المعدنية والمواد الخام. وحتى حين يحدث النمو بفعل الثروات المتحصلة من الموارد الطبيعية، فإنه نادراً ما يحقق المنافع الاجتماعية التامة المعتادة للنمو.
هناك سمة مشتركة في الاقتصادات القائمة على الموارد الطبيعية هي أنه يغلب عليها أن تكون أسعار صرف عملاتها على نحو يحفز الواردات ويعيق تصدير أي شيء تقريباً باستثناء سلعتها الرئيسية. ليس الموضوع أن قادة تلك البلدان يخفقون في إدراك الحاجة إلى التنويع، بل الواقع أن جميع البلدان النفطية استثمرت بصورة هائلة في قطاعات أخرى. لكن للأسف لم يكن النجاح حليف هذه الاستثمارات إلا بصورة قليلة، ويعود معظم السبب في ذلك إلى أن سعر صرف العملة يعيق نمو الزراعة والتصنيع والسياحة والقطاعات الأخرى.
ثم هناك موضوع التقلب العنيف للسلع المصدَّرة. مثلا، خلال الأشهر الـ 24 الماضية قفز النفط من أقل من 80 دولاراً للبرميل ليصل إلى 147 دولاراً، ثم ليهبط مرة أخرى إلى 30 دولاراً للبرميل، وبعد ذلك ارتفع السعر من جديد ليصل إلى 60 دولاراً للبرميل بحلول منتصف عام 2009. هذه الدورات المؤلفة من الطفرة والانهيار لها آثار مدمرة. تؤدي الطفرات إلى المبالغة في الاستثمارات، واتخاذ المخاطر على نحو غير مكترث بالعواقب، والقدر الذي يفوق الحد من الديون.
وتؤدي حالات الانهيار إلى الأزمات البنكية والتخفيضات الحادة في الميزانيات، على نحو يؤذي الفقراء الذين يعتمدون على البرامج الحكومية. فضلا ًعن ذلك فإن النمو المدفوع بالنفط لا يخلق الوظائف بالحجم الذي يتناسب مع الحصة الكبيرة للنفط في الاقتصاد. في كثير من هذه البلدان، يشكل النفط والغاز الطبيعي أكثر من 80 في المائة من الإيرادات الحكومية، في حين أن هذه القطاعات في العادة لا توظف إلا 10 في المائة من القوة العاملة. وهذا يؤدي إلى زيادة التباين الاقتصادي بين الناس.
لكن الأمر الذي لعله أهم من ذلك هو أن لعنة النفط تغذي السياسات الرديئة. هذا يفسر السبب في أن من النادر أن تنجح صناديق الثروات السيادية، وصناديق تثبيت الاستقرار النفطي، والحلول الأخرى التي تجربها البلدان الغنية بالموارد الطبيعية لتجنُّب التقلب، والإفراط في المالية العامة، والمديونية، وأسعار الصرف المعيقة للتصدير، والآثار الضارة الأخرى. ذلك أنها تتعرض للإغارة عليها قبل أن يأتي «اليوم الأسود» أو يتم هدرها من خلال استثمارات رديئة.
هل معنى ذلك أنه لا أمل على الإطلاق للبلدان الفقيرة الغنية بالموارد الطبيعية؟ ليس تماماً. تشيلي وبوتسوانا من الأمثلة البارزة على قصص النجاح في قارات شهدنا فيها أن لعنة الموارد عاثت فسادا في بلدان أخرى. أما كيف تمكنت هذه البلدان من حماية نفسها من اللعنة، فهذا لا يزال لغزاً من الألغاز. إن الكشف عن مغاليق هروبها من لعنة الموارد يمكن أن ينقذ ملايين الناس من براز الشيطان. لكن لم يفعل ذلك أحد حتى الآن.
الاقتصادية- ويزيس ناييم 27/08/2009
النفط نقمة. الغاز الطبيعي والنحاس والألماس كذلك سيئة لصحة البلدان. بالتالي إليكم هذه البصيرة التي هي قوية مثلما هي مخالفة للأفكار المعتادة لدى الناس: البلدان الفقيرة، لكن الغنية بالموارد الطبيعية يغلب عليها أن تكون من البلدان غير مكتملة التطور، ليس على الرغم من ثرواتها الهيدروكربونية والمعدنية، وإنما بسبب ثرواتها الطبيعية. بصورة أو بأخرى يجعلك النفط، أو الذهب، أو الزنك فقيراً. هذه حقيقة عصية على التصديق. والاستثناءات من البلدان التي من قبيل النرويج أو الولايات المتحدة تستخدَم في الغالب للمجادلة بأن النفط والرخاء يمكن بالفعل أن يسيرا جنباً إلى جنب.
لكن ندرة هذه الاستثناءات ليس من شأنها فقط تأكيد القاعدة، وإنما تبين كذلك ما نحتاج إليه حتى نتجنب العواقب المؤدية إلى البؤس في الثروة المبنية على الموارد الطبيعية: وهي الديمقراطية والشفافية والمؤسسات العامة ذات الكفاءة والتي تستجيب لحاجات المواطنين. هذه شروط قبلية ضرورية للجوانب ذات الطابع الفني في الوصفة، بما في ذلك الحاجة إلى وجود الاستقرار الاقتصادي الكلي، وإدارة الأموال العامة على نحو حصيف، واستثمار جزء من الثروة الكبيرة في الخارج، وإنشاء صناديق على مبدأ «القرش الأبيض لليوم الأسود»، وتنويع الاقتصاد وضمان أن العملة المحلية لا تصل إلى أسعار عالية فوق الحد.
هذا كله يبدو كلاماً منطقياً. ولأن البرازيل وغانا وبلدان أخرى ستصبح قريباً من اللاعبين النفطيين الكبار، نستطيع أن نتوقع أن نشاهد عدداً من حالات الاختبار النادرة لهذه التوصيات.
للأسف هذه الدفاعات المقترحة، بالنسبة لمعظم البلدان النامية، ذات طابع مثالي طوباوي، شأنها شأن الهدف الأكبر الذي يفترض فيها أن تساعد على تحقيقه. البلدان التي تتمتع أصلاً بكل هذه القوى المؤسسية ليست بحاجة إلى القلق على لعنة الموارد. بالنسبة لبقية البلدان، فإن هذه اللعنة، شأنها شأن أمراض المناعة الذاتية (التي تُضِر بمناعة الجسم نفسه) تقوض قدرة البلد على بناء دفاعات ضدها. كما أن تركيز القوة في أيدي فئة معينة، والفساد وقدرة الحكومات على تجاهل حاجات السكان، تجعل من الصعب مقاومة اللعنة.
خوان بابلو بيريز ألفونزو، وزير النفط الفنزويلي في أوائل الستينيات وأحد المؤسسين لمنظمة البلدان المصدرة للنفط «أوبك»، كان أول شخص يلفت الأنظار إلى المشكلة. قال إن النفط ليس ذهباً أسود، لكنه براز الشيطان.
منذ ذلك الحين وضعت بصيرة بيريز ألفونزو على محك الاختبار الشديد، وتأكدت من قبل الاقتصاديين والعلماء السياسيين. مثلا، هناك حالات موثقة تشير إلى أنه منذ عام 1975 كانت معدلات النمو في البلدان النامية الغنية بالموارد الطبيعية تسير على نحو أبطأ من البلدان التي لم يكن بمقدورها الاعتماد على تصدير المواد المعدنية والمواد الخام. وحتى حين يحدث النمو بفعل الثروات المتحصلة من الموارد الطبيعية، فإنه نادراً ما يحقق المنافع الاجتماعية التامة المعتادة للنمو.
هناك سمة مشتركة في الاقتصادات القائمة على الموارد الطبيعية هي أنه يغلب عليها أن تكون أسعار صرف عملاتها على نحو يحفز الواردات ويعيق تصدير أي شيء تقريباً باستثناء سلعتها الرئيسية. ليس الموضوع أن قادة تلك البلدان يخفقون في إدراك الحاجة إلى التنويع، بل الواقع أن جميع البلدان النفطية استثمرت بصورة هائلة في قطاعات أخرى. لكن للأسف لم يكن النجاح حليف هذه الاستثمارات إلا بصورة قليلة، ويعود معظم السبب في ذلك إلى أن سعر صرف العملة يعيق نمو الزراعة والتصنيع والسياحة والقطاعات الأخرى.
ثم هناك موضوع التقلب العنيف للسلع المصدَّرة. مثلا، خلال الأشهر الـ 24 الماضية قفز النفط من أقل من 80 دولاراً للبرميل ليصل إلى 147 دولاراً، ثم ليهبط مرة أخرى إلى 30 دولاراً للبرميل، وبعد ذلك ارتفع السعر من جديد ليصل إلى 60 دولاراً للبرميل بحلول منتصف عام 2009. هذه الدورات المؤلفة من الطفرة والانهيار لها آثار مدمرة. تؤدي الطفرات إلى المبالغة في الاستثمارات، واتخاذ المخاطر على نحو غير مكترث بالعواقب، والقدر الذي يفوق الحد من الديون.
وتؤدي حالات الانهيار إلى الأزمات البنكية والتخفيضات الحادة في الميزانيات، على نحو يؤذي الفقراء الذين يعتمدون على البرامج الحكومية. فضلا ًعن ذلك فإن النمو المدفوع بالنفط لا يخلق الوظائف بالحجم الذي يتناسب مع الحصة الكبيرة للنفط في الاقتصاد. في كثير من هذه البلدان، يشكل النفط والغاز الطبيعي أكثر من 80 في المائة من الإيرادات الحكومية، في حين أن هذه القطاعات في العادة لا توظف إلا 10 في المائة من القوة العاملة. وهذا يؤدي إلى زيادة التباين الاقتصادي بين الناس.
لكن الأمر الذي لعله أهم من ذلك هو أن لعنة النفط تغذي السياسات الرديئة. هذا يفسر السبب في أن من النادر أن تنجح صناديق الثروات السيادية، وصناديق تثبيت الاستقرار النفطي، والحلول الأخرى التي تجربها البلدان الغنية بالموارد الطبيعية لتجنُّب التقلب، والإفراط في المالية العامة، والمديونية، وأسعار الصرف المعيقة للتصدير، والآثار الضارة الأخرى. ذلك أنها تتعرض للإغارة عليها قبل أن يأتي «اليوم الأسود» أو يتم هدرها من خلال استثمارات رديئة.
هل معنى ذلك أنه لا أمل على الإطلاق للبلدان الفقيرة الغنية بالموارد الطبيعية؟ ليس تماماً. تشيلي وبوتسوانا من الأمثلة البارزة على قصص النجاح في قارات شهدنا فيها أن لعنة الموارد عاثت فسادا في بلدان أخرى. أما كيف تمكنت هذه البلدان من حماية نفسها من اللعنة، فهذا لا يزال لغزاً من الألغاز. إن الكشف عن مغاليق هروبها من لعنة الموارد يمكن أن ينقذ ملايين الناس من براز الشيطان. لكن لم يفعل ذلك أحد حتى الآن.