المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأزمة.. من المال إلى الاقتصاد الإنتاجي



الجبل
17-10-2008, Fri 2:03 PM
باريس ــ حسن الحسيني:

في كل سنة تتوالى الفصول وتتشابه، ولكن التغييرات المناخية تؤدي احيانا إلى تداخل الفصول وحتى تبدلها. فاحيانا يأتي الصيف ممطرا وباردا، والخريف كما يحصل الآن في فرنسا مشمسا ودافئا.

والتغييرات التي طرأت على بورصات العالم غيرت مواسمها. فموسم الحصاد الذي اعتادته الاسواق لجني الأرباح قد أتلف. ولم يجن المستثمرون في الأسواق ثمار بذارهم.

فالاعصار حمل معه الغلة وبدلها بالمياه العكرة. ففي الولايات المتحدة الاميركية اقتلع مصرف ليمان برازرز من جذوره. واضطر المؤسسات المالية العملاقة الاميركية من الزواج تحت ضغط وزارة الخزانة والاحتياطي الفدرالي، فانهارت بورصة نيويورك وجرت معها بورصات العالم. وبعد ايام وصل الاعصار الى اوروبا وخلال ساعات قليلة ضرب على الاقل اربعة مصارف في هولندا وبلجيكا ولكسمبورغ وبريطانيا، حيث هدد مصارف اخرى. وتخلعت ابواب ونوافذ اكثر من مصرف ألماني.

والخسائر لا احد يعرف حجمها ولكنها تقدر بآلاف المليارات وهددت بانهيار النظام المالي العالمي. وبعد تردد استمر اكثر من اسبوعين، اجتمع وزراء مالية الدول السبع الغنية واتخذوا جملة من الاجراءات تبناها نظراؤهم في مجموعة الدول الناشئة وفي صندوق النقد الدولي. وتلى اجتماع الوزراء في واشنطن، اجتماع آخر في باريس للدول الداخلية في فضاء العملة الاوروبية الواحدة (اليورو)، ولكن على مستوى القمة، واتخذوا مجموعة من القرارات على ان تطبق على المستوى الوطني في كل بلد.

واعتمدت الدول الأوروبية الخمس عشرة التي لها قاسم مشترك وهو اليورو كعملة واحدة عدة تدابير مستوحاة من خطة رئيس الوزراء البريطاني غوردن بروان لمعالجة الأزمة المالية ولاستعادة الثقة بالنظام المصرفي. فاقرت الدول الـ 15 مبدأ التأميم الجزئي للمصارف المتعثرة إذا ما دعت الحاجة وضمان ديون هذه المصارف، ضخ السيولة، شراء السندات الرديئة، وقرارات قمة باريس لم تكن الأمثل. فالقادة الأوروبيون اعتمدوا الحلول الوطنية لخطة اوروبية عريضة الخيوط. وكأن الأزمة المالية التي تعصف بالنظام المالي العالمي، هي أزمة وطنية، والتوصل إلى هذه القرارات لم يكن بالأمر السهل وتم بعد مخاض عسير فرضته حدة الأزمة وخطورتها على مجمل اقتصادات الدول الأوروبية. وكلف التأخر باعتماده أن خسرت البورصات الغربية والآسيوية ما يعادل تقريباً خسائرها خلال سنة.

ولكن الأهم هو أن الأسواق العالمية استجابت بشكل ايجابي للخطوات المعلنة في واشنطن وباريس. فاقفلت على ارتفاعات كبيرة، حتى ان بورصة باريس اقفلت يوم الاثنين الماضي على ارتفاع بلغ 11،10، هذه هي المرة الأولى في تاريخ بورصة باريس التي تقفل فيها البورصة على ارتفاع يزيد على العشرة في المائة. وبورصة نيويورك سجلت أكثر ارتفاع لها يوم الاثنين منذ سبعين سنة. وهكذا فان مياه التسونومي المصرفي بدأت تنحسر من دون أن يعني ذلك ان العالم بات في مأمن عن الارتدادات وتأمل حكومات العالم أجمع ان تأتي الاجراءات التي أُعلن عنها في واشنطن ولندن وأوروبا الـ 15، وتتحدث عن أكثر من الفين وثمانمائة مليار دولار، وتبدي الحكومات الغربية والغنية استعدادها لضخها في المصارف والأسواق، على أمل ان تؤتي ثمارها لعودة الثقة ولعودة السيولة بين المصارف. فالأزمة المالية هي أزمة بين المصارف التي توقفت عن إقراض بعضها البعض. فكل مصرف كان يخشى الا يتمكن المصرف الآخر من تسديد القروض ويجره معه إلى الافلاس أو إلى مسالك التهلكة.

وعلى العكس من مياه الاعاصير التي تأتي في دقائق وساعات قليلة لتغرق المدن، فإن ازالة آثار الأعاصير المدمرة تأخذ الكثير من الوقت. وعودة الثقة ستتم ببطء، وقد تستغرق اسابيع، أو أشهرا وربما أكثر.

فالخبراء الماليون يقدرون قيمة المنتجات المالية والسندات المتأتية من الفقاعة المالية وما يعرف بالمضاربات، ومن بينها سندات الرهن العقاري الأميركي، بعشرة اضعاف الناتج الداخلي الخام للعالم، والذي يقدر بـ 50 ألف مليار دولار.

ولا يجرؤ اي خبير اقتصادي، وفقا لما ذكرته صحيفة ليزيكو على تقدير حجم السندات الرديئة الموجودة في حوزة المصارف في العالم، فيما يجري الحديث في الاوساط الاقتصادية الغربية عن ان خسائر الأزمة الراهنة بلغت 10 آلاف مليار دولار، وهذا ما يدفع بجاك آتالي مستشار الرئيس الفرنسي الاسبق فرانسوا ميتران، والذي يسند اليه الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي بعض المهام الاستشارية، للقول ان مخاطر كبيرة لا تزال تقف امام النظام المالي العالمي.

وخطورة الأزمة المالية برأيه تكمن في أن السوق بات عالمي شامل من دون دولة تديره وتراقبه، وما تعرضت له الأسواق خلال الاسابيع الماضية ناتج عن نظام بلا رقيب أو حسيب، لا مكان للقانون فيه.

أزمة تخفي أخرى

واذا كان بعض الخبراء يعتقد ان الأزمة المالية باتت خلفنا أو أصبحت عند المنعطف وستدخل كتب التاريخ، على غرار أزمة 1929، فإن هؤلاء يعربون عن اعتقادهم اننا سندخل في مرحلة مشابهة بمرحلة عام 1930، أي ان الأزمة بدأت الآن تطول الاقتصاديات الحقيقية.

ويلفت بعض المؤرخين الى ان ما يعيشه العالم اليوم، من طرق لحل الأزمة، مشابه للطرق التي استخدمت في الثلاثينات من القرن الماضي، اما في المانيا مع جمهورية وايمر التي سبقت وصول النازية الى الحكم أو في الولايات المتحدة مع روزفلت أو في ايطاليا مع موسيليني الذي انشأ هيئة التأميم الصناعي وكانت مهمتها انقاذ المؤسسات الصناعية الكبرى من الافلاس.

وفرنسا ساركوزي عام 2008 انشأت هيئة قانونية قادرة على تأميم المصارف او شراء حصص فيها بهدف انقاذها من الافلاس اذا ما دعت الحاجة الى ذلك.
ورصدت الحكومة الفرنسية مبلغ 360 مليار يورو لهذه الغاية، واذا كانت مهمة هذه الهيئة بالدرجة الاولى هي طمأنة الأسواق والمصارف واستعادة الثقة وتوفير السيولة واللجوء الى التأميم اذا ما دعت الحاجة، فإن باريس قد رصدت 22 مليار يورو لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم للحد من حجم الأزمة الاقتصادية التي لا تعصف بفرنسا فقط، فالتسريح في قطاع السيارات يطال اسبانيا والولايات المتحدة الاميركية.

وفي بريطانيا هناك 70 الف شخص يعملون في القطاع المالي سيجدون انفسهم بلا وظائف. وألمانيا على حافة الركود، ولأن الأزمة على الأبواب فإن المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس كان اعرب عن قلقه في امكانية دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة من الركود، وكذلك الامر فعل رئيس البنك الدولي، فيما طالب باتريك ديفيد جيان الأمين العام لحزب الأكثرية اليمينية الحاكم في فرنسا بخطة صناعية اوروبية على غرار انقاذ المصارف، واعلنت الحكومة الفرنسية عن عزمها على وضع خطة لإنقاذ فرص العمل.

وما يخشاه المراقبون الاقتصاديون الآن هو ان الازمة المالية بدأت تنحسر لتترك المجال امام الأزمة الاقتصادية، وهذه المسألة ستؤثر على البورصات العالمية.
ويرى بعض الخبراء ان العالم اليوم يتجه نحو ازمة على غرار تلك التي حصلت عام 1930، حيث الركود والبطالة وتراجع القدرة الشرائية، وزيادة الدين العام في العديد من الدول الاوروبية أمثال: فرنسا، اسبانيا، ايطاليا، وبريطانيا.وحجم هذا الدين في بعض الدول، مثل فرنسا، سيصل العام المقبل الى نسبة 67 في المائة من الناتج الوطني ويجعل من فرنسا تبدو وكأنها في مصاف الدول الافريقية.

وزيادة الديون ستفاقم الازمة الاقتصادية، لأن الدول التي ترفع ديونها تدفع فوائد اعلى على المستوى البعيد، وهذا سيوثر في عودة النشاط الاقتصادي بسرعة في الدول الاوروبية.واذا كانت الحلول للازمة الراهنة قد عثر عليها في سجلات ازمة 1930 فان الاجراءات التي ولدت من رحم هذه الازمة اثبتت انها لم تعد كافية وفقاً لما قاله بول كروغمان الحائز جائزة نوبيل للاقتصاد للعام الحالي، فقد اوضح قائلا: «استحدثنا نظاماً مالياً تخطى بشكل جوهري الموانع التي اقمناها في الثلاثينات لحماية انفسنا من الازمات، كان يجدر بنا التنبه الى اننا بتخطينا آليات الحماية انما نعرض انفسنا لازمة جديدة».

ولكي لا يقع العالم مجدداً بازمة على غرار ما شهدته الاسواق خلال الاسابيع والاشهر الاخيرة فان الدعوات تتعالى من اكثر من مكان، من المانيا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين والبرازيل مطالبة بآليات جديدة لضبط الاسواق المالية.وهذا ما دفع ايضاً بالمدير العام لصندوق النقدق الدولي للقول، ان الازمة اظهرت ضرورة اعادة ترتيب النظام المالي العالمي، مشيراً الى ان صندوق النقد الدولي سيرفع تقريراً سريعاً حول العبر الواجب استخلاصها من الازمة، واوضح انه ينبغي اعتماد تنظيمات وقواعد مختلفة عن تلك التي كنا نتبعها وادت الى انهيار فورة مالية لا تتناسب مع الواقع الاقتصادي.

وتوقع ستروس كان ان يكون النظام المالي اعتباراً من الآن اصغر حجماً.


البطالة

في فرنسا مثلا شهد شهر أغسطس أعلى نسبة بطالة عرفتها البلاد منذ 15 سنة.
وتظهر الاحصاءات ان شهر سبتمبر قد سجل 46 ألف عاطل عن العمل اضافي.
وهذه الاحصاءات جاءت قبل تفجر الأزمة المالية. ومع دخول البلاد في الركود الاقتصادي، فإن جيوش العاطلين عن العمل ستزداد

http://www.q8boy.com/images/cp1ml0ealh27qyus14zx.jpg

fahad_0500
17-10-2008, Fri 3:58 PM
بارك الله فيك

TOSHIBA
17-10-2008, Fri 6:41 PM
وعلى العكس من مياه الاعاصير التي تأتي في دقائق وساعات قليلة لتغرق المدن، فإن ازالة آثار الأعاصير المدمرة تأخذ الكثير من الوقت. وعودة الثقة ستتم ببطء، وقد تستغرق اسابيع، أو أشهرا وربما أكثر.


رعاك الله أخي