المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الازمة تمنح امريكا قوة مالية جديدة



الفأل الحسن
23-12-2008, Tue 9:00 AM
ريكاردو هوسمان
الأزمة الاقتصادية التي تمر بها الولايات المتحدة مؤشر على نهاية الهيمنة الأمريكية على العالم. ويفكر الناقدون من مدارس مختلفة، بعضهم بتخوف وبعض آخر بجذل، في مستقبل يتراجع فيه تأثير الولايات المتحدة في الشؤون العالمية. لكن إذا أحسنت الولايات المتحدة التصرف، فسيتبين أن الأمور ستنتهي إلى عكس ذلك تماماً.
من المفيد أن نتذكر أن القوة فكرة نسبية وليست مطلقة. صحيح أن الولايات المتحدة تضررت جراء حالة الاضطراب والفوضى الحالية، لكن دولاً كثيرة غيرها تضررت هي الأخرى. لقد فقد مؤشر داو جونز 40 في المائة من قيمته منذ بداية العام حتى الآن، لكنه رغم ذلك يظل أفضل الأسواق المالية أداء في العالم.
والأهم من ذلك، فيما يتعلق بالقوة، أن الدول غير الصديقة للولايات المتحدة، مثل روسيا، وإيران، وفنزويلا تعاني انهيارا مزدوجا في ثمن صادراتها النفطية وفي قيمة سنداتها السيادية.
هل تتذكرون السيناريو الخطر في الصيف الماضي عندما تدخلت روسيا في جورجيا وهددت أوروبا بورقة النفط؟
حالياً يصلي صانعو السيارات الروس يومياً كي يتمكنوا فقط من فتح السوق المالية لتزاول عملها العادي.
وعلى نطاق أوسع، تحول الانهيار المالي إلى توقف مفاجئ في التدفقات الرأسمالية إلى البلدان الصاعدة والنامية، الأمر الذي يهدد بزعزعة نموها وأنظمتها المالية وحساباتها الحكومية .
وعلى عكس الرأي السائد، الأزمة الراهنة لا تتعلق كثيراً بالمعركة الفاصلة التي توقعها في السنوات القليلة الماضية نورييل روبيني، أستاذ الاقتصاد في جامعة نيويورك. فهو يرى أن اتساع نطاق عجز الحساب الجاري للولايات المتحدة سيفوق في نهاية المطاف استعداد بقية العالم لتمويله، الأمر الذي يؤدي إلى انهيار الدولار، بينما ترتفع أسعار الفائدة طويلة الأجل على سندات الخزانة الأمريكية إلى عنان السماء.
ليس لهذا علاقة كبيرة بالأزمة الحالية، ذلك أن الولايات المتحدة أصبحت القوة العظمى الباقية الوحيدة التي تستطيع إصدار مليارات الدولارات من الدين بأسعار فائدة متدنية قياسية في وقت تزداد فيه قوة الدولار. والناس غير مستعدين لإقراض أية جهة تقريباً، باستثناء وزارة الخزانة الأمريكية. وهذا مكن الولايات المتحدة من أن توفر – بتكلفة متدنية قياسية – نحو خمسة آلاف مليار دولار لإنقاذ نظامها المالي، وأن تقوم بزيادة المعروض النقدي لاقتصادها، اتباعاً لنظرية كينز.
وفي الوقت نفسه، فقدت البلدان التي تصرفت باعتدال كالبرازيل، وكولومبيا، والمكسيك، والبيرو، وجنوب إفريقيا وتركيا بصورة جوهرية قدرتها على الحصول على التمويل الخارجي.
ماذا ينبغي أن تفعل الولايات المتحدة بقوتها المالية المكتشفة حديثاً؟ من المغري استخدام هذه القوة لأغراض السياسة النقدية المحلية فقط، لكن سيكون من الخطأ عمل ذلك.
أولاً، تعاني الولايات المتحدة من عجز كبير في حسابها الجاري، الأمر الذي يعكس حقيقة أن الإنفاق الداخلي يفوق الناتج بكثير. واستخدام القدرة على الاقتراض لا لشيء إلا للإنفاق الداخلي يفاقم هذا العجز ويترك الولايات المتحدة مع ميزان خارجي سيئ يحد من النمو ويبقى عليه تحت الخط.
ثانياً، هناك ارتفاع حاد في صافي الدين العام في الوقت الذي يبدأ فيه جيل مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية في تحصيل شيكات الضمان الاجتماعي، الأمر الذي يزيد قدرة البلد على الوفاء بالالتزامات المالية سوءاً في المدى الطويل.
ثالثاً، ستعاني بلدان كثيرة عبر العالم من تبعات عدم القدرة على الحصول على التمويل، في وقت يدفعها فيه التراجع في أرباح صادراتها إلى المزيد من الاقتراض لتسيير أمورها. وإذا لم تحصل هذه البلدان على التمويل اللازم سيؤدي ذلك إلى تقلص اقتصاداتها والى تراجع وارداتها، الأمر الذي يعود بالضرر على الصادرات الأمريكية في وقت تعتبر الحاجة إليها على أشد ما تكون. وفي ظل هذه الظروف هناك خطر في أن تنغلق بعض البلدان على نفسها بعيداً عن الاقتصاد العالمي، وأن تفرض الموازي المالي لقانون سموت/هولي الحمائي لعام 1930، ويمكن أن يؤدي هذا إلى تفكك الإجماع على العولمة الذي تميزت به حقبة ما بعد الحرب الباردة.
رابعاً، إذا أعادت الولايات المتحدة تدوير الموارد المالية، عبر مواصلة تقديم القروض للبلدان ذات السلوك الجيد التي فقدت قدرتها على الحصول على التمويل بسبب الأزمة المالية، فلن يزيد ذلك من صافي دينها، بل سيعود بالربح على دافع الضرائب الأمريكي وفي الوقت نفسه يزيد الطلب على الصادرات الأمريكية.
خامساً، إعادة تصدير رأس المال إلى بقية أنحاء العالم من شأنه أن يحول دون ارتفاع قيمة الدولار الذي يعتبر أمراً غير مناسب.
وأخيراً، لعب هذا الدور من شأنه أن يمنح الولايات المتحدة قوة ناعمة هائلة في العالم، إذ يترتب على البلدان أن تقرر ما إذا كانت راغبة في المشاركة في ديمقراطية السوق والإفادة من الوصول إلى الموارد المالية التي تستطيع الولايات المتحدة والبلدان الأخرى أن تعبئها، أم ستحاول تشكيل معسكر منفصل مع روسيا، وإيران، وفنزويلا لا لشيء إلا لأنه تم سحب السجادة من تحتها.
وإعادة تدوير الأموال بالنطاق الذي تقوم الحاجة إليه تتطلب أكثر من "العمل كالمعتاد" في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنوك التنمية الإقليمية. لقد كانت هذه المؤسسات تقرض مبالغ تقل كثيراً عن 100 مليار دولار سنوياً، بينما يحرم انهيار أسواق المال الدول من 700 مليار دولار.
وزيادة على ذلك تخشى البلدان أن تطلب المساعدة مخافة أن يدب الرعب في الأسواق. لقد شق بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي طريقاً جديداً عبر تقديم 120 مليار دولار في اتفاقيات تبادل مع البرازيل، وكوريا، والمكسيك، وسنغافورة، لكن هذا الأمر محدود جغرافيا، ومن جانب واحد. إن التدخل مباشرة عبر تأسيس صندوق لشراء السندات الحكومية والخاصة على نطاق عالمي، كما يجري في الولايات المتحدة، وكما أوصت أخيرا لجنة الظل الخاصة بالأنظمة المالية في أمريكا اللاتينية ـ التي أنا عضو فيها ـ ربما يكون طريقاً واعداً إلى الأمام