المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اخطر لقاء تلفزيوني



عبدالله احمد
06-01-2007, Sat 1:27 PM
أسامة أبو ارشيد
القدس العربي 06/01/2007
لنكن مباشرين وصريحين منذ البداية. فاختيار يوم عيد الأضحي عند المسلمين السنة لإعدام الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، كان رسالة مشبعة بالدم، موجهة من قبل الشيعة ـ الصفويون الجدد ـ إلي السنة، لا في العراق فحسب، بل وفي المنطقة ككل. مفاد هذه الرسالة: بأن عهد السيطرة السنية علي العراق قد انتهي وولي إلي غير رجعة مع إعدام صدام. وبأن مصير السيطرة السنية علي العالم الإسلامي أيضا، في طريقها إلي النحر كما نحر الرئيس صدام علي إيقاعات طائفية بغيضة وحقيرة، جسدها جلادوه ممن يدعون كذبا وزورا وبهتانا وصلا بآل البيت الكرام، وآل البيت منهم براء. فشريط الفيديو المسرب قصدا وعمدا لعملية إعدام الرئيس صدام حسين، لا يشرف ولا يرضي محمدا صلي الله عليه وسلم، ولا عليا ولا فاطمة الزهراء رضي الله عنهما. كما أنه، لن يفرح الحسن، ولا أخيه الحسين، رضوان الله عليهما. فمن قتل مظلوما، كالحسين، رضي الله عنه، لا يقبل بالظلم. كيف وجده الأعظم، محمد صلي الله عليه وسلم، والذي بالمناسبة تتضاءل أهميته في الفقه الشيعي، أمام الحفيد الحسين (فمثلا لا تجد عند الشيعة اسم عبد محمد، ولكن يكثر عبد الحسين، مع رفض المسميين في الفقه السني)، يوصي المسلمين إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة . هذا فيما يتعلق بالحيوان والهدي، فكيف بالبشر والإنسان!؟ ولكن جزاري الرئيس صدام، ارتضوا لأنفسهم، مستوي أقل من مستوي الإنسان، وهم بلا شك، لا يستحقون شرف حمل لقب أتباع النبي محمد صلي الله عليه وسلم وآل بيته الكرام.
وقبل أن استطرد، لابد من استدراك. فأولا، ليس الهدف من هذا المقال أبدا أن يقدم صدام حسين، وكأنه ممثل الإسلام السني، أو أنه يجسده. ولكن الحديث هنا عن هذه الرمزية التي كانت في أذهان قاتليه، والذين نفذوا جريمتهم وهم يحسبون ذلك علي أنه ضربة لآخر رموز السيطرة السنية في العراق. وثانيا، فإن هذا المقال لا يهدف أيضا إلي الدفاع عن شخص الرئيس صدام حسين، بل إلي توضيح الرمزية التي مثلها إعدامه من قبل طغاة لا يقلون عنه طغيانا وإجراما، هذا إذا كان هو كما يقولون عنه طاغية ومجرم. فإذا كان صدام قد قتل فقد قتلوا، وإذا كان صدام ـ كما يقولون ـ قد تحالف مع أمريكا لضرب إيران، فهم أيضا تحالفوا مع أمريكا لسحق العراق. وإذا كان صدام دكتاتورا من مدرسة توماس هوبز، فهم بالتأكيد ليسوا ديمقراطيين من مدرسة جون لوك. ورغم كل شيء، فإن لصدام أمورا تسجل وتحسب له، ويمكن لمحبيه أن يدَّعوها لشخصه، أما هم فليس لهم من مأثرة إلا تشظية العراق وتدميره وإشعال نار فتنة طائفية ومذهبية في جسد الإسلام. عندما أعلنت المحكمة العراقية الصورية حكم الإعدام بحق صدام حسين، اتصل بي أحد التلفزيونات الإيرانية التي تبث بالعربية من طهران، وذلك لأخذ تعليق سياسي حول كيف ينظر الأمريكيون إلي حكم المحكمة هذا؟
وفي سياق المقابلة سألتني محاورتي، إن كان إعدام صدام سيساهم فعلا في نظر الأمريكيين في تهدئة الساحة العراقية وتخفيف الضغط الكبير علي القوات الأمريكية؟ وعندما قلت لها بأن الإدارة الأمريكية لا تراهن كثيرا علي أن إعلان إعدام صدام سيساهم في تهدئة الأوضاع في الساحة العراقية، بل إن العكس تماما هو ما قد يحدث، ولكن الرئيس بوش مضطر إلي البحث عن أي مكسب مزعوم ليدعيه في خطابه المرتقب هذا الشهر حول الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في العراق بعد خسارة حزبه الجمهوري للانتخابات، سألتني ما الحل إذن بالنسبة لأمريكا؟ وهنا كانت القشة التي قصمت ظهر البعير. فعندما قلت لها بأن أغلب العنف وخرق القانون والدماء المسفوكة متأتية من الميليشيات الطائفية الشيعية والتي جاءت محمولة علي ظهر دبابة أمريكية، أو تلك التي تمثلها ميليشيات الصدر ممن لم يأت ـ للأمانة علي ظهر دبابة أمريكية ـ وبأن أول خطوة للحل أمريكيا تتمثل في اعتقال المرجع الشيعي السيستاني، وزعيم المجلس الأعلي للثورة الإسلامية، عبد العزيز الحكيم، ورئيس حزب الدعوة، إبراهيم الجعفري، وزعيم التيار الصدري، مقتدي الصدر، ومن لف لفهم، ومحاكمتهم ومعاملتهم علي أنهم أعداء لأمريكا ومجرمو حرب علي قدم المساواة كما القاعدة وصدام ـ حسب المنظور الأمريكي ـ جنّ جنونها وأوقفت تسجيل المقابلة، ودخلت معي في جدل عقيم حول مظالم الشيعة التاريخية. علي أية حال، أنا لم أقل ما قلته سابقا انتصارا لصدام، وإنما من منطلق قناعة أؤمن بها، ألا وهي أن المشكلة الرئيسية في العراق، تتمثل في الميليشيات الطائفية الشيعية التي تريد تصفية كل ما هو سني، لضمان عراق شيعي نقي.
إذن، فـ نحر صدام يوم العيد وبالطريقة التي أخرج بها، رسالة مقصودة وتحمل العديد من المعاني. إنها في وعي منفذيها من المجرمين فاتورة تسديد جزء من الحساب للسيطرة السنية خلال أغلب المراحل الزمنية لتاريخ الإسلام منذ أكثر من 14 قرنا. إنها رسالة تحمل في طياتها حقدا طائفيا وتاريخيا. نعم، إنها رسالة ترويع للنائمين في العالم السني، بأن المذهب لدي الصفويين الجدد يعلوا علي الأصل، وهو الإسلام. وبأن الانتماء العرقي، لدي الصفويين الجدد، مقدم علي الانتماء الديني. أليس من المفارقات أن تدخل الخارجية الإيرانية بعد أيام من إعدام الرئيس صدام حسين في جدل حول مسمي الخليج في المنطقة أهو عربي أم فارسي؟ وإصرار الخارجية علي أنه فارسي!. أين هي تلك الثورة الإسلامية التي تبشر بها إيران!؟ لنكن صريحين، إن المقصود بها ثورة فارسية شيعية صفوية، وليست إسلامية خالصة.
قناة العالم الإيرانية، والتي تبث باللغة العربية من طهران وبيروت، احتفلت بإعدام صدام وكأنه يوم عيد. طبعا هم لم يحتفلوا مع المسلمين السنة بالعيد يوم السبت، وذلك، ربما لإظهار الخلاف للـ نواصب ، كما يسموننا نحن السنة. قناة العالم هذه، تجاوزت حدود الحرفية الإعلامية، لترسخ حقيقة كونها إعلاما طائفيا مذهبيا موجها للتبشير واختراق العالم السني. هذه القناة، والتي كنت في الماضي ضيفا مزمنا علي برامجها كضيف من واشنطن، حصلت قطيعة ما بيني وبينها منذ عام 2004 تقريبا ـ اللهم باستثناء فترة وجيزة عام 2005 وذلك عندما أدار مكتبها من واشنطن بعض الأصدقاء ممن لم يعمروا معها طويلا ـ أتعرفون السبب!؟
ببساطة، لا لشيء إلا لنتانة طائفية بغيضة. ففي أحد برامجهم والذي طلب إلي المشاركة فيه من واشنطن، كان البث يتم عبر أقمار صناعية تركية، وطلب إلي أن أتوجه إلي استديو يعود لشركة تركية في العاصمة واشنطن. ولسبب أو لآخر كانت ثمة أعطال فنية كبيرة، وأخذ منتج البرنامج الذي كنت أشارك فيه، يحدثني عبر السماعة في أذني، ليعتذر عن هذه الأخطاء. إلا أنه لم يكتف عند هذا الحد. فهذا المنتج من العاصمة الإيرانية، طهران، بدأ فجأة وبدون مقدمات يكيل الشتائم للأتراك والعثمانيين ويتهمهم بالمسؤولية عن تخلف العالم الإسلامي! وعندها لم أجد بدا إلا أن أذكره بأني سني وبأني لا أقبل أبدا أن يهان السنة بهذه الطريقة الفجة والإقحامية، والتي ليس لها داع ولا مبرر. شخصيا أبغض كل نفس طائفي ومذهبي، وأعتبر الإسلام وحده هو الناظم الذي يجمعنا، ولكن وبصراحة مرة أخري، فثمة من الشيعة الصفوية، من لا يري في الإسلام جامعا. بل ويري في المذهب والعرق إطاران فوق دين الله، كما أن عليا وفاطمة رضوان الله عليهما، وسلالتهما، فوق النبي محمد نفسه، صلوات الله وسلامه عليه.
الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، في خطاب له يوم الثلاثاء (2 ـ 1 ـ 2006)، اعتبر إعدام صدام رسالة لكل طاغية في المنطقة، ممن وقفوا مع العراق ضد إيران في حرب الثمانية أعوام، محذرا إياهم، من مواجهة نفس المصير إن هم وقفوا مع أمريكا وأوروبا ضد إيران في مسألة ملفها النووي. ومع أنني شخصيا، مدافع دائم عن حق إيران في امتلاك الطاقة والتكنولوجيا النووية، ومعارض لسياسات الغرب ضدها، إلا أن نفس إيران الطائفي في العراق، يحمل رسالة مريبة. فإيران التي تدين الأنظمة العربية السنية في المنطقة المتحالفة مع الولايات المتحدة ضدها، تنسي أنها متحالفة هي أيضا مع الولايات المتحدة ضد الدول السنية في المنطقة عبر العملاء المزدوجين من الشيعة في العراق. أم يا تري هل تنسي إيران أن المجلس الأعلي للثورة الإسلامية، وجناحه العسكري المسمي زورا وبهتانا بمنظمة بدر ، والتيار الصدري وتياره العسكري جيش المهدي ، وحزب الدعوة، وهي الأحزاب والمنظمات الشيعية المدعومة إيرانيا، هي نفسها من يقف وراء حملات التصفية الدموية للسنة في العراق!؟ بل إن إيران التي تدعم الفلسطينيين اليوم في الأراضي الفلسطينية المحتلة هي نفسها من تدعم من يصفون الفلسطينيين في العراق!!. ولكن ما معني هذاّ؟

عبدالله احمد
06-01-2007, Sat 1:30 PM
يخطأ من يظن أن إيران تفكر بمنطق الإيديولوجيا الإسلامية الجامعة والمتجاوزة للحساسيات المذهبية والتاريخية. فإيران دولة صاحبة مصالح في المنطقة، وهي أيضا صاحبة رسالة مذهبية. وللأمانة فهذا من حقها. إيران، تريد أن يعترف بها من قبل الغرب كلاعب أساسي وقوة رئيسية في المنطقة. وهي في سبيل ذلك تدعم كل من يعادي إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة، وذلك أولا لكسب الأنصار، وثانيا لامتلاك أوراق تفاوض بها. هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية، فإن إيران تقارب مثل هذه السياسات بمنطق تبشيري شيعي في العالم السني. صحيح مثلا أن حزب الله، منظمة مقاومة حققت إنجازات تاريخية في سياق الصراع مع إسرائيل، إلا أن ذلك أيضا ينبغي أن لا يعمينا عن البعد الطائفي والمذهبي التبشيري، الذي يحتمله هذا الحزب. وهنا يبدوا التعقيد في المسألة. فمن ناحية لا يملك أي منتم لهذه الأمة، سواء بنفس وطني أم قومي أم إسلامي، إلا أن يؤيد حزب الله في خلافه اليوم مع حكومة فؤاد السنيورة والتي تريد أن تجعل من لبنان كوكبا يسبح في المنظومة الفلكية الأمريكية ـ الإسرائيلية. إلا أن المشكلة تكمن في السؤال الذي مفاده: ومن يمكنه أن يضمن أن استراتيجية حزب الله ليست أوسع مما هو معلن وبأنها لا ترمي إلي أبعد من هذا الهدف، وأنه لا يتحرك ضمن فلك آخر عنوانه تشييع المنطقة السنية، أو علي الأقل تهميش السنة لصالح الشيعة!؟ شخصيا لا يمكنني أن اقتنع بحسن نوايا حزب الله فقط، وإن كنت أقدر حزب الله المقاوم.
ينبغي أن نعترف أن ثمة موجة تشيع في العالم السني، تمولها الخزانة والدهاء الإيراني. فإيران دولة صاحبة رسالة مذهبية، وهي لا تضيع وقتا في هذا السبيل. وإيران أيضا، دولة كبيرة في المنطقة، تريد تحقيق نفوذ علي جيرانها، وهي تلاعب الغرب الآن بملفها النووي لإرغامه علي القبول بها كذلك، واحتمالات نجاحها كبيرة. فأمريكا المتورطة في العراق، وتردد روسيا والصين في عزل إيران، أمور تقوي إيران في مواجهة الولايات المتحدة. كما أن كونها دولة مصدرة للنفط، وقادرة علي التحكم في إمدادات النفط إلي الغرب عبر تهديدها لسلامة الملاحة البحرية في مضيق هرمز، فضلا عن قدرتها علي تهديد الدولة العبرية عبر حزب الله وصواريخها، وكذلك تهديد القوات الأمريكية في العراق عبر حلفائها من الشيعة وأيضا ترسانتها العسكرية، أشياء كلها تعزز طموح إيران في المنطقة. ومرة أخري، هذه أمور لا تعيب إيران الدولة، ولكنها تعيب الدول السنية الكبري في المنطقة.
موجة التشيع في الفضاء العربي السني تحديدا ـ رغم أن البعض ينكرها إما سذاجة وإما لحسابات خاصة ـ عائدة بالدرجة الأولي إلي نجاح الآلة الإعلامية الشيعية في استغلال نجاحات حزب الله ضد إسرائيل وتوظيفها، وكذلك الصمود الإيراني في الملف النووي ودعمها لحركات المقاومة الفلسطينية. العوام من السنة، يرون كل هذه الإنجازات الشيعية، في مقابل سبات، أو حتي قل، تواطؤ من قبل الدول السنية الكبري مع أمريكا وإسرائيل. وفي حين تصرف إيران مئات الملايين من الدولارات من دخلها علي إعلام عربي شيعي موجه، وتعزيز لترسانة حزب الله العسكرية في مواجهة إسرائيل، ودعم لحكومة حماس، تتحالف الدول السنية في المنطقة مع إسرائيل ضد مشروع المقاومة التي يمثلها حزب الله في لبنان وحماس والجهاد وكتائب الأقصي، وفصائل أخري في فلسطين، وتساهم في الحصار المفروض علي الفلسطينيين لأنهم تجرأوا وانتخبوا حماس المغضوب عليها إسرائيليا وأمريكيا. أما المئات من الملايين من الدولارات التي تنفقها إيران علي إعلام وحملات فكرية تبشيرية تشييعية في المنطقة، فيقابلها من الجانب السني، مئات ملايين أخري تضيع علي قنوات الروتانا والفيديو كليب، فضلا عن الرشوة والتكسب عبر صفقات التسلح الوهمية، في حين تبني إيران مفاعلات نووية!!. إذن لا ضير بأن التشيع أصبح يكتسب مواطئ قدم جديدة، رغم رفض البعض ممن لا زالوا يعيشون في عالم المثاليات والأحلام الإقرار بمثل هكذا أمر.
إن تحول إيران إلي دولة رئيسية في المنطقة بإقرار غربي راض أم راغم، يعني سيطرة كاملة لإيران ومذهبها علي المنطقة. أنا لا أدعو هنا إلي أن تساهم الدول السنية في المؤامرة الغربية علي إيران، بل أن تصحوا من سباتها العميق. فثمة خلاف تاريخي وفقهي ومذهبي جذري. ولا يجدي هنا كل التوهمات الحالمة من قبل بعض المفكرين والعلماء السنة بإمكانية تجسير الهوة الشاسعة بين المذهبين. إنه تاريخ كتب ـ وللأسف ـ بالدم، بغض النظر عمن ابتدأ الظلم فيه، ولن يمحوه إلا انتصار أحد الطرفين، أو علي الأقل توازن الردع لديهما. كيف يمكن أن يجتمع فقهان ومذهبان يتغايران في مصادر تلقي الشرع والدين!؟ هم يسبون جمهور الصحابة ويخونونهم، ونحن نتلقي عنهم ديننا! هم يتهمون زوجات الرسول بكل صغيرة وشائنة، بل حتي أنهم يتهمون بعضهن في شرفهن وعرضهن، ونحن نعتبرهم أمهات المؤمنين! هم يرون بأولوية قداسة النجف ونحن لا نقدس إلا مساجد الإسلام الثلاثة: الحرام، والنبوي، والأقصي!... الخ. وفي الوقت الذي كان فيه العثمانيون يدشنون الفتوحات في أوروبا كانت الدولة الصفوية تتحالف مع الأوروبيين وتغرس حربتها في خاصرة الدولة العثمانية، حتي هزمهم العثمانيون عسكريا، ولكنها كانت هزيمة غير ساحقة.
إن التاريخ يحمل الإجابة، سواء أحببناها أم كرهناها. لقد اصطدمنا طوال تاريخنا. نعم، فثمة رؤيتان متناقضتان للإسلام. فثمة الفقه الذي يعلي من شأن الأمة ويتجاوز الاستغراق في الفتنة وشخصياتها في صدر الإسلام الأول ـ اللهم باستثناء دروسها ـ علي أساس أنها ليست من صنع أيدينا علي قاعدة الحسن البصري: تلك فتنة طهر الله أيدينا منها فلنطهر ألسنتنا منها ، وثمة الفقه الذي يريد أن يرهن إرادة البشر لأوليغارشية جينية متمثلة بسلالة علي وفاطمة رضي الله عنهما، فضلا عن أنه يريد أن يرهن صيرورة الإنسانية لبكائية وتراجيديا لطائمية ترتبت علي الفتن في صدر الإسلام الأول. وفي حين أننا نحب صلاح الدين الأيوبي لأنه حرر القدس، يكرهونه هم لأنه أسقط الدولة الفاطمية الشيعية. وفي حين أنهم يريدون تشييع العراق والمنطقة العربية السنية، فإننا نتهمهم بأنهم شيعوا إيران في القرن السادس عشر الميلادي بحد السيف مع بدايات الدولة الصفوية. ولمن لا يعلم، فأكثر من سبعين في المائة من الإيرانيين كانوا من السنة إلي أن أعلن الشاه إسماعيل الصفوي المذهب الشيعي مذهبا رسميا لإيران عام 1501 م، وأعمل حد السيف في عشرات الآلاف من السنة الإيرانيين ممن أبوا التشيع غصبا.
صحيح أن ثمة مخططات أمريكية تدفع باتجاه إحداث صدام سني ـ شيعي، والحكمة تقول بأن نفوت مثل هذه المؤامرة الشيطانية التي تريد إحياء الثنائيات التضادية، ولكــــن الصفويين الجدد من الشيعة، يبدو أنهم قد حسموا أمرهم بهذا الاتجاه. ويبدو أنهم قد وجدوا في هذه المرحلة المزرية من تاريخ الإسلام السني فرصتهم السانحة للانقضاض عليه. وأكاد أجزم أنه لو كتب لهم التمكن في المنطقة فإنه حتي الحج سيمنع عنا إلا إذا إلتزمنا بأبجديات المذهب الشيعي. والطامة أن الأنظمة العربية السنية لا زالت في سبات عميق، في حين أن الرمال تتحرك من تحت أقدامها!.
ما يحصل في العراق اليوم ما هي إلا بروفة لما سيكون عليه الحال لو استمرت موجة التشييع في المنطقة. وهي الموجة المحملة بأحقاد تاريخية ومذهبية عصية علي الحل. ترك الفلسطينيين والصراع مع إسرائيل لإيران، خطيئة إستراتيجية كبري. ومع ذلك ـ للأسف ـ فليس أمام القوي الفلسطينية المقاومة الآن إلا طريق إيران، ولكن مع ضرورة الحذر من السقوط في شباك إشهار المذهب الشيعي. فكما أن لإيران مصلحة بالتحالف معهم، ينبغي أن يكون منطق تعاطيهم مع إيران منطلقا من ذات المعادلة. أيضا، ترك أمن المنطقة بيد أمريكا وإسرائيل والاعتماد عليهما في الحماية، في حين تعزز إيران قوتها، أيضا خطيئة استراتيجية كبري. إن المنطقة تسير باتجاه دفع جزية ثالثة، بعد تلك الاثنتان اللتان تدفعهما لأمريكا وإسرائيل. فهل من عاقل رشيد!؟ نقف مع إيران ما دامت إيران تقف مع حقوق المستضعفين، وندافع عن أحمدي نجاد ما دام نجاد مترفعا عن المفردات والسياسات الطائفية. وكذلك الأمر بالنسبة لحزب الله، فاحترامنا لحزب الله المقاوم لا يعني أن من حقه أن يفرض علينا تشيعه، كما أنه ليس من حقنا أن نفرض سنيتنا عليهم.
أعرف أن كثيرين سيرفضون كلامي هذا، وأعلم بأن كثيرين سيهاجمونني ويتهمونني بإثارة النعرات الطائفية والمذهبية، وربما حتي بالعمالة لأمريكا وإسرائيل، ولكن هذا كله بلا معني عندي، فالمسألة أكبر بكثير من أن تشخصن. بل أنا أيضا أتهم. فأهل الفكر والعلم من المسلمين السنة الموالين لإيران أو المحسوبين عليها، ينطلقون من فقه استضعافي، في زمن لم يبق فيه إلا إيران حليفا. التشييع حقيقة قائمة ومستمرة حتي وهذه السطور تكتب أو تقرأ. وهذه المقالة هي صرخة: أفق أيها العالم السني، وإلا صفيت كما يصفي السنة في العراق، ونحرت كما نحر صدام يوم العيد. فالصفويون الجدد، حزموا أمرهم باتجاه التصعيد لا التوفيق الذي نرنو إليه وفيه مصلحة الأمة.
ہ كاتب ومحلل سياسي مقيم في واشنطن

الجازم
06-01-2007, Sat 9:16 PM
أنا لا أدعو هنا إلي أن تساهم الدول السنية في المؤامرة الغربية علي إيران، بل أن تصحوا من سباتها العميق. فثمة خلاف تاريخي وفقهي ومذهبي جذري. ولا يجدي هنا كل التوهمات الحالمة من قبل بعض المفكرين والعلماء السنة بإمكانية تجسير الهوة الشاسعة بين المذهبين. إنه تاريخ كتب ـ وللأسف ـ بالدم، بغض النظر عمن ابتدأ الظلم فيه، ولن يمحوه إلا انتصار أحد الطرفين، أو علي الأقل توازن الردع لديهما. كيف يمكن أن يجتمع فقهان ومذهبان يتغايران في مصادر تلقي الشرع والدين!؟ هم يسبون جمهور الصحابة ويخونونهم، ونحن نتلقي عنهم ديننا! هم يتهمون زوجات الرسول بكل صغيرة وشائنة، بل حتي أنهم يتهمون بعضهن في شرفهن وعرضهن، ونحن نعتبرهم أمهات المؤمنين! هم يرون بأولوية قداسة النجف ونحن لا نقدس إلا مساجد الإسلام الثلاثة: الحرام، والنبوي، والأقصي!... الخ. وفي الوقت الذي كان فيه العثمانيون يدشنون الفتوحات في أوروبا كانت الدولة الصفوية تتحالف مع الأوروبيين وتغرس حربتها في خاصرة الدولة العثمانية، حتي هزمهم العثمانيون عسكريا، ولكنها كانت هزيمة غير ساحقة.