A.B
19-03-2008, Wed 1:23 AM
يقول غير مؤرخ إن أحد أسباب استبسال الجيوش في الحروب الطاحنة التي هاجت في شرق أوروبا خلال القرون الوسطى هو المصير الذي كان ينتظر الجندي الذي يقع في الأسر فإن لم يستطع تدبير الفدية المطلوبة التي تحرره كان يُساق خارج أسوار المدينة المنتصرة ويُرفع على خازوق ويُترك للقوانين الفيزيائية أمر التكفّل بالباقي.
ومن "ميزات" وسيلة الإفناء هذه أنها تتم بطريقة الاكتفاء الذاتي ولا تتطلب من المعِذّب بذل أي جهد سوى التفرّج لأن ثقل جسم الجندي المسكين يسمح للخازوق بالغوص تدريجاً بمحاذاة عاموده الفقاري والخروج من كتفه فيتفادى تمزيق الأعضاء الحيوية ويمدّ بعمر الضحية التي تعيش على وجبة من الصبر والأمل ولا تكتشف أنهما جزء من العذاب إلا بعد فوات الأوان.
وقد فهم المضاربون وصانعو الأسواق ومديرو صناديق التحوّط أهمية "التدرج" في إغاصة خازوق الخسائر المالية وتخفيف الألم بالتخدير الموضعي المكوّن من الصبر والأمل والتفاؤل الكاذب وازدياد احتمالات الفرج القريب يقدمها للمستثمر في بعض الحالات فريق من المحللين الاقتصاديين وخبراء الاستثمار وعلم النفس المتمرسين في تسخير خبراتهم لتهوين المصائب وتوجيه نظر المستثمر بعيداً عن الخطر المحدق به أو تصبيره وزيادة قدرته على احتمال الخسارة وتمنيته بانتصار قريب فيما تخطط لإيقاعه في الأسر والجلوس على المقدور الذي ينتظره.
والمستثمر جندي في ساحة معركة الحياة هدفه تحقيق النصر عن طريق تعظيم ثروته وبناء أعلى جدار يستطيع بناءه ليحجب عن اسرته ونفسه الفقر إلا أن هذا هو بالضبط هدف المضارب وصانع السوق ومدير صندوق التحوّط فالاستثمار الجيد هو الذي يستطيع تلبية هدف كل هذه الفئات غير أن الخسائر الماحقة التي يتكبدها ملايين المستثمرين الصغار كلما اهتزت الأسواق أو حل الركود محل النمو الاقتصادي أو انهارت شركة عملاقة تبرهن في معظم الحالات على أن السمك الكبير لا ينمو إلا على حساب السمك الأصغر، ويعرف من يتابع البرامج التلفزيونية العلمية صنوف الحيل والخداع والتمويه التي يلجأ إليها السمك الكبير لاقتناص ضحاياه.
والمرأة، كما فهمنا من أحد الخبراء، أكثر احتمالاً للألم من الرجل إلا أن الرجل أقل شكوى وأكثر مكابرة ولا يذهب إلى الطبيب إلا والألم ذهب فيه كل مذهب، وبما أن الاستثمار قرار الرجل في معظم دول العالم (للمرأة في الامارات وضع مختلف كما يبدو) فإنه يلجأ إلى الصبر بدلاً من الاعتراف بالخطأ الذي ارتكبه ولا يتخلص من استثماره العاثر إلا وفقد معظم قيمته الأصليّة أو تحوّل إلى شهادة استثمار لا قيمة لها وربما كتم سر استثماره الخاسر أو أنكر إقدامه عليه أو حوّله من خسارة فادحة إلى ربح وفير وقلب جهله علماً يُسترشد به.
وهذا السلوك نمطي عند الكثيرين من المستثمرين في العالم لكن أكاد أقول إننا أكثر تطرفاً من غيرنا فللصبر محل كبير في تكويننا النفساني وهو دواء علل لا تحصى فكما يُقال إن لغتنا لغة الضاد يمكن أيضاً أن يُقال إن أمتنا أمّة الصبر لذا جعلناه صناعة كبيرة يستفيد منها المضارب والمحتكر والمختلس والصحافي المرتشي والحاكم الجائر وذوو الخطر وربما بالغنا فقلنا إن صبرنا المفرط أحد أهم الأسباب التي تعيق قيام الدولة العربية العظمى واحتلال الاقتصاد العربي المرتبة الرابعة أو الخامسة في العالم.
وهناك فارق كبير بين الصبر على شركة ناشئة يعرف المستثمر إدارتها وفاعليتها ويتوقع لها مستقبلاً واعداً وبين الصبر على شركة مترهلة ذات إدارة ضعيفة لا يتوقع لها مستقبلاً زاهراً سوى رئيسها فالصبر في الحالة الأولى مجرد انتظار لكنه في الحالة الثانية مكابرة وإصرار عقيم على إخراج الحي من الميت ونقل مجاني للثروة من المستحق إلى غيره.
وأسرّ لي صديق يعمل في شركة استثمارية دولية في لندن مرّة بأن باحثين عرضوا على عدد من السعادين في إحدى حدائق الحيوان الأميركية لائحة بأسماء شركات تُتداول أسهمها في السوق وأعدّت قائمة بالشركات التي وضعت السعادين أصابعها عليها ثم عرضت اللائحة نفسها على عدد من الخبراء الاستثماريين فانتقوا عدداً مماثلاً من الشركات التي توقعوا لأسعار أسهمها الارتفاع ثم تابع الباحثون حركة السوق ستة أشهر ففازت لائحة السعادين في نهاية المدة بفارق ربح معتبر. ولا أعرف من يدلني على هذه السعادين لاسترشد بحكمها لكن الأفضل بعد من السعادين هو الحظ.
وليس أمام من لا يعترف بالحظ (والعكس أصح) سوى الاجتهاد وبناء قراره الاستثماري على الحقائق ودراسة وضع كل شركة يستهدفها، لكن الحقائق التي يستطيع المستثمر الاستناد إليها قبل اتخاذ القرار ليست متوافرة دائماً وربما كانت متوافرة لمستثمرين دون غيرهم وربما أدى ذلك الى ارتفاع سعر سهم فجأة أو هبوطه فجأة من دون أن يعرف باقي المستثمرين السبب فيجني العارفون بخبايا الشركة الثروات الكبيرة أو يتجنبون الخسائر الفادحة ولا يتحرك المستثمرون المستغفلون إلا وكان من ضرب ضرب، ومن هرب هرب.
إن المال الذي يخصصه الأب لتعليم أولاده أو لاطعام أسرته أو لمساعدة والد أو والدة طاعنة في السن ليس المال المناسب للمضاربة، وما لم يكن المستثمرالفرد قادراً على تحمّل الخسارة ومتابعاً دائماً لأوضاع السوق والشركات التي يستثمر بها فربما أكتشف يوماً أنه مجرد سمكة صغيرة في بحر المضاربة وكان عليه أن يجد سمكة كبيرة يعهد إليها باستثماره لأنها اقدر منه على مقارعة السمك الكبير الأخر، لكن الحذر واجب حتى في انتقاء السمك الكبير لأن السمك الصغير يأكله السمك الأكبر ويأتي القرش فيأكل السمك الكبير.
ومن النصائح المتداولة بين المستثمرين تجنّب عشق أي سهم مهما كان وتجريد النفس من الشفقة على أي سهم هابط وتفادي السباحة عكس التيار ما لم يكن المستثمر قادراً على ذلك، أما النصيحة الأهم فهي أن يكون المستثمر مستعداً في كل الأوقات لوقف نزيف خسائره المالية والانسحاب في اللحظة المناسبة فمراقبة المستثمرين الأخرين الذين أجلسهم الصبر على خازوق الخسارة تحز في النفس إلا أنها تظل أقل ألماً من الجلوس فوق الخازوق.
ومن "ميزات" وسيلة الإفناء هذه أنها تتم بطريقة الاكتفاء الذاتي ولا تتطلب من المعِذّب بذل أي جهد سوى التفرّج لأن ثقل جسم الجندي المسكين يسمح للخازوق بالغوص تدريجاً بمحاذاة عاموده الفقاري والخروج من كتفه فيتفادى تمزيق الأعضاء الحيوية ويمدّ بعمر الضحية التي تعيش على وجبة من الصبر والأمل ولا تكتشف أنهما جزء من العذاب إلا بعد فوات الأوان.
وقد فهم المضاربون وصانعو الأسواق ومديرو صناديق التحوّط أهمية "التدرج" في إغاصة خازوق الخسائر المالية وتخفيف الألم بالتخدير الموضعي المكوّن من الصبر والأمل والتفاؤل الكاذب وازدياد احتمالات الفرج القريب يقدمها للمستثمر في بعض الحالات فريق من المحللين الاقتصاديين وخبراء الاستثمار وعلم النفس المتمرسين في تسخير خبراتهم لتهوين المصائب وتوجيه نظر المستثمر بعيداً عن الخطر المحدق به أو تصبيره وزيادة قدرته على احتمال الخسارة وتمنيته بانتصار قريب فيما تخطط لإيقاعه في الأسر والجلوس على المقدور الذي ينتظره.
والمستثمر جندي في ساحة معركة الحياة هدفه تحقيق النصر عن طريق تعظيم ثروته وبناء أعلى جدار يستطيع بناءه ليحجب عن اسرته ونفسه الفقر إلا أن هذا هو بالضبط هدف المضارب وصانع السوق ومدير صندوق التحوّط فالاستثمار الجيد هو الذي يستطيع تلبية هدف كل هذه الفئات غير أن الخسائر الماحقة التي يتكبدها ملايين المستثمرين الصغار كلما اهتزت الأسواق أو حل الركود محل النمو الاقتصادي أو انهارت شركة عملاقة تبرهن في معظم الحالات على أن السمك الكبير لا ينمو إلا على حساب السمك الأصغر، ويعرف من يتابع البرامج التلفزيونية العلمية صنوف الحيل والخداع والتمويه التي يلجأ إليها السمك الكبير لاقتناص ضحاياه.
والمرأة، كما فهمنا من أحد الخبراء، أكثر احتمالاً للألم من الرجل إلا أن الرجل أقل شكوى وأكثر مكابرة ولا يذهب إلى الطبيب إلا والألم ذهب فيه كل مذهب، وبما أن الاستثمار قرار الرجل في معظم دول العالم (للمرأة في الامارات وضع مختلف كما يبدو) فإنه يلجأ إلى الصبر بدلاً من الاعتراف بالخطأ الذي ارتكبه ولا يتخلص من استثماره العاثر إلا وفقد معظم قيمته الأصليّة أو تحوّل إلى شهادة استثمار لا قيمة لها وربما كتم سر استثماره الخاسر أو أنكر إقدامه عليه أو حوّله من خسارة فادحة إلى ربح وفير وقلب جهله علماً يُسترشد به.
وهذا السلوك نمطي عند الكثيرين من المستثمرين في العالم لكن أكاد أقول إننا أكثر تطرفاً من غيرنا فللصبر محل كبير في تكويننا النفساني وهو دواء علل لا تحصى فكما يُقال إن لغتنا لغة الضاد يمكن أيضاً أن يُقال إن أمتنا أمّة الصبر لذا جعلناه صناعة كبيرة يستفيد منها المضارب والمحتكر والمختلس والصحافي المرتشي والحاكم الجائر وذوو الخطر وربما بالغنا فقلنا إن صبرنا المفرط أحد أهم الأسباب التي تعيق قيام الدولة العربية العظمى واحتلال الاقتصاد العربي المرتبة الرابعة أو الخامسة في العالم.
وهناك فارق كبير بين الصبر على شركة ناشئة يعرف المستثمر إدارتها وفاعليتها ويتوقع لها مستقبلاً واعداً وبين الصبر على شركة مترهلة ذات إدارة ضعيفة لا يتوقع لها مستقبلاً زاهراً سوى رئيسها فالصبر في الحالة الأولى مجرد انتظار لكنه في الحالة الثانية مكابرة وإصرار عقيم على إخراج الحي من الميت ونقل مجاني للثروة من المستحق إلى غيره.
وأسرّ لي صديق يعمل في شركة استثمارية دولية في لندن مرّة بأن باحثين عرضوا على عدد من السعادين في إحدى حدائق الحيوان الأميركية لائحة بأسماء شركات تُتداول أسهمها في السوق وأعدّت قائمة بالشركات التي وضعت السعادين أصابعها عليها ثم عرضت اللائحة نفسها على عدد من الخبراء الاستثماريين فانتقوا عدداً مماثلاً من الشركات التي توقعوا لأسعار أسهمها الارتفاع ثم تابع الباحثون حركة السوق ستة أشهر ففازت لائحة السعادين في نهاية المدة بفارق ربح معتبر. ولا أعرف من يدلني على هذه السعادين لاسترشد بحكمها لكن الأفضل بعد من السعادين هو الحظ.
وليس أمام من لا يعترف بالحظ (والعكس أصح) سوى الاجتهاد وبناء قراره الاستثماري على الحقائق ودراسة وضع كل شركة يستهدفها، لكن الحقائق التي يستطيع المستثمر الاستناد إليها قبل اتخاذ القرار ليست متوافرة دائماً وربما كانت متوافرة لمستثمرين دون غيرهم وربما أدى ذلك الى ارتفاع سعر سهم فجأة أو هبوطه فجأة من دون أن يعرف باقي المستثمرين السبب فيجني العارفون بخبايا الشركة الثروات الكبيرة أو يتجنبون الخسائر الفادحة ولا يتحرك المستثمرون المستغفلون إلا وكان من ضرب ضرب، ومن هرب هرب.
إن المال الذي يخصصه الأب لتعليم أولاده أو لاطعام أسرته أو لمساعدة والد أو والدة طاعنة في السن ليس المال المناسب للمضاربة، وما لم يكن المستثمرالفرد قادراً على تحمّل الخسارة ومتابعاً دائماً لأوضاع السوق والشركات التي يستثمر بها فربما أكتشف يوماً أنه مجرد سمكة صغيرة في بحر المضاربة وكان عليه أن يجد سمكة كبيرة يعهد إليها باستثماره لأنها اقدر منه على مقارعة السمك الكبير الأخر، لكن الحذر واجب حتى في انتقاء السمك الكبير لأن السمك الصغير يأكله السمك الأكبر ويأتي القرش فيأكل السمك الكبير.
ومن النصائح المتداولة بين المستثمرين تجنّب عشق أي سهم مهما كان وتجريد النفس من الشفقة على أي سهم هابط وتفادي السباحة عكس التيار ما لم يكن المستثمر قادراً على ذلك، أما النصيحة الأهم فهي أن يكون المستثمر مستعداً في كل الأوقات لوقف نزيف خسائره المالية والانسحاب في اللحظة المناسبة فمراقبة المستثمرين الأخرين الذين أجلسهم الصبر على خازوق الخسارة تحز في النفس إلا أنها تظل أقل ألماً من الجلوس فوق الخازوق.