الضوء الساطع
15-07-2009, Wed 4:04 PM
توقعت أن ينزل خبر موافقة مجلس الشورى السعودي على زيادة مبلغ القرض العقاري إلى 500 ألف ريال، مثل ليلة القدر على المواطنين. وربما لن يتماسكوا من شدة الفرح، ولا أريد أن أقلل من جهود أعضاء مجلس الشورى، فهدفهم نبيل وهو زيادة المبلغ الذي ظل يراوح مكانه منذ 30 عاماً وهو مبلغ 300 ألف ريال، وعلى رغم الزيادة المتكررة لرأسمال الصندوق من أجل أن يتمكن من مواجهة طابور المقترضين، الذين تجاوز عددهم وفق أرقام متضاربة 22 ألف مقترض، مع ذلك لم يستطع الصندوق مواجهة الاندفاع الكبير من الناس، وإن كانت سنوات الانتظار تطول إلى أكثر من عقد. فهل زيادة مبلغ القرض إلى 500 ألف ريال ستحل المشكلة أم تزيد الطين بلة، خصوصاً أن الزيادة أصلا جاءت متأخرة، يعني حتى مبلغ القرض لن يكفي لبناء منزل لذوي الدخل المحدود والمتوسط، في ظل الارتفاع المتنامي لأسعار الأراضي ومستلزمات البناء، وارتفاع تكلفة المعيشة بشكل عام. قلت أكثر من مرة أن معالجة قضية الإسكان في السعودية مشتته وغير مدروسة، ولا تخص الصندوق العقاري وحده. لدينا الهيئة العامة للإسكان وهي تتحرك في اتجاه مختلف فهي معنية بتقديم بيوت جاهزة للمواطنين، وحتى الآن لم نسمع عن الهيئة سوى أخبار في الصحف وتصريحات، أما على أرض الواقع يبدو أنها ستنافس صندوق التنمية العقاري في عدد طوابير الانتظار. أما الشيء الآخر وهي حالة لا تزال قائمة ولا تقل عن سابقتها من الجهات المعنية، وهي أمانات المدن والبلديات التي تقدم أراضي لذوي الدخل المحدود، وعلى رغم سنوات الضياع التي يقضيها المواطنين في الانتظار من أجل الحصول على قطعة أرض في «آخر الدنيا» لا تتوفر فيها لا خدمات ولا مرافق، أما المفاجأة التي لا تسر فكثير من الناس الذين حصلوا على منح أراض لبناء منازل، اكتشفوا أن تلك الأراضي والمخططات هي في الواقع لأشخاص آخرين ولديهم صكوك حصلوا عليها من قبل، فدخلوا في حسابات ومراجعات وتعويضهم بمواقع أخرى، فذهبت أحلامهم سدى.
فهل يمكن أن تخبروني كيف يمكن أن يفكر المواطن الذي يريد أن يبني منزلاً يأوي فيه رأسه ويعيش مع أسرته بأمان؟
تشتت الجهات الحكومية من أجل طلب واحد، ذكرتني بلعبة كنا نلعبها ونحن صغار، حينما كنا نخفي رؤوسنا على الوسادة ويصفع أحدهم من الخلف، فكانت مهمة اللاعب الذي يخفي رأسه على الوسادة، معرفة اليد التي صفعته، والحال هكذا ينطبق بالنسبة للمواطن الذي يحلم أن يكون له منزل، فنراه يركض في كل الاتجاهات، يقدم على قرض في الصندوق، ويجري إلى البلدية ليقدم على طلب قطعة أرض منحة، ويعود مرة أخرى إلى هيئة الإسكان يطلب منزلاً، وربما وقف بمعروضه أمام جمعيات الإسكان الخيرية التي ظهرت، فكل هذه الجهات وعلى رغم تعددها لم تستطع أن تحل المشكلة. واليوم حينما يوافق مجلس الشورى على زيادة مبلغ القرض، هو لم يحل المشكلة، بل يزيدها تعقيداً، في الوقت الراهن تكلفة بناء منزل مسلح وعلى مساحة 400 متر مربع لا تقل عن 800 ألف ريال، وهو منزل بسيط ومتواضع، ولا يخفى على أحد السبب، فسماسرة العقار أسهموا بشكل كبير في زيادة أسعارها، وفرد تجار مواد البناء عضلاتهم برفع الأسعار، مشكلتنا ليست في زيادة قيمة القرض، وكم يستطيع الصندوق أن يصمد أمام هذه الطلبات، وحتى يحصل على المبلغ، كم تكون تكلفة البناء قد وصلت، وكم أيضاً ستصل أسعار الأراضي. قبل أشهر انتشرت عبر البريد الإلكتروني رسائل مفادها أن شركة أجنبية لها وكيل في السعودية تقوم ببناء منازل بتكلفة أقل لا تتجاوز مائة ألف ريال، وتعتمد في البناء على مواد بديلة للأسمنت والحديد من مواد الفايبر جلاس ومواد بناء أخرى مقاومة للحرارة والعوامل الطبيعية، هذه الفكرة التي انتشرت حينها حاولت كثيراً وقتها أن اتصل بوكيل الشركة، إلا أنني لم أتمكن من الاتصال نتيجة انشغال خطوطهم، ولكن توقعت أن أحداً من الجهات المعنية بالإسكان أو الصندوق العقاري أو هيئة الإسكان قد بحثت عنهم من أجل الاستفادة من تجربتهم، فليس من الضروري أن تكون جميع منازلنا من دورين، وليس من الضروري أيضاً أن يكون الأسمنت هو المادة الرئيسة لبناء منازلنا، أو حتى الحديد، الحقيقة هناك تجارب مفيدة في دول مثل اندونيسيا وماليزيا وأيضاً في دول أوروبا وأميركا وهي البيوت الصغيرة التي تستخدم فيها مواد بديلة بأقل تكلفة وأنواع من الخشب المقاوم. نحن لسنا بلداً يعاني من فيضانات أو أنهار أو حتى زلازل وحتى أمطاراً غزيرة حتى تشكل خطورة، وأيضاً تسمح بالتغيير والتجديد من حين إلى آخر، وتؤدي الغرض، وتعيش على الأقل عشر سنوات، هذه التجربة يمكن أن تطبق هنا، إذا حددت الأمانات والبلديات مناطق ومخططات صغيرة تسمح فيها البناء بأقل التكلفة، وأقترح أن تتحرك الهيئة العامة للإسكان في هذا الاتجاه، وهذه الفكرة توفر لذوي الدخل المحدود رفع قيمة المبلغ المتبقي للمستقبل، وتمنحه فرصة التفكير في مشروعات أخرى، وأيضا تسهم في تخفيض أسعار مواد البناء والأراضي، أما إذا ما استمر حالنا هكذا نلاحق الصندوق العقاري لزيادة قيمة القرض، فإننا لن ننتهي... ويكون حالنا مثل الذي يركض خلف السراب.
جمال بنون- إعلامي وكاتب اقتصادي.
عن صحيفة الحياة.
فهل يمكن أن تخبروني كيف يمكن أن يفكر المواطن الذي يريد أن يبني منزلاً يأوي فيه رأسه ويعيش مع أسرته بأمان؟
تشتت الجهات الحكومية من أجل طلب واحد، ذكرتني بلعبة كنا نلعبها ونحن صغار، حينما كنا نخفي رؤوسنا على الوسادة ويصفع أحدهم من الخلف، فكانت مهمة اللاعب الذي يخفي رأسه على الوسادة، معرفة اليد التي صفعته، والحال هكذا ينطبق بالنسبة للمواطن الذي يحلم أن يكون له منزل، فنراه يركض في كل الاتجاهات، يقدم على قرض في الصندوق، ويجري إلى البلدية ليقدم على طلب قطعة أرض منحة، ويعود مرة أخرى إلى هيئة الإسكان يطلب منزلاً، وربما وقف بمعروضه أمام جمعيات الإسكان الخيرية التي ظهرت، فكل هذه الجهات وعلى رغم تعددها لم تستطع أن تحل المشكلة. واليوم حينما يوافق مجلس الشورى على زيادة مبلغ القرض، هو لم يحل المشكلة، بل يزيدها تعقيداً، في الوقت الراهن تكلفة بناء منزل مسلح وعلى مساحة 400 متر مربع لا تقل عن 800 ألف ريال، وهو منزل بسيط ومتواضع، ولا يخفى على أحد السبب، فسماسرة العقار أسهموا بشكل كبير في زيادة أسعارها، وفرد تجار مواد البناء عضلاتهم برفع الأسعار، مشكلتنا ليست في زيادة قيمة القرض، وكم يستطيع الصندوق أن يصمد أمام هذه الطلبات، وحتى يحصل على المبلغ، كم تكون تكلفة البناء قد وصلت، وكم أيضاً ستصل أسعار الأراضي. قبل أشهر انتشرت عبر البريد الإلكتروني رسائل مفادها أن شركة أجنبية لها وكيل في السعودية تقوم ببناء منازل بتكلفة أقل لا تتجاوز مائة ألف ريال، وتعتمد في البناء على مواد بديلة للأسمنت والحديد من مواد الفايبر جلاس ومواد بناء أخرى مقاومة للحرارة والعوامل الطبيعية، هذه الفكرة التي انتشرت حينها حاولت كثيراً وقتها أن اتصل بوكيل الشركة، إلا أنني لم أتمكن من الاتصال نتيجة انشغال خطوطهم، ولكن توقعت أن أحداً من الجهات المعنية بالإسكان أو الصندوق العقاري أو هيئة الإسكان قد بحثت عنهم من أجل الاستفادة من تجربتهم، فليس من الضروري أن تكون جميع منازلنا من دورين، وليس من الضروري أيضاً أن يكون الأسمنت هو المادة الرئيسة لبناء منازلنا، أو حتى الحديد، الحقيقة هناك تجارب مفيدة في دول مثل اندونيسيا وماليزيا وأيضاً في دول أوروبا وأميركا وهي البيوت الصغيرة التي تستخدم فيها مواد بديلة بأقل تكلفة وأنواع من الخشب المقاوم. نحن لسنا بلداً يعاني من فيضانات أو أنهار أو حتى زلازل وحتى أمطاراً غزيرة حتى تشكل خطورة، وأيضاً تسمح بالتغيير والتجديد من حين إلى آخر، وتؤدي الغرض، وتعيش على الأقل عشر سنوات، هذه التجربة يمكن أن تطبق هنا، إذا حددت الأمانات والبلديات مناطق ومخططات صغيرة تسمح فيها البناء بأقل التكلفة، وأقترح أن تتحرك الهيئة العامة للإسكان في هذا الاتجاه، وهذه الفكرة توفر لذوي الدخل المحدود رفع قيمة المبلغ المتبقي للمستقبل، وتمنحه فرصة التفكير في مشروعات أخرى، وأيضا تسهم في تخفيض أسعار مواد البناء والأراضي، أما إذا ما استمر حالنا هكذا نلاحق الصندوق العقاري لزيادة قيمة القرض، فإننا لن ننتهي... ويكون حالنا مثل الذي يركض خلف السراب.
جمال بنون- إعلامي وكاتب اقتصادي.
عن صحيفة الحياة.