المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قوة الاقتصاد السعودي ...... فلنقرأ بتمعن ونقترح بهدوء!! منقول للفائدة



اضاءات
14-09-2006, Thu 11:47 AM
قوة الاقتصاد السعودي

الاقتصادية،السبت 16 شعبان 1427هـ، المصادف 9 سبتمبر/أيلول 2006م

د. مقبل صالح أحمدالذكير
أستاذ الاقتصاد، جامعة الملك عبد العزيز
- تم حذف البريد -


نشرت " الاقتصادية " الأسبوع الماضي تقرير مؤسسة " فيتش " للتصنيف الائتماني عن حالة الاقتصاد السعودي الذي عرض مكامن القوة و الضعف فياقتصادنا الوطني. وقد نوه التقرير بالاستقرار السياسي وبرامجه الإصلاحيةكالانتخابات البلدية وتوسيع مجلس الشورى، و بالتحسن الكبير الذي طرأ على الوضعالأمني في البلاد. أما في جانب الإصلاح الاقتصادي، فقد أشار التقرير إلي تطويرأنظمة السوق المالية، وفتح مجالات استثمارية جديدة أمام القطاع الخاص وفقا لمتطلبات انضمام المملكة لمنظمة التجارة الدولية، خاصة في مشاريع توسيع الطاقة الإنتاجيةللنفط والغاز والتكرير. وقد حدد التقرير مكامن قوة الاقتصاد الوطني في الجوانب التالية : الاحتياطي النفطي الكبير، وفوائض الميزانية الحكومية، و سياسة إطفاءالدين العام، بالإضافة لقوة النظام المصرفي( البنكي ) .


ولاشك أن هذه مؤشرات إيجابية، لكن علينا أن نلاحظ أن العنصر الأساس الذي ترتكز عليه أغلب هذهالعوامل هو تحسن أسعار النفط. فحجم احتياطي النفط، والفوائض المتحققة في الموازنةالعامة للدولة والقدرة على إطفاء الدين العام الضخم، وقوة النظام البنكي، اعتمدتجميعها تقريبا على ما طرأ من تحسن على أسعار النفط قبل أي شيء آخر. ولذلك وجدناالتقرير ينبه، في الجانب الآخر، إلى أن أحد أهم مكامن ضعف الاقتصاد السعودي هواستمرار اعتماده على مصدر وحيد للدخل. وهذه حقيقة كثيرا ما أشرت إليها في عدد منمقالاتي السابقة، مذكرا أننا حتى الآن وبعد ثمان خطط تنموية لم نفلح في تحقيق تقدمملموس فيما يتعلق بهذا الهدف الاقتصادي الإستراتيجي. فيما نجحت دول أخرى في تحقيقانجازات ملموسة وواضحة في نفس فترة العقود الأربعة الماضية التي استغرقتها خططناالتنموية الثمانية ( ماليزيا ودبي على سبيل المثال)!


لذا فإنه جدير بنا أن لا نفتن كثيرا بمثل تقرير مؤسسة " فيتش"، فمثل هذه التقارير هدفها تصنيف قدرة اقتصادناعلى تسديد أي التزامات مالية قد تنشأ عن معاملات دولية، وكذلك بيان القوة الشرائية التي يتمتع بها اقتصادناليكون زبونا جيدا لصادرات الدول الكبرى من السلع المدنيةوالعسكرية. أما النجاح الحقيقي فيتمثل في سرعة إخضاع ظاهرة إخفاقنافي تحقيق هدف تنويع مصادر الدخل للدراسة الجادة، لتحديد مواطن الخلل ومعرفة سبلالإصلاح وبيان طريق الانطلاق. يجب أن نصارح أنفسنا بعيوب اقتصادنا، ولا نجعل فترةفوائض عوائد النفط تخفي هذه العيوب الجوهرية أو تؤجل إصلاحها.


لقد تسابقت صحفنا في نشرخبر توقع ارتفاع متوسط دخل الفرد السعودي إلي 58.5 ألف ريال سنوياً خلال العام 2006م، بزيادة تبلغ 17.2% عن العام الماضي البالغ 49.9 ريال، وليس لهذا المؤشركمتوسط عام دلالة هامة دون اقترانه بتحسن واضح في تفاصيل هيكل الاقتصاد وطريقةتوليد وتوزيع الدخول والثروات في مجتمعنا. فمتوسط الدخل الفردي ما هو إلا مجرد حاصلقسمة الدخل القومي على عدد السكان، ويستخدمه الاقتصاديون لقياس معدل النمو، ولإجراءبعض المقارنات الدولية. أما محليا فالمهم هو بيانات توزيع الدخل. فالبلد الذي يحوزفيه أغنى 10% من السكان على 50% من الدخل القومي، هو أسوء حالا من البلد الذي يحوزفيه أغنى 10% من السكان على 30% مثلا من الدخل القومي، حتى وإن تساويا في متوسطالدخل الفردي ! لذلك لم يكن غريبا أن ترى ردود فعل متعجبة من عموم قراء الصحف عندتعليقهم على هذا الخبر في المواقع الالكترونية لهذه الصحف، لأن الخبر يقول شيئا وهمفهموا متوسط الدخل بمعنى مغاير لما يحسون ويعلمون عن واقع دخولهم.


ثم أشار تقرير مؤسسة " فيتش " إلى مكامن ضعف أخرى تواجه اقتصادنا، مثل التحديات والمخاطر الجيوسياسيةالتي تفرضها الاضطرابات السياسية في منطقتنا، والتحديات الاقتصادية والاجتماعيةالتي يفرضها النمو السكاني العالي وحاجة الاقتصاد تبعا لذلك لضمان تحقيق معدلات نمومناسبة في الإنفاق الاستثماري بنوعيه الحكومي والخاص بحيث تسمح هذه النسبة بتوفيرمختلف السلع والخدمات الأساسية التي يحتاجها جمهور الناس، بجانب توفير وتوليد عددمستمر من الفرص الوظيفية لاستيعاب قوى العمل الجديدة التي تدخل سوق العمل بأعدادكبيرة سنويا.


وهكذافإن مجتمعنا لا يزال يواجه تحديات وصعوبات اقتصادية مستمرة ومتجددة. وليس التحدي فيوجود هذه الصعوبات، وإنما في كيفية مواجهتها، ومدى تحلينا بإرادة صادقة وعزيمةماضية لتطوير قدراتنا المتعلقة بحسن استغلال مواردنا بأفضل وأكفأ الطرق التي تمكننامن مواجهة مشاكلنا الاقتصادية وتلبية حاجاتنا المتزايدة.


يقول زميلنا صاحب القلمالفذ الأستاذ " نجيب الزامل " في مقال له نشر بهذه الصحيفة في الأسبوع الماضي " عندما لا نقيس تطورنا مقارنة بالآخرين، ونقتصر على الإشادات الرسمية أو المتابعاتالصحافية التي تمارس دور النشرات الرسمية الباهتة، فهناك خطأ. وعندما تغيبالموضوعية، والاختيار العادل للمناصب المهمة المتعلقة بتطوير قدرات الأمة، وتغيبالحكمة، وتغيب الشجاعة والمصارحة والنصيحة الخالصة فهناك خطأ" .


والحق أنه ليس مهما كم يبلغ متوسط الدخل الفردي السنوي، بل الأهم هو هل يجد أبنى وأبنك مقعدا دراسيا،ووظيفة يمتهنها بعد تخرجه، وهل يستطيع أن يتملك مسكنا بتكاليف معقولة قبل أن يوارىجسده الثرى ( هناك فقط نحو مليون مواطن يمتلكون منازلا غير شعبية في بلادنا) وهليجد المواطن سريرا شاغرا في المصحات إذا ألّم به أو بأهله عارض صحي، وهل يتمتعبخدمات الماء والكهرباء والصرف الصحي بتكاليف مناسبة وبلا انقطاع في الأوقات الحرجة.


إن القوةالحقيقية لاقتصادنا ليست في تراكم عوائد النفط، ولا في زيادة متوسط الدخل الفردي. بل هي في الواقع عندما نستغل هذه العوائد في إحداث تغيير نوعي في صروحنا الصناعية،وقلاعنا التعليمية، وخدماتنا الصحية، وأساليبنا الإدارية، والتزاماتنا المنهجية،بحيث تفضي بنا في نهاية المطاف إلي دخل وطني أكثر تنوعا.
سيظل اقتصادنا حرجا،ما بقي معتمدا على تغيرات أسعار النفط!