المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فتيات الإعلانات بالذات .. لماذا يتم ضبطهن في قضايا الآداب؟



عبدالله احمد
10-02-2007, Sat 7:51 AM
فتيات الإعلانات بالذات .. لماذا يتم ضبطهن في قضايا الآداب؟
ما هي علاقة المرأة بإعلانات السيارات وأمواس الحلاقة؟.

لماذا لا تستغل الإعلانات لتوعية الأم في رعاية أطفالها؟.
- لم نحصد من الإعلانات إلا إثارة غرائز الشباب وزيادة النهم الاستهلاكي.




منى محروس




في سوق الإعلانات تباع المرأة، وتعرض كسلعة رخيصة من أجل مساحيق الغسيل والروائح وحتى من أجل السيارات وكرات اللبان وأمواس الحلاقة، تطل عبر شاشات التليفزيون، تتراقص كدمية، وتعرض نفسها من أجل البيع والشراء، فأين هي كرامة وحقوق المرأة في سوق النخاسة العلماني واللاديني وفي عالم الإعلانات؟.
إننا نتساءل في البداية لماذا فتيات الإعلانات بالذات يتم ضبطهن في قضايا الآداب؟ إنه السوق اللاأخلاقي والتسيب الأسري الذي يعرض كل شيء للبيع.

جارتي أصرت على أن تغير حجرة نومها تمشياً مع إحدى الحجرات المعروضة في الإعلان وكلفت زوجها ما لا يطيق، وأخرى لا ترضى بأي خاطب يتقدم إليها إلا بعد أن يأتيها بالبيت العصري والأجهزة الترفيهية والسيارة، أما معظم الأطفال فقد صاروا يحفظون معظم الإعلانات ويرددونها بالصوت والصورة، وكثير من الرجال مشدودون لتلك الفتيات الشقراوات.
أما صديقتي (عبلة حسين) فهي لا تدري ماذا تفعل مع أطفالها الذين يمتنعون عن أكل الوجبات الأساسية ويفضلون حلوى وشيكولاته الإعلانات، ويجلسون مشدودين لكل ما يعرض في الإعلانات .



الأبحاث العلمية كشفت المشكلة



كثير من الباحثين والأكاديميين العرب هزتهم صورة المرأة في الإعلان فكانت هناك العديد من الأبحاث والدراسات ورسائل الماجستير حول استغلال المرأة في الإعلان، ومنها دراسة الباحث أحمد حامد بكلية التربية جامعة عين شمس حيث ذكر أن 90% من الإعلانات تستخدم فيها المرأة وتستغل كأنثى من أجل الترويح لسلع استهلاكية، وسلع لا تكون لها أية علاقة بالمرأة وتقوم فيها بحركات وأفعال تحط من قيمتها كإنسان، إلى جانب أنها تؤثر سلبيًا على المشاهد سواء أكان رجلاً أو امرأة أو طفل، وذلك من ناحية التقليد وزيادة الاستهلاك إلى جانب إثارة الغرائز.

أما نتائج رسالة الماجستير للباحث عصام فرج بكلية الإعلام جامعة القاهرة حول صورة المرأة في إعلانات التليفزيون المصري فتؤكد أن استخدام صورة المرأة وصوتها في الإعلانات كان بنسبة 84.3% من إجمالي عينات البحث الذي قام به، وجاءت الإعلانات الأجنبية الأكثر استخداماً لصورة المرأة وصوتها بنسبة 92% ، وجاءت نسبة استخدام الشخصيات النسائية الأجنبية 52% من إجمالي الشخصيات النسائية في الإعلانات التي استخدمت صورة المرأة.
وقد لاحظ الباحث أن استخدام المرأة في الإعلان عن مستحضرات وأدوات التجميل لم يكن بالضرورة لكونها سلعاً خاصة بالنساء، بل تم استخدامها كأداة للجذب ولفت الانتباه كما هو حادث بوضوح في استخدام المرأة للإعلان عن السيارات، حيث اقتصر على ظهور المرأة كأنثى جذابة تظهر مع الرجل أو تحت أقدامه، وهو نفس الدور الذي أداه ظهور المرأة في الإعلانات الخدمية عن التعليم والتأمين والنقل.
أما الخدمات السياحية فقد استخدمت صورة المرأة بنسبة عالية بلغت 42.1% من إجمالي إعلانات الخدمات كلها، حيث اعتمد الإعلان على تصويرها كأنتي جميلة جذابة.

وأكد الباحث عصام فرج في بحثه أن شخصية الأنثى في الإعلانات تكون في الغالب في سن المراهقة من 15- 20 سنة، وغير محدد وضعها الاجتماعي العائلي أو مستواها التعليمي بنسبة 91.1% من إجمالي الإعلانات التي استخدمت صورة المرأة، حيث أن العامل الأساسي هو شكلها ومقدار جمالها وقدرتها على الإثارة والجاذبية ولفت الأنظار نحوها.

وخلاصة النتائج التي توصل إليها الباحث في تحليل الإعلانات التي استخدمت صورة المرأة هي اعتماد 51.1% من هذه الإعلانات على حركة أجزاء جسد المرأة دون النشاط المعلن عنه، بما يشكل عناصر لا علاقة لها بهدف الإعلان سوى جذب ولفت انتباه المشاهد بكافة الوسائل، بما فيها مخاطبة الغرائز لديه وإثارة السخرية من المرأة، إلى جانب استخدام ألفاظ ذات إيحاءات خارجة عن الآداب إما في نصوص التعليق المصاحب للإعلان أو في الغناء بشكل غير لائق.



تأثر سلبي بالفكر الغربي



الكاتبة الصحفية إيمان زغلول تقول: من خلال مشاهداتي للإعلانات المقدمة عبر معظم تليفزيونات البلدان العربية ألاحظ الآتي:
أولاً استغلال المرأة بدون مبرر أو هدف يخدم الإعلان، ولكن لمجرد الإثارة والرقص وأداء الحركات الغير لائقة والتي تخدشن الحياء.
ثانياً: انتقاء نوعيات خاصة من النساء لغرض غرس مقياس تغريبي لجمال المرأة.
ثالثاً: إكساب المشاهد عادات سيئة في التغذية كالتركيز على السلع الاستهلاكية والأطعمة المصنعة والمعلبات ذات القيمة الغذائية المنخفضة. فمن خلال الإعلان دخلت عادات غذائية وأطعمة يقال عنها في بلادها "أطعمة الزبالة " مثل "الهامبورجر والسجق" في حياة الأسرة المسلمة، هذا إلى جانب تداول ألفاظ غير لائقة.
رابعاً: البناء الفني للإعلان، ولأنه يركز فقط على أنوثة المرأة والتأثر بالتفكير الغربي بدون دراسات علمية، يأتي مناقضاً في كثير من الأحيان للهدف منه ويأتي برد فعل عكسي لدى المشاهد.



يمكن الاستغناء عن المرأة في الإعلانات



أما الدكتور مصطفى كمال أستاذ ورئيس قسم الإعلان بكلية الفنون التطبيقية جامعة حلوان فيقول: الإعلان له وظيفية تربوية بجانب الوظيفية الترويجية، وعلى القائمين على تخطيط وتنفيذ الإعلان أن يراعوا هذه الوظائف، وأن يكونوا حريصين على الأجيال الناشئة وعلى التوازن الاجتماعي، ولكن للأسف الإعلانات بشكلها الحالي بعيدة عن القيم الدينية والأعراف الاجتماعية لبلادنا الإسلامية.
ويضيف الدكتور مصطفى بأن هناك وسائل عديدة للإعلان بعيدة عن المرأة ومن الممكن أن تكون مثيرة وجذابة وهي استخدام الرسوم المتحركة أو المناظر الطبيعية وهذه قد تحقق الغرض وتصل إلى الهدف المطلوب أكثر من استخدام المرأة كسلعة في سوق الإعلانات.



تناقض الفكر الغربي



بينما يؤكد د. أبو زيد جاد أستاذ الفلسفة على تناقض الفكر الغربي في موضوع المرأة عموماً، وموضوع الاتجار بها كسلعة في موضوع الإعلانات خاصة فيقول: إذا كان النظام الرأسمالي قد دشن ما يسمى باقتصاد السوق، فإن القيم المنظمة لهذا المجال هي التسويق والربح، ولذلك ما فتئت هذه المنظومة تَصْنَعُ سلوكيات اجتماعية واتجاهات نفسية استهلاكية تقدم تصورات عن الحياة والسعادة والنجاح وكلها تسعى لخدمة الرأسمال، ويشكل الإعلام بكل فروعه المكتوبة والمرئية والإلكترونية السلاح الفاعل في هذه المعركة·

هكذا تجد البشرية نفسها وجهاً لوجه أمام ثقافة جامحة مرجعيتها هي مصلحة السوق بدل الدين أو العقيدة أو الضمير أو الأخلاق أو حتى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وإذا كانت تلك المرجعيات معترف بها من الناحية النظرية، لكن تتم التضحية بها بشراسة في لحظة لو سارت في اتجاه معاكس مع الربح، كأن تحدث خللاً في أسهم البورصة أو تخفض معامل المبيعات. من هنا يمكن أن نفهم التناقضات العميقة والصادمة في القيم الغربية، فإلى جانب أروع صور التكريم للإنسان تقف أحد أنواع إهانته واستعباده وفي السياق نفسه، نلاحظ أنه مع أرقى صور احترام المرأة وإعطائها كل فرص المشاركة تقف صور أخرى تجسد أحط أنواع استرقاقها، وداخل هذا الإطار الفلسفي النفعي يمكن أن نحلل صورة المرأة في الإعلام.
وإذا كان الإعلام خاصة المرئي منه قد فتح ذراعيه للمرأة واستقطبها بقوة فإن السؤال الملح الذي يطرح نفسه هو: هل كان ذلك بدافع التمكين للنساء؟ ثم تتداعى تبعاً لذلك أسئلة أخرى، في أي اتجاه وظفها؟ كيف يقدمها للمشاهد أو القارئ ثم كيف يبني المجتمع تدريجياً تصوره الجديد عن المرأة؟.

ويضيف د. أبو زيد جاد: إن استقراءً يومياً بسيطاً لصورة المرأة في الإعلام يؤكد نمطية هذه الصورة التي قذفت بها العولمة خارج أسوارها الأصلية في الغرب، فتكاد جميع قنوات الإعلام الدولي تتفق ضمناً على مشروعيتها، وقد تم اختراق المشهد الإعلامي العربي والإسلامي مع انتشار الفضائيات ليفرض هذا الأنموذج نفسه بعنف على المشاهد. وهكذا لم يعد هناك حد فاصل مميز بين صورة المرأة في الإعلام الغربي المستوحاة من المجلات الإباحية وبين نظيرتها في الإعلام العربي.

إن الباحث مهما حاول أن يكون موضوعياً ويلغي قناعاته المسبقة ويشتغل بأدوات محايدة، فإنه للأسف يصل إلى خلاصة مفادها أن الإعلام العولمي يلعب دوراً طلائعياً في طمس الأدوار الحضارية للمرأة طمساً ممنهجاً يقوم على القهر وقلب سنن الطبيعة وفرض رؤية وحيدة تجعل المجتمع الإنساني لا يرى في المرأة إلا مشروعاً جنسياً مشاعاً عبر الصورة ثم يتجسد ذلك عبر شبكات العلاقات الاجتماعية اليومية، وهذه فعلاً هي العقيدة الذكورية في أحط مستوياتها، وهي عقيدة غربية الجذور والمنشأ والتطور، وتشكل ارتداداً بالإنسانية إلى الخلف ضد أعلى حقوق الإنسان والأعراف والأديان السماوية.



يجب أن تتغير وظيفة الإعلان



أما الدكتورة هبة زكي أستاذة الإعلام فتقول: لا أدري ما هي علاقة المرأة بالإعلان عن حجر البطاريات وماكينات الحلاقة وآلات الري والسيارات؟ لقد أصبحت المرأة تتراقص في كل إعلان وتتغنى بأسلوب فج وبألفاظ غير مهذبة، وهي في هذا الوضع لا تخدم الإعلان في حد ذاته بقدر ما تمثل وتستعرض أنوثتها، ويجب أن يكون للإعلان أهداف أكثر رقياً وسموا من هذه التجارة الرخيصة. فلماذا لا يستغل الإعلان في حملات لتوعية الأم في كيفية رعاية الطفل صحياً واجتماعياً وتربوياً ووقايته من الأمراض؟ ولماذا لا يقوم الإعلان بتوعية الأسرة وتعليم أفرادها عادات غذائية سليمة إرشادها للاستهلاك السليم والمتوازن أو تشجيعها على أن تكون منتجة في بيتها؟.
لكن العكس يحدث في الإعلانات الحالية التي تخلق تطلعات جديدة ونهماً استهلاكياً لكافة فئات المجتمع. وليت الحال يتوقف عند زيادة التطلعات فقط ولكن إثارة شهوات الشباب في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والنفسية أمر لا يرضاه الله، فأنا أعرف شاباً انتحر وعمره 28 عاماً لأنه لا يستطيع أن يتزوج.



الإسلاميون والدعاية



ويقول صلاح المحمدي مدير إحدى شركات الدعاية الإسلامية: إذا كان الإعلان ضرورة تجارية للمعلن واقتصادية لوسائل الإعلام، فلماذا لا تراعي المحاذير الشرعية والأخلاقية حفاظاً على هذا المجتمع؟. إن معظم الشركات الإعلانية العاملة في السوق والتي تخطط وتنفذ الإعلان وتقدمه عبر شاشات التليفزيون تصر على استخدام عنصر المرأة بهذه الصورة الرخيصة، وهناك العديد من الشركات والمنتجين الإسلاميين يريدون الإعلان عن منتجاتهم بدون استخدام العنصر النسائي، ولكن هذا المطلب يلاقي رفضاً لدى الشركات الوسيطة.



نماذج نسائية مشوهة



ويركز د. السيد أبو وافية أستاذ علم الاجتماع على النماذج نسائية التي يتم الإلحاح على تسويقها وإبرازها في بلادنا كمثل أعلى للمراهقين والمراهقات وهن الممثلات وملكات الجمال، وكلهن حاملات لرسالة الجسد بامتياز واحتراف، وبفعل التلميع الإعلامي لهن تتم قولبة أذواق الأجيال وتسطيح طموحاتها في الوقت الذي تغفل فيه دولنا عن مشكلات شعوبها من أمية وفقر واستبداد واستعمار ونهب لثرواتها، بالمقابل يتم تهميش المبدعات والرائدات في مجالات إنسانية، اللواتي هن أكثر إشراقاً، وموجودات لكن التعتيم الإعلامي المضروب حولهن عرض إنتاجهن للكساد، بل حتى الصحافة النسائية المتخصصة لا تقدمهن بالإلحاح نفسه والإبهار اللذين تقدم بهما ملكات الجمال أو الفنانات·
والصورة التي نحتها الإعلام المذكور في العقل الباطن للمجتمعات العربية والإسلامية تفجرت على شكل إصابات جسمية في الفكر والسلوك معاً.



الحكم الشرعي



الدكتور إبراهيم الشيخ أستاذ الدعوة بجامعة الأزهر يقول: استغلال المرأة في عرض السلع والدعاية لبعض المنتجات وبالصورة التي نشاهدها في وسائل الإعلام أمر حقير ومرفوض دينياً ويجب أن يتوقف، فالفتاة في الإعلان تظهر ترقص وتتلوى وتتكسر بصورة لا تليق بمجتمع مسلم، ولقد كرم الإسلام المرأة وطالب بحمايتها ورعايتها، وفي مثل هذه الإعلانات امتهان واحتقار واعتداء على عفة وطهارة المرأة وكذلك الرجل والطفل وهذا ما حرمه الله.

ونشر وإذاعة الإعلانات التي تستغل المرأة وتعريها من أجل الإغراء والدعاية للأفلام والبضائع والسلع والخدمات هو من سبل إشاعة الفاحشة بين المؤمنين والمؤمنات، وقد قال الله عز وجل: [إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة]؛ وذلك لما في هذا الأمر من الخطر العظيم؛ حيث إن فيه تحريضا على الفحشاء والمنكر، وخدشا لحياء الناس، وتأليفا لهم على رؤية المنكر دون أن تتمعر وجوههم. كما أن فيه تعويدا للناس على إطلاق البصر؛ مخالفين أمر الله عز وجل حين قال: [قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن].