المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المؤشرات الإيجابية للاقتصاد السعودي



المحترف
17-02-2002, Sun 8:46 AM
يواجه الاقتصاد السعودي تحديات كبيرة وذلك لأنه يقف بين أعباء الماضي متمثلاً في العجز المستمر في موازنة السنوات الماضية ونمو الدين العام للدولة وبين تحديات المستقبل حيث يشهد العالم انكماشاً بسبب عدة عوامل من أبرزها الانكماش الاقتصادي للولايات المتحدة وتداعي أحداث سبتمبر وما انعكس سلبياً على أسعار النفط الذي يمثل العمود الفقري لميزانية المملكة.

إلا أن المراقبين يرون بأن المملكة لا تزال تملك عوامل الجذب الاقتصادي من خلال تنفيذها لسياسة اقتصاد السوق وانخفاض معدل التضخم وانخفاض معدلات أسعار الفائدة وحرية تنقل رؤوس الأموال للخارج أو الداخل واستقرار العملة والبنية الأساسية المتطورة بالإضافة إلى وفر الأموال لدى القطاع الخاص.

كما أشار البعض منهم إلى أهمية تسريع البرنامج الاصلاحي للاقتصاد السعودي وإيجاد برنامج واضح لخفض الدين العام.

ونستعرض في هذا التقرير الاقتصاد السعودي من خلال المعلومات المتوفرة من مؤسسة النقد السعودي والتقرير الذي أصدره السيد "براند برولاند" مسؤول الدائرة الاقتصادية في البنك السعودي الأمريكي، بالإضافة إلى حديث معالي الدكتور إبراهيم العساف وزير المالية والاقتصاد الوطني على هامش مؤتمر التمويل الدولي الذي عقد مؤخراً بالرياض.


العام المالي

2002تشير توقعات اقتصادية أن يكون العام المالي 2002م للمملكة أكثر تحدياً للظروف الراهنة، حيث يتوقع أن يتراجع نسبة الناتج المحلي الاجمالي إلى 2% بصورة عامة، بينما سيبلغ الانتاج النفطي حوالي سبعة ملايين برميل يومياً على افتراض زيادة الإنتاج في النصف الثاني تمشياً مع النمو الاقتصادي المرتقب أي أقل من متوسط إنتاج العام الماضي بنسبة 7.5في المائة، ومن المتوقع أن يساهم النمو في القطاع الخاص غير النفطي لحد ما عن هذا التراجع الكبير في النمو الحقيقي لقطاع صناعة النفط، والذي نتوقع له أن يحقق نمواً نسبته 4في المائة في الوقت الذي تظل فيه نسبة التضخم أقل من واحد في المائة خلال هذا العام.

إلا أن العجز الحكومي المتنامي يعتبر من أكبر التحديات التي تواجه المملكة خاصة في ظل نموه التصاعدي ونمو الدين العام.

وفي البداية نستعرض ميزانية العام 2002م ليكون مدخلاً لاستعراض أبرز التحديات التي تحمله السنوات القادمة.

يتوقع أن تبلغ الإيرادات للعام 2002م حوالي 157مليار ريال فيما يتوقع أن تبلغ حجم المصروفات حوالي 202مليار ريال، مما يعكس بأن هناك عجزاً يتوقع أن يصل إلى 45مليار ريال.


الدين الحكومي

يبلغ حجم الدين الحكومي حوالي 675مليار ريال وهو دين داخلي بالريال ويمثل 99في المائة من حجم الناتج المحلي الاجمالي المقدربـ 637مليار ريال وتمسك البنوك المحلية بمبلغ 121.4مليار ريال أي ما يعادل 19في المائة من حجم الدين، بارتفاع قدره 11.4مليار ريال خلال العام 2001م، وهذا يعني أن البنوك التجارية قد موّلت نصف العجز في ميزانية العام الماضي 2001م بينما ساهم صندوقا المعاشات بالمبلغ المتبقي، أو ما يزيد على 75في المائة من الدين الحكومي، وجاءت نسبة بسيطة وهي خمسة في المائة من بعض الشركات والأفراد الذين لديهم سندات حكومية لتسوية ديون ومتأخرات خلال الأعوام الماضية.

ولن تواجه المملكة أية صعوبات لتمويل هذا العجز في ميزانية العام الحالي البالغ 45مليار ريال ( 12مليار دولار) وذلك لأن البنوك المحلية يمكن أن تستوعب نصف هذا المبلغ وتأتي بقية التمويل من صندوق المعاشات.

إلا أن السيد "براد بورلاند" رئىس الدائرة الاقتصادية بالبنك السعودي الأمريكي أشار في تقريره إلى ان الأداء المتوقع للعام 2002م عن الدين الحكومي وكيفية تمويله بأن مساهمة البنوك في تمويل العجز المتوقع في ميزانية العام 2002م قد يخلق مرحلة تنافسية بين الدول لتغطية احتياجاتها المالية والتمويل المطلوب من قبل القطاع الخاص لمشروعاته في مجالات البنية التحتية الأساسية مثل الكهرباء والغاز والمجمعات البتروكيمائية، وتوقع أن بعض المشروعات مثل تلك المرتبطة بمبادرة الغاز لن تدخل السوق مقترضة حتى العام القادم 2003م وما بعده.

كما أشار بأن تواجه المملكة أيضاً احتمال زيادة كلفة معدالات الفائدة خلال السنوات القليلة المقبلة مع اتجاه اسعار الفائدة المرتبطة بالدولار إلى الارتفاع مع توقع انتعاش الاقتصادي الأمريكي، فالمملكة تبيع سنداتها بالدولات بعائد أعلى قليلاً من الأوراق المالية الأمريكية المماثلة، فإذا افترض أن متوسط الكلفة الحالية حوالي خمسة بالمئة على 630مليار ريال من الديون، فإن كلفة الفائدة في ميزانية العام 2002م ستكون 31.5مليار ريال فإذا ارتفعت التكلفة إلى ستة بالمائة في دين هذا العام البالغ 675مليار ريال فإن كلفة الفائدة في العام المقبل 2003م سترتفع إلى 40.5مليار ريال.

إلا أن معالي الدكتور إبراهيم العساف وزير المالية والاقتصاد الوطني أشار في رده على هامش مؤتمر التمويل الذي عقد بالرياض إلى أن العجز في ميزانية هذا العام يتضمن خدمة الدين، وأن التوجه إلى تغطية هذا العجز سيكون من الإقراض الداخلي حيث ليس لدى المملكة النية إلى التوجه إلى الإقراض الخارجي.

وأضاف بأن البنوك المحلية التجارية ستساهم بنسبة 20في المائة من تمويل هذا العجز، كما أن الصناديق الأخرى ستساهم هي أيضاً في تمويل العجز البالغ 45ملياراً في ميزانية هذا العام، وأكد العساف بأن السندات الحكومية تحظى بإقبال كبير من قبل الأفراد والشركات بسبب عائداتها المشجعة، كما أن هذا التمويل الداخلي لتغطية العجز لن يؤثر في السيولة المتوفرة في القطاع الخاص أو لدى البنوك التجارية أو من قبل الصناديق الحكومية.

وأضاف بأن مساهمة البنوك في تمويل هذا العجز بنسبة 20في المائة ليس بسبب عدم رغبة البنوك في ذلك ولكن لأن الدولة ترغب في تنويع مصادر التمويل.


المؤشرات المالية

تظهر المؤشرات أن استمرار العجز وتراكم الديون لا يشكلان أزمة حادة في حد ذاتها وإنما تعتبر مصدراً لاستمرار القلق في غياب أية مؤشر على استقرار الدين أو احتواء العجز وتناميه وضيق هامش المناورة في مجالات الانفاق ضمن الميزانية.

السيد بولاند يشير إلى أن هناك انعكاسات سلبية للعجز والدين المتنامي من خلال ما يلي:

ـ إن الدين المتزايد يضيف إلى الأعباء الحكومية بتخصيص موارد إضافية لخدمة ذلك الدين، ويكون ذلك على حساب موارد تخصص لدفع النمو مثل الانفاق على تطوير البنية الأساسية.

ـ مع استمرار الحاجة من الدولة للإقراض من أجل النمو، فإن ذلك سيشكل ضغوطاً على البنوك التجارية ويتسبب في شح السيولة في السوق المحلية، الأمر الذي يجعل من الصعوبة توفر القروض لرجال الأعمال أو أن يصبح الاقتراض أكثر كلفة. لكن هذا الوضع لم يحدث بعد ولا يتوقع أن يحدث خلال العام الجاري.

ـ ستفقد الحكومة المرونة اللازمة لتحفيز الاقتصاد بضخ الأموال في أوقات التباطؤ الشامل. ومن شأن تخفيض الدين العام وتحقيق الفائض في ميزانية إعادة مقدرة الحكومية على مواجهة إية متطلبات للانفاق الاضافي إذا ما طرأت الحاجة. رغم أن الاقتصاديين يختلفون عموماً حول فعالية إجراءات تحفيز الاقتصاد بواسطة المزيد من الانفاق الحكومي. واليابان على سبيل المثال حاولت عبر هذا الطريق بدون نجاح يذكر خلال السنوات الماضية.

وزير المالية والاقتصاد الوطني أكد بأن العجز في الميزانية ليس كبيراً ولكن هو محل اهتمام الحكومة ولديها خطة طويلة المدى، والمملكة اتخذت عدداً من الاجراءات في الماضي فيما يتعلق بالايرادات والمصروفات.

واكد العساف بأن هناك أموراً كثيرة وتطورات من الصعب التحكم فيها خلال سنة واحدة مثل ما تم في العام الماضي، وبالتالي فإن العجز المتحقق يختلف عن العجز المتوقع وهذه كلها قرارات سواء بزيادة النفقات أو غيرها هي قرارات من الجهات العليا ووزارة المالية تنفذ التوجهات السامية بهذا الخصوص.


الاحتياطي الخارجي

أشار رئيس الدائرة الاقتصادية بالبنك السعودي الأمريكي إلى أهم أدوات المقدرة المالية الحكومية وهو حجم موجوداتها الأجنبية، ففي أوقات تراجع العائدات النفطية تلجأ الحكومات الزيادة دخلها لمقابلة متطلبات الميزانية بالسحب من محفظتها الاستثمارية الخارجية. وقد شرعت مؤسسة النقد العربي السعودي منذ يوليو 2001م في نشر معلومات عن الأرصدة الخارجية للحكومة بحيث تغطي فترة الشهر المنصرم بينما كانت تنشر سنوياً في السابق في نوفمبر ولا تعطي فترة الخمسة أشهر قبل تاريخ صدورها. وتعتبر هذه واحدة من المجلات الرئيسية التي تحسن فيها وضع الشفافية والافصاح عن المعلومات المالية بصورة واضحة خلال العام 2001م.


الموجودات الأجنبية

يبلغ رصيد مؤسسة النقد من الموجودات الأجنبية حسب نتائج نوفمبر الماضي حوالي 182.5مليار ريال أي ما يعادل 48.67مليار دولار إضافة إلى 127مليار ريال ( 33.9مليار دولار) من الموجودات الأجنبية خاصة صندوقي معاشات التقاعد والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية تدار عبر مؤسسة النقد، ويتم استثمار هذه الأرصدة بصورة محافظة على أدوات مالية ممتازة تدر عائداً سنوياً يبلغ 6في المائة في المتوسط.

وتستطيع مؤسسة النقد الحصول على عائد سنوي لصالح الميزانية مقداره 5.6مليارات ريال ( 1.5مليار دولار) دون أن تمس أصول رأسمال.

أما بالنسبة لصندوقي معاشات التقاعد والتأمينات الاجتماعية فهما في نمو مستمر وهذا يعكس الحجم الكبير للمشاركة من قبل العاملين بأعلى من الدفعيات التي تعطى لأرباب المعاشات.

وللمملكة حالياً أرصدة أجنبية تبلغ حوالي 310.5مليارات ريال ( 82.8مليار دولار) أي ما يعادل 95في المائة من حجم الكتلة النقدية المحلية حسب المعيار الأشمل ن ـ 3أو ما يعادل أرصدة أجنبية كافية لتمويل واردات المملكة لفترة 36شهراً أو ما يمثل 3ـ 2مرة من حجم دين القطاع الخاص على الحكومة.

ويعتبر موقف الأرصدة الأجنبية هذا قوياً بأى معيار ويمثل عاملاً رئيسياً في تحييد ضعف الموارد المالية الحكومية الذي تم التعرض إليه سابقاً.

وتلعب الأرصدة الأجنبية عاملاً مهماً في ثبات سعر صرف الريال مقابل الدولار عند 3.75ريالات للدولار الواحد المطبق منذ العام 1986م حيث يتعين على الحكومة الحفاظ على رصيد كبير من العملات الأجنبية لدخول الأسواق عند الضرورة لضمان ثبات سعر الصرف.

ويرى السيد "بورلاند" أن موقف المملكة يبدو قوياً فيما يتعلق بالأرصدة الأجنبية إلا أن هناك اتجاهاً مثيراً للقلق يتلخص في أنه في كل مرة تشهد فيها أسعار النفط بعض الضعف يكون حجم الأرصدة الأجنبية في مستوى أقل، فمثلاً بلغت الموجودات الأجنبية لمؤسسة النقد 213.5مليار ريال ( 56.96مليار دولار) في العام 1997م قبل فترة ضعف الأسعار بين عامي 1997م و 1999م بينما تدنت إلى 182.6مليار ريال ( 48.7مليار دولار) في نوفمبر عام 2001م في ظل سوق نفطية ضعيفة وعجز كبير في ميزانية العام 2002م.


الناتج المحلي

هناك مؤشر آخر ايجابي للاقتصاد السعودي فبالإضافة إلى الموجودات الأجنبية الكبيرة هناك مؤشر ايجابي آخر وهو نمو الناتج المحلي الاجمالي، حيث يبلغ اجمالي الناتج المحلي للمملكة 637.2مليار ريال ( 169.9مليار دولار) يمثل أكبر اقتصاد على مستوى العالم العربي وما يعادل 10بالمائة من اقتصاد المملكة المتحدة وحوالي 1.6في المائة من اقتصاد الولايات المتحدة، ومن خصائص اقتصاد المملكة انتهاجه لمبدأ اقتصاد السوق وانخفاض معدل التضخم وانخفاض معدلات أسعار الفائدة وحرية تنقل وحركة رؤوس الأموال للخارج أو للداخل واستقرار العملة والبنية التحتية الأساسية المتطورة وتوفر الأحوال لدى القطاع الخاص مما يعكس توفر عناصر الجذب للعمل الاقتصادي.

فقد شهد الاقتصاد السعودي تنويعاً مطرداً على مر الأعوام حيث ساهم القطاع الخاص غير النفطي بنسبة 42في المائة من الناتج الاجمالي لعام 2000م.

وقد اتصف الناتج الاجمالي الفعلي بالنمو المرتفع خلال فترة السبعينات وما زالت الحكومة تعمل على التركيز على تحديات التباطؤ الناتج الاجمالي خلال العقدين الماضيين وتسارع النمو في شريحة الشباب من السكان كما أن الدولة قد شرعت في اصلاحات اقتصادية شاملة للتعامل مع التحديات، اضافة إلى خفض الاعتماد الحكومي على إيرادات النفط والتخلص من العجز الحكومي في الميزانية وتقليص الدين العام.


القطاع الخاص غير النفطي

إن من أبرز الايجابيات هو النمو المستمر للقطاع الخاص غير النفطي حيث حقق نمواً جيداً خلال السنوات الماضية في الوقت الذي لم يحقق فيه القطاعان الحكومي والنفطي نمواً يذكر. ونتيجة لهذا فإن القطاع الخاص غير النفطي صار تحتل تدريجياً موقعاً أكبر في الاقتصاد الأمر الذي يعكس تنويعاً صحياً من الاعتماد على مصدر واحد وهو النفط.

ولقد ركزت الدولة بصورة أكبر على القطاع الاقتصادي غير النفطي على أساس انه المجال الذي يمكن أن يوفر فرص عمل للسعوديين، لذا اتجهت للقيام باصلاحات لتحرير هذا القطاع وتشجيعه على تحقيق معدلات أعلى من النمو، كما أن هذه الإصلاحات الاقتصادية قد حققت نمواً نوعياً في ميدان الاقتصاد غير النفطي، وحسب التقديرات للأداء الاقتصادي للعام 2001م ورفعها إلى حوالى واحد في المائة من النمو الفعلي للناتج المحلي الاجمالي، والمستند إلى النمو الفعلي في قطاع غير النفطي بنسبة 3.5% الأمر الذي يتوقع أن يعوض التراجع الذي شهده القطاع النفطي.


مستقبل الاقتصاد السعودي

إن الخطوات الايجابية التي اتخذتها المملكة من خلال إعداد برامج خاصة للاصلاحات بهدف تسريع نمو القطاع الخاص وتوفير المزيد من فرص التوظيف، فإن تلك الخطوات مستمرة منذ عدة سنوات ولا تزال تسير وفق البرنامج الإصلاحي المخطط لها.

ويرى المراقبون بأن تلك الاصلاحات وإن بدأت هامة لتحقيق أهدافها إلا أنها ما زالت بطيئة وما تم تنفيذه ما زال أقل كثيراً من التطلعات وخاصة إذا ما تم مقارنتها بحجم الامكانيات الكبيرة للمملكة.

إن الفترة القادمة للاقتصاد السعودي تعتبر فترة هامة لأنها تأتي بين تحديات المستقبل وأعباء الماضي، لذا ومن خلال هذه المتغيرات يتوقع أن تنهج الدولة إلى تفعيل برامجها الاصلاحية لتحقيق أهدافها.