الجبل
01-12-2008, Mon 11:57 AM
ما الركود الاقتصادي؟
د. عبدالرحمن محمد السلطان 01/12/2008
أحد الإخوة قال لي أنتم أيها الاقتصاديون تتحدثون كثيراً في الفترة الأخيرة عن الركود الاقتصادي فهل يمكن أن توضح لي ما المقصود بذلك، وبعد حديث معه حول هذا المفهوم الاقتصادي قال إنه وجد أن هذه معلومات مفيدة واقترح علي أن أكتب مقالا حول ذلك باعتبار أن كثيرا من المهتمين بالشأن الاقتصادي قد يكون لديهم التساؤل نفسه.
بداية فإن حجم أي اقتصاد يقاس بقيمة ما ينتج في ذلك الاقتصاد من سلع وخدمات نهائية خلال فترة معينة في العادة سنة واحدة، ويسمى المقياس الذي يقيس ذلك بالناتج المحلي الإجمالي GDP، وكلما كان معدل النمو في هذا الناتج أعلى دل ذلك على تحسن في الوضع الاقتصادي والعكس صحيح. إلا أن هناك إشكالية تتمثل في أن هذا النمو قد لا يعكس بالضرورة ارتفاعا حقيقياً في حجم ما تم إنتاجه من سلع وخدمات وإنما يعكس فقط ارتفاعا في أسعار ما تم إنتاجه، أي ارتفاع في معدلات التضخم، ولتفادي هذه الإشكالية لجأ الاقتصاديون إلى مقياس آخر يحيد تأثير تغيرات الأسعار ويعكس فقط التغيرات في الإنتاج الفعلي من السلع والخدمات، وهذا المقياس هو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي أو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة Real GDP، الذي يوصل إليه باستخدام أسعار السلع والخدمات في أحد الأعوام عند احتساب قيمة السلع والخدمات النهائية المنتجة في الأعوام كافة التي نرغب في المقارنة فيما بينها، بحيث يصبح التفاوت من عام إلى آخر ناتجا فقط عن تغير حجم ما أنتج لا عن تغيرات الأسعار.
وعندما يكون النمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، أو لنقل نمو الاقتصاد، موجبا، إنما بمعدل متدن جدا أو قريب من الصفر، فإننا نقول إن هذا الاقتصاد يعاني حالة ركود اقتصادي Economic Stagnation. وحيث إن معدل النمو السكاني في هذه الحالة سيكون على الأرجح أعلى من معدل نمو الاقتصاد، فإن متوسط دخل الفرد, وبالتالي مستويات المعيشة ستكون في تراجع مستمر، حتى لو لم يحدث أي انكماش في النشاط الاقتصادي.
أما عندما يكون معدل نمو الاقتصاد سالباً، أي أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي أقل من صفر، لكنه ليس متراجعا بشكل حاد جدا، كأن يكون معدل التراجع السنوي 2 في المائة أو أقل على سبيل المثال، فإننا نقول إن هذا الاقتصاد يعاني انكماشا اقتصاديا Recession. وفي الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة يعد الاقتصاد رسمياً في حالة انكماش متى ما كان هناك نمو سلبي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لربعين متتاليين، أي ستة أشهر فأكثر. وهنا يجدر التنويه إلى خطأ شائع في كثير من الكتابات الاقتصادية العربية، بما في ذلك حتى بعض المعاجم المتخصصة، حيث يطلق الركود الاقتصادي على تحقيق الاقتصاد لمعدلات نمو سلبية، أي الانكماش الاقتصادي، في حين أن الركود الاقتصادي يعني فقط نمو الاقتصاد بمعدلات متدنية.
ويرافق حالة الانكماش الاقتصادي عادة ارتفاع في معدلات البطالة وتراجع في المستوى العام للأسعار بسبب أن قصور الطلب الكلي يضطر المنتجين إلى تخفيض إنتاجهم, وبالتالي حجم التوظيف في منشآتهم. أما إذا عانى الاقتصاد معدل نمو سلبيا حادا، كأن يكون معدل انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي يفوق 5 في المائة سنويا وهناك ارتفاع كبير في معدلات البطالة، واستمر هذا الوضع فترة طويلة كأن يستمر لعدة سنوات مثلا، فإننا نقول إن الاقتصاد يعاني في هذه الحالة كسادا اقتصاديا Economic Depression، كما حدث في الولايات المتحدة في الثلاثينيات من القرن الماضي، الذي سمي الكساد العظيم Great Depression، حيث نتج عنه تقلص الاقتصاد الأمريكي بحلول عام 1934 إلى نحو نصف حجمه عام 1929 ووصلت معدلات البطالة إلى ما يزيد على 30 في المائة.
وكثيراً ما يجري مقارنة الوضع الذي يمر به الاقتصاد العالمي حاليا بالكساد العظيم، خاصة أن كلا الوضعين ناتجان في الأساس عن أزمة مالية، إلا أن هذه المقارنة قد يكون فيها كثير من المبالغة.
فتجربة الكساد العظيم جعلت الحكومات تبادر هذه المرة إلى حماية المؤسسات المالية من الانهيار وتحفيز النشاط الاقتصادي ما سيقلل كثيراً من حدة التراجع، كما أن هناك عديدا من المؤسسات المالية الحكومية التي وجدت بعد تلك الأزمة تسهم حاليا في تحقيق استقرار أكبر في النشاط الاقتصادي في الدول المتقدمة مقارنة بحقبة الثلاثينيات.
على سبيل المثال: ضمان الودائع البنكية فلا ضرورة الآن لأن يجري كل مودع لسحب إيداعه عند سماعه إشاعة بقرب إفلاس بنكه ما يتسبب في إفلاسه فعلا حتى لو لم يكن مهددا بالإفلاس أصلا، والتأمين على العاطلين عن العمل فلا ينتقل العامل مباشرة إلى طوابير المعوزين حال فقده وظيفته. من ثم فإن التأثير المتوقع لهذه الأزمة سيكون على الأرجح انكماشا اقتصاديا ستكون معظم الاقتصادات العالمية قادرة على تجاوزه في أقل من ثلاثة أعوام على أبعد تقدير.
د. عبدالرحمن محمد السلطان 01/12/2008
أحد الإخوة قال لي أنتم أيها الاقتصاديون تتحدثون كثيراً في الفترة الأخيرة عن الركود الاقتصادي فهل يمكن أن توضح لي ما المقصود بذلك، وبعد حديث معه حول هذا المفهوم الاقتصادي قال إنه وجد أن هذه معلومات مفيدة واقترح علي أن أكتب مقالا حول ذلك باعتبار أن كثيرا من المهتمين بالشأن الاقتصادي قد يكون لديهم التساؤل نفسه.
بداية فإن حجم أي اقتصاد يقاس بقيمة ما ينتج في ذلك الاقتصاد من سلع وخدمات نهائية خلال فترة معينة في العادة سنة واحدة، ويسمى المقياس الذي يقيس ذلك بالناتج المحلي الإجمالي GDP، وكلما كان معدل النمو في هذا الناتج أعلى دل ذلك على تحسن في الوضع الاقتصادي والعكس صحيح. إلا أن هناك إشكالية تتمثل في أن هذا النمو قد لا يعكس بالضرورة ارتفاعا حقيقياً في حجم ما تم إنتاجه من سلع وخدمات وإنما يعكس فقط ارتفاعا في أسعار ما تم إنتاجه، أي ارتفاع في معدلات التضخم، ولتفادي هذه الإشكالية لجأ الاقتصاديون إلى مقياس آخر يحيد تأثير تغيرات الأسعار ويعكس فقط التغيرات في الإنتاج الفعلي من السلع والخدمات، وهذا المقياس هو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي أو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة Real GDP، الذي يوصل إليه باستخدام أسعار السلع والخدمات في أحد الأعوام عند احتساب قيمة السلع والخدمات النهائية المنتجة في الأعوام كافة التي نرغب في المقارنة فيما بينها، بحيث يصبح التفاوت من عام إلى آخر ناتجا فقط عن تغير حجم ما أنتج لا عن تغيرات الأسعار.
وعندما يكون النمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، أو لنقل نمو الاقتصاد، موجبا، إنما بمعدل متدن جدا أو قريب من الصفر، فإننا نقول إن هذا الاقتصاد يعاني حالة ركود اقتصادي Economic Stagnation. وحيث إن معدل النمو السكاني في هذه الحالة سيكون على الأرجح أعلى من معدل نمو الاقتصاد، فإن متوسط دخل الفرد, وبالتالي مستويات المعيشة ستكون في تراجع مستمر، حتى لو لم يحدث أي انكماش في النشاط الاقتصادي.
أما عندما يكون معدل نمو الاقتصاد سالباً، أي أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي أقل من صفر، لكنه ليس متراجعا بشكل حاد جدا، كأن يكون معدل التراجع السنوي 2 في المائة أو أقل على سبيل المثال، فإننا نقول إن هذا الاقتصاد يعاني انكماشا اقتصاديا Recession. وفي الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة يعد الاقتصاد رسمياً في حالة انكماش متى ما كان هناك نمو سلبي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لربعين متتاليين، أي ستة أشهر فأكثر. وهنا يجدر التنويه إلى خطأ شائع في كثير من الكتابات الاقتصادية العربية، بما في ذلك حتى بعض المعاجم المتخصصة، حيث يطلق الركود الاقتصادي على تحقيق الاقتصاد لمعدلات نمو سلبية، أي الانكماش الاقتصادي، في حين أن الركود الاقتصادي يعني فقط نمو الاقتصاد بمعدلات متدنية.
ويرافق حالة الانكماش الاقتصادي عادة ارتفاع في معدلات البطالة وتراجع في المستوى العام للأسعار بسبب أن قصور الطلب الكلي يضطر المنتجين إلى تخفيض إنتاجهم, وبالتالي حجم التوظيف في منشآتهم. أما إذا عانى الاقتصاد معدل نمو سلبيا حادا، كأن يكون معدل انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي يفوق 5 في المائة سنويا وهناك ارتفاع كبير في معدلات البطالة، واستمر هذا الوضع فترة طويلة كأن يستمر لعدة سنوات مثلا، فإننا نقول إن الاقتصاد يعاني في هذه الحالة كسادا اقتصاديا Economic Depression، كما حدث في الولايات المتحدة في الثلاثينيات من القرن الماضي، الذي سمي الكساد العظيم Great Depression، حيث نتج عنه تقلص الاقتصاد الأمريكي بحلول عام 1934 إلى نحو نصف حجمه عام 1929 ووصلت معدلات البطالة إلى ما يزيد على 30 في المائة.
وكثيراً ما يجري مقارنة الوضع الذي يمر به الاقتصاد العالمي حاليا بالكساد العظيم، خاصة أن كلا الوضعين ناتجان في الأساس عن أزمة مالية، إلا أن هذه المقارنة قد يكون فيها كثير من المبالغة.
فتجربة الكساد العظيم جعلت الحكومات تبادر هذه المرة إلى حماية المؤسسات المالية من الانهيار وتحفيز النشاط الاقتصادي ما سيقلل كثيراً من حدة التراجع، كما أن هناك عديدا من المؤسسات المالية الحكومية التي وجدت بعد تلك الأزمة تسهم حاليا في تحقيق استقرار أكبر في النشاط الاقتصادي في الدول المتقدمة مقارنة بحقبة الثلاثينيات.
على سبيل المثال: ضمان الودائع البنكية فلا ضرورة الآن لأن يجري كل مودع لسحب إيداعه عند سماعه إشاعة بقرب إفلاس بنكه ما يتسبب في إفلاسه فعلا حتى لو لم يكن مهددا بالإفلاس أصلا، والتأمين على العاطلين عن العمل فلا ينتقل العامل مباشرة إلى طوابير المعوزين حال فقده وظيفته. من ثم فإن التأثير المتوقع لهذه الأزمة سيكون على الأرجح انكماشا اقتصاديا ستكون معظم الاقتصادات العالمية قادرة على تجاوزه في أقل من ثلاثة أعوام على أبعد تقدير.