المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دجل علاوة الإصدار



Mohammed Saad
14-10-2006, Sat 11:45 AM
دجل علاوة الإصدار
هذا مقال إقتصادي نقلته للتثقيف و الأستفادة
تركي الثنيان*
الرحمة مع الفساد هي أروع وصفة لاستمرار تناميه...والقضية قضية مبدأ، لا أظن أن هناك حلاً وسطاً مع الفساد... والتشدد لا يشترط أن يكون موجها تجاه الأعمال الحكومية، بل لابد أن يحيط بالقطاع الخاص، ولعل حركة "حوكمة الشركات" التي تطالب بضبط أعمال الشركات أبلغ مثال على تنامي الوعي بضرورة التصدي لأي محاولة غير شرعية للخروج عن النص من قبل الشركات...والتشدد مع محاولات الاحتيال وبيع الوهم سينتج ثمرته ولو بعد حين لأنه يبني "الثقة"، التي بدون منازع تعتبر أهم عنصر في البيئة الاستثمارية، وأثرها على المدى البعيد لا يمكن تجاهله، والخبرات الدولية أكبر دليل على هذا...أستطرد مع تجربة سنغافورة قليلا قبل أن أدخل في الجوهر، فلقد مرت سنغافورة بمصاعب جمة منذ استقلالها، وكان من أكثر المواقف إرباكا هو تعاملها مع مواقف أو أشخاص فسدة أو يدعون للفساد، أو حتى شبهة الفساد.
فمثلا، نجحت سنغافورة في اجتذاب المستثمر جيم سلاتر البريطاني المعروف على المستوى العالمي، وممن يقاتل لأجل كسب وده في كل محفل، لثقله المالي وأثره الإيجابي في سوق العمل والاقتصاد السنغافوري الناشئ آنذاك... ورغم سمعة هذا المستثمر العالمية، وبريطانية جنسيته، كل هذا لم يمنع السلطات السنغافورية من رفع أقصى درجات التأهب إثر علمهم بوقائع مخالفة للقوانين. وعندما ثبت لسنغافورة أن لهذا المستثمر معاملات خداع وتضليل لاختلاس أموال عامة وخاصة، مخالفة للقوانين، سرعان ما تم التحقيق فيما حدث، واستشعر هذا المستثمر الخطر وهرب من سنغافورة. ولم ترضخ سنغافورة التي لتوها استقلت من بريطانيا، بل تمت مطالبة بريطانيا بهذا المجرم، وعندما يئست من الوسائل الدبلوماسية، قامت السلطات السنغافورية باللجوء إلى القضاء البريطاني لاستصدار مذكرة بتوقيفه وإرساله إلى سنغافورة.. هنا، إشارة واضحة تؤكد أن سنغافورة لا تتسامح ولن ترضخ لأي ابتزاز من أي كائن كان.. وهذا التشدد لم يكن مع المستثمرين والشركات القائمة، بل امتد أيضا إلى المنشآت الجديدة سواء القادمة من خارج الحدود أو التي ولدت داخل الرحم السنغافوري. فمثلا، لم تعجب السيرة الذاتية لأحد البنوك السلطات المعنية في سنغافورة، فرفضت طلبا تقدم به بنك أجنبي لافتتاح فرع من الفروع رغم المكاسب العاجلة والصورية. الشاهد في الموضوع، أن هذا الحدس وتلك القراءة لرفض ذلك البنك منعا تلويث مناخ سنغافورة الاستثماري، فذلك البنك بعد فترة تورط في قضايا تضليل وخداع، كبدت مصارف إقليمية ودولية خسائر بلغت 11 مليار دولار عام 1991. سنغافورة نجت من تلك المصيدة لأنها لم تكن تقبل إلا بالسير الذاتية المتينة، أما المشبوهة فليست مقبولة. والهدف كان واضحا، فهي تريد بناء ثقة في بيئتها الاستثمارية على المدى البعيد، وهذا ما نجحت فيه بامتياز، فمؤخرا احتلت سنغافورة المكان الأفضل استثماريا على مستوى العالم، كما أنها دائما تتبوأ مركزا متقدما في الدول الأقل فسادا فهي الخامسة بدرجة 9.4 من 10، وتحتل المرتبة رقم واحد في الدول الأكثر تنافساً لعام 2006، ووفقا لدراسة للبنك الدولي،هذا العام، هي الدولة الأسهل في إقامة وتأسيس عمل تجاري. ورقم 2 في اجتذاب الكفاءات البشرية، ورقم 6 كأفضل بيئة استثمارية في العالم وفقاً لتصنيف مجلة الإيكونوميست.
إن أخطر مصيبة قد يمر بها سوق الأسهم السعودي،و الاقتصاد السعودي عموما، ستكون في اهتزاز الثقة، وذلك عندما يتم إرسال رسائل متناقضة لا تدعو للاطمئنان، وتثير الجدل. فمن جهة تقوم هيئات مختلفة في السعودية بمحاولات مضنية لجذب الاستثمارات المحلية والخارجية، بينما ما يحدث على الواقع شيء آخر يبعث على الارتياب في متانة البيئة الاستثمارية السعودية. هذه الشكوك والطلاسم هي تراكمات، من هنا ومن هناك، تغذي تشويه الصورة بشكل تدريجي على مر الزمن. آخر هذه التشوهات هو طرح شركة الحكير للاكتتاب. ورغم اعتقادي أنها شركة أفضل من كثير من الشركات المدرجة في السوق، إلا أن آليات طرحها للاكتتاب لا يبدو أنها صادفت المعايير المعتبرة لإضفاء ثقة أكبر- مما أثار الكثير من اللغط حيالها. وقد وضع الاقتصادي راشد الفوزان يده على الجرح عندما ألمح إلى أن شركة الحكير قد تكون ضخمت مكرر الربحية -الرقم السحري، الذي أصبح هو علامة الجودة، بقوله: " أصبحت هذه الشركات تتلاعب بصورة رسمية... أصبحت تضع الأرقام بمقاسات خاصة ومواصفات ومقاييس لكي تناسب كيفية أن يكون المكرر الربحي أقل من 20.... وتضع مديونياتها في شركات شقيقة.... وتضع أصول هذه الشركة خارج المملكة حتى يصعب حصرها.... استغلت هذه الشركات العائلية التي تعاني داخليا وتحاول التخلص من شركاتها... وكل جهة حكومية تلقي اللوم على الأخرى" (الاقتصادية 12 رمضان). إن كان هذا صحيحاً، فمصيبة ما يحدث، ويجب أن يكون هناك تحرك سريع لوقف هذا العبث، وإن لم يكن صحيحا فيجب معالجة الغليان الإعلامي، وإيقافه بالحقائق، عبر وسائل الإعلام. أعتقده فرض عين أن يخرج مسؤولو هيئة سوق المال وشركة الحكير للرد على ما يحدث، فصمتهم يغذي هذه الشائعات ويجعلها ترتقي لمرتبة الحقيقة؛ وإن كانت كذلك، فالموضوع بحاجة الى تدخل السلطات العليا فوراً، لوقف عملية الاستغفال التي تمارس على الشعب، التي وصفها الأخ راشد الفوزان.
فالخطر هنا ليس اختفاء مليار من جيوب المواطنين، بل الرعب هو في تدمير الثقة في سوق المال السعودي. الثقة هي الأوكسجين الذي بدونه سيموت السوق. انهيار نازداك كانت بدايته تدافعاً على طرح الشركات الورقية بطرح متضخم، الذي تم ابتلاعه في بداية المطاف، ولكنه انفجر في وجه الجميع في النهاية بخسارة موجعة... قد تكون شركة الحكير شركة رائعة، ولكن الموضوع ليس موضوع جودة شركة، بل موضوع بناء ثقة في اقتصاد ناشئ. وبناء الثقة في السوق لا يمكن أن يتكئ فقط في تحقيق "مكرر ربحية" مناسب، بل إن إدخال السوق في متاهة "مكرر الربحية" أصبح يطغى على بقية أجزاء الصورة الأكثر أهمية، فمكرر الربحية أصبح "صك غفران" بموجبه تدخل جنة سوق الأسهم السعودي مع أنه عامل سهل التلاعب به، ومعيار مضلل إذ أخذ بمعزل عن بقية العوامل... بدون حاجة للتفصيل، هناك إجماع، على أنه معيار من بين عدة معايير لا يجب الاعتداد به وحده - وهو سبب هذه اللغط الدائر حيال شركة الحكير، فرغم تدنيه إلا أن المعايير الأخرى تغالطه! أختم بالعودة إلى فكرة الموضوع الأصلي وهو بناء الثقة. البناء أصعب جدا من الهدم، وما يتم بناؤه في سنوات قد يتم هدمه ببعض التصرفات غير المحسوبة التي قد تلقي بآثارها على البيئة الاستثمارية ككل. أعتقد أن هيئة سوق المال الآن على المحك في اختبار صعب، وإن لم تتحرك، فأعتقد أن الموضوع يلزمه تدخل المجلس الاقتصادي الأعلى، فهو أنسب جهة للبت بحزم فيما يحدث حتى يقطع دابر ضياع المسؤولية بين جهات حكومية متفرقة، فمن يدفع الثمن في نهاية المطاف هو سمعة البلد. * كاتب سعودي