المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا لن يكون الانتعاش انتعاشا دوريا عاديا ؟



الفأل الحسن
15-04-2009, Wed 8:36 AM
روجر ألتمان
تحول طبيعة هذا الركود دون حدوث انتعاش دوري عادي في الولايات المتحدة. وبدلاً من تحقق الانتعاش، فإننا نتجه نحو خروج بطيء ومؤلم من الركود، وكذا هي حال البلدان التي تعتمد على الطلب الأمريكي، كاليابان والمكسيك. ومن المرجح أن تضطر الولايات المتحدة بسبب تداعيات الأزمة على سياستها، إلى جولة ثانية من التحفيز وضخ مزيد من الأموال الاتحادية في النظام المصرفي، وإلى مواجهة عجز هائل في الميزانية يعمل على إبطاء المبادرات الرئيسية الخاصة بالرئيس باراك أوباما، كتلك التي تتعلق بإصلاح قطاعي الرعاية الصحية والطاقة.
الشيء غير العادي هو أن هذا الركود مدفوع بالميزانيات العمومية، وأنه يتركز على الحالة الاقتصادية المتضررة للأسر والبنوك. ونقاط الضعف هذه فرضت تراجع مستويات الإنفاق الاستهلاكي والإقراض الكلي إلى ما دون المستويات العادية لمدة تقارب ثلاث سنوات.
وفي المقابل، معظم حالات الركود التي حدثت بعد الحرب العالمية الثانية كان لها تسلسل مختلف - تنامي الضغوط التضخمية، وتشديد السياسات لمواجهة تلك الضغوط، وبعدئذ تباطؤ جراء ارتفاع أسعار الفائدة. كان هذا هو النمط الذي سار عليه التباطؤ الذي حدث في الفترة 1980-1981.
لم يحدث شيء من هذا القبيل في هذا الركود. وبدلاً من ذلك شهدنا انهياراً لأسعار المنازل ولسوق الائتمان، نجمت عنه خسائر هائلة في أوساط الأسر والبنوك. وأدى ذلك إلى تراجع حاد في الإنفاق الاستهلاكي وتوقف في الإقراض. ولمعرفة السبب الذي سيجعل الانتعاش يسير ببطء، يمكننا النظر إلى الضرر الذي لحق بالميزانيات العمومية. بالنسبة للأسر، بلغت القيمة الصافية أعلى مستوى لها في منتصف عام 2007، حين بلغ متوسط دخل الأسرة 64400 دولار، لكنه انخفض إلى 51500 دولار في نهاية عام 2008، أي بتراجع سريع نسبته 20 في المائة. وبمتوسط داخل الأسرة عند 50 ألف دولار وتراجع الأسعار الفعلية منذ عام 2000، فإن تراجع القيمة الصافية بنسبة 20 في المائة يعتبر كبيراً، خاصة عندما بلغ دين الأسرة 130 في المائة من دخلها عام 2008.
جاء هذا الدين من زيادة إنفاق الأمريكيين على دخلهم، الأمر الذي يعكس أثراً إيجابياً للثروة. فقد شعرت الأسر أنها أصبحت أكثر ثراء رغم الضغط على مداخيلها، لأن قيمة البيوت والموجودات كانت في ارتفاع. الآن انعكس ذلك الأثر للثروة على نحو يشبه الانتقام. فبسبب الأزمة والبطالة دبّ الخوف في قلوب الأسر، ما دفعها إلى زيادة معدلات الادخار لأول مرة منذ سنوات. وكانت هذه المعدلات ثابتة عند نسبة تراوح بين 1 و2 في المائة من الدخل، لكنها ارتفعت إلى قرابة 5 في المائة الآن.

فمع انخفاض المداخيل، تلجأ الأسر إلى خفض الإنفاق بهدف زيادة معدلات الادخار. ويفسر لنا هذا سبب تراجع المصروفات الاستهلاكية إلى معدلات قياسية في نهاية عام 2008.
لقد اقترب الإنفاق الاستهلاكي من نسبة 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في العقد الماضي، وكان هو المهيمن على اقتصادنا. لكن الميزانيات العمومية الأسرية لن يعاد بناؤها عما قريب. ذلك أن قيمة البيوت ستواصل انخفاضها حتى منتصف عام 2010، وليست هناك سابقة بالنسبة لأسواق المال التي ما زالت متراجعة بنسبة 45 في المائة عن أعلى مستوى لها، لتعويض تلك الخسائر في عامين فقط. ولذلك من غير المنطقي أن نتوقع عودة كاملة للقطاع الاستهلاكي في 2010 أو 2011. وهذا وحده يفرض حدوث انتعاش بطيء وضعيف.
القطاع الرئيسي الثاني هو القطاع المالي. حسب صندوق النقد الدولي، منيت المؤسسات المالية الغربية، ومعظمها في الولايات المتحدة، بخسائر متحققة قدرها 1000 مليار دولار على الموجودات ذات المنشأ الأمريكي منذ بداية الأزمة. وقدر صندوق النقد الدولي أن تبلغ الخسائر غير المتحققة 1000 مليار دولار أخرى. ومع استمرار تراجع العقارات السكنية والتجارية، فإن هذا أمر ممكن. وهذا هو السبب في عدم استطاعة القطاع المصرفي تقديم قروض جديدة. هذه الخسائر تأكل رأسمال البنوك وتقلص قدرتها على زيادة موجوداتها. والمبالغ المتأتية من برنامج إنقاذ الموجودات المتعثرة تحل محل رأس المال الذي تمت خسارته فقط، ولا تزيده. إذن، متى ستتوقف هذه الخسائر؟ بما أن الشرائح الرئيسية من الموجودات السامة ما زالت تفقد قيمتها، فإن الجواب هو ليس في المستقبل القريب. إن حجم الإقراض اللازم لدعم انتعاش دوري عادي لن يتحقق.
وبالنسبة للقيد الثالث الذي يحول دون الانتعاش، فربما كان متعلقاً بالميزانية العمومية الاتحادية. ذلك أن المحرك المالي والمحرك النقدي متوقفان تماماً في الوقت الراهن. لكن خلال سنتين يمكن أن تعود المخاوف بشأن عجز الميزانية والتضخم، الأمر الذي سيضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة، ويضطر الكونغرس إلى اتخاذ إجراءات لخفض العجز. ويمكن لهذه الإجراءات التي تعرّف بأنها انكماشية، أن تحدث قبل أن يؤكد الانتعاش الكامل نفسه. وعلى ذلك الأساس، فإن الميزانية العمومية الاتحادية يمكن أن تحد من الانتعاش الكامل.
ومن المرجح أن يعمل تقرير الأسبوع الماضي عن الآفاق المستقبلية، على فرض القيام بعملية ضخ ثانية لزيادة الإنفاق وخفض الضرائب في 2010 لتحفيز الطلب. ورغم المعارضة الشعبية، ستكون هناك حاجة إلى ضخ مزيد من الأموال الاتحادية في البنوك. وسيزداد سوء العجز الذي يمكن أن يرتفع إلى 1000 مليار دولار سنوياً، على مدى عشر سنوات. وسيفرض هذا الوضع تبطئة خطط أوباما الاستثمارية. وهذا عار، لأن هناك حاجة لتلك الاستثمارات، لكن هذا الركود في الميزانيات العمومية سيكون عميقاً جداً.