المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقارنات محزنة.. حاجة تكسف؟



islaishe
09-07-2008, Wed 7:58 AM
جمال سلطان
مقارنات محزنة.. حاجة تكسف؟

أحزن كثيرا كلما وقعت عيني على مقارنة «حضارية» بين مجتمعات المسلمين حاليا وبين المجتمعات الغربية، خاصة عندما أجد نتيجة المقارنة حاسمة لصالح الأخيرة في زاوية من الزوايا الإنسانية،
ومؤخرا وقعت عيني على تقرير لمؤسسة تدعى «عطاء أمريكا» (جيفينج يو إس إيه فاونديشين)، يتحدث عن التبرعات الخيرية التي خرجت من جيوب وقلوب مواطنين أمريكان عاديين ورجال أعمال، الدراسة قالت: إن العام الأخير وهو عام عانى فيه الأمريكيون من ارتفاع نسبة البطالة وصعوبات اقتصادية، وصلت فيه مجمل التبرعات لأعمال الخير ووجوه الخير إلى ثلاثمائة مليار دولار، يعني تقريبا ترليون ونصف التريليون جنيه مصري، وهو رقم مهول جدا يصعب تصوره، وهذا المبلغ كان حصاد تبرعات منها الصغير الذي يتم دفعه عبر الانترنت من مواطنين بسطاء، ومنها وهو الأهم تبرعات يتم دفعها من رجال أعمال، وهذا الذي يستحق منا وقفة حقيقية، خاصة عندما نقارن عطاء هؤلاء بما يفعله رجال الأعمال في بلادنا مما يندى له جبين الإنسانية،
التقرير الأمريكي أشار على سبيل المثال إلى الملياردير الأمريكي وارن بافت الذي أعلن في عام 2006 أنه سيتبرع بنحو 37.4 مليار دولار من ثروته للأعمال الخيرية، تاركا لنفسه نحو 6.6 مليار دولار، وقال بافت الذي يرأس شركة (بيركشير هاثاواي) للتأمين: إنه سيشرع ابتداء من يوليو في تقديم التبرعات لمؤسسة بيل جيتس الخيرية إضافة لأربع مؤسسات خيرية أخرى، وأرجو تأمل هذه اللوحة الإنسانية الرائعة، رجل ثروته تصل إلى ثروات دول بكاملها، في حدود أربعة وأربعين مليار دولار، يقرر أن يتبرع بها كلها تقريبا لأعمال الخير، ويستبقي لأعماله ومستقبل أبنائه وربما أحفاده ستة مليارات ونصف المليار تقريبا، إنه لا يتبرع بمليون دولار أو حتى مائة مليون، وإنما بسبعة وثلاثين مليار دولار، أعيدوا قراءة الرقم أيها الأصدقاء.
الدراسة تحدثت أيضا عن نموذج آخر مدهش وهو جون أي مور الذي تبرع بنصف أسهم شركة (إنتل) التي يملكها، أي بنصف ثروته لمؤسسة بيتي وجوردن الخيرية في مجال البيئة والعلوم، ووصلت قيمة تلك التبرعات إلى مبلغ خمسة مليارات دولار أمريكي دفعة واحدة، تخيلوا معي أن مليارديرا كبيرا مثل هذا يتخلى طواعية عن نصف ثروته وهي بالمليارات من أجل أعمال الخير في مجتمعه، وهو مجتمع ثري أصلا.
نموذج آخر تحدثت عنه الدراسة وهو الملياردير جون ماركس تبمليتون والذي يحاول المصالحة بين العلم والدين قدم تبرعًا بـ550 مليون دولار أمريكي، نموذج ثالث تحدثت عنه الدراسة وهو متميز لأن له خصوصية عند المرأة، وهي أرملة رجل أعمال شهير هناك وهو الدكتور روبرت أتكنز تبرعت بما يقارب 500 مليون دولار لمحاربة مرض السمنة والسكري، ليتبقى لها من الثروة التي خلفها زوجها 50 مليون دولار، ومرة أخرى أرجو تأمل الأرقام، السيدة ورثت عن زوجها خمسمائة مليون دولار أو أكثر قليلا، فتبرعت بتسعين في المائة من الثروة واستبقت لنفسها عشرة في المائة فقط لا غير.
أرجو أن نقارن مثل هذه النماذج المضيئة مع الأسف مع ما يقابلها هنا في بلادنا، لن تجد من جهد ونشاط لرجال البيزنس إلا كيفية امتصاص دماء الخلق والنصب على البنوك أو التلاعب بأقوات الناس أو احتكار السوق في هذا القطاع أو ذاك، ثم يضحك علينا الواحد منهم ببناء مسجد أو زاوية، لم نسمع عن أحدهم أنشأ ألف مدرسة لدعم قطاع التعليم للفقراء، لم نقرأ عن أحدهم قرر إنشاء ألف مستشفى أو مؤسسة طبية لرعاية الفقراء والمعدمين، وكثير منهم قادر على ذلك، لم نسمع عن أحدهم قرر إنشاء وقف علمي بمليار واحد فقط من أجل تطوير البحث العلمي في بلادنا، وهم قادرون على ذلك، إلى آخر وجوه الخير والعطاء.
هناك تسمع عن رجال الأعمال في سباق العطاء والبر ورعاية المجتمع والأمة التي منحتهم الثروة، وهنا لا تسمع بهم إلا في أخبار الجرائم والاحتكارات والتزوير والنصب والمساهمة الفعالة في القمع السياسي للمواطنين، .... حاجة تكسف.

http://www.alyaum.com/issue/page.php?IN=12808&P=4