المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكاتب عبدالله الجعيثن يكتب ذهبا" (( موضوع انصح وبشده بالتمعن فيه - مجرد دقائق))



الرقم
01-05-2006, Mon 1:57 AM
إدمان الكسب السهل يُدَمِّر الأخلاق


عبدالله الجعيثن
الفقر أمرٌ سيئ جداً.. وشبحٌ مخيف.. كريه. يذل الإنسان.. وهو أيضاً من أعظم المشكلات الاجتماعية التي لم تتوصل البشرية إلى حل جذري له حتى الآن.. الفقر كارثة.
ولكن إدمان الكسب السهل كارثة أيضاً.. كارثة على الفرد والمجتمع.. على الاقتصاد والأخلاق.. ومورث للفقر في نهاية الأمر.
٭ ٭ ٭
وقد بدأ كثيرون في مجتمعنا يدمنون على الكسب السهل.. من خلال تعاملهم في سوق الأسهم المحلية.. فخلال السنوات الثلاث الماضية.. انهالت مكاسب هائلة.. وسهلة جداً.. على الكثيرين ممن ضاربوا في سوق الأسهم المحلية.. والتي ارتفعت خلال أربع سنوات.. عشر مرات تقريباً.. فخرج العديد من المليونيرات الجدد كأنما قفزوا من شاشة الأسهم.. أو كأنما قفزت لهم الملايين قفزاً.. وسعت لهم سعياً.
وهذا - في حد ذاته - أمرٌ جيد.. ولا غبار عليه طالما كسب الإنسان بدون غش ولا تدليس.. ولم يغره الكسب السهل ويجعله يدمن عليه.. ولا يعرف عنه بديلاً.. أو يظنه دائماً.. فإن خسائر سوق الأسهم قاتلة.. وهو من أخطر الأمور خاصة للجاهلين.
ولكن كثيرين - مع الأسف - أدمنوا الكسب السهل.. واعتادوا عليه.. ولا يريدون مصدراً للرزق غيره.. فهانت عليهم قيمة العمل.. واستخفوا بعوائده كل الاستخفاف.. وبعضهم يجاهر بهذا.. ويفاخر.. ويسأل الذي يعمل: كم دخلك؟ أو كم مرتبك؟ ثم يقول ساخراً مفاخراً: هل هذا دخل؟ هل هذا مرتب مع دوام متعب؟ إنني - ويملأ بها شدقيه كأنما استعاد القدس - أكسب من شاشة الأسهم في يوم واحد كثر مرتبك خمس سنوات.. وقد يكون صادقاً أو كاذباً مبالغاً.. ولكنه في كلتا الحالتين يُفسد الأخلاق وينشر عادة الاستخفاف بالعمل والحنق من عائد العمل الذي بدا له ضئيلاً.. وما هو بضئيل.. وينشر الطمع والجشع والحقد أيضاً.. فوق أنه - هو وأمثاله ممن أدمنوا الكسب السهل - كثير منهم تفسد أخلاقهم في ذاتهم.. وينشرون العدوى في كثير ممن حولهم.. وخاصة عدوى الكسل.. والاستخفاف بقيمة العمل.. واستقلال عائده.. واستصعاب ظروفه.. وما انتشر الاستخفاف بالعمل في مجتمع، إلا كان ذلك نذير شر.. ومقدمة لانهيار اقتصادي.. واجتماعي.. وأخلاقي.. ذلك بأن العمل ليس مجرد وسيلة لكسب الرزق.. وإنما هو - أيضاً وهذا الأهم - وسيلة لبناء النفس، وتحقيق الذات، والشعور بالسعادة، ولذة الإنتاج والكفاح.. فوق أنه بناء للوطن.. وللمجتمع.. وقبل ذلك فإن العمل - عمل الدنيا - جزء من عبادة الله عز وجل مع حسن النية.. وجزء من عمارة الأرض.
«مَرّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ فرأى أصحاب رسول الله من جَلَده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله.. وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله.. وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان».
وصافح الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً فوجد يده خشنة من أثر العمل فقال: «هذه يدٌ يحبها الله ورسوله». ورأى رجلاً ملازماً للمسجد فقال: من يعوله؟ قالوا: أخوه، فقال: «أخوه أفضل منه..».
والمسألة واضحة.. والعمل بحد ذاته هدف.. وأكبر أثرياء العالم يعملون بجد.. ونشاط.. وانتظام دقيق.. مع أن لديهم من الأموال ما يكفي أحفاد أحفادهم.. ولكن العمل هو السعادة والقيمة وتحقيق الذات.. أما إدمان الكسب السهل، وجعله بديلاً للعمل، فإنه مفسدة للأخلاق، وللاقتصاد.. ومن مفاسده، غير الاستخفاف بالعمل:

(الخمول والترف)
إن مدمن الكسب السهل يصبح خاملاً.. خامداً.. كسولاً.. مترفاً.. وإذا انقطع عنه ذلك الكسب السهل - ومصيره للانقطاع فدوام الحال من المحال - اكتشف أنه لم يعد يصلح لشيء.. أو لعمل.. وأنه عالة على الحياة.. وعلى الناس.. وهو كان كذلك حين كان يكسب بسهولة ويعتقد أنه فريد زمانه!
والترف يجعل صاحبه رخواً كالقطن، ومتكلاً على غيره في أموره الخاصة، إضافة إلى ما يفضي إليه من اتباع الشهوات حتى القرف، كمن يشرب من ماء مالح.

(الإسراف)
إن إدمان الكسب السهل يُعوّد صاحبه على الإسراف والتبذير في الأغلب، والمثل يقول «ما هان مدخاله هان مخراجه».
ومضارب الأسهم في الغالب.. كالمقامر.. مسرف إن ربح وإن خسر.. إن ربح أغراه الربح بالإسراف.. وإن خسر قال في نفسه: كيف لا أنفق كذا وقد خسرت في لحظة أضعافه؟
على أي حال فإن الإسراف يُفسد النفس والولد ويُفسد السعادة أيضاً، فإن السعادة في حاجة لبعض الحرمان، فلذة الطعام على الجوع، ولذة الماء على الظمأ.
وإذا تأصل الإسراف - مع إدمان الكسب السهل - فإنه يأتي بالفقر.. الكسب السهل لا يدوم.. والإسراف منحدر سهل لحفرة الفقر.
وما أصعب الفقر بعد الغنى.

(حب المظاهر)
مدمن الكسب السهل غالباً ما يُصاب بحب المظاهر، يعوض بها فراغه من الإنتاج الحقيقي ويحاول أن يضع لنفسه بالمظاهر قيمة يفتقدها في الداخل.. لذلك فإنه كثيراً ما (يجخ وينفخ)كالطبل الأجوف.

(الجشع)
والذي اعتاد الكسب السهل وأدمنه يصبح جشعاً طماعاً في الغالب، يريد أن يكسب المزيد دائماً، ولا يرضى، ويمتطي بغال الجشع حتى ترديه، أو تُفلس به.

(التحايل والمكر)
وحين يعتاد الإنسان على المكسب السريع.. السهل.. فإنه - غالباً - يتعلم ضروباً من المكر والتحايل لكي يستمر كسبه السهل السريع ويزيد فيفسد في نفسه.. ويفسد غيره.

(الضجر وعدم الرضا)
فرحة الكسب السهل.. السريع.. تنتهي بعد أيام ويريد صاحبها أن يكررها والأمور ليست بيده.. فيصاب بالضجر وعدم الرضا لأنه لم يحصل على مبتغاه دائماً.. ذلك أن هذه الدرب ليست سالكة باستمرار.. فإذا سُدّت أمامه أحس بالضجر وعدم الرضا.. فهو قد اعتاد على الإسراف والترف والتبذير وسهولة الموارد، فإذا صعبت الموارد أو انقطعت - وهذا ما يحصل لمدمن الكسب السهل الذي تعود العزوف عن الكفاح والعمل - فإنه يقلق ويحنق ويحقد وقد يبحث عن أي سبيل غير شريف لإرواء إدمانه للمكاسب السهلة، يقول ابن خلدون:
«.. إن التفنن في الترف إذا بلغ الغاية تبعه طاعة الشهوات فتتلون النفس بألوان كثيرة لا يستقيم حالها معها في دينها ولا دنياها.. فتعظم النفقات وتخرج عن القصد إلى الإسراف.. فلذلك يكثر الفسق والشر والتحيُّل على تحصيل المعاش من وجهه ومن غير وجهه وتنصرف النفس إلى الفكر في ذلك والغوص عليه واستجماع الحيلة له.. فتجدهم أجرياء على الكذب والمقامرة والخِلابة والسرقة والفجور في الأيمان.. ثم تجدهم أبصر بطرق الفسق ومذاهبه والمجاهرة به وبدواعيه واطراح الحشمة..» المقدمة باختصار.
٭ ٭ ٭
(البديل الجميل)
إن الكسب السريع السهل من سوق الأسهم.. كما حدث لكثيرين.. هو نعمة إذا أحسن أصحابها استغلالها.. وذلك بشكر الله على نعمه وإخراج حقها وتأسيس شركات ومؤسسات تشغل أصحابها وتوفر فرص عمل وخدمات وتفتح أمامهم أبواب الطموح وعشق العمل والإنتاج.
أما الاستسلام للكسب السهل واعتياده والاعتقاد بدوامه فهو أمرٌ خطر على الفرد والمجتمع.
والمال بحد ذاته لا يحقق السعادة أبداً، السعادة في داخل النفس: رضا وطمأنينة وتحقيق ذات.. المال الذي يأتي بسهولة كثيراً ما يُفسد صاحبه ويكون نقمة عليه إذا استسلم للشهوات والملذات. يقول اللورد بيفر بروك في كتابه الفذ «النجاح» وهو بليونير: «المال؟.. إن لهذه الكلمة رنيناً سحرياً.. وهي تلوح أمام الخيال ببعض أنواع الفراديس الفاتنة الخلاَّبة التي ما يكاد المرء يبتغي فيها أمراً حتى يُجَاب إليه.. أي أن مصباح علاء الدين قد أُتي به إلى أرض الحقيقة.. ومع ذلك فإن المال في عالم الحقيقة لا يحمل معه إلا صفتين لهما قيمتهما: هما الخُلُقُ الذي يبدعه في غضون التكوين وإفصاح الشخصية الفردية عن ذاتها في استخدامها حين تتكون هذه الشخصية الفردية، إن فن الإثراء يشمل كل هذه الصفات: العزم والتركيز والاقتصاد وضبط النفس، وهي التي تعمل للوصول إلى النجاح والسعادة، وفيما عدا هاتين القوتين: الخُلُقُ في غضون اكتساب المال، والقوة في استخدامه، فإن المال ليس له إلا قيمة ضئيلة، وأكبر الظن أنه يصبح لعنة كما هو نعمة، ومن أجل ذلك فإن صاحب المال لا يُعْنَى إلا قليلاً بأنْ يُخَلِّف لورثته ثروة ضخمة، لأنه يعلم أنهم يكونون رجالاً أفضل إذا نزلوا إلى الميدان عُزَّلاً مجردين من الميراث ولا يملكون إلا العقل والأخلاق، إن الثروة بدون العقل والأخلاق كثيراً ما تصبح وسيلة يُشبع بها الرجال أجسامهم برفاهية العيش ورغده وعقولهم بالفراغ والتفاهة حتى الممات..».

د.سهم
01-05-2006, Mon 4:04 AM
ماشاء الله تبارك الله
مقال جميل جداً جداً

يوحي لك بمستقبل السوق السعودي من دون التطرق له مباشرة

شكراً لك على هذا النقل

فهد الدلبحي
05-05-2006, Fri 10:25 PM
بارك الله فيك بصراحه موضوع مفيد %100 وهذا فعلا المفروض

والله يصلح الجميع

مشكور اخوي الرقم

د.سهم
05-07-2006, Wed 12:25 AM
موضوع جميل جداً

مره اخرى للرفع