المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ورحلتَ يا عمر ! في رثاء ابنه ( عمر ) ذي الأعوام الثلاثة



متفائل الكسب
09-08-2009, Sun 12:25 AM
ورحلتَ يا عمر !

يقول عبدالله بن محمد العسكر في رثاء إبنه عمر بن عبدالله العسكر :

" في رثاء ابني ( عمر ) ذي الأعوام الثلاثة وقد اصطفاه الله إليه في ليلة الاثنين 15/6/1430هـ "




نزل القضـــاءُ فزُلزِلــت أشجانـــي *** وأصاب سهمُ الموت لبَّ جَنانــي

وعَدَتْ عليّ من العــوادي غَشْيـــةٌ *** دهمـاءُ ذاتُ عواصـفٍ ودخـــانِ

ما حيلتـي في كربتـي إلا الرضــــا *** وقبول أمــــر الواحــد الديـــــانِ

ما حيلتـي إلا التصبُّـــر فهــو لـــي *** زادٌ إذا ما حُـــمَّ أمــــرُ زمانـــي

غِـيَـرُ الزمان على العبــادِ كثيـــرةٌ *** وأجلُّهــــنَّ فجيـعــــةُ الوِلـــــدانِ

لِمَ لا ؟ وهم نـور الحيـاة وأُنْسُهــا *** وهُمُ أزاهـــرُ روضِهنــا الفينـانِ

إنـي رُزئــتُ ويالَهـــول رزيتـــــي *** بصفي روحي ساعدي وسِنانـي

في ليلة الإثنيـــن في خمسٍ تلــــتْ *** عشـراً توالت من جمـادى الثاني

فيها بدا بــدرُ السمــــا لما اختفـــى *** بـدرُ الدنـى فتنــاوبَ القمــرانِ!!

أوَّاهُ يا عمــــرُ الــتذي ما فارقـــتْ *** ذكـراه قلــبَ المُدنَـفِ الولهـــانِ

أحَبيبَ قلبــي هل أنـــا فــي يقظـــةٍ *** أم في خيـال النائــم الوَسنــانِ؟!

أعـــزِزْ عليَّ بأن أراك على سريـــ *** ـرِالموت قد أُدْرِجتَ في الأكفانِ

ياللبـــراءة فــــي محيّــــاك الــــذي *** قد كـان منبـعَ فرحتــي وأمانــي

أسلمتَ روحَــك للإلــهِ ولــم تكـــن *** متلطِّخـــا بقبــائـــح العصيـــــانِ

ورحلـتَ عن دنيـا الدنـاءة طاهـــراً *** عَــــفَّ الإزار معطّـــــرَ الأردانِ

أبنيَّ كـم سالــــت لفقـــدك أدمعــي *** وهَمَــتْ كغيــث الوابــل الهتّــانِ

إني لأكظم في الورى من لوعـتــي *** ما قد أضـرَّ بخاطـــري وبرانـي

فـــإذا خلــوتُ فللدمـــوع حكايــــةٌ *** تروي لهيب الشوق في وجداني

يا نـور عيني ياحُشاشـة مهجتـــي *** يا أنس روحــي يا ربيـع زمانـي

كم هزّني الشــوق الدفيــن لضمَّــةٍ *** أسلو بهــا مـن لوعــة الحرمـانِ

كم ذا أحِــنُّ لصـوتك العـــذب الذي *** ما زال يُطـرِبُ مسمعي وجَناني

كم شاقنــي مـرآك تبسِــم ضاحكــاً *** ويــداك تمتــدانِ حيــــن ترانــي

في كل ركن من زوايا البيـت أصْــ *** ـداءٌ تثيـــر كوامـــن الأحــــزانِ

لما وقفتُ على الحبيــب وقد بــدت *** عينــــاه شاخصتــين للرحمـــــن

أحسستُ أن الأرض ضاق فسيحها *** شعـرتُ أن أديمهـــا يصلانـــــي

مالــي أنــاديــه فليــس يجيبنــي؟! *** ولطـــالـمـــا ناديـتُــــه فأتــانــــي

ولطالمـا طـــرب الفـــؤاد لشــدوِه *** ببدائــــع الأنغـــــام والألحــــــانِ

رحمــاك يا ربـــاه فاجبُــر كسـرنا *** والطـف بنـا يا صاحب الإحسـانِ

واللهِ لم أصبـــر على مــرِّ القضـــا *** إلا رجـــاء الأجــــر والغفـــــرانِ

أسلمــتُ للديــان أمـــري راضـيــاً *** مالــي سوى التسليــم والإذعـــانِ

لا يُســألُ الرحمــــن عـن أفعالـــه *** سبحانــه فهــو العظيـــم الشــــانِ

يقضــي ويحكــم ما يشـــاء لأنــه *** رب الخلائـــق إنسِهـــم والجــانِ

مَلِــكٌ تفـــرّد بالجـــلال وبالعلـــى *** فله البقـتــاء وما ســــواه فانـــي

لك المحامــد يــا إلهـــي والثنـــــا *** متتابعـــاً في الســــرِّ والإعـــلانِ

فلئــن أخــذتَ فقد وهبت منائحــا *** جلّت عــن التعــــداد والحُسبـــانِ

ولئن مضــى عمــرٌ فـإن محمــداً *** خلَفٌ أرجيـــه لبــــأس زمانــــي

أخواتــه اللاتــي رُزقتُ بهنَّ مـن *** نِعَــمِ الإلـــه الـمُفضِــل المنــــانِ

*** *** *** ***

إني أعــزي النفــس لا بقصـائــدٍ *** مسبــوكــةِ الكلمــاتِ والأوزانِ

لكنْ عـــزائي فـي بلائــي أننـــي *** أرجـو بفقـدكَ أعظـم الإحســانِ

أُبدي رضـــاي بما يقــدِّر خالـقي *** كيما أثقِّــلَ بالرضـــا ميـــزانـي

في مـوقـفٍ للحشــر يعظم عنـده *** هـولٌ يُشِيـبُ مفــارقَ الولــــدان ِ

والخلق في كربٍ ، ونــارُ جهـنمٍ *** ترمي وتَغلـي بالحميـــم الآنـــي

وهناك أسمع في الجموعِ منادياً: *** أبتـي وأمــي أقبِـــلا ضُمّـانــي

فأجيل طرفي إذْ بفلــذةِ مهجتــي *** وعليه حَلْـيُ التِّبــر والتيجــــانِ

عمرُ الحبيـب أتى بوجهٍ ضاحـكٍ *** كالبــدر شـــعّ بنــوره الفتــــان ِ

أبتــي ويــا أمّـــاه إنـــي ههنــــا *** في حبْـرةٍ وبحضرة الرحمـــــن

ألهـو وأمـرح حيـثُ شئتُ بجنـةٍ *** خضراءَ ذاتِ مرابــعٍ ومغانــي

لا تحــزنــا فاللــه أكرمكــم بمــا *** قد نالكـم بمصيـبــة الحرمـــانِ

مـــدّا إلـــيّ يديكمـــا فأنـــا لكـــم *** فرَطٌ شفيـــعٌ سائـــقٌ لجنـــــــانِ

قوما إلى دار الكرامة والرضـى *** وتنعّمـــا بالـــرَّوح والريحـــانِ

هذا رجائي وهو سـلوة وحشتي *** وبـه أثبــــت موقنــــاً إيمانــــي

*** *** *** ***

تلكــم تباريحــي نثــرت جمانهــا *** فجرى اليراع مسطراً أشجانــي

وحكى مشاعرَ والدٍ شرب الأسى *** وجرتْ عليه نوائــبُ الحِدثــــانِ

فعليـك يا ولـدي الحبيــبُ تحيـــةٌ *** مني مضمّخــة بفيــض حنـــانِ

وإلى لقــــــاء لا تفـــرّق بعـــــده *** عند الإلـــه بجنــــة الرضـــوانِ

yalk
09-08-2009, Sun 12:36 AM
اللهم يا حنان يامنان يا واســـع الغفران أغفــر لعمر وارحمه وعافه واعف عنه واكرم نزله ووسع مدخله وأغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.اللهم ارحمه وارحم موتانا وموت المسلمين.

islaishe
09-08-2009, Sun 12:48 AM
اللهم ارحمه والهم اهله الصبر والسلوان

ابو سديم
09-08-2009, Sun 1:16 AM
اللهم ارحمه واغفر لوالديه والهمهم الصبر الاحتساب والسلوان

سبحان الله الانسان تهون عنده الدنيا وما فيه مقابل فلذات الكبد

والقصيدة مؤثرة جدا

القلب الكبير
09-08-2009, Sun 1:25 AM
قصيدة رائعة ومشاعر صادقة ..
وكلمات معبرة ..
رحمه الله وشفع به والديه يوم القيامة ..

تحياتي ..

كريمه
09-08-2009, Sun 1:31 AM
الله يصبر قلب الاب ويعوض صبره خير ويجعل ابنه شفيع له يوم القيامه
الابن ان شاء الله مرحوم لانه مات وهو طفل بريئ

صاحب قرار
09-08-2009, Sun 3:37 AM
قصيدة تحمل الكثير من مشاعر الاب الملتاع بفقد ابنه
رائعه من روائع شعر الرثاء

اسأل الله ان يكون الابن عمر شفيعاً لوالدية يوم القيامة

وقد سبق أن كتب الدكتور/ عبدالله العسكر رسالة لفضيلة الشيخ الدكتور/ سلمان بن فهد العودة يطلب فيها الكتابة إليه في مواساته لفقد ولده ؛ وذلك أن الشيخ/ سلمان قد مرّ بهذه التجربة حينما فقد ابنه عبدالرحمن وكان الشيخ سلمان في السجن فلم يرى ابنه ولم يصلي عليه ولم يودع ابنه الوداع الاخير وأراد أن ينقل له مشاعره تجاه هذا الموقف فرد عليه الشيخ/ سلمان برسالة معبّرة. وخلال أيام العزاء كانت هذه المراسلات بين الشيخ عبدالله والشيخ سلمان العودة حفظهما الله ..

رسالة الدكتورعبدالله العسكر للشيخ سلمان العودة :

شيخي الحبيب : تعلم – وفقك الله- ماقضاه الله علي من فقد فلذة كبدي وريحانة فؤادي ابني " عمر " والحمد لله على كل حال.

لقد كان "عمر" لي شيئا آخر من بين أخيه وأخواته الأربع ، ولقد كنت أؤمل فيه آمالاً كباراً لما لمحت فيه من آثار النجابة ، فكان بحقٍ واسطة العقد ، وكنت كما قال ابن الرومي في رثاء ولده :

توخى حمام الموت أوسط صبيتي

فلله كيف اختار واسطة العقد

على حين رمت الخير من لمحاته

وآنست من أفعاله آية الرشــد

طواه الردى عني فأضحى مزاره

بعيداً على قرب قريباً على بعد

لقد كان ملء السمع والبصر ، وله في كل ركن من أركان البيت صخب لم أعد أسمع منه إلا رجع الصدى !!

وكان حُشاشتي وجلاءَ همَّي

وإلفي والمفرَّجَ عن فؤادي

أردت من هذه الرسالة أن تكتب إلي بكلمات أتعزى بها عن فقد ولدي ، وإن كنت أشعر بنوعٍ من الحرج أن اطلب منك ذلك لعلمي بكثرة الأعباء التي ينوء بها كاهلك ،

لكنني طمعت بكلمات منك أنت على وجه الخصوص لأمور منها : أنك قد ذقت طعم الفراق وتجرعت غصصه حين فقدت صبيك عبدالرحمن _ جعله الله سائقاً لك إلى جنات النعيم _ وكان فقدك له في ظرف عصيب ، ولم يكن حولك من يعزيك إلا نزر يسير ممن هم حولك ، على عكس ما أنا فيه فالمعزون من داخل البلاد وخارجها كثير ، والباكون أو المتباكون يطيفون بي يمنة ويسرة .

وما يبكون مثل بُنيَّ لكن

أعزي النفس عنه بالتأسي

ولا شك أن لكل هذا أثراً في تخفيف المصاب ، أما أنت فقد كنت محروماً من هذا كله ، فلعمري إن مصابك لجلل . وقدأخبرني الشيخ عبدالوهاب وقتها بثبات عجيب لك في هذا الموقف!!

ومما دفعني أيضاً أن أطلب منك أنت خصوصاً دون غيرك أن تكتب لي بهذه التعزية ما أجده من كلمات ولفتات يفتح الله بها عليك في كثير من أحاديثك ربما لا أجدها عند غيرك وذلك فضل الله عليك ، فأردت أن أقتنص منها شاردة ينفعني الله بها .

وأنا أبشرك على ما تحب من الرضا والتسليم لأمر الله ولم تبد مني كلمة فيها جزع أو تسخط لا أنا ولا أمه التي فجعت به صريعاً بين يديها ؛ لكنَّ في قلبي من الحزن ما الله به عليم ، وكلما خلوت هاجت بي الذكرى فصدعت قلبي المكلوم ، والعرب تقول : " كل جرح يندمل إلا جرح فقد الولد " .

هذه عبارات وعبرات أسررت بها إليك في ساعة متأخرة ، وكأني بك تقول : " لو اختصرت فقلت : أرسل رسالة تعزية في ولدي " لكفى ! " وهذا حقّ ؛ ولكني في الحقيقة أردت من هذه الإطالة أن أنثر كنانتي بين يديك وأبث شيئاً من همومي لديك طمعا في إفراغ شيء من شحنات الحزن في صدر أبٍ مفجوع بولده .

ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة

يواسيك أو يسليك أو يتوجع

وأنا لا أشكو - معاذ الله أن أكون من الجاهلين - إذ كيف يُشكى الخالق إلى المخلوق ؟!! لكن هو نوع من التنفيس من جهة وتأسياً بعددٍ من سلف هذه الأمة في مراسلاتهم لمن يحبون ويطمعون في بركة علمه أن يواسيهم في مصائبهم ، ولهم في هذا الباب أخبار وكتابات لا تخفى على مثلك .

أنتظر ردك إن كان هناك فضلة من وقتك وإلا فأنت في حل أبد الدهر ويكفيني منك دعوة صادقة في ظهر الغيب .

أقر الله عينك بصلاح ذريتك ، وحفظهم من كل سوء ومكروه ، والحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظمة سلطانه .

محبك

عبدالله العسكر

ليلة الأربعاء 17/6/1430هـ

رد الشيخ سلمان :

شكر الله ثقتك التي حملتني بها ما طلبت وأنا صائر إليه إن شاء الله وسأبعث به إليك بطريقتي الخاصة أو لعلي آتيك به زائراً و مسلياً ومسامراً .

أخي أبا عمر! لا أجد خيراً من تعزية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبنته في ابنها , لِما فيها من العمق والوضوح والإيجاز :( إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ)

ولا أراك كنت تطمع لولدك وفقيدك، بمنزلة فوق الشهادة, وقد نالها بحمد الله وفضله, على هيئة لا اعتساف فيها ولا تغرير؛ فعوضه ربه منك, ما أرجو أن يعوضك منه.

ثم إنه رحل طاهر الجيب صافياً كماء السماء ،لم يقارف ولم يتلطخ بشي من الدنيا

ثَوى طاهِرَ الأَثوابِ لَم تَبقَ رَوضَةٌ

غَـداةَ ثَوى إِلّا اِشتَهَت أَنَّها قَبرُ

وكم من أبٍ كان يؤمل ويرجو فلما كبر ولده أخلفوه وعقّوه فتمنى رحيلهم وتجرع منهم العلقم؛ أما فتاك فرحل, ولا تذكر منه إلا كل جميل ولعل ذلك ماجعلك تجد حرارة الفقد ولوعة الثكل:

فـقـلت لعبد الله إذ حنَّ باكيا

حـزيـنا وماء العين منهمر يجري

تـبـين فإن كان البكَا ردَّ هالكا

على أحدٍ فاجهد بكاك على عمرو

ولا تـبـك ميتاً بعد ميتٍ أجنه

عـلـيٌ وعـباسٌ وآل أبي بكر

على أن الله لا يؤاخذ بدمع العين, ولا بحزن القلب, ولكن يؤاخذ باللسان أو يرحم , وربما كان في دمعة عابرة في خلوة ما يخفف كظيم الحزن ، غير أني وجدت فقد فلذة كبدي "عبدالرحمن" بعيدا عن المعزّين ولم أظفر برؤية وجهه البريء, ولا جسده الطاهر المسجى, ولا حظيت بالصلاة عليه.

تـمـنـيـت لو تغني الأماني نظرة

إلـى جـسـد ذاوٍ يـغرغِر بالبهر

تـمـنـيت حتى وقـفة عند نعشه

تَرُدُ إلى نفسي الذي ضاع من صبري

تـمـنـيت ما نالت ألوف توجهت

إلـى ربـها صلت عليك مع العصر

تـمـنـيـت كفاً من ترابِ أسنها

عـلـى قبرك الميمون طيب من قبرِ

ولا أكتمك أني أجد للأولاد ذكورهم وإناثهم تعلقا غريبا في قلبي وأقول:

هل كل الناس مثلي ؟! , وللصغير فوق الحب عاطفة الرحمة والحنان, وما أذكر أني ذرفت دمعة, وربما كان الحزن أكبر, ولكني كنت أتصبّر؛ فصبّرني الله, وأطلب العوض؛ فعوضني الله بعده بسبعة من الولد؛ فله الحمد على ما أخذ وله الحمد على ما أعطى..

وكنت أتذكر أن لأبي الحسن التهامي شجناً شعرياً كشجننا أوحى به لنفسه فقال :

إِنّـي وُتِـرتُ بِصارِمٍ ذي رَونَق

أَعـددتـهُ لِـطِـلابَـةِ الأَوتارِ

وَالنَفسُ إِن رَضِيَت بِذَلِكَ أَو أَبَت

مُـنـقـادة بِـأَزمَّـة الأَقدارِ

يـا كَـوكَباً ما كانَ أَقصَرَ عُمرَهُ

وَكَـذاكَ عُمرُ كَواكِبِ الأَسحارِ

وَهـلال أَيّـامٍ مَضى لَم يَستَدِر

بَـدراً وَلَـم يمهل لِوَقت سِرارِ

عَـجِلَ الخُسوف عَلَيهِ قَبلَ أَوانِه

فَـمَـحـاهُ قَـبلَ مَظَنَّة الإِبدارِ

واسـتَـلَّ مِـن أَتـرابِهِ وَلِداتِه

كَـالـمُـقلَةِ استَلَت مِنَ الأَشفارِ

فَـكَـأَنَّ قَـلـبـي قبره وَكَأَنَّه

فـي طَـيِّـهِ سِـرٌّ مِنَ الأَسرارِ

إِنَّ الـكَـواكِبِ في عُلُوِّ مَكانِها

لَـتُـرى صِغاراً وَهيَ غَيرُ صِغارِ

وبالأمس كنت أقف عند قوله تعالى (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن/11]

فذكرت قول علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم.

وقول ابن عباس: أن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه, وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

وقرأ أبو بكر الصديق: يُهدَ قلبُه, بفتح الدال وضم الباء, أي: يهدأ قلبه ويسكن بعد عصف المصيبة.

ونحن نجد من أنفسنا عزاءً في الفاقدين والمكلومين والمصابين..، وحينما فقد الأديب أحمد الزيات ولده الوحيد "رجاء" ذي الأربع سنوات, بسبب مرض "الدفتيريا" ألمّ به فقضى نحبه, كتب الزيات قطعة نثرية باكية تذوب حروفها أنيناً , فكان مما قال:

" هذا ولدي كما ترى ، رُزِقته على حالٍ عابسةٍ كاليأس ، وكهولة بائسة كالهرم ، وحياة باردة كالموت، فأشرق في نفسي إشراق الأمل، وأورق في عودي إيراق الربيع، وولّد في حياتي العقيمة معاني الجدّة والاستمرار والخلود!

فهو صغيراً أنا، وأنا كبيراً هو؛ يأكل فأشبع، ويشرب فأرتوي، وينام فأستريح، ويحلم فتسبح روحي وروحه في إشراق سماوي من الغبطة لا يوصف ولا يحدّ.

ذلك كلّه انعكاس حياة على حياة ، وتدفق روح في روح ، وتأثير ولد في والد!

ثم انقضت تلك السنون الأربع!فطوّحت الواحة وأوحش القفر ، وانطفأت الومضة وأغطش الليل ، وتبدد الحلم وتجهّم الواقع ، وأخفق الطب ومات رجاء!!

يا جبّار السموات والأرض رُحماك!!

أفي مثل خفقة الوسنان تبدّل الدنيا غير الدنيا ، فيعود النعيم شقاء ، والملأ خلاء ، والأمل ذكرى؟!

أفي مثل تحية العجلان يصمت الروض الغرد ، ويسكن البيت اللاعب ، ويقبح الوجود الجميل؟!

حنانيك يا لطيف!

ما هذا اللهيب الغريب الذي يهب على غشاء الصدر ومراق البطن ,فيرمض الحشا, ويذيب لفائف القلب؟

والهف نفسي عليه يوم تسلل إليه الحِمام الراصد في وعكة.

لقد عبث الداء الوبيل بجسمه النضر, كما تعبث الريح السموم بالزهرة الغضّة!

ولكن ذكاءه وجماله ولطفه ما برحت قوية ناصعة ، تصارع العدم بحيوية الطفولة!

والهف نفسي عليه ساعة أخذته غصة الموت ، وأدركته شهقة الروح ، فصاح بملء فمه الجميل ( بابا.. بابا) كأنما ظنّ أباه يدفع عنه ما لا يدفع عن نفسه!

لنا الله من قبلك ومن بعدك يا رجاء. وللذين تطولوا بالمواساة فيك السلامة والبقاء" أ.هـ.

فهذه حالنا وحال الدنيا.. أخذت الزيات ذات يوم كما أخذت ابنه من قبل غير أن الأجل أخّر لهذا وعجّل لذاك..، (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ) ، والحمام الراصد خاتمة كل قصة مهما اختلف أبطالها وتعددت أحداثها ولله الأمر من قبل ومن بعد.

ومن العجب أن العرب قبل الإسلام -وهم لا يرجون ثواباً ولا يخشون عقاباً – كانوا يتحاضّون على الصبر، ويعرفون فضله، ويعيّرون بالجزع أهله، إيثاراً للحزم وتزيناً بالحلم، وطلباً للمروءة، وفراراً من الاستكانة إلى حسن العزاء، حتى إن كان الرجل منهم ليفقد حميمه فلا يعرف ذلك فيه. ويصدّق ذلك ما جاء في أشعارهم، ونثر أخبارهم.

قال بعض السلف : إن كلّ شيء يبدو صغيراً ثم يكبر إلا المصيبة، فإنها تبدو كبيرة ثم تصغر.

فانتهز عظم الثواب لها عند أوّل كبرها قبل صغرها, والحمد لله الذي أعزه بوقوفك على قبره ولم يذله بخلافه.

يا صاحبي.. أمر الله نافذ وحكمه العام جار على سنة كتبها قبل أن يخلق الخلائق، ولكن خير الناس من كان أوسعهم حكمة وأكثرهم رضى، وتسليماً لقضاء الله.. وقد شعرت أن المصيبة هذه المرة في العمق , وذهبت بفكري أتفقد أبنائي مرة بعد مرة فاللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيراً منها واربط على قلوبنا يا أرحم الراحمين.

اللهم مهما استبد بنا الحزن، فإنا نسألك أن لا تجعلنا ساخطين ولا جزعين.. ، واهدنا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم حين قال : "إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا".

سلمان العودة

صـياد الأسهم
09-08-2009, Sun 5:17 AM
الله يرحم عمر
ويجبر كسر والديه في فقيدهم الغالي

يالله تصبرهم وتربط على قلوبهم

اللهم أحفظ ابناءنا وبناتنا وفلذات أكبادنا من كل شر
برحمتك يا أرحم الراحمين

يارب يارحمن ياعزيز ياجبار
أطل في أعمارهم وهم يحبونك ويجلونك ويقدسون اسماءك ويعظمون صفاتك
ويخشونك ويخافون غضبك ويعبدونك حق عبادتك ياذا الجلال والأكرام
يارب أحييهم حياة طيبه وأمتهم وأنت راض عنهم وأجعلهم صالحين في حياتهم
يارب أرض عنهم وأرزقهم سعادة الدارين برحمتك يا أرحم الراحمين