المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سقوط موسس إمبراطورية إعلامية مترامية الأطراف.. في فخ الإنفاق من أموال المساهمين



بوعبدالرحمن
29-07-2007, Sun 7:25 AM
سقوط إمبراطور عنيد

اللورد كونراد.. بلاك أسس إمبراطورية إعلامية مترامية الأطراف.. وسقط في فخ الإنفاق من أموال المساهمين



واشنطن: منير الماوري
من المفارقات النادرة الحدوث ان الرجل كان يقف يوما على رأس امبراطورية مكونة من مئات الصحف اليومية والاسبوعية في أميركا وكندا وبريطانيا، وإسرائيل، ثم أصبح بين ليلة وضحاها مادة رئيسية فيها، للسخرية والانتقاد اللاذع، في افتتاحياتها أوردت عنه أخبارا رئيسية تتناول قصة سقوطه، واصفة إياه بـ«المغرور، والمحتال، والحرامي».
فالرجل هو اللورد البريطاني الكندي الأصل كونراد بلاك امبراطور الاعلام السابق، الذي كان يرأس مجلس إدارة شركة «هولنغر انترناشونال»، وهي واحدة من كبريات شركات إصدار الصحف في بريطانيا وكندا والولايات المتحدة.

الهجمات التي تناولته بحدة في صحف كان يملكها، لم تأت من فراغ، فقد استندت إلى حكم قضائي أدين فيه الرجل بالاحتيال وعرقلة سير العدالة، ولكنه مازال حاليا طليق السراح، وسيظل طليق السراح حتى نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل عندما يحدد القضاء الأميركي فترة العقوبة التي يستحقها عن التهم التي أدانته فيها هيئة محلفين في مدينة شيكاغو بولاية إلينوى الأميركية.

وتهمة بلاك (62 سنة) الأساسية هي اختلاس 60 مليون دولار من الشركة التي كانت تعتبر ثالث اكبر شركة نشر للصحف الصادرة باللغة الانجليزية في العالم، ومن بينها «شيكاغو صن تايمز» و«الديلي تلغراف» البريطانية و«الجيروزالام بوست» الاسرائيلية. وأدانت هيئة محلفين تتكون من 9 نساء و3 رجال في محكمة فيدرالية بشيكاغو بلاك و3 من المسؤولين السابقين بنفس الشركة بثلاث تهم تتعلق بالاحتيال، وبعرقلة سير العدالة، وتمت تبرئته من 9 تهم اخرى. ولكن حسب النظام القضائي الأميركي فإن هيئة المحلفين المؤلفة من مواطنين عاديين يتم اختيارهم عشوائيا لا يتعدى دورها الإدانة أو التبرئة، أما تحديد العقوبة فإنه عادة يتم في وقت لاحق على الإدانة تحت نظر قضاة متخصصين، وهذا هو سبب بقاء الإمبراطور الإعلامي المدان طليقا إلى أن يحل موعد تحديد العقوبة.

وقد جرت وقائع محاكمته في شيكاغو لأن فيها رئاسة شركة «صن تايمز» التي كانت تسمى «هولنغر انترناشونال»، والتي غيرت اسمها بعد فضيحة فساد رئيسها بلاك. وتملك الشركة جريدة «شيكاغو صن تايمز»، وهي واحدة من اهم الصحف الاميركية. وإذا كانت التهمة التي أدين فيها بلاك هي الاحتيال، فهناك تهمة أخرى لم يحاكم عليها الرجل ولكنها السبب الرئيسي لسقوطه المدوي ويعرفها عنه كل من تعامل معه طوال سنوات مجده وهي تهمة «الغرور».

ويرى معظم من تناولوا قصة صعود وسقوط بلاك بأن شخصيته يغلب عليها الغرور والتعالي والذكاء الزائد عن الحد، ولهذا فإنه لم يكن يتصور مطلقا أن ينكشف أمره، ويحاسب على بعض أفعاله غير القانونية، وحتى محاميه الكندي إدوارد غرين سبان أعرب في مقابلة أجرتها معه صحيفة صنداي تايمز البريطانية قبل محاكمة موكله عن مخاوفه من أن يظهر بلاك خلال المحاكمة «غرورا كبيرا». ورأت الصحيفة أن الذكاء الكبير الذي تمتع به بلاك يقف وراء نجاحه وتحقيقه أرفع ما يمكن أن يحلم به رجل أعمال، أما السقوط فقد كان سببه امتزاج الذكاء بالغرور والتعالي. ولمعرفة قصة سقوط امبراطور الإعلام، لا بد أولا من معرفة قصة صعوده.

ولد كونراد بلاك لعائلة كندية غنية في مونتريال عام 1944، وظهر في تنشئته أثناء طفولته بعض العلامات التي أنبأت عن تفاصيل من شخصيته في وقت لاحق. ففي مراحل دراسته الأولى جرى فصله من مدرستين في مرحلتين متعاقبتين الأولى لم يعرف سببها والثانية بسبب بيعه أوراق امتحان لأحد زملائه. ورغم المتاعب الدراسية التي كانت تواجه بلاك فقد تمكن في النهاية من الحصول على بكالوريوس في التاريخ من جامعة كارليتون في أوتاوا. ولم يعرف عن بلاك أثناء دراسته في الجامعة أنه كان رياضيا، أو مشاركا في أنشطة الجامعة، ولكنه كان منهمكا في قراءة وكتابة السير الذاتية للمشاهير، وربما أنه لم يكن يتصور حينها أن سيرته الذاتية هو نفسه ستكون موضع اهتمام عالمي يوما ما بمختلف اللغات.

ومن خلال انهماك بلاك في قراءة التاريخ وقصص المشاهير، فإنه يعرف جيدا أن هناك منعطفات مهمة في قصة أي شخص يمكن أن تحدد مسيرة حياته، وجاء المنعطف الأول في حياة بلاك نفسه في عام 1969 حينما قابل ديفيد رادلر الرجل الذي أصبح شريكا تجاريا له فيما بعد لأكثر من 40 عاما. في ذلك العام اتفق الرجلان على شراء صحيفة «شيبروك ريكور» في مقاطعة كيوبك الكندية، وكانت واحدة من عدد قليل من الصحف المحلية الناطقة باللغة الإنجليزية في المقاطعة.

كانت هذه بداية ناجحة لشراكة بين الرجلين، وكانت شراكتهما قائمة على احترام متبادل ولكن لم يربط الشريكين أي نوع من الصداقة الحميمية التي عادة ما تربط شركاء العمل الواحد، واتضح أثناء محاكمة بلاك أنه خلال الـ40 عاما من الشراكة أمضى مع رادلر إجازة مشتركة واحدة فقط أوصلتهما إلى نيوأورلينز في بداية شراكتهما، ولم تتكرر الرحلة المشتركة أبدا فيما بعد إلى أي مكان آخر.

ويقول باول هيلي النائب السابق لرئيس شركة هولينغر إن الشريكين بلاك ورادلر كان مختلفين تماما في نظرتيهما للحياة، وكان بلاك ينفق كل دولار يحصل عليه في حين أن رادلر يميل للتوفير ومازال يحتفظ بأول دولار حصل عليه من التجارة. ورغم الاختلاف في شخصيتي الشريكين فقد كانت شراكتهما مستمرة وناجحة إلى حد كبير، وتم توزيع الأدوار بينهما بحيث يتابع بلاك القضايا التحريرية في الصحف التابعة لهما بينما يشرف رادلر على الأمور المالية والإدارية على ألا يتدخل أحدهما في مهام الآخر، وبهذا استطاع الرجلان أن يحققا أرباحا طائلة من صحف كانت أصلا خاسرة. وأثمرت تلك الشراكة في السنوات اللاحقة قصصا للنجاح المتلاحق استثمرها الرجلان بذكاء منقطع النظير بشرائهما لسلسلة كبيرة من الصحف المحلية في كندا والولايات المتحدة. واثناء هذا النجاح واجه بلاك صدمة نفسية قاسية بوفاة والديه عام 1976 في اسبوعين متعاقبين. ورغم صدمة بلاك بوفاة والديه إلا أنه استفاد من ثروة كانا يملكانها وعلى وجه التحديد أسهمهما الكبيرة في شركة أرغيوس الكندية القابضة.

وبعد حوالي عشر سنوات من المنعطف الأول في حياة بلاك جاء المنعطف الثاني في عام 1978 حينما توفي رجل الأعمال الكندي بود ماكدوغالد، وكان من أشهر رجال الأعمال في كندا في ذلك الحين تاركا نصيبا كبيرا من الأسهم في شركة أرغيوس، فما كان من بلاك إلا أن أقنع ورثة ماكدوغالد بعد شهرين فقط من وفاته، بالتوقيع على وثائق منحت بلاك صلاحية التحكم في الشركة. واستغرب كثيرون من منافسي الرجل كيف تمكن من إقناع زوجة ماكدوغالد وشقيقتها بالتوقيع على إعطائه تلك الصلاحية، غير أن المرأتين أبديتا ندمهما على هذا القرار في وقت لاحق.

وبدوره استطاع بلاك أن يحول مبلغ ثلاثة ملايين ونصف المليون جنيه استرليني التي ورثها من والديه إلى أكثر من ملياري جنيه استرليني في ظرف زمني قصير، وكان من المفترض أن تصبح شركة أرغوس التي يتحكم فيها بلاك شبيهة بشركة جنرال إلكتريك، ولكن بلاك قرر في عام 1985 بيع أصول الشركة وتأسيس شركة أخرى أعادته إلى جذوره في الصحافة وهي شركة هولينغر المتخصصة في إصدار الصحف.

وقرر بلاك بعد تأسيس شركته الإعلامية أن يمد نشاطه إلى أوروبا حيث اشترى أسهما في «ذي ديلي تلغراف» في صفقة وصفها إمبراطور الإعلام الراحل روبرت ماكسويل بأنها «أكبر صيد في التاريخ تلتقطه أصغر سنارة» في إشارة من ماكسويل إلى أن بلاك مجرد رجل أعمال صغير. وبعد أعوام قليلة اشترى بلاك ما تبقى من أسهم في ديلي تلغراف وأصبحت شركة هولينغر التي يملكها شركة دولية تطرح أسهمها في بورصة نيويورك، وهو الأمر الذي لم يكن في صالح بلاك لأن هذا التطور جعل أعمال شركته تخضع للقوانين والأنظمة الأميركية الصارمة.

حتى تلك اللحظة من النجاحات المتلاحقة لم يكن الرجل قد واجه أزمات تذكر إذ أن أزمته الأولى كانت عائلية عندما انفصل عام 1992 عن زوجته جوانا هيشون‏ الكندية وله منها ولدان هما جونوثون وجيمس. ولم يطق البقاء وحيدا بعد ذلك إذ سرعان ما تزوج من الكاتبة باربرا أميل التي عاش معها حياة باذخة في منازل كبيرة مليئة بكل وسائل الرفاه في نيويورك ولندن وتورنتو وفلوريدا. وتحمل الرجل تكاليف الإنفاق على هذه المنازل ودفع رواتب جيش من السائقين والطباخين وعمال الحدائق‏، والحرس وكأنه رئيس دولة وليس رجل أعمال فقط. وكلفت شقته في نيويورك ملايين الدولارات لأنه ملأها بأغلى المقتنيات بما في ذلك قطع أثرية استخدمها نابليون أثناء غزوه لروسيا عام 1812، إضافة إلى السجاد غالي الثمن‏ والأثاث الراقي‏ وكل ما يخطر على البال وما لا يخطر على البال.

ومن الأمثلة على بذخ الرجل وزوجته وهما في ذروة الغنى إنفاقهما على حفلة عيد ميلاد بسيطة في أحد مطاعم مانهاتن مبلغ ثلاثين ألف دولار، وتم دفع المبلغ من أموال الشركة وفقا لما أظهرته وقائع محاكمة بلاك في شيكاغو. ولم يكن بلاك سعيدا برحلاته الاستجمامية مع زوجته التي كان يستخدم خلالها طائرة خاصة يتحمل تكاليفها المساهمون في شركته، إذ أنه شكى يوما ما لأحد أصدقائه في رسالة عبر البريد الإلكتروني بأ‏نه يحسد العرسان الشبان الفقراء وزوجاتهم الجميلات عندما يراهم في رحلات شهر عسل لا تكلفهم إلا القليل مقارنة بما ينفق هو في رحلاته.

ويدافع بلاك عن لجوئه إلى الإنفاق من أموال المساهمين في شركته قائلا إن المستثمرين كانوا يعرفون نمط حياته عندما دفعوا بأموالهم إليه، وهو بذلك لم يخدعهم، ولم يكن عليه أن يغير طريقته في عيشه بشكل جذري، بل كان على المساهمين أن يقبلوا بتغيير تدريجي. ومن سوء حظ الرجل أن دخول الصحافة إلى عصر الإنترنت جعل نسبة كبيرة من قراء الصحف التي يمتلكها يعزفون عن شراء صحفه الورقية مكتفين بالإطلاع عليها عبر الإنترنت، وهو الأمر الذي جعل الرجل يعاني من صعوبات مالية لم يكن يتوقعها، لكنه لم يعمل على تغيير نمط حياته بشكل كاف وفقا لما يفرضه السوق عليه، بل استمر في الإنفاق ببذخ وكأنه لا يمكن أن يعرف الفقر مطلقا.

وقبل أن يعرف عامة الناس أن الإنفاق غير المحسوب الذي كان يتصف به بلاك قد أوقعه في مشكلات مالية، دخل بلاك في مواجهة قانونية داخل بلده محاولا الدفاع عن حقه في الحصول على لقب لورد في بريطانيا، وبسبب ما يتصف به من عناد أضطر للتخلي عن جنسيته الكندية في أكتوبر 2001 في سبيل التحليق عاليا ليصبح عضوا في مجلس اللوردات البريطاني ليكون ذلك آخر مراحل صعوده وبداية مرحلة الهبوط.

فلكي يحل الرجل جزءا من مشكلاته المالية أضطر لبيع العديد من الصحف التي تمتلكها شركته‏، ولكن بدلا أن تحول أموال البيع إلى المساهمين، أدخلها في حساباته هو ليستمر في الإنفاق منها، متجاهلا قدرة المساهمين على المطالبة بحقوقهم. ووقع بلاك في عام 2000 وما بعده صفقات كبيرة مهمة، ولكن هذه الصفقات آذنت ببدء مرحلة السقوط ولم تجعله يستمر في الصعود، إذ أن هذه الصفقات تضمنت بيع الصحف المحلية التي يمتلكها وليس شراء صحف جديدة، وكان عليه أن يقبل شروط المشترين بألا ينافسهم مستقبلا في السوق ذاتها‏، وهو شرط معروف في عالم بيع وشراء الصحف.

الشرط الذي لم يكن عاديا في صفقات بيع تلك الصحف هو حصول بلاك شخصيا على مقابل مالي مستمر لجيبه الشخصي وليس لشركته من المشترين كي يضمن هؤلاء المشترون ألا يؤسس بلاك صحفا جديدة تنافسهم، وهذا الشرط هو الذي أوقع على ما يبدو بالرجل في وقت لاحق وجعله يواجه متاعب قانونية أوصلته إلى أبواب السجن.

وقد قضى المحلفون الموكل إليهم النظر في قضية بلاك ومساعديه الآخرين أياما طويلة لتحديد مدى شرعية الأموال التي تقاضاها من المشترين من دون علم المساهمين في الشركة بغض النظر عن إقرار مجلس الإدارة لتفاصيل الصفقات.

ورغم أن بلاك أمضى وقتا طويلا يستمع إلى المرافعات في المحكمة الفيدرالية بشيكاغو إلا أنه لم يكن يخطر على باله أن المحلفين سوف يصدرون حكما بإدانته في أية من التهم الموجهة إليه، إذ أنه كان يعتقد أنه أجاد اللعبة بذكاء فائق‏، وأن من حقه الاستيلاء على أموال المساهمين مادام الأمر قد تم بصورة شبه قانونية وبموافقة أعضاء مجلس إدارة شركته.

ومن الوقائع التي لفتت الانتباه أثناء المحاكمة عندما استدعى ممثل الإدعاء شاهدين كانا من بين مساعدي بلاك، وافقا على ان يشهدا ضده، وهما: غوردون باريس، وبيتر لينو. وشهد الأول أمام هيئة المحلفين، انه عرض على بلاك ان يصدر امرا بتخفيض راتبه، ورواتب كبار المسؤولين في الشركة، وذلك عندما تأكد بأن فساد بلاك سيكون سببا في افلاس الشركة. وقال انه عرض تخفيض راتبه السنوي من 4 ملايين دولار الى مليون دولار، على ان يخفض بلاك والآخرون مرتباتهم بنفس النسبة. وكان صاحب العرض قد شكل لجنة تحقيق في الفساد داخل الشركة، وكتب تقريرا أدان بلاك وآخرين. وشهد الثاني، انه اشترك في مفاوضات مع شركة «بريميديا» لشراء جرائد ومجلات تطبعها الشركة قيمتها 75 مليون دولار. لكن، حسب ترتيب مسبق، اقتصرت المفاوضات على الشركتين، بدون فتح الباب امام شركات منافسة، مما اعتبر فسادا في شركة هولنغر.

واستمر بلاك يكرر تصريحاته للصحافيين بأنه بريء وان «اعداءه» تآمروا ضده. وزادت الاثارة أن هذه التصريحات للصحافيين تأتي من رئيس سابق لشركة كانت تملك مئات الجرائد والمجلات في اكثر من عشر دول. وقد وصل الغرور بالرجل إلى درجة قوله في إحدى الرسائل الإلكترونية لشخص ما بأن كل أولئك الذين يحومون حول قبره ظنا منهم أنه قد انتهى سوف يفاجئون في النهاية أنه غير موجود في القبر وأنه مازال قادرا على الوقوف على قدميه ولم يمت. وأثبتت محاكمته بعد ذلك أن الرجل قد انكسر‏‏، وأن نجاحه في الماضي قد تم دفنه. وصحيح أن جسد بلاك مازال ينبض بالحياة ولكن امبراطوريته الإعلامية الكبيرة التي كان يملكها ماتت منذ سنوات وليس بإمكانه إعادة إحيائها من خلف القضبان.

المستثمرالصغير
29-07-2007, Sun 7:43 AM
هنا في بلدي !!

ممنوع السقوط !!