المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخداع الإدراكي وسلوك المستثمر



Dr.M
19-10-2006, Thu 7:56 AM
الخداع الإدراكي وسلوك المستثمر

فهد الشتري - - - 26/09/1427هـ

عندما نواجه أحد الممارسين للخداع البصري، فإننا نعتقد أن ما يفعله أمامنا هو حقيقة واقعية مع أن ما يقوم به هذا الشخص عملية تضليل لإدراكنا الحسي لما يدور حولنا ليقوم بإيهامنا بحقيقة ما يفعله. الأمر قد يحدث أيضاً عندما تشكل الطريقة التي نستقي بها المعلومات عملية إدراكنا للأمور من حولنا. فالمستثمر يقوم ببناء قراراته الاستثمارية بناء على المعلومات المتوافرة عنده، وتلعب الطريقة التي شكلت بها هذه المعلومات دوراً كبيراً في مقدار المخاطرة التي سيتبناها المستثمر، ومن ثم تؤثر في طريقة اتخاذه قراراته الاستثمارية. كثير من المستثمرين ينخدعون بما لديهم من الرصيد المعلوماتي عن فرصة استثمارية معينة - كاستثمار في سهم معين لشركة ما -ومن ثم يقعون فريسة لخداع المعرفة المتراكمة لديهم. هذه المعرفة - لدى المستثمر - تشكلت بناء على الإطار الذي قدمت فيه هذه المعلومات. هذا ما يسمى في علم التمويل السلوكي Behavioral Finance بالتشكيل أو التأطير Framing. ومضمون هذا المفهوم أن الطريقة التي تقدم لنا بها المعلومة تؤثر في ردة فعلنا لهذه المعلومات. والمشكلة يقع فيها الجميع وفي جميع المجالات سواءً الاستثمارية أو المهنية أو الاجتماعية. ومعرفتنا بهذه الظاهرة ستساعد على تجنب الوقوع في الخطأ الإدراكي الناتج عن الطريقة التي تم بها استقاء المعلومات.
في كتاب الخداع الحتمي The Inevitable Illusionللمتخصص في علم الإدراكCognitive Science ماسيمو بياتيللي بالماريني يطرح الكاتب مثالاً واقعياً على هذه المشكلة. ففي اختبار عملي لهذه الظاهرة قدمت طريقة جديدة لإجراء عملية جراحية للتخلص من مرض مستعص لمجموعتين مختلفتين من الأطباء. في التقديم للمجموعة الأولى أخبر الأطباء بأن هناك احتمالا مقداره 7 في المائة للوفاة خلال السنوات الخمس التالية لإجراء الجراحة باستخدام هذه الطريقة. وفي المجموعة الثانية أخبر الأطباء بأن هناك احتمالا مقداره 93 في المائة للشفاء خلال السنوات الخمس التالية لإجراء الجراحة باستخدام هذه الطريقة. ثم تمت متابعة الأطباء لمعرفة من يقوم بوصف هذه الطريقة من المجموعتين. أظهرت نتائج المتابعة أن الأطباء في المجموعة الأولى ترددوا كثيراً في وصف هذه الجراحة لمرضاهم، بينما قام غالبية الأطباء في المجموعة الثانية بوصفها لمرضاهم. هذا على الرغم من عدم وجود اختلاف في النتيجة بين القول إن احتمال الوفاة 7 في المائة أو أن احتمال الشفاء 93 في المائة. فقد وجد أن الأطباء يعانون حالة من الخداع الإدراكي نابعة من الطريقة التي تلقوا بها المعلومات. بياتللي يذكر أن المشكلة أننا لا نقوم بتقدير لقيمة الفعل أو التصرف بناء على القيمة النهائية المفترضة له، وإنما بناء على قاعدة أو إطار تم تشكيله لنا ومن ثم ننطلق من هذا الإطار.
وبالعودة إلى حالة المستثمرين في سوق الأسهم نجد أن قراراتهم الاستثمارية تتم بناء على الإطار الذي قدمت به المعلومات لديهم. فعلى سبيل المثال لو قلت لشخص ما إن صندوقا استثماريا معينا حقق زيادة في معدل الربحية مقدارها 20 في المائة عن العام الماضي, فسيقول لك بالتأكيد إن هذه شركة جيدة. والسبب أنك وضعت للمستثمر قاعدة معينة أو إطارا معينا لينطلق منه في تقييم هذه الفرصة الاستثمارية. ومن ثم فالمستثمر سيقوم بتقييم استثماره بناء على الإطار الذي تم وضعه له. بينما لو قلت للمستثمر إن هذه الشركة حققت أقل من ارتفاع المعدل العام للارتفاع في أرباح صناديق الاستثمار –بافتراض أن المعدل العام كان 30 في المائة - فستتغير الطريقة التي يحلل بها المستثمر أداء هذه الفرصة الاستثمارية. لذلك فإن الوعي بهذه الظاهرة سوف يساعد المستثمر على تجنب الوقوع فيها.
المناصرون للنظرية التقليدية للاستثمار يعتقدون أن التشكيل أو الإطار الذي توضع فيه المعلومة هو إطار شفاف أي أن المستثمرين يستطيعون رؤية جميع الأشكال التي يمكن بها وصف التدفقات المالية من خلال هذا الإطار. بمعنى آخر لا تأثير للشكل الذي تقدم به المعلومة في قرارات المستثمرين. بالطبع هذا افتراض بعيد عن الواقعية، فالإنسان بطبيعته يتأثر بالشكل الذي تقدم فيه المعلومة، وبذلك تتأثر طريقة تقبله للمخاطرة من عدمها بذلك. وقد أثبت كل من دانيال كينمان وأموس تفيسكي - من خلال نظريتهم Prospect Theory، والتي حازا بها جائزة نوبل في الاقتصاد - على أن التشكيل يلعب دوراً كبيراً في اتخاذ القرارات الاستثمارية. فقد قاما بسؤال مجموعة من الأشخاص السؤال التالي: افترض أنك استثمرت في شركة معينة، وواجهت واحداً من خيارين - وكما يقال أحلاهما مر. الخيار الأول قبول خسارة مؤكدة مقدارها 7500 دولار والثاني احتمال قدره 75 في المائة بخسارة 10000 دولار واحتمال 25 في المائة أنك لن تخسر شيئاً، فماذا ستختار؟ معظم الأشخاص اختاروا الخيار الثاني - لماذا؟ فقط لأنهم يكرهون الخسارة Risk Aversion. مع العلم أن القيمة المتوقعة للخسارة للخيار الثاني مساوية لقيمة الخسارة المؤكدة في الخيار الأول - العب بالأرقام، وستجد ذلك صحيحاً - وأن اختيارهم للخيار الثاني ما هو إلا وسيلة للتمسك بالأمل في عدم تحقيق الخسارة. هذا في الواقع ما يحدث للكثير من المستثمرين عندما يتمسكون ببعض من استثماراتهم الخاسرة أملاً في تجنب خسارة مؤكدة، ويختارون أن يلعبوا لعبة غير مؤكدة النتائج مع أن القيمة المتوقعة لها تساوي قيمة الخسارة المؤكدة. إذاً أي عقلانية في هذا القرار؟ مثال حي على ذلك يعيشه البعض ممن واكبوا الانهيار الكبير لسوق الأسهم السعودية في العام الماضي عندما وصل المؤشر إلى عشرين ألف نقطة. أنا أجزم بأن الكثيرين من الذين اشتروا خلال تلك الأيام ما زالوا يحتفظون بما لديهم أملاً بالعودة إلى تلك المستويات. لا أقول إن ذلك من المستحيل لكن أحسب احتمالية حدوث هذا الشيء ثم اضربها بمقدار القيمة التي ستبيع بها أسهمك عندما يعود المؤشر إلى مستواه التاريخي وستجد أنك لم توفر إلا القليل، بل وقد تكون خسرت الكثير فيما لو قمت باستثمار قيمة المبلغ بعد خصم الخسارة المؤكدة - تكلفة الفرصة البديلة. إن الطريقة التي تشكلت بها معلومات المستثمر في السوق السعودية جعلت منه أسيراً للأمل بالرجوع إلى المستويات الأولى، وذلك يعود بالدرجة إلى الطريقة التي يبني عليها قراراته الاستثمارية، والتي تتأثر إلى حد كبير بعوامل نفسية كثيرة، مثله في ذلك مثل أي مستثمر في أي سوق في العالم. فكثير من القرارات التي يتخذها المستثمرون تعتبر غير عقلانية بدرجة كبيرة، وذلك لأن هناك عاملا نفسيا معقدا يتحكم بها. ولفهم كيف يتصرف بعض المستثمرين سلوكياً لنأخذ وضع انهيار العشرين ألفا الذي واكبته سوق الأسهم السعودية. فالمستثمر تشكلت لديه فكرة - بناء على الطريقة التي يتم بها إجراء الحسابات في عقله Mental Accounting- بأن المؤشر قد يعود إلى مستوياته السابقة - خطاً إدراكي Cognitive Illusion- وذلك مع أن احتمال ذلك ضعيف بالنظر إلى الظروف الحالية ومن ثم فهو يتمسك بما لديه أملاً في - تجنب المخاطرة Loss Aversion- ويفضل الاحتفاظ بالأمل. الظاهرة تكون أكثر تعقيداً وينتج عنها نتائج أسوأ عندما يتعلق الأمر بمن يديرون محافظ الآخرين - مديري المحافظ. فهذا الإحساس بالمسؤولية يؤدي إلى الكثير من الندم Regret، ما يجعل منهم أسيرين للمزيد من الأمل وافتقاد التحكم الذاتي بالمشاعر، الأمر الذي ينتج عنه مزيد من الخسائر. هذه الأخطاء السلوكية أمور يقع فيها أفضل مديري الصناديق الاستثمارية ودون استثناء، والوعي بها يجعلنا أكثر قدرة على التحكم بمشاعرنا واتخاذ قرارات أكثر عقلانية.

http://www.aleqt.com/news.php?do=show&id=48177

MarDeFrance
19-10-2006, Thu 11:42 AM
كلام جميل جدا

تحيه لك يادكتور :)

abo hamza
19-10-2006, Thu 9:48 PM
موضوع مميز جدا دكتور محمد

تشكر على النقل ..............

هواجيس
19-10-2006, Thu 10:10 PM
بارك الله فيك
دائما رائع

السرحاني
20-10-2006, Fri 9:44 AM
من أهم الأسباب التي ضاعفت من زيادة الخسائر وتراكمها الوهم باالقدره على التحكم والتأثير عندما تكون الأمور خارج قدرتنا وأمكانياتنا.
The illusion of control
كما غاب عن الكثير أو باالأحرى عجز الكثير عن التعامل مع الواقع وكان الثمن على البعض غاليا.
Deal With Reality or Reality Will Deal With You