سونار
12-05-2009, Tue 9:06 PM
لوبي الأسمنت
الوطن السعودية ـ تركي عبدالعزيز الثنيان 12/05/2009
تشن في الإعلام هذه الأيام حملة ضغط شديدة من قبل مصانع الأسمنت لفتح باب التصدير، تمارس فيها كل أنواع الضغط وخلط الأوراق للوصول إلى الهدف المنشود وهو فتح باب التصدير من جديد. لا ألومهم. فالأرباح خارج الحدود يسيل لها اللعاب. ولكن لنتوقف ونسأل سؤالا بسيطا وهو كيف يمكن لمصانع الأسمنت السعودية أن تنافس بهذه القوة وأن تستطيع بيع أسعار الأسمنت بأسعار منخفضة خارجيا؟ القصة بسيطة جدا، أيضا، فمصدر هذه الربحية هو الإعانات الحكومية. فالتكلفة في أي مكان في العالم لكل كيس هي مثلا 14 ريالا، ولو لم تتدخل حكومتنا لأصبحت التكلفة لدينا مقاربة، ولكن بتدخل الحكومة أصبحت التكلفة 6 ريالات، أي أن الحكومة ساهمت بدفع مبلغ 8 ريالات عن كل كيس (طاقة ومحاجر رخيصة جدا- دع عنك البيئة وتلوثها أو حقوق الأجيال اللاحقة). وعندما تتحمل الحكومة جزءاً كبيرا من التكاليف، بينما الشركات المنافسة لا يوجد لديها من يتحمل عنها تكاليفها بل تشتري كل شيء بسعر السوق، عندها يصبح من السهل على شركات الأسمنت أن تنافس لأن مصاريف إنتاجيتها قد تحملتها الخزنة العامة. إذا، الفرصة ذهبية جدا لكي ينافسوا في أي مكان في العالم، بشرط وحيد وهو ألا توجد حكومة أخرى تقوم بتحمل التكاليف مثل حكومتنا.
وبما أن الإعانة مقتطعة من الخزنة العامة العائدة للمجتمع، فالسؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا نتحمل نحن كشعب مبلغ 8 ريالات عن كل كيس أسمنت؟ ما هو العائد علينا؟ ألا يفترض عقلا ومنطقا و"ذوقا" أننا كشعب عندما تحملنا مبلغ الإعانة أننا نتوقع مردودا أعلى ولهذا ارتضينا أن نساهم في تكلفة هذا الكيس؟ إن لم نكن نتوقع أي عائد فالموضوع عبثي 100% وبالتالي يمكن مطالبة بتحمل تكاليف أي شيء وكل شيء... إن إعانة مصنع أسمنت بطاقة مخفضة تعني ببساطة أن الوطن يعتقد أن هذا الريال سيعود بمكسب إضافي للبلد بما يتجاوز مبلغ الإعانة، وإلا ما قدمها لذلك القطاع. فإن تم تصدير المنتج إلى كرواتيا فهذا يعني بكل بساطة أن المملكة تقدم إعانة لسكان كرواتيا؛ فهل يعقل هذا؟ هل يمكن تصور أن دولة تقوم بإعانة دولة أخرى بدون مقابل ينعكس على اقتصادها، فتصدير الإعانات أمر مخل بالعدالة الاجتماعية ولا يتناغم مع أبسط أبجديات تكافؤ الفرص—فمن منح هؤلاء الحق أن يتسلقوا سلم الثراء على أكتاف البقية؟
تناور وزارة التجارة مع المصنعين وتدخل معهم في حوار طرشان، تستجديهم لفرض بعض الضوابط المستحيل إعمالها، فمراقبو وزارة التجارة محدود عددهم، ولا يمكن تخيل وجود مراقب عند كل منفذ لبيع الأسمنت. لهذا، أعتقد أن الخيار الأكثر كفاءة لمعالجة قضية الأسمنت ليس اختراعا نوويا، بل تستخدمه الدول في كل أصقاع المعمورة لكل سلعة مدعومة حكوميا هو ضريبة التصدير على المنتج الذي يتمتع بالإعانة. إن ضريبة التصدير سلاح مهم جدا لا بد من إقرارها ورعايتها في أي لحظة تقوم الدولة بإعانة أي منتج وإلا انتفت الحكمة وبطل السبب من الإعانة، فالإعانة لم تقدم من قبل الدولة إلا لأجل غرض واضح يجب أن تتم متابعة تحقيقه إلى آخر خطوة، لا أن نقوم بالخطوة الأولى وهي تقديم الإعانة، ونغلق الأعين عن باقي الخطوات، ونبتهل أن يفعل التجار ما نتأمل، ونتناسى أنهم بشر ويبحثون عن مضاعفة الربحية بأقصى قدر ممكن وبأية وسيلة كانت. إن الإعانة تقدم لأجل مصلحة وطنية عامة، أكثر عمومية من توفير ربحية لمجموعة من المستثمرين في هذه المنشأة أو تلك، وبالتالي، فمن أبجديات إقرار الإعانة، أن يتم التحقق من تحقيقها لهذا الهدف الوطني وإلا أبطلنا هذا الهدف تماما وانقلبت الإعانة إلى مجرد شرهة من الخزنة العامة لثلة من المستثمرين، انفردوا بها دون غيرهم، بدون سبب مبرر، وهذا ما حدث في إعانة الآلات الزراعية والقمح وغيرهما.
باختصار و بدلا من عقد المؤتمرات والندوات لمناقشة "المصيبة" وتقديم حلول هلامية أو تخيلية، لنذهب إلى الحل الذي يحقق المصلحة العامة أولا وقبل كل شيء، وهو لا يخرج عن أمرين؛ الأول: لندع آلية السوق تعمل بدون عكازات؛ فيتم إيقاف الإعانات عن تلك المصانع ولتكن نظرية السوق هي الحكم والفاصل النهائي بين تلك المصانع وبين السوق وليصدروا كيفما شاؤوا.. أو، الخيار الثاني: ليصدروا وفقا لأهوائهم ولكن بعد أن نسترد ما قدمناه لهم من إعانات. ببساطة: إما أن "يلعبوا" بشروطنا ما داموا يتكئون على مساعدتنا، أو أن يدفعوا التكاليف و"يلعبوا" كما يشاؤون. أما أن يتم السماح بالتصدير دون فرض ضريبة تعادل قيمة الإعانة المقدمة فهو أمر لا يمكن تبريره
الوطن السعودية ـ تركي عبدالعزيز الثنيان 12/05/2009
تشن في الإعلام هذه الأيام حملة ضغط شديدة من قبل مصانع الأسمنت لفتح باب التصدير، تمارس فيها كل أنواع الضغط وخلط الأوراق للوصول إلى الهدف المنشود وهو فتح باب التصدير من جديد. لا ألومهم. فالأرباح خارج الحدود يسيل لها اللعاب. ولكن لنتوقف ونسأل سؤالا بسيطا وهو كيف يمكن لمصانع الأسمنت السعودية أن تنافس بهذه القوة وأن تستطيع بيع أسعار الأسمنت بأسعار منخفضة خارجيا؟ القصة بسيطة جدا، أيضا، فمصدر هذه الربحية هو الإعانات الحكومية. فالتكلفة في أي مكان في العالم لكل كيس هي مثلا 14 ريالا، ولو لم تتدخل حكومتنا لأصبحت التكلفة لدينا مقاربة، ولكن بتدخل الحكومة أصبحت التكلفة 6 ريالات، أي أن الحكومة ساهمت بدفع مبلغ 8 ريالات عن كل كيس (طاقة ومحاجر رخيصة جدا- دع عنك البيئة وتلوثها أو حقوق الأجيال اللاحقة). وعندما تتحمل الحكومة جزءاً كبيرا من التكاليف، بينما الشركات المنافسة لا يوجد لديها من يتحمل عنها تكاليفها بل تشتري كل شيء بسعر السوق، عندها يصبح من السهل على شركات الأسمنت أن تنافس لأن مصاريف إنتاجيتها قد تحملتها الخزنة العامة. إذا، الفرصة ذهبية جدا لكي ينافسوا في أي مكان في العالم، بشرط وحيد وهو ألا توجد حكومة أخرى تقوم بتحمل التكاليف مثل حكومتنا.
وبما أن الإعانة مقتطعة من الخزنة العامة العائدة للمجتمع، فالسؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا نتحمل نحن كشعب مبلغ 8 ريالات عن كل كيس أسمنت؟ ما هو العائد علينا؟ ألا يفترض عقلا ومنطقا و"ذوقا" أننا كشعب عندما تحملنا مبلغ الإعانة أننا نتوقع مردودا أعلى ولهذا ارتضينا أن نساهم في تكلفة هذا الكيس؟ إن لم نكن نتوقع أي عائد فالموضوع عبثي 100% وبالتالي يمكن مطالبة بتحمل تكاليف أي شيء وكل شيء... إن إعانة مصنع أسمنت بطاقة مخفضة تعني ببساطة أن الوطن يعتقد أن هذا الريال سيعود بمكسب إضافي للبلد بما يتجاوز مبلغ الإعانة، وإلا ما قدمها لذلك القطاع. فإن تم تصدير المنتج إلى كرواتيا فهذا يعني بكل بساطة أن المملكة تقدم إعانة لسكان كرواتيا؛ فهل يعقل هذا؟ هل يمكن تصور أن دولة تقوم بإعانة دولة أخرى بدون مقابل ينعكس على اقتصادها، فتصدير الإعانات أمر مخل بالعدالة الاجتماعية ولا يتناغم مع أبسط أبجديات تكافؤ الفرص—فمن منح هؤلاء الحق أن يتسلقوا سلم الثراء على أكتاف البقية؟
تناور وزارة التجارة مع المصنعين وتدخل معهم في حوار طرشان، تستجديهم لفرض بعض الضوابط المستحيل إعمالها، فمراقبو وزارة التجارة محدود عددهم، ولا يمكن تخيل وجود مراقب عند كل منفذ لبيع الأسمنت. لهذا، أعتقد أن الخيار الأكثر كفاءة لمعالجة قضية الأسمنت ليس اختراعا نوويا، بل تستخدمه الدول في كل أصقاع المعمورة لكل سلعة مدعومة حكوميا هو ضريبة التصدير على المنتج الذي يتمتع بالإعانة. إن ضريبة التصدير سلاح مهم جدا لا بد من إقرارها ورعايتها في أي لحظة تقوم الدولة بإعانة أي منتج وإلا انتفت الحكمة وبطل السبب من الإعانة، فالإعانة لم تقدم من قبل الدولة إلا لأجل غرض واضح يجب أن تتم متابعة تحقيقه إلى آخر خطوة، لا أن نقوم بالخطوة الأولى وهي تقديم الإعانة، ونغلق الأعين عن باقي الخطوات، ونبتهل أن يفعل التجار ما نتأمل، ونتناسى أنهم بشر ويبحثون عن مضاعفة الربحية بأقصى قدر ممكن وبأية وسيلة كانت. إن الإعانة تقدم لأجل مصلحة وطنية عامة، أكثر عمومية من توفير ربحية لمجموعة من المستثمرين في هذه المنشأة أو تلك، وبالتالي، فمن أبجديات إقرار الإعانة، أن يتم التحقق من تحقيقها لهذا الهدف الوطني وإلا أبطلنا هذا الهدف تماما وانقلبت الإعانة إلى مجرد شرهة من الخزنة العامة لثلة من المستثمرين، انفردوا بها دون غيرهم، بدون سبب مبرر، وهذا ما حدث في إعانة الآلات الزراعية والقمح وغيرهما.
باختصار و بدلا من عقد المؤتمرات والندوات لمناقشة "المصيبة" وتقديم حلول هلامية أو تخيلية، لنذهب إلى الحل الذي يحقق المصلحة العامة أولا وقبل كل شيء، وهو لا يخرج عن أمرين؛ الأول: لندع آلية السوق تعمل بدون عكازات؛ فيتم إيقاف الإعانات عن تلك المصانع ولتكن نظرية السوق هي الحكم والفاصل النهائي بين تلك المصانع وبين السوق وليصدروا كيفما شاؤوا.. أو، الخيار الثاني: ليصدروا وفقا لأهوائهم ولكن بعد أن نسترد ما قدمناه لهم من إعانات. ببساطة: إما أن "يلعبوا" بشروطنا ما داموا يتكئون على مساعدتنا، أو أن يدفعوا التكاليف و"يلعبوا" كما يشاؤون. أما أن يتم السماح بالتصدير دون فرض ضريبة تعادل قيمة الإعانة المقدمة فهو أمر لا يمكن تبريره