خالد الصقعبي
30-04-2006, Sun 6:00 AM
جريدة الجزيرة . محمد عبداللطيف آل الشيخ
سوق المال أصبح لأغلب السعوديين هو القضية الأهم لارتباطه بأرزاقهم، وبمستقبلهم ومستقبل أبنائهم. هذه حقيقة تؤكدها بالأرقام كل المؤشرات؛ وكما يقولون: المال عديل الروح، وقطع الأعناق ولا قطع الأرزاق. وهناك أربعة ملايين محفظة استثمارية - كما تقول الإحصاءات - تتعامل في الاستثمار في هذا السوق، وهذا يعني أن ما يزيد على نصف السعوديين تتأثر حياتهم مباشرة بمؤشرات الأسهم صعوداً وهبوطاً. وفي رأيي أن هذه الظاهرة إذا أخذناها من زاوية أعداد المستثمرين قياساً بعدد السكان، تعتبر ظاهرة تاريخية لم يسبق لأية دولة، منذ أن عرف الاقتصاد التداول في البورصات، أن وصلَ عدد المتداولين من حيث (الكم) إلى أكثر من نصف الشعب؛ هذا إذا استثنينا سوق (المناخ) في الكويت لأسباب يطول شرحها في هذه العجالة.
لذلك فإنَّ من الموضوعية بمكان - كما قلت في مقال سابق - أنْ يُؤخذَ في الحسبان وبشكل دقيق، مدى تأثيرات أي قرار تتخذه الهيئة المشرفة على سوق المال على المستوى السياسي والاجتماعي، قبل أنْ يُؤخذَ في الاعتبار (فقط) النواحي المهنية المتخصصة، سواء كانت اقتصادية أو قانونية.
الآن، وحسب أرقام الأيام القليلة الماضية، يبدو أن السوق في طريقه إلى أنْ يتعافى من (الهلع) والإحباط النفسي الذي أحدثته قرارات الهيئة الأخيرة، وبدأ يتجه إلى الصعود، وأخذت (آلياته) تعمل لتنعكس النتائج القياسية في الأرباح التي حققتها الشركات على أسعار أسهم وتداولات الشركات المدرجة في السوق، ويعكس الوضع الصحي الجيد للاقتصاد السعودي في العهد الميمون.
ولكن - والخوف من لكن هنا - كل ما يخشاه المستثمر، وبالذات صغار المستثمرين، أنْ تعود (حليمة لعادتها القديمة)، وتصدر الهيئة قراراً أو قراراتٍ جديدةً من شأنها أنْ تعيد المآسي، بل الكوارث، إلى هذا السوق مرة أخرى.. ومن خلال قرار (متعجل) وغير مدروس التبعات، يعود السوق وينهار، كما هو قرارها الأخير الذي هبط بالسوق آلاف النقاط.
فالهيئة تدعي أنها بقراراتها تسعى إلى ضبط السوق، وحماية المستثمر من خلال منع (الهوامير) من اللعب في هذه السوق. غير أن ما رأيناه يُثبت تماماً (العكس)، ويؤكد أن قرارات الهيئة، وليس هوامير المضاربين، هي التي جنت على صغار المستثمرين، وكلفتهم مدخراتهم، وعرق جبينهم، بدلاً من أن تحميهم.
ولعلَّ (الحرب) على المضاربة والمضاربين التي تعتبرها الهيئة والقائمون عليها رسالتها الأولى، كما يتضح من كل القرارات، وتصريحات المسؤولين فيها - على ندرتها - هي (المشكلة) التي جعلت (صورة) هذه الهيئة، والعاملين فيها، عند الناس، تصل إلى هذه المرحلة من عدم (الثقة). بينما أن تعامل المضاربين، يُعتبر في البورصات، كبرياتها والصغرى منها على السواء، جزءاً لا يتجزأ من عمل هذه البورصات وحيويتها ونشاطها وجاذبيتها الاستثمارية.
و(الحرب) التي تشنها الهيئة على المضاربين، و(ترصدها) الدائم لهم؛ حتى وإن أدّت هذه (الحرب) إلى انتكاسة السوق، وخسارة المتعاملين فيها، كما في القرار الأخير، هي أس البلاء وسبب العلة.. ولعل (الهاجس الجمعي) السلبي الذي تشكل في أذهان المستثمرين تجاه الهيئة، سببه أن العاملين في الهيئة سيلاحقون (هوامير المضاربين) حتى لو أدَّت هذه (الملاحقة) إلى سقوط البيت، كل البيت، على رؤوس مَنْ فيه والداخلين إليه، المذنب وغير المذنب على السواء؛ والذي تثبته بكل جلاء ووضوح قرارات الهيئة، وما نتج عنها وبسببها من انهيارات ومآسٍ، يؤكد ما أقول.. ومثل هذا (الهاجس) لم يتشكل في أذهان الناس دونما أسباب وبواعث وممارسات خاطئة اقترفتها الهيئة والمسؤولون عن إدارتها.
ولأن المستثمرين، صغارهم وكبارهم على السواء، لا يثقون في (حصافة) الهيئة، ولكي لا تتكرر الأخطاء، وتزداد الخسائر، وتتراكم الديون على عاتق المستثمرين، أرى أن يتم تشكيل لجنة (طوارئ) من خارج الجهاز البيروقراطي المالي الحكومي - من أعضاء مجلس الشورى مثلاً - بحيث تلتزم الهيئة بألا تتخذ قراراً إلا بعد تمريره على هذه اللجنة، لتتأكد من سلامته، وبالذات سلامة تبعاته وآثاره على المتعاملين في السوق قبل أن يكون محل التنفيذ.
دون ذلك فإن الهيئة، وعن سابق تجربة - للأسف - مؤهلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى أن تعود إلى أخطائها؛ والسبب أن أعضاء مجلسها - على ما يبدو - لا يحملون رؤيةً ولا أفقاً سياسياً واجتماعياً يستطيعون من خلاله تلمس تأثيرات قراراتهم كما تؤكد ممارساتهم الإدارية الأخيرة؛ ولا سيما أن السوق يحتاج فقط إلى ترسيخ (الثقة) أكثر مما يحتاج إلى (ترصد) أخطاء المضاربين.
والإنسان الذي على قدر معقول من الذكاء، فضلاً عن الإداري الفطن، لا بد أن يعي أنَّ من الحكمة أن يكف عن ملاحقة (الفئران أو الهوامير) إذا كان اصطياده سيهدم البيت على ساكنيه.
سوق المال أصبح لأغلب السعوديين هو القضية الأهم لارتباطه بأرزاقهم، وبمستقبلهم ومستقبل أبنائهم. هذه حقيقة تؤكدها بالأرقام كل المؤشرات؛ وكما يقولون: المال عديل الروح، وقطع الأعناق ولا قطع الأرزاق. وهناك أربعة ملايين محفظة استثمارية - كما تقول الإحصاءات - تتعامل في الاستثمار في هذا السوق، وهذا يعني أن ما يزيد على نصف السعوديين تتأثر حياتهم مباشرة بمؤشرات الأسهم صعوداً وهبوطاً. وفي رأيي أن هذه الظاهرة إذا أخذناها من زاوية أعداد المستثمرين قياساً بعدد السكان، تعتبر ظاهرة تاريخية لم يسبق لأية دولة، منذ أن عرف الاقتصاد التداول في البورصات، أن وصلَ عدد المتداولين من حيث (الكم) إلى أكثر من نصف الشعب؛ هذا إذا استثنينا سوق (المناخ) في الكويت لأسباب يطول شرحها في هذه العجالة.
لذلك فإنَّ من الموضوعية بمكان - كما قلت في مقال سابق - أنْ يُؤخذَ في الحسبان وبشكل دقيق، مدى تأثيرات أي قرار تتخذه الهيئة المشرفة على سوق المال على المستوى السياسي والاجتماعي، قبل أنْ يُؤخذَ في الاعتبار (فقط) النواحي المهنية المتخصصة، سواء كانت اقتصادية أو قانونية.
الآن، وحسب أرقام الأيام القليلة الماضية، يبدو أن السوق في طريقه إلى أنْ يتعافى من (الهلع) والإحباط النفسي الذي أحدثته قرارات الهيئة الأخيرة، وبدأ يتجه إلى الصعود، وأخذت (آلياته) تعمل لتنعكس النتائج القياسية في الأرباح التي حققتها الشركات على أسعار أسهم وتداولات الشركات المدرجة في السوق، ويعكس الوضع الصحي الجيد للاقتصاد السعودي في العهد الميمون.
ولكن - والخوف من لكن هنا - كل ما يخشاه المستثمر، وبالذات صغار المستثمرين، أنْ تعود (حليمة لعادتها القديمة)، وتصدر الهيئة قراراً أو قراراتٍ جديدةً من شأنها أنْ تعيد المآسي، بل الكوارث، إلى هذا السوق مرة أخرى.. ومن خلال قرار (متعجل) وغير مدروس التبعات، يعود السوق وينهار، كما هو قرارها الأخير الذي هبط بالسوق آلاف النقاط.
فالهيئة تدعي أنها بقراراتها تسعى إلى ضبط السوق، وحماية المستثمر من خلال منع (الهوامير) من اللعب في هذه السوق. غير أن ما رأيناه يُثبت تماماً (العكس)، ويؤكد أن قرارات الهيئة، وليس هوامير المضاربين، هي التي جنت على صغار المستثمرين، وكلفتهم مدخراتهم، وعرق جبينهم، بدلاً من أن تحميهم.
ولعلَّ (الحرب) على المضاربة والمضاربين التي تعتبرها الهيئة والقائمون عليها رسالتها الأولى، كما يتضح من كل القرارات، وتصريحات المسؤولين فيها - على ندرتها - هي (المشكلة) التي جعلت (صورة) هذه الهيئة، والعاملين فيها، عند الناس، تصل إلى هذه المرحلة من عدم (الثقة). بينما أن تعامل المضاربين، يُعتبر في البورصات، كبرياتها والصغرى منها على السواء، جزءاً لا يتجزأ من عمل هذه البورصات وحيويتها ونشاطها وجاذبيتها الاستثمارية.
و(الحرب) التي تشنها الهيئة على المضاربين، و(ترصدها) الدائم لهم؛ حتى وإن أدّت هذه (الحرب) إلى انتكاسة السوق، وخسارة المتعاملين فيها، كما في القرار الأخير، هي أس البلاء وسبب العلة.. ولعل (الهاجس الجمعي) السلبي الذي تشكل في أذهان المستثمرين تجاه الهيئة، سببه أن العاملين في الهيئة سيلاحقون (هوامير المضاربين) حتى لو أدَّت هذه (الملاحقة) إلى سقوط البيت، كل البيت، على رؤوس مَنْ فيه والداخلين إليه، المذنب وغير المذنب على السواء؛ والذي تثبته بكل جلاء ووضوح قرارات الهيئة، وما نتج عنها وبسببها من انهيارات ومآسٍ، يؤكد ما أقول.. ومثل هذا (الهاجس) لم يتشكل في أذهان الناس دونما أسباب وبواعث وممارسات خاطئة اقترفتها الهيئة والمسؤولون عن إدارتها.
ولأن المستثمرين، صغارهم وكبارهم على السواء، لا يثقون في (حصافة) الهيئة، ولكي لا تتكرر الأخطاء، وتزداد الخسائر، وتتراكم الديون على عاتق المستثمرين، أرى أن يتم تشكيل لجنة (طوارئ) من خارج الجهاز البيروقراطي المالي الحكومي - من أعضاء مجلس الشورى مثلاً - بحيث تلتزم الهيئة بألا تتخذ قراراً إلا بعد تمريره على هذه اللجنة، لتتأكد من سلامته، وبالذات سلامة تبعاته وآثاره على المتعاملين في السوق قبل أن يكون محل التنفيذ.
دون ذلك فإن الهيئة، وعن سابق تجربة - للأسف - مؤهلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى أن تعود إلى أخطائها؛ والسبب أن أعضاء مجلسها - على ما يبدو - لا يحملون رؤيةً ولا أفقاً سياسياً واجتماعياً يستطيعون من خلاله تلمس تأثيرات قراراتهم كما تؤكد ممارساتهم الإدارية الأخيرة؛ ولا سيما أن السوق يحتاج فقط إلى ترسيخ (الثقة) أكثر مما يحتاج إلى (ترصد) أخطاء المضاربين.
والإنسان الذي على قدر معقول من الذكاء، فضلاً عن الإداري الفطن، لا بد أن يعي أنَّ من الحكمة أن يكف عن ملاحقة (الفئران أو الهوامير) إذا كان اصطياده سيهدم البيت على ساكنيه.