Dr.M
08-01-2009, Thu 11:53 AM
مفاجأة عام 2008 الغاز الأمريكي
الاقتصادية ـ د. أنس بن فيصل الحجي 06/01/2009
إن ما سيذكره تاريخ النفط عن عام 2008 ليس ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية ثم انخفاضها بشكل كبير، إنما تطور التقنية التي مكنت من استخراج الغاز الطبيعي المحبوس في صخور السجيل بكميات ضخمة، فقد ارتفع إنتاج الولايات المتحدة من الغاز بمقدار 20 في المائة في السنوات الثلاث الأخيرة، رغم معدلات النضوب العالية، كما ارتفعت احتياطياتها من الغاز الطبيعي بحدود 13 في المائة.
إن الزيادة في احتياطيات الولايات المتحدة كبيرة بكل المقاييس، مثلا، بلغت الزيادة في احتياطيات الغاز في الولايات المتحدة خلال العام الأخير نحو خمسة أضعاف الزيادة في السعودية في الفترة نفسها! ويتوقع أن تزداد احتياطيات الغاز الأمريكية قريبا لأسباب عدة، منها: التطور السريع في التكنولوجيا في هذا المجال، والتغيير الأخير في قوانين الأسواق المالية الذي يسمح للشركات بالإفصاح عن احتياطيات لم يكن ممكنا حسب القوانين القديمة الإفصاح عنها.
وارتفع إنتاج هذا الغاز الطبيعي، الذي يطلق عليه "غاز السجيل" نسبة إلى مصدره، بشكل كبير لدرجة أن واردات الولايات المتحدة من النفط المسال انخفضت إلى مستويات لا تكاد تذكر، مع أنه كان من المقرر أن تستورد كميات ضخمة تعادل أضعاف ما تستورده الآن. وعلى الرغم من أن صادرات الغاز الكندي إلى الولايات المتحدة تتجه للانخفاض على كل الحالات بسبب انخفاض الإنتاج من جهة، وزيادة استهلاك كندا من الغاز من جهة أخرى، إلا أن زيادة إنتاج الغاز داخل الولايات المتحدة عجل في انخفاض صادرات الغاز الكندية للولايات المتحدة بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة. كما مكنت زيادة إنتاج الغاز الولايات المتحدة من زيادة صادراتها إلى المكسيك، وبدأت بعض محطات استيراد الغاز المسال باستخراج الرخص اللازمة كي تتمكن من تصدير الغاز. ولا بد من ذكر حقيقة مفادها أن زيادة أنشطة الحفر والتنقيب مكنت عددا كبيرا من الأفراد، أغلبهم في الثلاثينيات والأربعينيات من العمر، من ترك وظائفهم في شركات النفط وتأسيس شركاتهم الخاصة، الأمر الذي مكنهم من تحقيق حلمهم بدخول نادي المليونيرات، وبشكل سريع.
قلب الموازين
إن تقدم تقنية استخراج الغاز الطبيعي من السجيل لم يقلب موازين الطاقة في الولايات المتحدة فقط، ولكن في جميع أنحاء العالم، فكل ما على القارئ أن يتصوره هو جبال ضخمة جدا تحت الأرض تتجاوز مساحتها بعض الدول العربية ويراوح ارتفاعها بين بضعة أمتار ومئات الأمتار، مكونة كلها من حجر السجيل الحاوي للغاز، وهذه الجبال تنتشر في شتى أنحاء العالم، فمنطقة شمال تكساس، وتحت بيوت وعمائر مدينتي دالاس وفورت ورث، يقع حقل "بارنيت". ويقوم أغلب ملاك العقارات في المدينيتن بتحصيل ريوع من الشركات التي تستخرج الغاز من تحت عقاراتهم. وعلى الرغم من ضخامة حقل "بارنيت"، إلا أن هناك حقولا أكبر منه مثل حقل "هيناسفيل" الواقع بين ولايتي تكساس ولويزيانا، وحقل "مارسيلاس" الذي يمتد إلى ثلاث ولايات هي: نيويورك، بنسلفانيا، وغرب فرجينيا، كما أن هناك حقولا عديدة أصغر من حقل "بارنيت" متناثرة عبر الأراضي الأمريكية.
لقد تم استخراج الغاز من مكامن حجر السجيل منذ أكثر من 100 عام، ولكنه لم يكن محورا لاستثمار الشركات بسبب طبقات السجيل الكتيمة التي لا تسمح للغاز بالانسياب بسهولة، ولكن تم في السنوات الأخيرة تطور التقنية في عدة مجالات، منها الحفر الأفقي، وإمكانية إحداث شقوق ضخمة وعديدة في المكامن، التي تسهل تسرب الغاز إلى فوهة البئر. وكون هذه التقنية بسيطة من جهة، ورخيصة نسبيا، فإن أغلب الشركات المستخرجة للغاز هي شركات صغيرة، وأغلبها مملوك من أفراد. وتمت زيادة إنتاج الغاز الأمريكي بشكل كبير دون تدخل الحكومة أو شركات النفط الكبيرة.
لا شك أن انخفاض أسعار الغاز سيخفض من إنتاج الغاز الأمريكي، وسيغلق بعض الآبار، وسيؤدي إلى إفلاس بعض الشركات، تماما كما حصل في الماضي. إلا أن هذا الغاز قلب موازين الصناعة رأسا على عقب، لأنه يختلف عن غيره المستخرج بالطرق العادية ـ سواء كان مصاحبا للنفط أم لا ـ بأن مكانه معروف ومؤكد، فإذا ارتفعت الأسعار فإنه يمكن بكل سهولة استخراجه. ويختلف عنه أيضا أن كمية رأس المال اللازمة بسيطة مقارنة باستخراج الغاز بالطرق التقليدية. ورغم أن تكاليف إنتاجه تبلغ نحو ضعف إنتاج الغاز في الخليج، إلا أن التكاليف تنخفض باستمرار، وقد تكون تكاليف إنتاجه في بعض الدول الأوروبية، خاصة أوروبا الشرقية، أرخص بكثير من الولايات المتحدة لأسباب متعددة أهمها: انخفاض مستوى العوائق البيئية، وملكية الدولة للغازات والسوائل تحت الأرض.
أثر هذا الغاز في دول الخليج
من أهم نتائج زيادة إنتاج الغاز في الولايات المتحدة انفصال العلاقة بين أسعار الغاز وأسعار النفط في الأسواق الأمريكية، الأمر الذي يفسر انخفاض أسعار الغاز في فترات استمرت فيها أسعار النفط في مستوياتها العالية. وبما أن أغلب استخدام النفط في الولايات المتحدة هو في قطاع المواصلات، فإن الغاز لن يؤثر في واردات النفط، إلا إذا بدأت الولايات المتحدة باستخدام الغاز بدل الديزل والبنزين في السيارات. وعلى الرغم من أن هذا الغاز لن يؤثر في الطلب على النفط، إلا أنه سيؤثر في إنتاجه عن طريق تمكين صناعة النفط، التي تستخرج النفط من رمال القار في ولاية ألبرتا الكندية، من الحصول على إمدادات كافية من الغاز وبتكاليف منخفضة، علما أن الغاز يستخدم لتسخين الرمال لاستخراج النفط منها.
زيادة إنتاج الولايات المتحدة من الغاز من جهة، واستخراج كندا لغاز السجيل من الحقول الضخمة في الولايات المختلفة، خاصة حقل "أوتيكا" في ولاية كيوبيك وحقل "مسكوا" في ولاية بريتش كولومبيا، يحرر كميات ضخمة من الغاز للاستخدام في حقول الرمال النفطية، وسيخفض أسعاره. هذا يعني انخفاض تكاليف إنتاج النفط الكندي، وبالتالي زيادة إنتاج كندا من النفط، علما أن كندا تحتوي الآن على أكبر احتياطيات النفط في العالم بعد السعودية.
وتشكل زيادة إنتاج الغاز الأمريكي مشكلة لقطر، لأن هناك خطي إنتاج غاز مسال سيدشنان خلال العامين المقبلين هدفهما التصدير إلى الولايات المتحدة، الأمر الذي سيجبر قطر على البحث عن أسواق جديدة، كما قد يؤدي إلى انخفاض أسعار الغاز المسال.
وبما أن حقول السجيل موجودة في أماكن مختلفة من العالم، خاصة في أوروبا، فإن زيادة إنتاج الدول المستهلكة من الغاز سيؤثر في صادرات الغاز القطرية، وسيخفض أسعار الغاز عالميا، ولكن إذا نظرنا إلى الجانب المضيء للقضية نجد أن اكتشافات الغاز الأمريكية تعني توافر مزيد من الغاز في منطقة الخليج، وبأسعار معقولة.
خلاصة القول: إن تقدم تقنية استخراج الغاز الطبيعي من صخور السجيل عام 2008 هو تقدم للبشرية جمعاء، لأن هذا الغاز كان مصدرا طبيعيا مهملا، والآن أصبح مصدرا مهما للطاقة.
الاقتصادية ـ د. أنس بن فيصل الحجي 06/01/2009
إن ما سيذكره تاريخ النفط عن عام 2008 ليس ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية ثم انخفاضها بشكل كبير، إنما تطور التقنية التي مكنت من استخراج الغاز الطبيعي المحبوس في صخور السجيل بكميات ضخمة، فقد ارتفع إنتاج الولايات المتحدة من الغاز بمقدار 20 في المائة في السنوات الثلاث الأخيرة، رغم معدلات النضوب العالية، كما ارتفعت احتياطياتها من الغاز الطبيعي بحدود 13 في المائة.
إن الزيادة في احتياطيات الولايات المتحدة كبيرة بكل المقاييس، مثلا، بلغت الزيادة في احتياطيات الغاز في الولايات المتحدة خلال العام الأخير نحو خمسة أضعاف الزيادة في السعودية في الفترة نفسها! ويتوقع أن تزداد احتياطيات الغاز الأمريكية قريبا لأسباب عدة، منها: التطور السريع في التكنولوجيا في هذا المجال، والتغيير الأخير في قوانين الأسواق المالية الذي يسمح للشركات بالإفصاح عن احتياطيات لم يكن ممكنا حسب القوانين القديمة الإفصاح عنها.
وارتفع إنتاج هذا الغاز الطبيعي، الذي يطلق عليه "غاز السجيل" نسبة إلى مصدره، بشكل كبير لدرجة أن واردات الولايات المتحدة من النفط المسال انخفضت إلى مستويات لا تكاد تذكر، مع أنه كان من المقرر أن تستورد كميات ضخمة تعادل أضعاف ما تستورده الآن. وعلى الرغم من أن صادرات الغاز الكندي إلى الولايات المتحدة تتجه للانخفاض على كل الحالات بسبب انخفاض الإنتاج من جهة، وزيادة استهلاك كندا من الغاز من جهة أخرى، إلا أن زيادة إنتاج الغاز داخل الولايات المتحدة عجل في انخفاض صادرات الغاز الكندية للولايات المتحدة بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة. كما مكنت زيادة إنتاج الغاز الولايات المتحدة من زيادة صادراتها إلى المكسيك، وبدأت بعض محطات استيراد الغاز المسال باستخراج الرخص اللازمة كي تتمكن من تصدير الغاز. ولا بد من ذكر حقيقة مفادها أن زيادة أنشطة الحفر والتنقيب مكنت عددا كبيرا من الأفراد، أغلبهم في الثلاثينيات والأربعينيات من العمر، من ترك وظائفهم في شركات النفط وتأسيس شركاتهم الخاصة، الأمر الذي مكنهم من تحقيق حلمهم بدخول نادي المليونيرات، وبشكل سريع.
قلب الموازين
إن تقدم تقنية استخراج الغاز الطبيعي من السجيل لم يقلب موازين الطاقة في الولايات المتحدة فقط، ولكن في جميع أنحاء العالم، فكل ما على القارئ أن يتصوره هو جبال ضخمة جدا تحت الأرض تتجاوز مساحتها بعض الدول العربية ويراوح ارتفاعها بين بضعة أمتار ومئات الأمتار، مكونة كلها من حجر السجيل الحاوي للغاز، وهذه الجبال تنتشر في شتى أنحاء العالم، فمنطقة شمال تكساس، وتحت بيوت وعمائر مدينتي دالاس وفورت ورث، يقع حقل "بارنيت". ويقوم أغلب ملاك العقارات في المدينيتن بتحصيل ريوع من الشركات التي تستخرج الغاز من تحت عقاراتهم. وعلى الرغم من ضخامة حقل "بارنيت"، إلا أن هناك حقولا أكبر منه مثل حقل "هيناسفيل" الواقع بين ولايتي تكساس ولويزيانا، وحقل "مارسيلاس" الذي يمتد إلى ثلاث ولايات هي: نيويورك، بنسلفانيا، وغرب فرجينيا، كما أن هناك حقولا عديدة أصغر من حقل "بارنيت" متناثرة عبر الأراضي الأمريكية.
لقد تم استخراج الغاز من مكامن حجر السجيل منذ أكثر من 100 عام، ولكنه لم يكن محورا لاستثمار الشركات بسبب طبقات السجيل الكتيمة التي لا تسمح للغاز بالانسياب بسهولة، ولكن تم في السنوات الأخيرة تطور التقنية في عدة مجالات، منها الحفر الأفقي، وإمكانية إحداث شقوق ضخمة وعديدة في المكامن، التي تسهل تسرب الغاز إلى فوهة البئر. وكون هذه التقنية بسيطة من جهة، ورخيصة نسبيا، فإن أغلب الشركات المستخرجة للغاز هي شركات صغيرة، وأغلبها مملوك من أفراد. وتمت زيادة إنتاج الغاز الأمريكي بشكل كبير دون تدخل الحكومة أو شركات النفط الكبيرة.
لا شك أن انخفاض أسعار الغاز سيخفض من إنتاج الغاز الأمريكي، وسيغلق بعض الآبار، وسيؤدي إلى إفلاس بعض الشركات، تماما كما حصل في الماضي. إلا أن هذا الغاز قلب موازين الصناعة رأسا على عقب، لأنه يختلف عن غيره المستخرج بالطرق العادية ـ سواء كان مصاحبا للنفط أم لا ـ بأن مكانه معروف ومؤكد، فإذا ارتفعت الأسعار فإنه يمكن بكل سهولة استخراجه. ويختلف عنه أيضا أن كمية رأس المال اللازمة بسيطة مقارنة باستخراج الغاز بالطرق التقليدية. ورغم أن تكاليف إنتاجه تبلغ نحو ضعف إنتاج الغاز في الخليج، إلا أن التكاليف تنخفض باستمرار، وقد تكون تكاليف إنتاجه في بعض الدول الأوروبية، خاصة أوروبا الشرقية، أرخص بكثير من الولايات المتحدة لأسباب متعددة أهمها: انخفاض مستوى العوائق البيئية، وملكية الدولة للغازات والسوائل تحت الأرض.
أثر هذا الغاز في دول الخليج
من أهم نتائج زيادة إنتاج الغاز في الولايات المتحدة انفصال العلاقة بين أسعار الغاز وأسعار النفط في الأسواق الأمريكية، الأمر الذي يفسر انخفاض أسعار الغاز في فترات استمرت فيها أسعار النفط في مستوياتها العالية. وبما أن أغلب استخدام النفط في الولايات المتحدة هو في قطاع المواصلات، فإن الغاز لن يؤثر في واردات النفط، إلا إذا بدأت الولايات المتحدة باستخدام الغاز بدل الديزل والبنزين في السيارات. وعلى الرغم من أن هذا الغاز لن يؤثر في الطلب على النفط، إلا أنه سيؤثر في إنتاجه عن طريق تمكين صناعة النفط، التي تستخرج النفط من رمال القار في ولاية ألبرتا الكندية، من الحصول على إمدادات كافية من الغاز وبتكاليف منخفضة، علما أن الغاز يستخدم لتسخين الرمال لاستخراج النفط منها.
زيادة إنتاج الولايات المتحدة من الغاز من جهة، واستخراج كندا لغاز السجيل من الحقول الضخمة في الولايات المختلفة، خاصة حقل "أوتيكا" في ولاية كيوبيك وحقل "مسكوا" في ولاية بريتش كولومبيا، يحرر كميات ضخمة من الغاز للاستخدام في حقول الرمال النفطية، وسيخفض أسعاره. هذا يعني انخفاض تكاليف إنتاج النفط الكندي، وبالتالي زيادة إنتاج كندا من النفط، علما أن كندا تحتوي الآن على أكبر احتياطيات النفط في العالم بعد السعودية.
وتشكل زيادة إنتاج الغاز الأمريكي مشكلة لقطر، لأن هناك خطي إنتاج غاز مسال سيدشنان خلال العامين المقبلين هدفهما التصدير إلى الولايات المتحدة، الأمر الذي سيجبر قطر على البحث عن أسواق جديدة، كما قد يؤدي إلى انخفاض أسعار الغاز المسال.
وبما أن حقول السجيل موجودة في أماكن مختلفة من العالم، خاصة في أوروبا، فإن زيادة إنتاج الدول المستهلكة من الغاز سيؤثر في صادرات الغاز القطرية، وسيخفض أسعار الغاز عالميا، ولكن إذا نظرنا إلى الجانب المضيء للقضية نجد أن اكتشافات الغاز الأمريكية تعني توافر مزيد من الغاز في منطقة الخليج، وبأسعار معقولة.
خلاصة القول: إن تقدم تقنية استخراج الغاز الطبيعي من صخور السجيل عام 2008 هو تقدم للبشرية جمعاء، لأن هذا الغاز كان مصدرا طبيعيا مهملا، والآن أصبح مصدرا مهما للطاقة.