المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل ضاعت السوق بين الحالة النفسية ونظام تداول؟



Dr.M
19-05-2006, Fri 8:08 PM
هل ضاعت السوق بين الحالة النفسية ونظام تداول؟

د. محمد أل عباس - كاتب اقتصادي 21/04/1427هـ

maalabbas@kku.edu.sa

مجرد أعطال فنية والهيئة تود أن توضح. اثنين من البنوك وفي الوقت نفسه تعرضا لتعطل الأنظمة البنكية وتأخير تنفيذ الأوامر وتعطل نظام تداول بالكامل والهيئة تود أن توضح ذلك. الغريب أن هذه الأنظمة لا تتعطل عندما تصفى المحافظ, بينما الهيئة ومؤسسة النقد لا تودان أن توضحا شيئا بهذا الخصوص. يهمل البنك في تشغيل نظامه ومراقبته وتدريب موظفيه واستقطاب الكفاءات اللازمة والضرورية ثم فجأة يتعطل النظام وينهار السوق ويبيع مستثمر صغير كل أسهمه خوفا وطمعا, وتود الهيئة أن توضح ما حدث وأن على المستثمر اتخاذ قراراته بطريقة صحيحة وعلى أسس علمية!
لطالما تعطل نظام تداول ولطالما انهارت بسببه الأسعار فمن يحمينا من هذا النظام ومن البنوك إذا كان دور الهيئة ومؤسسة النقد فقط هو توضيح الأمر؟ تعطل نظام تداول أكثر من مرة قبل الانهيار, وحدث بسبب ذلك أن خسر العديد من المستثمرين خاصة صغارهم والذين ليس لهم اطلاع ببواطن الأمور أو اتصالات واسعة فمن يعوضهم؟
للبنوك تاريخ مع أعطال نظام تداول وإن كان أشهرها العطل الذي حدث بعد إدراج سهم شركة ينساب والذي تسبب فيه أحد البنوك بمخالفته وعرضه كميات أوامر ضخمة جدا. كم مرة تعرضت أسهم الشركات إلى تعطل أوامر التداول ونحسب أن ما حدث هو أوامر بيع لا تقابلها أوامر شراء ثم وبعدما عاد النظام لم تعد الأسهم التي بيعت, وقالوا إن الهيئة تود أن توضح ولم توضح إلى هذا اليوم كيف سيتم تعويضنا عن تلك الخسائر. الغريب أنه لم يتعطل النظام بطريقة عكسية, أي أوامر شراء لا تقابلها أوامر بيع وكأن على هذا النظام ألا يتعطل إلا فيما يضر السوق فقط.
تلح عليّ الأسئلة وأتمنى من الهيئة ومؤسسة النقد أن توضحا شيئا بخصوصها. كم مرة تعطل النظام خلال الانهيار الأخير ولم نعلم عن ذلك؟ ما مدى إشراف مؤسسة النقد على الأنظمة البنكية وتقييم قدرات البنك على إدارة التداولات في السوق وهل يمكن سحب التصريح من أي بنك يعرض عملاءه للخسائر الفادحة - على الأقل تصريح الوساطة؟ لماذا لم نسمع حتى اليوم عن تغريم بنك بسبب إهماله وتعطل نظامه؟ لماذا لا يتم إيقاف التداول حتى يتم إصلاح كل أعطال النظام وإلغاء كل الأوامر التي تم تنفيذها خلال فترة العطل؟
بالتأكيد من الخطأ أن نحمل أعطال النظام كل تبعات الانهيار وعدم قدرة السوق على العودة. تفاعلت عوامل كثيرة لوصولنا إلى هذه الحالة وكان تعطل نظام تداول واحدا منها ويبقى الحاجز النفسي ذا دور كبير. اتجهت معظم الدراسات إلى تغليب الحاجز النفسي لتفسير أسباب انهيار يوم الإثنين الأسود في الأسواق الأمريكية والأوروبية, ويبدو أن السوق السعودية ومعها الأسواق الخليجية تعاني من المأزق نفسه.
السوق الآن تمر بحلقة مفرغة ذات بعد نفسي وهي تحتاج إلى وقت حتى تكسر هذه الدائرة المحكمة الغلق. أصبح من المعروف في الدراسات السلوكية أن السوق تغامر في الخسارة ولا تغامر في الربح فإذا تمكنت من تحقيق أرباح وعودة قوية فإنها لا تلبث أن تفقد قدراتها على الصمود بسبب غلبة الحاجز النفسي وعدم الرغبة في المخاطرة بالأرباح المحققة.
لتوضيح ذلك أورد هذه الدراسة النفسية المشهورة جدا: لو أن لديك ألف ريال وأنت تمر بإحدى الحالات الآتية: في الحالة الأولى أمامك القرارات الآتية القرار (1) تحقق مكاسب مؤكدة بقيمة 500 ريال, بينما القرار (2) احتمال تحقيق مكاسب ألف ريال واحتمال فقدان كل المكاسب وبقاء رأس المال فأيها تختار؟ سأعيد صياغة هذا السؤال مع الحالة الثانية فلو أن لديك مبلغ ألفي ريال وأمامك القرارات الآتية وهي القرار (1) خسارة مؤكدة بمبلغ 500 ريال, أو القرار (2) والذي قد ينتج عنه بقاء رأس مالك دون خسارة أو قد تتعرض لخسارة مبلغ ألف. السؤال الآن أي القرارات سوف تختار في كل حالة؟
وجه هذا السؤال من خلال دراسة بحثية على مجموعة من المستثمرين وقد كانت النتيجة مفاجئة بالنسبة للباحث. 80 في المائة اختاروا القرار رقم واحد في الحالة الأولى وهي عدم المخاطرة والرضا بـالـ 500 المحققة 80 في المائة اختاروا القرار الثاني في الحالة الثانية وقبلوا المخاطرة على الرغم أن نتيجة الواحدة في الحالتين لكل قرار, وبقي السؤال لماذا كان لدى المستثمرين قناعة بعدم المخاطرة في وقت الأرباح, بينما يتجهون للمغامرة وقبول المخاطر وعدم البيع عند الخسارة. دوامة نفسية تتعرض لها السوق لفترة محددة تتغلب قوى الجني عند الأرباح وقوى المخاطرة عند الخسائر فلا يتم إحراز تداولات تمكن من إخراج سيولة جيدة يتم ضخها عند مستوى معين ودفع السوق إلى الأعلى.
وأخيرا السوق المالية تشبه الإنسان تمتلك من المضادات الحيوية الطبيعية ما يحميها من أية أمراض مزمنة وإن كانت عرضة لبعض المشاكل. أن أكثر ما تحتاج إليه السوق الآن هو الهدوء وترك آليات العرض والطلب تعمل دون تدخل أو وصاية. في أيام الهبوط الأولى استعجل الجميع عودة السوق وكان الخوف من الأسوأ وأن يستمر الأمر ويطول وأن نصل إلى مرحلة تصفية المحافظ وقد حصل كل ما كنا نخشاه ولم يبق لنا إلا النظرية Z. دع السوق تعمل بآلياتها الطبيعية دون تدخل أو تعطل نظام تداول.


http://www.aleqt.com/article.php?do=show&id=2051