croom
27-07-2008, Sun 6:34 AM
السلام عليكم الموضوع جدير بالقراءة في كل مرة
متى سيكون الخليجيون جديرين حقاً بثرواتهم بمنأى عن الطامعين؟
16-17 / 4 /2008
بقلم: عبدالحميد منصور المزيدي
كان هذا البحث الموضوع الرئيسي لمشروع كتاب مع مواضيع اخرى ذات صلة، لكن لتسارع الاحداث حول صناديق الثروة السيادية، اخترت ان اعجل بنشره في صحيفة القبس مساهمة مني في تكوين رأي خليجي موحد.
كثر الحديث عن فزع الدول المضيفة لاستثمارات صناديق الثروات السيادية الخليجية والآسيوية، من قبل الغرب، اميركا واوروبا تحديدا، ولم يتطرق احد الى التهديدات والمخاطر التي قد تتعرض لها الصناديق السيادية من قبل الدولة المضيفة، وهي كثيرة وخطيرة، واخطرها المخاطر السياسية، وقد تفتعل بعض المخاطر والتهديدات على حين غرة لعدم تقبل الغرب القوة الاقتصادية المتنامية لدول الخليج الناتجة عن ارتفاع اسعار النفط التي بدورها تراكم فوائض مالية تتجه «للسيطرة»، كما يدعي الغرب، على كبرى المؤسسات الغربية. هذه امور غير مقبولة لدى الغرب الذي اعتاد ان يجدها، دول الخليج، تابعة، مدجنة، منزوعة السلاح، وتحت حماية الغرب... نظاما نظاما من ناحية، ولدولها اراضي وشعوباً وثروات، من ناحية اخرى. ان الفرصة قد تفوت اذا لم يسارع الغرب في وضع القماقم في زجاجاتها قبل ان تصبح ربما قمقماً متحدا ضخما تصعب السيطرة عليه وادخاله في قفص.
من هنا شرع الغرب في نصب شباكه وتحديثها لعرضها على دول الخليج. من هذه الشباك التوجه لضم دول الخليج الى حلف الناتو، وهرولة السيد ساركوزي، رئيس فرنسا، لتحويل مسار برشلونة الى «الاتحاد من اجل المتوسط» الذي سيضم عشرة بلدان متوسطية عربية، بما فيها اسرائيل، الى الدول الاوروبية المطلة على البحر المتوسط. ومن شأن هذه الاحلاف ان تتضمن قيوداً وشروطاً تعرض دول الخليج من جهة، والدول العربية من جهة اخرى، لعقوبات، وارسال شباب الخليج ليحارب في حروب استعمارية تعف النفس عنها وتسمح بتواجد جيوش حلف الناتو في دول الاعضاء، كما ان الحلفين سيصبحان البوابة التي من خلالها يتم التطبيع مع اسرائيل تلقائيا... و...قد تتواجد جيوش اسرائيل في الدول العربية بحكم هذه الاحلاف، ومن ثم الدخول في دوامة مشاكل اعد الغرب لها اجهزة فائقة التخصص، وادمغة ماكرة لادارتها تظهر الرحمة وتضمر العذاب. وهناك شباك هاجعة يمكن بعث الحياة فيها، واخرى غير موجودة يمكن افتعالها كلما دعت الحاجة اليها، وتضليل الرأي العام والعربي بالآلة الاعلامية الغربية المتوحشة، كما رأينا ذلك في حرب السويس وحروب العرب مع اسرائيل وغزو العراق وافغانستان وعزل ليبيا، والآن سوريا، وتأجيج القبلية والطائفية والحزبية في الوطن العربي والاغتيالات بالوكالة، وتفعيل القوانين علينا وتعطيلها عن خصومنا. فقد سبق ان عبّرت مصادر سياسية ومصرفية ومراكز بحثية اوروبية واميركية عن فزعها، بما في ذلك الكونغرس الاميركي.
اهم ما طُرح في تهيئة الرأي العام العالمي لابتزاز الدول المالكة للصناديق السيادية، هو ما طرحه احد ابرز المؤرخين الاميركيين، وهو استاذ التاريخ بول كندي في جماعة Yale University، ومؤلف كتابين شهيرين، الاول «صعود وانهيار القوى الكبرى» The Riseand Fall of Great
Powers، والثاني «الاستعداد للقرن الواحد والعشرين» Preparing for the Twenty first Century. يقول البروفسور بول كندي في مقال مطول في الهيرالد تريبيون 30-1-2008، مستعرضا السلام الروماني Pax Romana، والسلام البريطاني Pax Britanica اللذين نعمت تحت مظلتيهما، الدول المستعمرة والتابعة بسلام طويل من دون ان تدفع ثمنا لهما، لان تلك الامبراطوريات هي التي تكبدت كلفة السلام، «انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلَّوا فلا يستطيعون سبيلا»، فقد غض النظر الاستاذ الكبير عن ان السلام الذي تمتعت به الدول المستعمرة والتابعة هو في واقع الامر سلام الامبراطورية نفسها ولمصلحتها، وان الدول المستعمرة والتابعة لا سلام لها الا ما تريده القوة المهيمنة.
البروفسور بول كندي يريد ان يهيئ الرأي العام العالمي، وخاصة العربي، لفكرة اهتبلها من واقع الامبراطورية الاميركية المتداعية، اذ يقول ان اميركا قد وفرت سلاما تمتعت به اوروبا واليابان وكوريا الجنوبية لعدة عقود، وكانت تكاليف الدفاع في عهد الرئيس ريغان، على سبيل المثال 6% من الناتج القومي الاميركي GDP، بينما كانت تكاليف دفاع الدول الاوروبية يتراوح بين 2% و3% واليابان 1%، ثم يقول هذا وضع غير منصف، وهنا ايضا غض النظر عن ان من كان يريد ان يكون رأسا مهيمنا ومستغلا ومحتكرا للمجد والعظمة، ويصدر شهادات حسن سلوك، فعليه.. ان يدفع الثمن. ثم يواصل في تسويق بضاعته او خدمات الامبراطورية فيقول، ان مظلة الدفاع الاميركية وفرت السلام لليابان وكوريا الجنوبية واوروبا وخاضت حربين في العراق وافغانستان، واهدرت دماء ثمينة، ولا ذكر للدماء العراقية والافغانية وغيرها، ومبالغ طائلة، كما حمت مصادر و ناقلات وطرق النفط، وكان المستفيد الاكبر المملكة العربية السعودية ودول الخليج الاخرى، التي بفضل زيادة اسعار البترول غير المسبوقة تضخمت فوائضها المالية واخذت تشتري المصارف الاميركية الكبرى التي تعثرت اخيرا وازداد استحواذ صناديقها السيادية لاصول كبرى الشركات المالية والصناعات والعقارات الفخمة.
باختصار هو يريد ان يبقي الهيمنة الاميركية ويحمل الدول التابعة و«الحليفة» و«الصديقة» تكاليف الدفاع او معظمها، فتصبح اميركا بمنزلة «شركة امنية مرتزقة»، وتتعاقد مع شركات مرتزقة كما هو الحال في العراق الآن و تضع الفرق في جيبها.
بما انه استاذ للتاريخ فلا بد انه استذكر الجزية التي كانت تتقاضاها الدولة الاسلامية من رعاياها غير المسلمين، وتعفيهم من الاشتراك في الحروب الاسلامية فاراد ان يحاكيها.
وغض النظر عما كان معروفا من ان الجزية كانت تدفع من غير المسلمين بدلا عن الاشتراك في الحروب الاسلامية، ولكن معظم المؤرخين يغفلون ذكر نواح مهمة اخرى، وهي ان غير المسلم في الدولة الاسلامية لا يحمل الدفاع عن دين ليس هو دينه، بينما يتمتع بكامل حقوق المواطنة التي يتمتع بها المسلم من رعاية ويستفيد حتى من اموال الزكاة التي يدفعها المسلمون، سواء بسواء كالمواطن المسلم، ويُعفى منها، الجزية، الكهول والنساء والاطفال والعجزة والمعاقون، وهذه لا تتوفر في العرض الذي يقدمه البروفيسور بول كندي. والفرق كما نرى شاسع بين السلام الاسلامي و«السلام الاميركي» الذي يمنع «رعاياه الافتراضيين» المتمتعين «بسلامه» من الدخول الى الولايات المتحدة، بمن فيهم مرضى «رعاياه» وطلبة العلم وحتى رجال الأعمال، وتجميد الاموال والاعتقال بالشبهة من دون محاكمة، واختطاف الابرياء حتى في بلدان اوروبا الحليفة وفتح السجون فيها، يجب ان تحذر الدول العربية من ان تقع في هذا المطب. وسيجد القارئ خلال هذا البحث واجبات دفاعية يجدر بالعرب تبنيها لحماية انفسهم بانفسهم واعلاء كرامتهم.
والحقيقة ان اثارة مثل هذه المخاوف من استثمارات الصناديق السيادية قبل اوانها، ان كان لها ان تحدث، ما هي الا تهيئة الرأي العام العالمي والدول الخليجية تحديدا، والتي لا يعدو كونها، الدول الخليجية، حمل يرعى في اسفل جدول ماء، اذ يقول له الذئب من اعلى الجدول: حذاري ان تعكر على الماء.. تمهيدا لما قد يحدث بينهما في المستقبل.
غريب امر الغرب. انه يريد ان يجلس على الجنب الذي يريحه في جميع الاحوال مهما كانت آلام الآخرين، ففي اواخر القرن التاسع عشر وطوال القرن العشرين والى اليوم كان الغرب يتخوف من الدخول في استثمارات في دول الشرق خوفا من سطوة دوله، بالرغم من ضعفها وتابعيتها، واحتمال ان تصدر قوانين «مجحفة» او عدم تحويل عوائد الاستثمار بالعملات الاجنبية او حتى التأميم، وكان الغرب محقا فعلا، لان الامر والنهي لاستثمارات الاجنبي هما رهن بيد الدولة المضيفة، وتصبح تحت سيادة الدولة المضيفة، وتحت طائلة او ربما «دكتاتورية» قوانينها، وهذه المخاطر، هي اليوم في الغرب، كما كانت بالأمس في الشرق، فمرة اخرى يتضح ان الامر والنهي بيد البلد المضيف خصوصا اذا كانت الدولة المضيفة هي الاقوى، ليس فقط بجيوشها، بل بتطويع مؤسسات دولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وهيئة الامم المتحدة ومجلس الامن التي تستطيع ان توجهها لخدمة مصالحها، ناهيك عن قدرتها على صياغة الرأي العام «للمجتمع الدولي»، المصطنع والهش، بالسياسات التي تريدها، فما الذي تغير اليوم؟
اصاب رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت علي ثنيان الغانم خلال زيارة عمدة لندن، اللورد مايو ديفد لويس، بقوله «لماذا القلق من الصناديق السيادية.. ولماذا تبقى الاموال العربية مدانة حتى تثبت براءتها».
الفرق بين الاستثمارات الخاصة والاستثمارات العامة
درج «القطاع الخاص» في العالم على استثمار امواله من افراد وشركات ومؤسسات في بلده وفي الخارج. وكانت كل جهة مستثمرة مسؤولة عن ادارة استثماراتها في بلدها وفي الخارج. فان هي ربحت فلها، وان خسرت فعليها، وان افلست شركة او مؤسسة ما، فلا يتضرر البلد المنتمية اليه الشركة كثيراً، فأغلب المساهمين هم مساهمون، بالآلاف، في اكثر من شركة. فتتوزع عليهم الخسارة دون ان تشكل عبئاً ثقيلاً على المستثمر.
اما صناديق الاستثمار السيادية فهي اموال عامة للدولة وهي «روح» البلد المالك، ويكاد يتعلق بها «وجود»، اقتصاد الدولة المنتمي اليها الصندوق السيادي، فان لحق بالصندوق ضرر او خسارة فسوف يسبب خللا بالغا في اقتصاد البلاد ككل، وقد يتحول الى كارثة اذا تزامن هذا الضرر مع مرور البلاد بأزمة اقتصادية او سياسية.
اما وقد اصبحت بعض هذه الدول، الخليجية بالذات، تملك صناديق لثروات سيادية تمتلك عن طريقها ثروات عبر القارات، فقد اصبحت مواصفات اي من هذه الدول، مواصفات الدولة العظمى، بما تملك من مصالح واستثمارات سيادية خارج حدودها.. وجب عليها حمايتها!
فان كانت الصين هي من يجب عليها حماية ثرواتها والدفاع عنها خارج حدودها، فهي دولة نووية وند متكافئ لأي بلد قد يثير مشاكل او عدو محتمل. وان كانت الهند فهي ايضا ند كونها دولة نووية ويسعى الغرب وايضا اسرائيل لاحتضانها ليوازنا بها، مع ثقلهما العسكري، الصين وروسيا. وتولي الهند اهمية كبرى لدفاعاتها العسكرية، اذ تنفق على الدفاع 19% من موازنتها! في حين لا يحظى قطاع الصحة العامة اكثر من 1% ونحو 5% الى 6% قطاع التعليم.
اما واقع الدول الخليجية الدفاعية فيدعو الى الرثاء بما تحتوي عليه من بترول وموارد طبيعية اخرى، واموال في اصول سائلة ومستثمرة في الصناديق السيادية خارج حدودها، فتكون بالتبعية وتلقائيا، كلها، هدف لكل طامع بثرواتها.
ان بيئة الرأي العام العالمي السلبية للعرب والمسلمين والتي ترقى الى العدائية في الغرب وما ينفثه من كراهية وازدراء لدوله، وعبر اعلامه، الى معظم دول العالم، تساعد على تعميق البيئة العدائية المليئة بالازدراء والكراهية، وتهيىء الاجواء لأي عمل سياسي، ضد اي دولة عربية، او عمل عسكري، او جرجرتها الى محفل «عدلي» لتتلقى ادانتها بالاحكام وتنفيذ الاحكام، والدوافع لعداء الغرب متعددة منها 1- انحياز الغرب لاسرآئيل ودفاعا عن وجودها (اسرائيل) تارة، كونها وكالة سياسية عسكرية غربية زُرعت لتكون اداة لتحقيق مصالح الغرب السياسية والامبريالية. 2- ترسبات تاريخية وصليبية – اسلامية تارة اخرى و3- المخزون النفطي الكبير الذي يدفع فيه الغرب اغلى الاثمان، ثم تعود هذه الاموال لاستثمارها في بلادهم و«تسيطر» على كبرى مؤسساتهم المالية والصناعية والتكنولوجية والخدمية، فيصبح التابع بالامس، سيدأ اليوم.. هذا امر غير مقبول لسيد اعتاد على تأديب الاتباع، واصدار شهادات سلوكهم وادخال من يرضى عليه في حظيرته، واستبعاد المارقين.
بينما كان الغرب يكيل مثل هذه السلبيات للصينيين والهنود فيما مضى، نجده يواصل حملات كراهيته والحط من قدر العرب والمسلمين ودينهم حتى قبل 9/11 وتشهد بذلك افلامهم وادبياتهم السابقة للحادث واللاحقة له. هنالك عدة لوبيات فكرية وثقافية وسياسية تروج للكراهية للعرب والمسلمين. كما ان الكراهية التي تحيق بالمقيمين العرب والمسلمين في الغرب تؤجج دوافع الكراهية للدول الام.
وانظر الى مقاصد ساركوزي، الرئيس اللعوب، رئيس فرنسا، بتعليم اطفال فرنسا احداث «الهولوكوست» وآثاره الانسانية على اليهود التي حدثت منذ اكثر من نصف قرن، ولكن تتوارى انسانية ساركوزي ولا يرف له جفن على الاطفال الفلسطينيين الذين يُقتلون، اليوم، على ايدي الاسرائيليين، وتهدم بيوتهم على عائلاتهم. وانظر الى انجيلا ميركل، المستشارة الالمانية، كيف وضعت اكليل الزهور على نصب المحرقة في اسرائيل، وهي تريد ان تكفّر عن ذنب الهولوكوست، الالماني لليهود بارتكاب ذنب لهولوكوست يهودي - الماني للفلسطينيين، وعلى مرمى منها شيوخ ونساء واطفال فلسطين تهدم عليهم بيوتهم، ومنهم من يتضور جوعا، ومن يصارع الالم، ومن يصرخ: انقذونا يا عرب.. ارحمونا يا مسلمين.. ارحمونا يا بشر. ارحمينا يا ميركل.. ارحمنا يا ساركوزي.. ارحمنا.. يا بلير.. ولا من يسمع ولا من يجيب. ولم يستجيروا بالرئيس بوش، لانه يسوم الفلسطينيين سوء العذاب بوحي من السماء، كما يقول.
ثم تأتي وزارة التعليم البريطانية لتقدم مناهج دراسية لتعليم الاطفال اسباب وظروف الحرب على العراق، معتبرة ان هذه الدروس مساهمة منها في ترقية التعليم. لماذا لم تقدم وزارة التعليم هذه المناهج للكبار في الفصول الثانوية والجامعية؟ لان الكبار يعلمون الحقيقة ولا تستطيع الحكومة ان تكذب عليهم. بدليل ان اتحاد المعلمين البريطانيين، والذي هو بطبيعة الحال يتكون من كبار السن، ادان هذه المناهج قائلا: ان هذه الدروس هي دروس مضللة ودعائية.
قيم غربية تدرس في المدارس وتنشأ عليها الاجيال القادمة مملوءة بالحقد والكراهية وعدم الشعور بالذنب، ثم يدعون العرب الى الحوار! يا سلام! اي حوار نستطيع اجراءه وانفاسنا في قبضة يدهم؟
يعد الداعية الاسلامي عمرو خالد اطروحة الدكتوراه في احدى جامعات لندن وموضوعها هو المسلمون في بريطانيا واوروبا. يقول عمرو خالد انه دعا المسلمين لان يندمجوا في اوطانهم الجديدة اندماجا ايجابيا، ويكون كل مسلم منهم، نموذج الانسان الاصلح الذي يحب الاخر ان يقتدي به. هذا شيء جميل، اليس كذلك؟ ولكنه وجد ان هذه الدول، حكومات وشعوبا، تحاول ان تضيق على المسلمين لدرجة «ازهاقهم» واخراجهم من اوروبا. ومن هذه المضايقات المساس بنبي المسلمين، محمد «ص» في الدانمرك اولا ثم هولندا ثم معظم الدول الاوروبية. ما الداعي لذلك. اهو تنفيس عن الكراهية؟ ثم هنالك فيلم قادم بقصد النيل من القرآن الكريم بذريعة حرية التعبير، الذي هو في واقع الامر ليس حرية ولكن تحريض على العنف، والتحريض جريمة يعاقب عليها.. ولكن ليست اذا كانت ضد المسلمين.. تعال حاور ان استطعت!
ان الدول لا تبني جيوشها وتملأ ترساناتها وتكثف ابحاثها العسكرية لتتفرج عليها، فمتى ما بلغت مستوى الدفاع عن نفسها وتجاوزته، ويأخذها الاعجاب بقوتها تتجه للسيطرة على الدول لضعيفة وتستغلها.. فلا حضارة ولا ديموقراطية ولا حرية ولا مساواة تقف في وجهها، ليست هناك قيم كما يدعون، فالقيم محلية وطنية، لا تخرج عن اسوار بلدها، وليست عالمية انسانية، سواء كانت في اوروبا او اميركا. لقد تخلى الغرب عن القيم المسيحية، فأخذ «يصك» قيماً مدنية لا تلبث الا وتنخفض قيمتها، مثل اي عملة، Depreciating its value كلما تضخمت الاخلاق.
التاريخ يعيد نفسه
يذكر لنا التاريخ ان بريطانيا في بداية عهد استعمارها للهند طلبت من احد ولاة الهند ان يعفي شركة الهند الشرقية (الوكالة التي استعمرت بها بريطانيا الهند، كما هي اليوم الوكالة الاسرائليلة، اداة الاستعمار الجديد للعرب وخدمة المصالح الغربية) من رسوم الجمارك على مستوردات الشركة (بريطانيا) فكان لها ذلك. ثم اغراها السلب المتلاحق وضعف الولاة، واحدا تلو الآخر، فاستولت شركة الهند الشرقية (اي بريطانيا) على جمارك الهند بذريعة ادخال اصلاحات ادارية على ادارة الجمارك، كما هي الذريعة الآن بادخال الديموقراطية الى العراق، وفي ما مضى ادخال المدنية الى الجزائر، واعلاء شأن التعليم والثقافة في مصر.
وان كان التاريخ لا يعيد نفسه بالنمط نفسه، فان التاريخ يتجسد في عدة مظاهر، انتحلت بريطانيا ذريعة التجارة، فاستعمرت الهند بغطاء اسمته الشركة الهندية الشرقية، وبدلا من تجسيد شركة لتكون «خيال مآته» للدول العربية، اصدرت بريطانيا وعد بلفور سنة 1917، واعطت بموجبه ما لا تملك (ارضا فلسطين التي كانت ارض فلسطينية لاكثر من اربعة آلاف سنة) لمن لا يستحق (اليهود الذين تواجدوا في فلسطين لمدة سبعين سنة فقط) تعاطفا معهم.
والعالم كله يعلم ان لا الاوروبيين ولا الاميركيين كانوا يتعاطفون مع اليهود، بل كانوا يميزون انفسهم عنهم ولا يختلطون بهم ولا يسمحون لهم بدخولهم في انديتهم ومطاعمهم، وعزلوهم في جيتوهات ثم اعد لهم النازيون الالمان محرقة وقعد الغرب كله يتفرج، كما يتفرج اليوم الغرب على المحرقة التي تشعلها اسرائيل للفلسطينيين.
لماذا يشتري العرب السلاح؟
زيفت وثيقة وعد بلفور المعلنة، اما الاصلية فقد روج عنها انها فقدت، والصحيح انها كانت عقدا غير معلن بين بريطانيا واليهود، الذي اصبحت اسرائيل بموجبه اداة لتهديد العرب لقاء توطين اليهود من جهة وخدمة مصالح بريطانيا من جهة اخرى، لم تكن هذه «الدمية» (وعد بلفور الذي اوجد اسرائيل) الا تطويرا ذرائعيا استعماريا لشركة الهند الشرقية التي ادت دورها وتجاوزها الرأي العام العالمي. تدعي بريطانيا والغرب انهم يدعمون اليهود عطفا عليهم بعد محرقة الهولوكوست. وهذا كذب: اذ حدثت المحرقة سنة 1945، اما وعد بلفور فكان في سنة 1917. ثم ان فلسطين ارض عربية وليست بريطانية تقتطعها بريطانيا وتهبها لليهود تعاطفا معهم. لقد غرر الغرب باليهود بوعد بلفور. وخدعوهم في جدواه، كما خدعوا العرب باغتصاب ارضهم، فسيبقى اليهود (اسرائيل) يحاربون العرب، والعرب يحاوبونهم، والغرب يمولون ويسلحون ويدعمون حروب اسرائيل، الى ان يسترد العرب ارضهم، لقد اجرم الغرب في حق اليهود، واجرم الغرب في حق العرب، واجرم الغرب في حق انفسهم، انها اكبر جريمة في التاريخ يدفع ثمنها المجرم (الغرب) واداة الاجرام (اسرائيل) والمجرم في حقه (فلسطين) والعرب.
ثم اكتشفت اميركا الاتفاق (وعد بلفور) فحشرت نفسها مع بريطانيا وتقاسمت قبضة زمام توجيه اسرائيل وحمايتها، ثم بادرت فرنسا بتجهيز اسرائيل بالقنبلة الذرية، لتثبيت اسرائيل لقاء تقديم خدمات لفرنسا. ثم جاءت المانيا وعوضت اليهود. واعلنت المستشارة ميركل: ان اي تهديد لاسرائيل هو تهديد لالمانيا، في اليوم نفسه الذي تواصل اسرائيل محرقتها في غزة وتقتل الاطفال والنساء والرجال. وبعدها رفع البابا عنهم ذنت صلب اليهود للسيد المسيح. ثم ضربت اسوار الحصانة حول كل ما من شأنه ان يمس اليهود ويهدد دولة اسرائيل. وكبلت حرية التعبير بقانون يجرم العداء للسامية، واطلقت حرية التعبير لسب الرسول، صلى الله عليه وسلم، من اعلى مصادر الثقافة والاعلام في الغرب بذريعة حرية الرأي هنا وتجريمه هناك، ودججت اسرائيل بالسلاح التقليدي والذري، وكتفت ايدي العرب الا من الحجارة، وان يبيعوهم سلاحا، فهو سلاح بطل استعماله وزرع فيه كل ما ينبئ العدو عن حركة داخل السلاح عن بعد. يتساءل المرء: لماذا يشتري العرب السلاح.. وعدوهم جاثم على انفاسهم؟ لماذا يقيمون معهم التدريبات لاطلاعهم على عوراتهم فيسهل عليهم اغتصابهم؟
-----------------------------
متى سيكون الخليجيون جديرين حقاً بثرواتهم بمنأى عن الطامعين؟
16-17 / 4 /2008
بقلم: عبدالحميد منصور المزيدي
كان هذا البحث الموضوع الرئيسي لمشروع كتاب مع مواضيع اخرى ذات صلة، لكن لتسارع الاحداث حول صناديق الثروة السيادية، اخترت ان اعجل بنشره في صحيفة القبس مساهمة مني في تكوين رأي خليجي موحد.
كثر الحديث عن فزع الدول المضيفة لاستثمارات صناديق الثروات السيادية الخليجية والآسيوية، من قبل الغرب، اميركا واوروبا تحديدا، ولم يتطرق احد الى التهديدات والمخاطر التي قد تتعرض لها الصناديق السيادية من قبل الدولة المضيفة، وهي كثيرة وخطيرة، واخطرها المخاطر السياسية، وقد تفتعل بعض المخاطر والتهديدات على حين غرة لعدم تقبل الغرب القوة الاقتصادية المتنامية لدول الخليج الناتجة عن ارتفاع اسعار النفط التي بدورها تراكم فوائض مالية تتجه «للسيطرة»، كما يدعي الغرب، على كبرى المؤسسات الغربية. هذه امور غير مقبولة لدى الغرب الذي اعتاد ان يجدها، دول الخليج، تابعة، مدجنة، منزوعة السلاح، وتحت حماية الغرب... نظاما نظاما من ناحية، ولدولها اراضي وشعوباً وثروات، من ناحية اخرى. ان الفرصة قد تفوت اذا لم يسارع الغرب في وضع القماقم في زجاجاتها قبل ان تصبح ربما قمقماً متحدا ضخما تصعب السيطرة عليه وادخاله في قفص.
من هنا شرع الغرب في نصب شباكه وتحديثها لعرضها على دول الخليج. من هذه الشباك التوجه لضم دول الخليج الى حلف الناتو، وهرولة السيد ساركوزي، رئيس فرنسا، لتحويل مسار برشلونة الى «الاتحاد من اجل المتوسط» الذي سيضم عشرة بلدان متوسطية عربية، بما فيها اسرائيل، الى الدول الاوروبية المطلة على البحر المتوسط. ومن شأن هذه الاحلاف ان تتضمن قيوداً وشروطاً تعرض دول الخليج من جهة، والدول العربية من جهة اخرى، لعقوبات، وارسال شباب الخليج ليحارب في حروب استعمارية تعف النفس عنها وتسمح بتواجد جيوش حلف الناتو في دول الاعضاء، كما ان الحلفين سيصبحان البوابة التي من خلالها يتم التطبيع مع اسرائيل تلقائيا... و...قد تتواجد جيوش اسرائيل في الدول العربية بحكم هذه الاحلاف، ومن ثم الدخول في دوامة مشاكل اعد الغرب لها اجهزة فائقة التخصص، وادمغة ماكرة لادارتها تظهر الرحمة وتضمر العذاب. وهناك شباك هاجعة يمكن بعث الحياة فيها، واخرى غير موجودة يمكن افتعالها كلما دعت الحاجة اليها، وتضليل الرأي العام والعربي بالآلة الاعلامية الغربية المتوحشة، كما رأينا ذلك في حرب السويس وحروب العرب مع اسرائيل وغزو العراق وافغانستان وعزل ليبيا، والآن سوريا، وتأجيج القبلية والطائفية والحزبية في الوطن العربي والاغتيالات بالوكالة، وتفعيل القوانين علينا وتعطيلها عن خصومنا. فقد سبق ان عبّرت مصادر سياسية ومصرفية ومراكز بحثية اوروبية واميركية عن فزعها، بما في ذلك الكونغرس الاميركي.
اهم ما طُرح في تهيئة الرأي العام العالمي لابتزاز الدول المالكة للصناديق السيادية، هو ما طرحه احد ابرز المؤرخين الاميركيين، وهو استاذ التاريخ بول كندي في جماعة Yale University، ومؤلف كتابين شهيرين، الاول «صعود وانهيار القوى الكبرى» The Riseand Fall of Great
Powers، والثاني «الاستعداد للقرن الواحد والعشرين» Preparing for the Twenty first Century. يقول البروفسور بول كندي في مقال مطول في الهيرالد تريبيون 30-1-2008، مستعرضا السلام الروماني Pax Romana، والسلام البريطاني Pax Britanica اللذين نعمت تحت مظلتيهما، الدول المستعمرة والتابعة بسلام طويل من دون ان تدفع ثمنا لهما، لان تلك الامبراطوريات هي التي تكبدت كلفة السلام، «انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلَّوا فلا يستطيعون سبيلا»، فقد غض النظر الاستاذ الكبير عن ان السلام الذي تمتعت به الدول المستعمرة والتابعة هو في واقع الامر سلام الامبراطورية نفسها ولمصلحتها، وان الدول المستعمرة والتابعة لا سلام لها الا ما تريده القوة المهيمنة.
البروفسور بول كندي يريد ان يهيئ الرأي العام العالمي، وخاصة العربي، لفكرة اهتبلها من واقع الامبراطورية الاميركية المتداعية، اذ يقول ان اميركا قد وفرت سلاما تمتعت به اوروبا واليابان وكوريا الجنوبية لعدة عقود، وكانت تكاليف الدفاع في عهد الرئيس ريغان، على سبيل المثال 6% من الناتج القومي الاميركي GDP، بينما كانت تكاليف دفاع الدول الاوروبية يتراوح بين 2% و3% واليابان 1%، ثم يقول هذا وضع غير منصف، وهنا ايضا غض النظر عن ان من كان يريد ان يكون رأسا مهيمنا ومستغلا ومحتكرا للمجد والعظمة، ويصدر شهادات حسن سلوك، فعليه.. ان يدفع الثمن. ثم يواصل في تسويق بضاعته او خدمات الامبراطورية فيقول، ان مظلة الدفاع الاميركية وفرت السلام لليابان وكوريا الجنوبية واوروبا وخاضت حربين في العراق وافغانستان، واهدرت دماء ثمينة، ولا ذكر للدماء العراقية والافغانية وغيرها، ومبالغ طائلة، كما حمت مصادر و ناقلات وطرق النفط، وكان المستفيد الاكبر المملكة العربية السعودية ودول الخليج الاخرى، التي بفضل زيادة اسعار البترول غير المسبوقة تضخمت فوائضها المالية واخذت تشتري المصارف الاميركية الكبرى التي تعثرت اخيرا وازداد استحواذ صناديقها السيادية لاصول كبرى الشركات المالية والصناعات والعقارات الفخمة.
باختصار هو يريد ان يبقي الهيمنة الاميركية ويحمل الدول التابعة و«الحليفة» و«الصديقة» تكاليف الدفاع او معظمها، فتصبح اميركا بمنزلة «شركة امنية مرتزقة»، وتتعاقد مع شركات مرتزقة كما هو الحال في العراق الآن و تضع الفرق في جيبها.
بما انه استاذ للتاريخ فلا بد انه استذكر الجزية التي كانت تتقاضاها الدولة الاسلامية من رعاياها غير المسلمين، وتعفيهم من الاشتراك في الحروب الاسلامية فاراد ان يحاكيها.
وغض النظر عما كان معروفا من ان الجزية كانت تدفع من غير المسلمين بدلا عن الاشتراك في الحروب الاسلامية، ولكن معظم المؤرخين يغفلون ذكر نواح مهمة اخرى، وهي ان غير المسلم في الدولة الاسلامية لا يحمل الدفاع عن دين ليس هو دينه، بينما يتمتع بكامل حقوق المواطنة التي يتمتع بها المسلم من رعاية ويستفيد حتى من اموال الزكاة التي يدفعها المسلمون، سواء بسواء كالمواطن المسلم، ويُعفى منها، الجزية، الكهول والنساء والاطفال والعجزة والمعاقون، وهذه لا تتوفر في العرض الذي يقدمه البروفيسور بول كندي. والفرق كما نرى شاسع بين السلام الاسلامي و«السلام الاميركي» الذي يمنع «رعاياه الافتراضيين» المتمتعين «بسلامه» من الدخول الى الولايات المتحدة، بمن فيهم مرضى «رعاياه» وطلبة العلم وحتى رجال الأعمال، وتجميد الاموال والاعتقال بالشبهة من دون محاكمة، واختطاف الابرياء حتى في بلدان اوروبا الحليفة وفتح السجون فيها، يجب ان تحذر الدول العربية من ان تقع في هذا المطب. وسيجد القارئ خلال هذا البحث واجبات دفاعية يجدر بالعرب تبنيها لحماية انفسهم بانفسهم واعلاء كرامتهم.
والحقيقة ان اثارة مثل هذه المخاوف من استثمارات الصناديق السيادية قبل اوانها، ان كان لها ان تحدث، ما هي الا تهيئة الرأي العام العالمي والدول الخليجية تحديدا، والتي لا يعدو كونها، الدول الخليجية، حمل يرعى في اسفل جدول ماء، اذ يقول له الذئب من اعلى الجدول: حذاري ان تعكر على الماء.. تمهيدا لما قد يحدث بينهما في المستقبل.
غريب امر الغرب. انه يريد ان يجلس على الجنب الذي يريحه في جميع الاحوال مهما كانت آلام الآخرين، ففي اواخر القرن التاسع عشر وطوال القرن العشرين والى اليوم كان الغرب يتخوف من الدخول في استثمارات في دول الشرق خوفا من سطوة دوله، بالرغم من ضعفها وتابعيتها، واحتمال ان تصدر قوانين «مجحفة» او عدم تحويل عوائد الاستثمار بالعملات الاجنبية او حتى التأميم، وكان الغرب محقا فعلا، لان الامر والنهي لاستثمارات الاجنبي هما رهن بيد الدولة المضيفة، وتصبح تحت سيادة الدولة المضيفة، وتحت طائلة او ربما «دكتاتورية» قوانينها، وهذه المخاطر، هي اليوم في الغرب، كما كانت بالأمس في الشرق، فمرة اخرى يتضح ان الامر والنهي بيد البلد المضيف خصوصا اذا كانت الدولة المضيفة هي الاقوى، ليس فقط بجيوشها، بل بتطويع مؤسسات دولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وهيئة الامم المتحدة ومجلس الامن التي تستطيع ان توجهها لخدمة مصالحها، ناهيك عن قدرتها على صياغة الرأي العام «للمجتمع الدولي»، المصطنع والهش، بالسياسات التي تريدها، فما الذي تغير اليوم؟
اصاب رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت علي ثنيان الغانم خلال زيارة عمدة لندن، اللورد مايو ديفد لويس، بقوله «لماذا القلق من الصناديق السيادية.. ولماذا تبقى الاموال العربية مدانة حتى تثبت براءتها».
الفرق بين الاستثمارات الخاصة والاستثمارات العامة
درج «القطاع الخاص» في العالم على استثمار امواله من افراد وشركات ومؤسسات في بلده وفي الخارج. وكانت كل جهة مستثمرة مسؤولة عن ادارة استثماراتها في بلدها وفي الخارج. فان هي ربحت فلها، وان خسرت فعليها، وان افلست شركة او مؤسسة ما، فلا يتضرر البلد المنتمية اليه الشركة كثيراً، فأغلب المساهمين هم مساهمون، بالآلاف، في اكثر من شركة. فتتوزع عليهم الخسارة دون ان تشكل عبئاً ثقيلاً على المستثمر.
اما صناديق الاستثمار السيادية فهي اموال عامة للدولة وهي «روح» البلد المالك، ويكاد يتعلق بها «وجود»، اقتصاد الدولة المنتمي اليها الصندوق السيادي، فان لحق بالصندوق ضرر او خسارة فسوف يسبب خللا بالغا في اقتصاد البلاد ككل، وقد يتحول الى كارثة اذا تزامن هذا الضرر مع مرور البلاد بأزمة اقتصادية او سياسية.
اما وقد اصبحت بعض هذه الدول، الخليجية بالذات، تملك صناديق لثروات سيادية تمتلك عن طريقها ثروات عبر القارات، فقد اصبحت مواصفات اي من هذه الدول، مواصفات الدولة العظمى، بما تملك من مصالح واستثمارات سيادية خارج حدودها.. وجب عليها حمايتها!
فان كانت الصين هي من يجب عليها حماية ثرواتها والدفاع عنها خارج حدودها، فهي دولة نووية وند متكافئ لأي بلد قد يثير مشاكل او عدو محتمل. وان كانت الهند فهي ايضا ند كونها دولة نووية ويسعى الغرب وايضا اسرائيل لاحتضانها ليوازنا بها، مع ثقلهما العسكري، الصين وروسيا. وتولي الهند اهمية كبرى لدفاعاتها العسكرية، اذ تنفق على الدفاع 19% من موازنتها! في حين لا يحظى قطاع الصحة العامة اكثر من 1% ونحو 5% الى 6% قطاع التعليم.
اما واقع الدول الخليجية الدفاعية فيدعو الى الرثاء بما تحتوي عليه من بترول وموارد طبيعية اخرى، واموال في اصول سائلة ومستثمرة في الصناديق السيادية خارج حدودها، فتكون بالتبعية وتلقائيا، كلها، هدف لكل طامع بثرواتها.
ان بيئة الرأي العام العالمي السلبية للعرب والمسلمين والتي ترقى الى العدائية في الغرب وما ينفثه من كراهية وازدراء لدوله، وعبر اعلامه، الى معظم دول العالم، تساعد على تعميق البيئة العدائية المليئة بالازدراء والكراهية، وتهيىء الاجواء لأي عمل سياسي، ضد اي دولة عربية، او عمل عسكري، او جرجرتها الى محفل «عدلي» لتتلقى ادانتها بالاحكام وتنفيذ الاحكام، والدوافع لعداء الغرب متعددة منها 1- انحياز الغرب لاسرآئيل ودفاعا عن وجودها (اسرائيل) تارة، كونها وكالة سياسية عسكرية غربية زُرعت لتكون اداة لتحقيق مصالح الغرب السياسية والامبريالية. 2- ترسبات تاريخية وصليبية – اسلامية تارة اخرى و3- المخزون النفطي الكبير الذي يدفع فيه الغرب اغلى الاثمان، ثم تعود هذه الاموال لاستثمارها في بلادهم و«تسيطر» على كبرى مؤسساتهم المالية والصناعية والتكنولوجية والخدمية، فيصبح التابع بالامس، سيدأ اليوم.. هذا امر غير مقبول لسيد اعتاد على تأديب الاتباع، واصدار شهادات سلوكهم وادخال من يرضى عليه في حظيرته، واستبعاد المارقين.
بينما كان الغرب يكيل مثل هذه السلبيات للصينيين والهنود فيما مضى، نجده يواصل حملات كراهيته والحط من قدر العرب والمسلمين ودينهم حتى قبل 9/11 وتشهد بذلك افلامهم وادبياتهم السابقة للحادث واللاحقة له. هنالك عدة لوبيات فكرية وثقافية وسياسية تروج للكراهية للعرب والمسلمين. كما ان الكراهية التي تحيق بالمقيمين العرب والمسلمين في الغرب تؤجج دوافع الكراهية للدول الام.
وانظر الى مقاصد ساركوزي، الرئيس اللعوب، رئيس فرنسا، بتعليم اطفال فرنسا احداث «الهولوكوست» وآثاره الانسانية على اليهود التي حدثت منذ اكثر من نصف قرن، ولكن تتوارى انسانية ساركوزي ولا يرف له جفن على الاطفال الفلسطينيين الذين يُقتلون، اليوم، على ايدي الاسرائيليين، وتهدم بيوتهم على عائلاتهم. وانظر الى انجيلا ميركل، المستشارة الالمانية، كيف وضعت اكليل الزهور على نصب المحرقة في اسرائيل، وهي تريد ان تكفّر عن ذنب الهولوكوست، الالماني لليهود بارتكاب ذنب لهولوكوست يهودي - الماني للفلسطينيين، وعلى مرمى منها شيوخ ونساء واطفال فلسطين تهدم عليهم بيوتهم، ومنهم من يتضور جوعا، ومن يصارع الالم، ومن يصرخ: انقذونا يا عرب.. ارحمونا يا مسلمين.. ارحمونا يا بشر. ارحمينا يا ميركل.. ارحمنا يا ساركوزي.. ارحمنا.. يا بلير.. ولا من يسمع ولا من يجيب. ولم يستجيروا بالرئيس بوش، لانه يسوم الفلسطينيين سوء العذاب بوحي من السماء، كما يقول.
ثم تأتي وزارة التعليم البريطانية لتقدم مناهج دراسية لتعليم الاطفال اسباب وظروف الحرب على العراق، معتبرة ان هذه الدروس مساهمة منها في ترقية التعليم. لماذا لم تقدم وزارة التعليم هذه المناهج للكبار في الفصول الثانوية والجامعية؟ لان الكبار يعلمون الحقيقة ولا تستطيع الحكومة ان تكذب عليهم. بدليل ان اتحاد المعلمين البريطانيين، والذي هو بطبيعة الحال يتكون من كبار السن، ادان هذه المناهج قائلا: ان هذه الدروس هي دروس مضللة ودعائية.
قيم غربية تدرس في المدارس وتنشأ عليها الاجيال القادمة مملوءة بالحقد والكراهية وعدم الشعور بالذنب، ثم يدعون العرب الى الحوار! يا سلام! اي حوار نستطيع اجراءه وانفاسنا في قبضة يدهم؟
يعد الداعية الاسلامي عمرو خالد اطروحة الدكتوراه في احدى جامعات لندن وموضوعها هو المسلمون في بريطانيا واوروبا. يقول عمرو خالد انه دعا المسلمين لان يندمجوا في اوطانهم الجديدة اندماجا ايجابيا، ويكون كل مسلم منهم، نموذج الانسان الاصلح الذي يحب الاخر ان يقتدي به. هذا شيء جميل، اليس كذلك؟ ولكنه وجد ان هذه الدول، حكومات وشعوبا، تحاول ان تضيق على المسلمين لدرجة «ازهاقهم» واخراجهم من اوروبا. ومن هذه المضايقات المساس بنبي المسلمين، محمد «ص» في الدانمرك اولا ثم هولندا ثم معظم الدول الاوروبية. ما الداعي لذلك. اهو تنفيس عن الكراهية؟ ثم هنالك فيلم قادم بقصد النيل من القرآن الكريم بذريعة حرية التعبير، الذي هو في واقع الامر ليس حرية ولكن تحريض على العنف، والتحريض جريمة يعاقب عليها.. ولكن ليست اذا كانت ضد المسلمين.. تعال حاور ان استطعت!
ان الدول لا تبني جيوشها وتملأ ترساناتها وتكثف ابحاثها العسكرية لتتفرج عليها، فمتى ما بلغت مستوى الدفاع عن نفسها وتجاوزته، ويأخذها الاعجاب بقوتها تتجه للسيطرة على الدول لضعيفة وتستغلها.. فلا حضارة ولا ديموقراطية ولا حرية ولا مساواة تقف في وجهها، ليست هناك قيم كما يدعون، فالقيم محلية وطنية، لا تخرج عن اسوار بلدها، وليست عالمية انسانية، سواء كانت في اوروبا او اميركا. لقد تخلى الغرب عن القيم المسيحية، فأخذ «يصك» قيماً مدنية لا تلبث الا وتنخفض قيمتها، مثل اي عملة، Depreciating its value كلما تضخمت الاخلاق.
التاريخ يعيد نفسه
يذكر لنا التاريخ ان بريطانيا في بداية عهد استعمارها للهند طلبت من احد ولاة الهند ان يعفي شركة الهند الشرقية (الوكالة التي استعمرت بها بريطانيا الهند، كما هي اليوم الوكالة الاسرائليلة، اداة الاستعمار الجديد للعرب وخدمة المصالح الغربية) من رسوم الجمارك على مستوردات الشركة (بريطانيا) فكان لها ذلك. ثم اغراها السلب المتلاحق وضعف الولاة، واحدا تلو الآخر، فاستولت شركة الهند الشرقية (اي بريطانيا) على جمارك الهند بذريعة ادخال اصلاحات ادارية على ادارة الجمارك، كما هي الذريعة الآن بادخال الديموقراطية الى العراق، وفي ما مضى ادخال المدنية الى الجزائر، واعلاء شأن التعليم والثقافة في مصر.
وان كان التاريخ لا يعيد نفسه بالنمط نفسه، فان التاريخ يتجسد في عدة مظاهر، انتحلت بريطانيا ذريعة التجارة، فاستعمرت الهند بغطاء اسمته الشركة الهندية الشرقية، وبدلا من تجسيد شركة لتكون «خيال مآته» للدول العربية، اصدرت بريطانيا وعد بلفور سنة 1917، واعطت بموجبه ما لا تملك (ارضا فلسطين التي كانت ارض فلسطينية لاكثر من اربعة آلاف سنة) لمن لا يستحق (اليهود الذين تواجدوا في فلسطين لمدة سبعين سنة فقط) تعاطفا معهم.
والعالم كله يعلم ان لا الاوروبيين ولا الاميركيين كانوا يتعاطفون مع اليهود، بل كانوا يميزون انفسهم عنهم ولا يختلطون بهم ولا يسمحون لهم بدخولهم في انديتهم ومطاعمهم، وعزلوهم في جيتوهات ثم اعد لهم النازيون الالمان محرقة وقعد الغرب كله يتفرج، كما يتفرج اليوم الغرب على المحرقة التي تشعلها اسرائيل للفلسطينيين.
لماذا يشتري العرب السلاح؟
زيفت وثيقة وعد بلفور المعلنة، اما الاصلية فقد روج عنها انها فقدت، والصحيح انها كانت عقدا غير معلن بين بريطانيا واليهود، الذي اصبحت اسرائيل بموجبه اداة لتهديد العرب لقاء توطين اليهود من جهة وخدمة مصالح بريطانيا من جهة اخرى، لم تكن هذه «الدمية» (وعد بلفور الذي اوجد اسرائيل) الا تطويرا ذرائعيا استعماريا لشركة الهند الشرقية التي ادت دورها وتجاوزها الرأي العام العالمي. تدعي بريطانيا والغرب انهم يدعمون اليهود عطفا عليهم بعد محرقة الهولوكوست. وهذا كذب: اذ حدثت المحرقة سنة 1945، اما وعد بلفور فكان في سنة 1917. ثم ان فلسطين ارض عربية وليست بريطانية تقتطعها بريطانيا وتهبها لليهود تعاطفا معهم. لقد غرر الغرب باليهود بوعد بلفور. وخدعوهم في جدواه، كما خدعوا العرب باغتصاب ارضهم، فسيبقى اليهود (اسرائيل) يحاربون العرب، والعرب يحاوبونهم، والغرب يمولون ويسلحون ويدعمون حروب اسرائيل، الى ان يسترد العرب ارضهم، لقد اجرم الغرب في حق اليهود، واجرم الغرب في حق العرب، واجرم الغرب في حق انفسهم، انها اكبر جريمة في التاريخ يدفع ثمنها المجرم (الغرب) واداة الاجرام (اسرائيل) والمجرم في حقه (فلسطين) والعرب.
ثم اكتشفت اميركا الاتفاق (وعد بلفور) فحشرت نفسها مع بريطانيا وتقاسمت قبضة زمام توجيه اسرائيل وحمايتها، ثم بادرت فرنسا بتجهيز اسرائيل بالقنبلة الذرية، لتثبيت اسرائيل لقاء تقديم خدمات لفرنسا. ثم جاءت المانيا وعوضت اليهود. واعلنت المستشارة ميركل: ان اي تهديد لاسرائيل هو تهديد لالمانيا، في اليوم نفسه الذي تواصل اسرائيل محرقتها في غزة وتقتل الاطفال والنساء والرجال. وبعدها رفع البابا عنهم ذنت صلب اليهود للسيد المسيح. ثم ضربت اسوار الحصانة حول كل ما من شأنه ان يمس اليهود ويهدد دولة اسرائيل. وكبلت حرية التعبير بقانون يجرم العداء للسامية، واطلقت حرية التعبير لسب الرسول، صلى الله عليه وسلم، من اعلى مصادر الثقافة والاعلام في الغرب بذريعة حرية الرأي هنا وتجريمه هناك، ودججت اسرائيل بالسلاح التقليدي والذري، وكتفت ايدي العرب الا من الحجارة، وان يبيعوهم سلاحا، فهو سلاح بطل استعماله وزرع فيه كل ما ينبئ العدو عن حركة داخل السلاح عن بعد. يتساءل المرء: لماذا يشتري العرب السلاح.. وعدوهم جاثم على انفاسهم؟ لماذا يقيمون معهم التدريبات لاطلاعهم على عوراتهم فيسهل عليهم اغتصابهم؟
-----------------------------