المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مفارقة: الاقتصاد السعودي ينمو إلى 1.3 تريليون والأسهم تتهاوى 60 %..!!



آكاى
22-12-2007, Sat 6:20 PM
مفارقة: الاقتصاد السعودي ينمو إلى 1.3 تريليون والأسهم تتهاوى 60 %
عبد الحميد العمري من الرياض - 20/10/1427هـ


تكبد المتعاملون في سوق الأسهم السعودية خسائر تقدر بنحو 1.8 تريليون ريال في الأشهر التسعة الماضية من العام الجاري, نتيجة تراجع السوق 60 في المائة خلال هذه الفترة.
ويحدث هذا في الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد السعودي طفرة اقتصادية قياسية لم يسبق للاقتصاد الوطني أن مرَّ بها من قبل طوال أربعة عقودٍ من الزمن مضت. ويقفُ اليوم على أرضيةٍ صلبة يقدر أن يتجاوز نطاقها بنهاية العام الجاري 1.3 تريليون ريال، بمعدل نمو حقيقي بلغ بنهاية عام 2005 نحو 6.5 في المائة، ويقدّر أن يتجاوز مع نهاية العام الجاري 5.8 في المائة. وقد يفاجأ البعض إذا علم أن بذور الأزمة الراهنة لسوق الأسهم لم تبدأ من 26 شباط (فبراير) 2006، إذ إن تلك البذور تشكلت من تاريخٍ أقدم بكثير من ذلك التاريخ, حيث بدأت منذ نهاية عام 2002 تحديدا.
أنهى مؤشر سوق الأسهم السعودية تداولات الأسبوع الماضي على خسارة 901 نقطة وبنسبة 9.66 في المائة من قيمته السوقية.

وفي مايلي مزيداً من التفاصيل

لن ينسى السعوديون والسعوديات وحتى المقيمون عام 2006 أبداً، وسيصبح هذا العام مخلداً في تاريخهم الممتد، بل سيكون قصةً تحكى للأجيال المقبلة، حتى يرث الله الأرض ومن عليها. إنه العام الذي تعرّضت فيه مقدراتهم واستثماراتهم المالية لأعنف هزةٍ قضت على كثيرٍ من تطلعاتهم اللا محدودة. إنه العام الذي شهدوا فيه الانهيار الأكبر في تاريخ سوقهم المالية بما يفوق 59.2 في المائة حتى يوم نهاية الأسبوع الماضي مقارنةً بقيمته في يوم السبت 26 شباط (فبراير) 2006. أمرٌ يبعث على الحيرة الكاملة حقّاً أن تتراجع سوق الأسهم السعودية بهذه الصورة المخيفة التي ينطبق عليها تماماً وصف "الانهيار"، في الوقت ذاته الذي يمرُّ به الاقتصاد الوطني بأقوى مراحل نموه بوضعية غير مسبوقة؛ الذي ينطبق عليه تماماً وصف "الانتعاش". لا شك أنها مسافةً كبيرة جداً بين الحالتين الراهنتين للجانبين، فمن جانب سوق الأسهم المحلية التي ظلّت تسجل معدلات نمو قياسية في جميع مؤشراتها من بداية 2003 حتى ما قبل نهاية شباط (فبراير) الماضي؛ اشتعلت فيها شرارة الانهيار من بعد 26 شباط (فبراير) 2006 احترقت جرّاءها مليارات الريالات على حساب أكثر من 3.6 مليون مستثمر، أو لنقل بمعنى أدق إن 1.81 تريليون ريال من القيمة السوقية الإجمالية قد تلاشت كالرماد في مهب الريح.
من جانبٍ آخر؛ نشهد طفرةً اقتصادية قياسية لم يسبق للاقتصاد الوطني أن مرَّ بها من قبل طوال أربعة عقودٍ من الزمن مضت! الذي يقفُ اليوم على أرضيةٍ صلبة يقدر أن يتجاوز نطاقها بنهاية العام الجاري 1.3 تريليون ريال، بمعدل نمو حقيقي بلغ بنهاية عام 2005, 6.5 في المائة، ويٌقدّر أن يتجاوز مع نهاية العام الجاري 5.8 في المائة. وعلى مستوى الميزانية الحكومية أظهرت أرقام الميزانية نتائج قوية وغير مسبوقة، حققت فيها الإيرادات الفعلية للعام المالي 2005 نمواً فعلياً بلغ 41.5 في المائة لتصل إلى 555 مليار ريال، أي بزيادة رقمية فاقت الـ 162 مليار ريال تُعد الأعلى قيمةً منذ عام 1970. فيما بلغت المصروفات الفعلية خلال عام 2005 نحو 341 مليار ريال مسجلةً بذلك ارتفاعاً نسبته 19.6 في المائة عن العام السابق، أي بزيادة رقمية بلغت الـ 56 مليار ريال. ونمت التجارة الخارجية السعودية بنهاية العام الماضي بأكثر من 34.6 في المائة مقارنةً بحجمها في عام 2004 لتتجاوز سقف الـ 860.8 مليار ريال، وهو معدل نمو يفوق ما تحقق بين عامي 2004 و2003 البالغ 31.1 في المائة، وتعكس هذه المؤشرات الدرجة المتقدمة التي وصل إليها انفتاح الاقتصاد السعودي على الاقتصاد العالمي، والفرص السانحة أمامه بعد الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية لأن يُضيف مزيداً من الإنجازات على هذا الطريق البالغ الأهمية في أسواق التجارة الدولية. ومما لا شك فيه أن ما تم إنجازه على صعيد الاقتصاد الكلي جاء نتيجةً حتمية للإصلاحات الهيكلية على الاقتصاد التي نفّذتها الحكومة السعودية من 1999 ولا تزال سارية المفعول حتى اليوم.
كيف لنا أن نفهم هذه الأحجية إن كانت فعلاً أحجية؟! كيف نفسّر ما حدث في الأشهر التسعة الماضية التي ذاق فيها المستثمرون في سوق الأسهم المحلية ويلات الخسائر الرأسمالية بما يفوق 90 في المائة من استثماراتهم؟ ولماذا حدث هذا الانهيار الكبير في السوق المالية الكبرى في مصفوفة أسواق منطقة الشرق الأوسط؟ وهل سبقت هذا الانهيار مقدماتٌ أفضت إلى حدوثه بهذه الصورة الكوارثية، كان بالإمكان تلافيها، أو حتى نتأهب لها ونحتاط بإجراءات تندرج تحت حقل "إدارة الأزمات" للتخفيف من ضراوتها على أقل تقدير؟ هل وكيف ولماذا؛ مئات الأسئلة الحائرة على الوجوه الحزينة مما حدث، وأكثر منها أيضاً في النفوس الخائفة من تشاؤم مستقبل السوق الذي أطبق على سمائه كالجراد الزاحف. ويبقى السؤال الأهم بالنسبة للجميع: متى يتوقف النزيف الدامي في السوق؟ وهل من أملٍ قريب للخروج من هذه الدوّامة العنيفة؟ تلك الأسئلة ما أحاول تحقيق المقاربة مع بعض إجاباتها قدر الإمكان، واستكمال الإجابة عن بعضها الآخر في موضوعٍ مستقل - بإذن الله. وللعلم؛ فإن القيام بمثل تلك المحاولات الصعبة في خضم الأزمة لا يتعدّى حدود الاجتهاد! بما يعني أنها قد تُصيب وقد تُخطئ، فإن أصبتُ فذاك من فضل الله، وإن أخطأتُ فهو بلا شك تقصيرٌ غير مقصود مني، ألتمس من القارئ عليه العذر والسماح.

ماذا حدث قبل يوم الأحد 26 شباط (فبراير) 2006؟!
قد يفاجأ البعض إذا علم أن بذور الأزمة الراهنة للسوق المالية السعودية لم تبدأ من 26 شباط (فبراير) 2006، إذ إن تلك البذور قد بدأت بالتشكّل من تاريخٍ أقدم بكثير من ذلك التاريخ! حيث بدأت من نهاية عام 2002 تحديداً. منذ ذلك التاريخ وحتى تاريخ أزمتنا الراهنة في سوق الأسهم المحلية حدث الكثير، الذي ينبغي التوقف والتأمّل والمناقشة عند محطاته كثيراً. في صباحات الأيام الأخيرة من ذلك العام اكتشف عامّة المجتمع السعودي مجالاً جديداً للاستثمار وتنمية المدخرات لم يسبق أن لفت انتباههم بتلك القوة من قبل، وزادت منذها ظاهرة الإقبال على الاستثمار في سوق الأسهم يوماً بعد يوم، ليتجاوز عدد المستثمرين الجدد في سوق الأسهم والصناديق الاستثمارية العاملة في السوق خلال العام الذي تلاه 2003 أكثر من 350 ألف مستثمر، ليتضاعف حجمهم خلال عام واحد 3.5 مرة! ويزداد الإقبال في عام 2004 ليدخل ما يقارب المليون مستثمر، ونصل إلى ذروة الإقبال في عام 2005 الذي دخل خلاله كمستثمرين جدد إلى السوق أكثر من 1.5 مليون مستثمر، ليتوقف العداد الرقمي للمستثمرين حتى ما قبل اشتعال فتيل الأزمة الراهنة عند 3.6 مليون مستثمر.
مؤدى ما تقدّم أن قرارات تلك الملايين من المستثمرين قد قفزت بمؤشر السوق من 2518.08 نقطة في نهاية 2002 إلى 4437.58 نقطة في نهاية 2003 بنمو سنوي فاق 76 في المائة، ثم إلى 8206.23 نقطة بنهاية 2004 بنمو سنوي ناهز 85 في المائة، ثم إلى 16712.64 نقطة بنهاية 2005 بنمو سنوي ناهز 104 في المائة، ثم إلى 20634.86 نقطة بنهاية مساء 26 شباط (فبراير) 2006 بنمو ناهز 24 في المائة خلال 22 يوم عملٍ للسوق فقط؛ أي أنه لو مضى بنفس وتيرته المجنونة تلك، لكنا رأينا المؤشر العام للسوق في منطقة شاهقة جداً تفوق الـ 53000 نقطة بنهاية عام 2006!! رحلة البحث عن إجابةٍ دقيقة لسؤالنا أعلاه التي شهدت إضافة 18116.78 نقطة إلى المؤشر العام بنموٍ خلال الفترة وصلت نسبته إلى 720 في المائة، وشهدت أيضاً دلوف أكثر من 3.4 مليون مستثمر جديد بنموٍ خلال الفترة فاقت نسبته 2448 في المائة، وشهدت أيضاًً زيادةً في القيمة السوقية بأكثر من 2.8 تريليون ريال لشركات لا يتجاوز عددها 79 شركة بنموٍ خلال الفترة فاقت نسبته 1000 في المائة. لا شك أن رحلة متسارعة الخطى كهذه؛ أنها تحمل الكثير من التطورات وقد تصل في أحيانٍ كثيرة منها إلى مستوى المفاجآت؛ بل والمفاجآت غير المتوقعة على الإطلاق! رحلةٌ متسارعة الأحداث ضمّت في طيّاتها لاعبين رئيسيين، كان لقراراتهم ووجودهم تأثير كبير في اتجاهات وتطورات السوق المحلية طوال تلك الفترة، يمكن تقسيمهم إلى فريقين أساسيين. الفريق الأول: الجهات التنظيمية والإشرافية ممثلةً في وزارة المالية ووزارة التجارة والصناعة ومؤسسة النقد وأخيراً هيئة السوق المالية. الفريق الثاني: بقية الأطراف ذات العلاقة المتمثلة في الشركات المساهمة يمثلها بصورةٍ رئيسة مجالس إداراتها، والبنوك التجارية، ثم المضاربون والهوامير والمستثمرون كبارهم وصغارهم، ووسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمرئية بصورةٍ أساسية مع التركيز على دور بعض المحللين ممن يفتقدون الكفاءة والخبرة في مجال التحليل المالي والاستثماري، الذي أفضى بدوره إلى تورّط بعضهم في تضليل المستثمرين والتغرير بهم، ووصل في مراحل أخرى أكثر خطورة حينما ارتكب بعضهم مخالفاتٍ صريحة بجمع وإدارة أموال المستثمرين دون تسويغ قانوني.
وعليه، يتيح لنا تتبع ودراسة دور كل طرفٍ من الأطراف السابقة أعلاه إمكانية فهم مقدمات ما نحن بصدده من كارثةٍ حقيقية حلّت بالسوق، كما أن تتبعنا هنا سيتيح لنا معرفة كثيرٍ من الأسباب القابعة خلف المأساة الراهنة، التي ستثري كثيراً تجربتنا الحديثة كمجتمع ودولة مع أحد أوجه الاقتصادات الحديثة ممثلاً في الأسواق المالية، بما تقتضيه تلك التجربة من فرصٍ استثمارية مجدية للاقتصاد الوطني والمجتمع، وبما تتضمنه من مخاطر مختلفة المستويات مرتبطة بنوعية الاستثمارات. الجانب الآخر المفيد في الموضوع؛ أنه دون شك عاملٌ مساعد مهم، في طور الجهود المبذولة الآن بحثاً عن حلولٍ جادة للخروج بالسوق من مستنقع الخسائر الفادحة، الذي دخل شهره التاسع دون ظهور أية بوادر تبشر بنهاية هذه الفترة الصعبة والمعقدة.

من احتقان المليارات إلى انفجار التريليونات
تشكّلت بداية أزمة السوق المحلية - المكتظة باختلالاتٍ هيكلية عديدة - من انبثاق نقطة الاحتقان في بداية 2003، تلك النقطة التي بدأ عندها "العراك" بين ملايين المستثمرين الذين ظل عددهم يتصاعد بوتيرةٍ متسارعة كما أشرت أعلاه، ومن جهةٍ أخرى كان هذا الاندفاع الملاييني، منصباً على قنواتٍ استثمارية ضيقة ومحدودة في سوق أسهم صغيرة جداً لا يتجاوز حجمها السوقي 281 مليار ريال، مقسمة على 68 شركة مساهمة فقط، لا يتجاوز عدد أسهمها المصدرة أكثر من 2.0 مليار سهم مصدر، كما لا يتجاوز المتاح منها للتداول باستبعاد الأسهم المملوكة للحكومة وكبار المستثمرين والشركاء الأجانب أكثر من 15 في المائة من إجمالي الأسهم المصدرة! زاد من وطأة هذا "العراك" أن الاقتصاد الكلي أساساً كان شحيحاً جداً على مستوى خلق فرص الاستثمار المتنوعة، ويبدو أنه لم يكن مستعداً تماماً للفوائض المالية التي تدفقت عليه بصورةٍ ضخمة بدءاً من عام 2001، كما كان الوقت مبكراً جداً لأن تظهر إيجابيات الإصلاحات الهيكلية التي بدأت الحكومة في إحداثها بعد منتصف 1999.
تمثلت الفرص المحدودة في سوق الأسهم المحلية في العدد المحدود من الأسهم المصدرة في السوق بصفتها الخيار الاستثماري الوحيد في السوق وانعدام وجود خيارات أخرى كالسندات أو الصكوك، فكما أشرت بلغ عدد الأسهم المصدرة في مستهل 2003 دون 2.0 مليار سهم مصدر، ارتفعت في بداية 2004 إلى 2.3 مليار سهم مصدر، وفي بداية 2005 وصلت إلى 2.6 مليار سهم مصدر، وارتفعت في بداية 2006 إلى نحو 3.0 مليار سهم مصدر، إلى أن وصلت مع نهاية شباط (فبراير) 2006 إلى 3.3 مليار سهم مصدر. ، محققةً زيادة خلال 2003-2006 لا تتجاوز 0.96 مليار سهم، أي بزيادة نسبية لا تتجاوز 14 في المائة، منوهاً كما سبق ذكره أعلاه بأن تلك الأسهم المصدرة ليست متاحة جميعها للتداول؛ حيث تتوزع ملكية السوق المحلية بين ثلاث شرائح رئيسة هي: 53.2 في المائة للقطاع الخاص، و41.1 في المائة للحكومة، و4.1 في المائة للمستثمرين الأجانب، ونحو 2.6 في المائة غير موضحة الملكية. وبعد استبعاد الحصص غير القابلة للتداول، المتمثلة في حصص الحكومة والاستثمار الأجنبي التي تبلغ مجتمعةً أكثر من 45 في المائة، وحصة كبار الملاك والمستثمرين وأعضاء مجالس الإدارة المقدّرة بنحو 40 في المائة، يُقدّر أن يكون المتاح للتداول من الأسهم المصدرة في السوق لا يتجاوز 15 في المائة! ما يعني أن ملايين المستثمرين الذين ظلّوا يتدفقون على السوق طوال الأعوام الثلاثة الماضية لم يتجاوز عدد الأسهم المتاحة أمامهم للتداول أكثر من 352 مليون سهم في 2003، و391 مليون سهم في 2004، و447 مليون سهم في 2005، وأخيراً حتى ما قبل سقوط السوق ليس أكثر من 497 مليون سهم "الأرقام السابقة قبل التجزئة"!
إزاء ما سبق تزايدت السيولة المحلية "ن2" خلال نفس الفترة بنسبة 50 في المائة، والتي توجّه نسبةً كبيرة منها إلى أروقة السوق الضيقة المتمثلة في الأسهم فقط. حيث ارتفعت السيولة المحلية "ن2" من 310.4 مليار ريال في بداية 2003 إلى 464.7 مليار ريال بنهاية شباط (فبراير) الماضي، أي بزيادة رقمية بلغت 154.3 مليار ريال. إنها إشكالية اقتصادية بحتة يمكن تفسيرها باختلالٍ ظل نطاقه يتسع طوال الفترة بين قوى العرض والطلب في السوق؛ فأمام شبه الاستقرار في المعروض من الأسهم في السوق ظلّت السيولة المتدفقة إلى السوق المدعومة بتزايد أعداد المستثمرين، والسيولة النقدية التي زاد زخمها إفراط البنوك المحلية في منح مبالغ ضخمة من التسهيلات المالية لعملائها، الذي رفع من قوى وقدرات المحافظ الاستثمارية في السوق، في ظل ثباتٍ نسبي للأسهم المتاحة للتداول. اصطدم هذا الطوفان الجامح للسيولة والمستثمرين نحو أحواض السوق مع شحِّ الفرص الاستثمارية البديلة داخل وخارج السوق، ما أسهم بدوره في زيادة اضطرام حريق أسعار أصول السوق بصورةٍ لم يسبق لها مثيل. ولعل مقارنة أعداد تلك الأسهم المتاحة للتداول بالحجم الفعلي لكميات الأسهم المتداولة خلال فترة الدراسة، كفيلٌ بإيضاح جزءٍ من صورة الاحتقان الشديد الذي ظلت درجات سخونته تتزايد إلى أن انفجرت في نهاية شباط (فبراير) الماضي. إذ ارتفع عدد الأسهم المتاحة للتداول من 5.6 مليار سهم متداول في 2003 إلى 12.3 مليار سهم متداول في 2005، ثم إلى 2.6 مليار سهم متداول بنهاية شباط (فبراير) 2006، سنجد وفق تلك المقارنة أن معدل تداول السهم الواحد قد ارتفع خلال تلك الفترة بنحو الضعف؛ أي من 16 مرة في 2003 إلى 31 مرة قبيل السقوط الكبير للسوق! كما يؤكد على تعاظم حرارة احتقان السوق، ارتفاع متوسط قيمة السهم المتداول في السوق من 107.2 ريال للسهم الواحد في 2003 إلى 560 ريالا للسهم الواحد خلال الشهرين الأولين من 2006. ولك أن تلاحظ أن متوسط النمو السنوي خلال الفترة 2003-2006 للأسهم المتاحة للتداول لم يتجاوز 14 في المائة، في حين وصل متوسط النمو السنوي لقيمة الأسهم المتداولة خلال الفترة نفسها إلى نحو 319 في المائة! والفارق الكبير بين النسبتين كافٍ جداً لإدراك حقيقة الطريق الوعر والضيق الذي تشكّل أمام السوق خلال تلك الفترة القصيرة الماضية، ليفتح الباب على مصراعيه لارتفاع أسعار أسهم الشركات المدرجة في السوق، حتى أن أسعار بعض شركات المضاربة ارتفعت خلال الفترة ذاتها بأكثر من 20000 في المائة! ولترتفع من ثم مكررات ربحية السوق من 21 مكررا في بداية 2003 إلى 48 مكررا قبيل سقوط السوق! كما ارتفع المضاعف العام للقيمة السوقية إلى القيمة الدفترية من 2.3 مكرر في بداية 2003 إلى أكثر من 11 مكررا قبيل الانهيار!

اصطدام ثقافة المضاربة بثقافة النظام
تمخّضت عن التطورات الكلية للاقتصاد والسوق المذكورة أعلاه ثقافةً مثالبها أكبر بكثيرٍ من مناقبها؛ إنها ثقافة المضاربة العاتية التي أخذت عضلاتها تستقوي بصورةٍ متسارعة جداً، جرّت السوق مبكراً إلى مجازر التصحيحات المؤلمة، كان أول وقْعٍ موجع لها على المستثمرين حديثي التجربة بالسوق آنذاك في أيلول (سبتمبر) 2003 الذين لم يتجاوز عددهم بعد 300 ألف مستثمر، مقارنةً ببداية العام حينما كانوا أقل من 79.8 ألف مستثمر فقط! ففي ذلك الشهر انزلقت السوق إلى خسارةٍ في مؤشرها العام مع تداولات السبت 13 أيلول (سبتمبر) لنحو عشرة أيامٍ مريرة بمقاييس ذلك الوقت! منحدراً من 4563.50 نقطة عند الافتتاح إلى أن استقر عند 3882.05 بنهاية مساء الثلاثاء 23 أيلول (سبتمبر)، أي أنه فقد 14 في المائة من قيمته، مطوحاً بمكاسبه السريعة التي تحققت خلال أقل من شهرٍ واحد. ثم في النصف الثاني من أيار (مايو) 2004 بخسارةٍ فاقت 19.4 في المائة، والذي ألقى بصداه القوي على المستثمرين الذي أوشك على ملامسة سقف المليون مستثمر؛ أي أقل من ثلث العدد الراهن في السوق، وهو التصحيح القوي الذي ما زال المستثمرون يتذكرونه لحداثة تجربتهم، وكونه التجربة الأولى لهم مع واحدةٍ من سمات أسواق المال لم يعتادوا عليها من قبل، وهم لا يتذكرون التصحيحات القديمة في السوق لأنهم كانوا خارج دائرتها تماماً! كما كانت هذه الصدمة القوية سبباً مباشراً في ارتفاع أصواتهم للمطالبة بسرعة تأسيس هيئة السوق المالية، وسنتعرف لاحقاً على ردود أفعالهم تجاه قرارات وتنظيمات الهيئة!! والذي لن يطول بنا الانتظار لمعرفته. حيث انعكست "قراءة" السوق والمستثمرين لإصدار هيئة السوق المالية لأول ثلاث لوائح تنفيذية في بداية كانون الأول (ديسمبر) 2004، تمثلت في: قواعد التسجيل والإدراج، ولائحة طرح الأوراق المالية، ولائحة سلوكيات السوق، مع عدم إغفال دور التضارب الكبير بين إعلانات كل من وزارة التجارة والصناعة وهيئة السوق المالية حول تأسيس واكتتاب بنك البلاد آنذاك، لتفقد السوق المحلية من أعلى قيمة وصل إليها المؤشر في ذلك العام عند 8375.45 نقطة بتاريخ 29 تشرين الثاني (نوفمبر) نحو 9.4 في المائة. ثم في عام 2005 الذي شهد صعوداً قياسياً للسوق قارب نموه 104 في المائة، كما شهد دخولاً عظيماً للمستثمرين فاق 1.5 مليون مستثمر ومشترك في صناديق الاستثمار، ليتجاوز عددهم بنهاية العام حاجز ثلاثة ملايين مستثمر! شهد هذا العام بعض التذبذبات كان أكثرها حدّةً في تموز (يوليو) بنحو 15.4 في المائة من قيمة المؤشر، تلاه من حيث الوقع لا التاريخ انخفاض المؤشر العام في نيسان (أبريل) بنحو 9.8 في المائة. استمرّت تطورات السوق وفق هذا النسق المتسارع إلى أن انفجرت "بالونة" الأسعار المتضخمة في يوم الأحد 26 شباط (فبراير) الماضي، ولتدخل السوق من ذلك التاريخ نفقاً مظلماً حالك السواد فقدت خلاله أكثر من 1.81 تريليون ريال "باستبعاد الاكتتابات الجديدة"، ونحو 59.2 في المائة حتى نهاية تداولات الأربعاء الماضي 8 تشرين الثاني (نوفمبر).
تُرى ماذا حدث بالتفصيل في ثنايا تلك التطورات والأحداث على صعيد سوقنا المحلية؟! ليس مبالغةً القول إن تدفق السيولة الضخمة إلى سوق مالية يفتقد تماماً العمق اللازم، ويعجُّ بالاختلالات الهيكلية، ودخول هذه الملايين من المستثمرين بهذه السرعة، مسلّمين جميعاً أن الفئة الغالبة منهم يفتقدون الخبرة والدراية اللازمة لإدارة استثماراتهم بأنفسهم، كل ذلك قد أدّى مجتمعاً إلى طغيان ثقافةٍ واسعة النطاق من المضاربات المحمومة على أسهم محدودة العدد. أخذت تلك الثقافة في الاتساع المتسارع حتى أطبقت تقريباً على أكثر من 75 في المائة من تعاملات السوق المحلية! الأمر الجدير بالذكر هنا؛ أن مثل هذه الثقافة المضاربية تتعارض كلّيةً مع ثقافة النظام المستمد من نظام السوق المالية ولوائحها التنفيذية الصارمة. خلال الفترة 2003 - 2006 حدث أن سارعت المضاربة باحتلال مقعدها من السوق لتسبق قدوم النظام، فيما جاءت الأنظمة واللوائح بحكم طبيعتها متئدة الخطى، وحينما تأتي فإنها تقوم بالطرد التام أو الإلغاء لما سواها من القوانين! وذاك ما حدث في نهاية المطاف حينما اشتد ساعد ثقافة النظام على حساب إضعاف حدّة المضاربات. التكاليف في مثل هذه الظروف باهظةٌ جداً، خاصةً في مثل حالة سوقنا المالية، ذلك أن استدراك هيئة السوق المالية لما فات على السوق المحلية تحقيقه طوال العقدين الزمنيين اللذين سبقا تأسيس الهيئة، وبعد التطورات المتسارعة التي مرّت بها السوق خلال السنوات الأخيرة، يمكن إذاً الاعتراف بفداحة تلك التكاليف!

مَن يتحمّل آثار الكارثة ؟!
ما نشهده في الوقت الراهن من حالةٍ متردية للسوق، أشبه ما يكون ساحةً لمعركةٍ انتهت أو توشك على الانتهاء، إنك تشاهد الحطام منتشرا في كل صوبٍ تنظر إليه. فماذا تحطّم يا تُرى؟! لقد تحطّمت تماماً كل بناءات التخضيم المفتعلة لأسعار الأصول في السوق، الأمر المحزن جداً في نتائج هذه المعركة أن مَن دفع الثمن باهظاً كان في أغلبه صغار المستثمرين، أما أصحاب المحافظ الكبيرة، والبنوك، والشركات المساهمة، فقد خرج أغلبها سالماً تماماً، بل إن بعض تلك الأطراف خرج رابحاً أضعاف رأسماله في بداية الفترة أو قبلها. وتلك قضية علاجها أكبر بكثير من قدرة هيئة السوق المالية، ما يعني ضرورة المبادرة على وجه السرعة لدراسة وحل النتائج المدمرة التي حلّت بصغار المستثمرين تحديداً، فليس مقبولاً على الإطلاق أن تقع التكلفة كاملةً على عاتق تلك الفئة المغلوبة على أمرها، فيما تحتفل بقية الأطراف بسلامة ومتانة مراكزها المالية رغم أنها متورطةً تماماً فيما حصل وما زال مستمراً إلى الآن في السوق. وأُطرح هنا مبدأ "التعويضات" للدراسة والتنفيذ على الجهات ذات العلاقة، بأن يتم تعويض جزءٌ كبير من خسائر صغار المستثمرين على حساب تلك الشركات المساهمة والبنوك المحلية، حسب مسؤولية كل طرف في الكارثة! إنه مبدأ قابل للتنفيذ، ونتائجه مهما كلّفت لن تصل إلى النتائج المفزعة التي بدأنا نرى ظلالها القاتمة جداً على الواقع المعيشي للمواطنين وبعض المقيمين، ولا يعلم أحدٌ إلا الله أين ستنتهي الآثار المرعبة للأزمة الراهنة في سوقنا المحلية؟! وللحديث حول هذه القضية بقيةٌ فإلى الملتقى.

لمشاهدة اهم مؤاشرات سوق الاسهم السعودية

http://www.aleqt.com/files/33010133.pdf


منقوول من جريدة الاقتصادية

http://www.aleqt.com/news.php?do=show&id=51009
---

طبعا المقال قديم ولكن فية بعض النقاط المهمة للتفكير بعض الشئ بتاريخ سوق الاسهم السعودية

MARKET 99
22-12-2007, Sat 6:48 PM
طرح جميل

بارك الله فيك