المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سنة جديدة .. فلنتعاهد بعضنا بالحب



Dr.M
19-01-2007, Fri 11:53 AM
سنة جديدة .. فلنتعاهد بعضنا بالحب

د. هاشم بن عبد الله الصالح - جامعة الملك فيصل ـ الدمام 01/01/1428هـ

hsaleh_sa@yahoo.com

كلما ازدحمت الحياة بحلوها ومرها وأبيضها وأسودها وفرحها وحزنها وشدتها وفرجها وقلقها ورجائها ومشاكل حاضرها وتطلعات مستقبلها، احتاج الإنسان إلى وقفة يراجع فيها نفسه ويلتفت إلى من حوله ويتفقد ما عنده من السلب والإيجاب ويختبر ما بقي عنده من قوة وأمل ليتطلع بها إلى خلخلة مشاكله وإزاحة أحزانه وتجاوز أزماته والانعتاق من اللحظة الراهنة بكل ما فيها من تعقيدات لاحتضان لحظة جديدة، على أمل أن تكون أفضل من سابقتها وأحسن حالا منها. لقد اعتاد الناس أن يحتفوا بالسنة الجديدة وأن يعطوا لبدايتها اهتماما خاصا، لأنها تمنحهم فرصة لملمة مشاعرهم الحزينة وتجديدها بمشاعر وتطلعات وآمال وأهداف لم يكن بمقدورهم أن يحققوها في الماضي ويأملوا في السنة الجديدة أن يتحقق لهم ما يريدون. الكل يتطلع إلى ما هو الأفضل، ولكننا ننسى حقيقة مهمة وسنة إلهية قائمة وهي أن تغيير الحياة في الخارج مرتبط بتغيير الداخل من أنفسنا وأن تطهير أنفسنا هو الذي سيعطينا القوة لتغيير واقعنا. فالخارج لا يتغير، بل قد يزداد سوءا وخرابا إن لم نغير أنفسنا. أما كيف نغير من أنفسنا ونطهرها من الداخل. علينا أن نعرف أن تغيير أنفسنا لا يتم إلا بأن نعمر قلوبنا بالحب فبه نستطيع التغيير ومن دونه لا نستطيع, فلنتعاهد مع بعضنا بالحب وسنندهش كم في الحب من قوة نحن بحاجة إليها لانتشال أنفسنا وإصلاح أمرنا. علينا أن نعيد النظر في تربيتنا لأبنائنا في بيوتنا ومدارسنا, علينا أن نخرج منها لغة العصي وثقافة الاستهانة والاستحقار والتأديب بكثرة النقد وزحمة الممنوعات وأن نجعل منها تربية مملوءة بالحب والعطف والحنان والتشجيع والاحتضان والمسامحة والحوار, دعونا لا نضربهم فيختزنوا هذا الضرب لينتجوا منه عنفا في المستقبل, دعونا نعلمهم التسامح والحوار حتى لا نتصادم معهم عندما تختلف قناعاتنا وتتعدد أفكارنا وتتنوع آراؤنا, دعونا لا نثقل عليهم بكثرة الانتقادات ليخرجوا لنا أشخاصا تعوزهم الثقة بأنفسهم ويفتقدون الجرأة في حياتهم, دعونا نحتضنهم ونحترمهم حتى يشعروا بقيمة أنفسهم ولا يخرجوا لنا أشخاص يأخذوا بأنفسهم إلى الموت والهلاك, يعلمون أن السرعة والتهور في السياقة قد تعني الموت لهم والفجيعة لأهلهم والخسارة لوطنهم، ولكن تراهم لا يأبهون ولا يهتمون. نريد منهم أن يقدموا الشكر لنا وهم لم يسمعوا كلمة الشكر من عندنا على ما يفعلون وما يعملون, علينا أن نلتفت بأننا إن شكرناهم سيشكروننا وإن أحببناهم سيحبوننا وإن احترمناهم سيحترموننا. ولنعلم أنفسنا حب الوطن, فالتاجر الذي يحب وطنه لن نجد صعوبة في إقناعه بسعودة موظفيه واستثمار أمواله فيما يعود بالنفع على هذا الوطن, والموظف الذي يحب وطنه سيجد أن حبه هذا قادر على أن يجعل منه موظفا مخلصا ومبدعا ومنتجا في عمله, فالساعة عنده هي زمن طويل وكاف لإنجاز الكثير من الأعمال خدمة للوطن والمواطنين, والمدرس الذي يحب وطنه سيحب مهنته وعندما يحب مهنته سينظر إلى كل تلميذ في فصله على أنه أمانة في عنقه.
إننا جميعا عندما نتعلم حب الوطن، فإننا سنبذل كل الجهود لنحافظ عليه وسنجتهد في الحرص على مستقبله وسنضحي من أجله. ودعونا نتعلم حب الآخر لأننا عندما لا نحبهم سنعاديهم وعندما نعاديهم سينشغل بعضنا بأذية البعض الأخر, ليس بالضرورة أن أتفق مع ذلك الآخر لكي أحبه وليس من ضروريات المحبة ألا نختلف ولا نتنوع في أفكارنا وآرائنا وتصوراتنا لأن الاحترام من مكونات الحب ومن مقوماته القبول بذلك الآخر وليس التماهي معه. إذا كنا نريد أن تسود ثقافة التسامح بيننا فمن دون الحب سنجعل من خلاف الرأي اختلافا ونزاعا, وإذا كنا نريد أن يعاون بعضنا البعض الآخر فمن دون الحب سنجد أنفسنا ونحن نضع أيدينا في أيادي عدونا ضد بعضنا, وإذا كنا نريد أن نستثمر مواردنا لنا ولصالح أجيالنا المقبلة فلا نضيعها بعداوة بعضنا. وعلينا أن نتعلم حب العلم والمعرفة، لأننا من دون العلم والعلوم ستلفظنا الحياة وسنجد أنفسنا بلا حاضر نتمسك به ولا مستقبل نتطلع إليه.
إننا بحب العلم والمعرفة سنطهر أنفسنا من التعلق بالأوهام والخرافات فلا نحتاج إلى مشعوذ يرمم حياتنا ويعالج أمراضنا ويدقق في مشاكلنا, وعندما نحب العلم سندير أمورنا بطريقة علمية وسنعرف ألا تقدم من دون أهداف واضحة ومكتوبة، ولا حركة من دون تخطيط شامل ومحكم ومفصل، ولا قرارات جيدة من دون دراسة ومشاركة وتحليل للواقع، ولا نجاح من دون حكمة نرشد بها مصروفاتنا ونحافظ بها على مواردنا. وعندما نحب المعرفة سنثمن أوقاتنا وسنكتشف أن الزمن هو وعاء يتسع كلما ازدادت قدراتنا وتنامت إمكاناتنا, فبالعلم يمكن أن ننتج في الثانية أضعاف ما كنا ننتجه في الساعة وربما في اليوم أو الشهر أو السنة. وبحب المعرفة تعود ممارسة الهوايات المفيدة والمنتجة لشبابنا ونسائنا ورجالنا، فبدل التسكع في الشوارع والجلوس في المقاهي بين دخان السجائر ومداخن المعسل والشيشة سنجدهم وهم مدفوعون بحب المعرفة يوجدون في المكتبات والنوادي العلمية وصالونات الثقافة. إننا لا نستطيع أن ننتج من مجتمعنا مجتمع معرفة, كما يسعى إليه الآخرون الآن, استعدادا للحضارة الجديدة ونحن أمة لا تحب العلم، ولا تحب القراءة، ولا تجيد الكتابة، ولا تمارس الهواية النافعة.
أخيرا بودنا أن نقول إننا وبالرغم من مشاكلنا وكثرة أزماتنا وشدة معاناتنا وضخامة تحدياتنا، إلا أن أكثر ما يخيفنا هو عدم إدراكنا أهمية تغيير أنفسنا, فالنفس عندما تكون مظلمة بالكراهية ومتشنجة بالحقد ومسودة بفعل ما يعتريها من بغض ونفور واستعلاء، فإنها ستنتج لنا حياة بلا شمس تنيرها ودنيا بلا أشجار تظللها, وستنتج لنا هذه النفوس المظلمة ثقافة تميل إلى العنف, فعندما نتحاور سنختار من الكلمات أوسخها، ومن العبارات أقذرها، ولا غرابة أن يكثر السب واللعن بيننا, وعندما يختلف علماؤنا نجدهم مدفوعين بثقافة الكراهية إلى تكفير بعضهم وربما تجويز قتلهم, وعندما نريد أن ننتقد الآخرين فإننا وإن لم نشعر بكراهيتنا لهم، ولكن في ظل ثقافة الكراهية لا نعرف أن ننتقدهم بمحبة فترانا نخلط انتقادنا لأفعالهم بانتقادنا لذو اتهم وتكسير خواطرهم والمس بمشاعرهم ومقدساتهم. كم هو جميل أن نطهر بالحب قلوبنا فنبتسم في وجوه من يخالفنا ونصافح من لا يأخذ برأينا ويفكر بطريقتنا, وكم هو جميل أن نري أطفالنا وأبناءنا منا الحب, فالأيادي تتعلم كيف تحتضن وتلمس وتعانق بدل أن تضرب وتلاكم وتصفع, وتتعلم ألسنتنا كيف تشكر وكيف تثني على المحسن وكيف تشيع في خطابها معاني الحب والمودة في البيت والمدرسة والمسجد والشارع, فعندما نتعلم هذه اللغة, لغة القلوب ولغة العواطف والمشاعر فإن البركة ستتنزل علينا، والسعادة ستنتشر بيننا، وعندها يحق لنا أن نعد أنفسنا وأبناءنا بأن المستقبل لنا وأن الخير قادم إلينا، وكل عام وأنتم بخير.

Dr.M
19-01-2007, Fri 2:51 PM
كل عام والجميع بخير

المعتضد
19-01-2007, Fri 4:00 PM
كل عام وأنت بخير
وحولك يغني الطير
وتنعم بفرح و خير
وتهنا بكل الحب