المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العقار داء العالم اليوم.. ودواؤه كل يوم



الجبل
13-12-2008, Sat 7:10 PM
كتب أكرم بلقعيد:

يقال انه «عندما تكون أمور العقارات بخير، فكل الأمور الأخرى على ما يرام»، نظرا لما لهذا القطاع من مساهمة في دعم النمو الاقتصادي. ولكن عندما تجد الطبقات الوسطى نفسها في حالة صعبة، وتضعف إمكانات الاقتراض لدى المشترين المحتملين، فالأمور بالتالي ليست أبدا على ما يرام.

يقول عالم الاقتصاد في معهد بيترسن في واشنطن آدم س. بوزن: «عندما نتحدث عن القطاع العقاري، نفكر مباشرة بفقاعة المضاربات. لكن في الأساس، هناك بالفعل طلب حقيقي، من دونه، ليس هناك وجود لظاهرة المضاربات».

وفي الواقع، نلاحظ ارتفاعا مستمرا في الطلب على المساكن. فبحسب دراسة إحصائية أجرتها منظمة Euromonitor الدولية، فان «حجم الطبقات الوسطى في العالم في تزايد مستمر»، الأمر الذي يترجم بضغوط متزايدة على الأسواق العقارية. وبالتالي تساهم الضغوطات الديموغرافية والتحسن الملحوظ في القدرة الشرائية في العديد من الدول الصاعدة، في تزايد هذا الطلب بمعدل سنوي عالمي نسبته 8%.

طبعا، لا يمكن تلبية هذا الطلب بشكل تام، ويظل النقص في المساكن واقعا يتقاسمه العديد من الدول، سواء انتمت إلى نادي الدول الغنية (إيطاليا، اليونان، بريطانيا...)، أم لا (الجزائر، مصر، الأرجنتين...). إضافة إلى ذلك، يتعزز هذا المنحى بفعل التزايد المستمر أم غير المستمر لعدد العائلات المؤلفة من راشد واحد، خصوصا في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية واليابان.

إن انعدام التوازن الشامل الواقع بين الطلب والعرض هو من أحد مسببات التطور الذي لم يسبق له مثيل للنشاط العقاري في العالم. كما أشارت إلى ذلك دراسة أجراها مكتب «كزيرفي» Xerfi، التي ذكرت أنه منذ بداية الألفية الثانية، لم يسبق «للارتفاع المستمر لرقم الأعمال العالمي للنشاطات العقارية» أي مثيل. إذ كان هذا القطاع، الذي ينمو بمعدل 4% سنويا (مع بلوغ ذروته في عام 2001 بتحقيقه نـسبة قياسـية هــي 10%)، من أنشط القطاعات الاقتصادية، مساهما بالتالي في المحافظة على ازدهار الاقتصاد العالمي على الرغم من التنفيس المفاجئ لفقاعة التقنيات الجديدة ابتداء من مارس 2000.

ويوسع القطاع العقاري دائرة تأثيره ليطال العديد من المجالات: النشاط الاقتصادي «الحقيقي»، القروض، استهلاك الأسر واستخدام ادخاراتها من أجل تشكيل إرث لها. فبحسب التقديرات الأكثر تواترا، يأتي القطاع العقاري ــ وهو تعبير يضم من جهة الوكالات العقارية ومؤسسات التمويل والسمسرة، ومن جهة أخرى مؤسسات البناء خارج قطاع الأشغال العامة ــ في الترتيب الثامن لجهة تشغيل اليد العاملة عالميا، وترتبط 80% من فرص العمل التي يخلقها بالبناء

القطاع العقاري إن انكفأ

في فرنسا، يشكل القطاع العقاري المحرك الأساسي للاقتصاد، والمنتج الثاني للثروات ــ بعد خدمات الشركات ــ والمستخدم السادس بنسبة 7% من العاملين، في حين من المفترض أنه يساهم بنسبة 18% من نمو الناتج المحلي الإجمالي (بحسب معهد الادخار العقاري والضريبي IEIF). أما في الولايات المتحدة، فيشكل القطاع العقاري ما مجموعه 15% من النشاط الاقتصادي، ومع عشرين مؤشرا يتعلق به، إنه النشاط الأكثر مراقبة من قبل المعاهد التي تعنى بالأحوال الاقتصادية. إذ يذكر الاقتصادي الأميركي ويليام فليكنشتاين، أن «قانونا بسيطا يطبق على غالبية الاقتصادات المتطورة، وهو أن أي انكفاء للقطاع العقاري يرادف تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع عدد الباحثين عن عمل».

يبقى أنه، في العديد من الدول، من الصعب جدا تقدير مساهمته الدقيقة في الاقتصاد الوطني، بسبب غياب إحصائيات موثوقة. إذ لدينا مثلا ميل إلى الإنقاص من أهمية العمل غير المعلن عنه في ورش البناء. فقطاع البناء يشكل، مع قطاع الفنادق والمطاعم، أحد أكثر النشاطات التي تستخدم أشخاصا بصورة غير نظامية. ويعتبر هذا التداخل مع الاقتصاد غير النظامي مصدر ربح هائل للمهربين على جميع أنواعهم، سواء بالنسبة لشبكات العاملين غير الشرعيين أو لمجموعات المافيا الذين يبحثون عن نشاطات شرعية لتبييض جزء من مداخيلهم.

من جهة أخرى، يشكل القطاع العقاري نشاطا أساسيا لمدى الاستهلاك والإنفاق على التجهيزات. ففي الدول الصناعية، ها هو يأتي في المرتبة الأولى نسبة لاستهلاك العائلات، التي تخصص له ما بين 20% و30% من إيراداتها. وإضافة إلى الإيجار، يشمل هذا الباب كل النفقات المتعلقة بالمسكن (قرض، تأمين، الخ.) وتجهيزه الذي تشهد حصته نموا مستمرا.

حتى أنه من المتوقع أن يستمر بالنمو، بشكل كبير، خلال الأعوام المقبلة، لأن القطاع سيجتذب مئات مليارات الدولارات من الاستثمارات تحت عنوان «محاربة التسخين الحراري»، حيث ينبعث من المباني الموجودة نصف كمية ثاني أكسيد الكربون، وهي تمتص 40% من استهلاك الطاقة. كما يفترض أن يشكل البروز المرتقب لـ«اقتصاد أخضر» - وجهة يتم التحدث عنها أكثر فأكثر لمحاربة الركود الاقتصادي ــ نقطة انطلاق لمشاريع تحديثية ولإتباع المعايير البيئية. وتعول التخمينات الأولى لهذا السوق على 1000 مليار دولار للدول المتطورة وحدها.

التملك في متناول الجميع

لكن القطاع العقاري ليس مجرد فاعل اقتصادي، مهما كان مهما، فهو أيضا نتيجة للاستثمارات، كون أكثر من ثلث الادخارات العالمية للأفراد تخصص له، وذلك بهدف التملك أو تشكيل إرث (إذ تمثل العقارات 70% من إرث الفرنسيين). وعلى النقيض من إحدى الأفكار المسبقة، فالعائلات ليست هي مصدر فقاعة المضاربة، إنما هم المستثمرون اصحاب المؤسسات، بشكل خاص، والصناديق المالية العديدة: فمن خلال تغذيتها الميل الطبيعي لهذا السوق إلى الارتفاع، استثمر هؤلاء عبر العالم أكثر من 10 آلاف مليار دولار في هذا القطاع (بما فيها الاستثمارات في قطاع العقارات الفخمة)، خلال الأعوام الثمانية الأخيرة.

وكما يشرح مدير باريسي لأحد الصناديق المالية، حرص على عدم الإفصاح عن هويته، فان سبب تضخم المضاربات يعود إلى تلاقي حركتين عميقتين: الأولى هي الرغبة، عفوية كانت أم لا، لدى العديد من العائلات بالتملك؛ والثانية هي رغبة الصناعة المالية التي اقتصرت استراتيجيتها، في الأعوام الأخيرة، على إعادة تدوير قسم من سيولتها في قروض مربحة جدا مخصصة للأفراد.

ففي سبيل اقناع المجموعة الأولى، شجعت الشركات العقارية ومجموعات الضغط المالية، السلطات السياسية على الإدلاء بخطابات مشجعة على التملك. كانت تلك هي الحال مثلا في الولايات المتحدة خلال الحملات الانتخابية في العامين 2000 و2004. فأثناء تلك التي سبقت إعادة انتخابه، دافع السيد جورج و. بوش عن «مجتمع للملاكين». ثم استعيدت الحجة من قبل السيد نيكولا ساركوزي في أحد خطاباته الانتخابية في سبتمبر 2006: «يقضي مشروعنا بجعل التملك في متناول الجميع».

في الصين، سنت السلطات القوانين في نهاية التسعينات من القرن الماضي، من أجل السماح للصينيين بالحصول على قروض رهن عقاري، وارتفعت نسبة العائلات التي حصلت على قرض مماثل من 1% في عام 1998 إلى 13% في عام 2006، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 24% في عام 2015.

أين وقع الخطأ؟!

منذ أزمة القروض الرهنية، نعرف أن اهتمام الصناعة المالية بالقطاع العقاري لم يكمن فقط في منح قروض للأفراد. فبعد «تحويلها إلى سندات»، استخدمت تلك القروض لتغذية سوق ثانوي للديون، وشكلت مرجعا لتطوير مشتقات مالية متعددة من بينها سندات «مقايضة التخلف عن التسديد» الشهيرة CDS، الذي كان يسمح للمستثمرين، من بين أمور أخرى، بالتأمين على أنفسهم ضد مخاطر عدم التسديد من قبل المقترضين. وقد تضخم هذا السوق خارج أي قدرة على السيطرة عليه، كما أدى عجز بعض العائلات على مواجهة التزاماتها، إلى انخفاض مفاجئ لقيمة سندات CDS، مما أدى بطريقة غير مباشرة إلى تكبد القطاع المصرفي خسارات كبيرة.

لكنه، كان من الممكن تفادي الأزمة العقارية أو التخفيف من وطأتها لو أن الاحتياطي الفدرالي الأميركي لم يتبع سياسة مالية تسامحية لهذه الدرجة في بداية الألفية الثانية. فقد انخفضت معدلات الفائدة الأساسية انتقلت من 6,25% إلى واحد في المائة في غضون أقل من سنتين مما سمح للمصارف بالاستدانة بسهولة أكبر وبأن تكون قادرة أكثر على منح قروض للعائلات. في مذكراته، أنكر الرئيس السابق للاحتياطي الفدرالي الأميركي، آلن غرينسبان، أنه تقصد تغذية الفقاعة العقارية، ويوضح بأن لخياراته أسبابا سياسية: «إن ارتفاع عدد الملاكين يعزز الدعم لرأسمالية السوق».

ويتهم العديد من علماء الاقتصاد المشهورين، من بينهم بول كروغمان الحائز جائزة نوبل (2)، الرئيس السابق للاحتياطي الأميركي بأنه قد حول، عن سابق معرفة، هذا القطاع العقاري إلى رافعة لتنشيط الاستهلاك والنمو بصورة اصطناعية. إذ كانت الآلية المستخدمة بسيطة جدا. فبالنسبة لصاحب قرض عقاري، كان انخفاض أسعار الفائدة يعني إمكانية إعادة التفاوض حول هذا القرض، بشكل مربح أكثر، وسحب سيولة للاستهلاك. ويكتسب هذا الأمر أهمية كبرى كون استهلاك العائلات يوازي ثلثي الاقتصاد الأميركي. نفهم عندها أهمية محافظة واشنطن على دينامية هذا الاستهلاك بجميع الوسائل.

ثراء وهمي

يأسف عالم الاقتصاد الأميركي جيف فوكس، كون «الاحتياطي الفدرالي قد جعل من القطاع العقاري ومن الرغبة في التملك حجة لاستدانة العائلات باستمرار. كان الهدف من اللعبة هو السماح لهم بالاستمرار في الاستهلاك، ضمن إطار كان يمنعهم من الحصول على زيادات في الرواتب. قد يبدو ذلك غير عقلاني، لكن الناس كانوا يشعرون بأنهم أكثر ثراء عند تملكهم مسكنا، حتى من خلال قرض مصرفي. نادرون هم الذين تلقوا تحذيرات وتم الشرح لهم بأن هذا الثراء وهمي وبأن قيمة هذا الممتلكات قد تتدنى في أي لحظة، بحسب تطورات السوق».

في فرنسا، دافع السيد ساركوزي أيضا عن عملية اللجوء إلى القروض الرهنية القابلة للتجديد، وذلك في النقاش الذي تناول مسألة ارتفاع القدرة الشرائية لدى الفرنسيين. بطريقة مبسطة، ترتكز هذه الآلية على رهن قرض عقاري، مما يشكل ضمانة لقرض أو لعدة قروض للاستهلاك. ومع تتابع التسديدات، قد يمكن الحصول على قروض أخرى، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقم حالات الاستدانة المفرطة.

إن التزامن بين أسعار فائدة منخفضة وظهور صناديق المضاربات في القطاع العقاري والاقتراض المتكرر للعائلات، قد أدى، في نهاية المطاف، إلى وقوع الكارثة في الولايات المتحدة، ومن ثم في سائر أنحاء العالم. وقد دفعت المضاربة الفعاليات إلى بناء المزيد والمزيد (40% من الوظائف التي خلقت في الولايات المتحدة بين العامين 2001 و2007 تمت في مجال البناء). وعندما لم يعد هناك من راغبين في شراء المساكن الفائضة، تم تشجيع العائلات المحدودة المردود على الدخول في اللعبة، من أجل تغذية الفقاعة المتضخمة عبر شراء مساكن كانوا حتى عاجزين عن استئجارها. وقد أدى تسلسل الوقائع هذا إلى أزمة قروض الرهن العقاري المخاطرة subprime، ومن ثم إلى شبه إفلاس للعديد من المصارف الكبرى التي كانت قد ضاربت على تلك المنتوجات المجازف بـهـا

لكن جميع الدول المتطورة لم تتأثر بالطريقة نفسها. فقد أظهرت هذه الأزمة أن الإجراءات الاجتماعية قد تشكل عوائق جدية في وجه الاستراتيجيات السياسية التي تلجأ إلى الاستدانة العقارية من أجل دعم الاستهلاك والنمو. ففرنسا، وبشكل خاص ألمانيا، قد حدتا حتى الآن من الأضرار، لأن قسما كبيرا من العائلات فيها تعتبر أن استئجار المسكن أأمن أكثر من شرائه. ففي ألمانيا، لا تملك سوى 44% من العائلات ملكا عقاريا، كون الباقون يفضلون تفادي الاستدانة؛ هذا على الرغم من ارتفاع نسبة القروض الرهنية 5% سنويا. وفي هذين البلدين، يكتسب مفهوم الرهن طابعا اجتماعيا منتقصا، على عكس الولايات المتحدة أو بريطانيا.

المصدر: لوموند ديبلوماتيك

الفتى الذهبي
13-12-2008, Sat 7:50 PM
يعطيك العافيه اخي الجبل

على التقرير الرائع

دائما ماتختار المواضيع المميزه

واصل بارك الله فيك

TOSHIBA
13-12-2008, Sat 9:55 PM
شكراً لك يا جبل