المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بين بُشرى بوش وحلم أشعب.......



المستكشف
14-04-2006, Fri 12:50 PM
بين بُشرى بوش وحلم أشعب



يحكى أن أشعب قال: رأيت رؤيا نصفها صادق، ونصفها الآخر كاذب!! فقيل له كيف..؟ قال رأيت انني احمل كيساً ثقيلاً من الذهب، فكنت من شدة ثقله ابول على نفسي، فلما استيقظت وجدت البول، ولم اجد الذهب..!.
في غمرة الغزو الأمريكي، واحراق بغداد، واجتياح العراق. هناك كثيرون كانوا مخمورين تحت وهج الامركة القادمة، فأخذوا يشغلون عقولنا وأسماعنا بالحرية، والديموقراطية، والعولمة، وحقوق الانسان، والحياة الرخية، بل والفردوس الجديد الذي ستشيده امريكا في المنطقة كلها.. كانوا تماماً مثل السيد أشعب في حلمه ونومه اللذيذ.. وهاهم ومعهم امريكا نفسها يصحون على الواقع المؤلم الحزين، على جهنم الحمراء التي وقودها الشعب العراقي، وقد تأتي على شعوب اخرى.. فكل ثانية تمر من عمر الاحتلال الامريكي انما تمثل كابوساً لعيناً على الأرض العراقية والأرض العربية جمعاء...
صحا الناس كلهم كما صحا أشعب فلم يروا ولم يجدوا إلا النجاسة وخساسة المحتل ومشاهد الدمار، والقتل، والابادة الوحشية، والقهر والظلم.. رأوا كيف يهان العربي، ويعامل باحتقار ومهانة لا تليق بالحيوان.. شاهدوا الدماء العربية تنزف في طرقات العراق وشوارعه، وبيوته، ومزارعه، وكل مربعاته وزواياه.. شاهدوا اللحم العربي الطري ممزقاً مبعثراً لزجاً تافهاً رخيصاً لاقيمة له، ولا حرمة له. وهاهم يشاهدون ما هو انكى واشد: فتنة هوجاء، رعناء تضرب اطنابها، وتنشر سوادها البغيض على العيون، والافئدة، والنفوس. فالسفينة العراقية تتلاعب بها امواج ورياح الفتنة، والطائفية، وألواحها تتفكك، وتتصدع، وهي تغوص رويداً رويداً، لتختفي في غياهب اليم المظلم المجهول...!
فمن ذا الذي يستطيع ان يتخيل. مجرد تخيل ان امريكا سترحل هي وحلفاؤها تاركة وراءها عراقاً واحداً ينعم بالاستقرار، والرفاهية والأمن...؟ تلك مجازفة عقلية لا تليق بمن يقرأ الواقع - وانعكاسه على المستقبل الذي لا يمكن بأن يوصف. الا بأنه مستقبل بائس، وتعيس - .. هذه الايام يحتفل الامريكان - على طريقتهم - بمرور ثلاث سنوات على سقوط بغداد، وعلى رفع العلم الامريكي فوق تمثال صدام حسين بميدان الفردوس... وملايين من الشعب العراقي يندبون موتاهم الذين قتلوا خلال هذه الفترة، وبيوتهم التي هدمت، ومدارسهم التي عطلت، ومزارعهم التي احرقت. فالحق يقال ان الامريكان وحلفاءهم كانوا مواظبين على ضرب مدن العراق وقراه وحقوله مواظبة تامة. فلم يتأخروا لحظة واحدة في شحن الطائرات والدبابات، والمدافع بالمبيدات البشرية، التي اخذت تهلك الحرث والنسل والزرع، والضرع، وكل شيء قابل للذبح والاحراق..
منذ اسابيع استعد السيد بوش لتدشين عامه الرابع من الاحتلال بتبشير العراقيين بحرب اهلية طائفية يعرف بدايتها ويستحيل عليه معرفة نهايتها.. ثم شن حرباً وحشية بربرية على سامراء وقراها، قوامها خمسون طائرة، ومائتا دبابة وعدد هائل من المدافع وناقلات الجنود، وبنادق الليزر، وهذه الحشود لا تدل في الواقع على القوة الامريكية، وانما تكشف عن ضعفها وتخبطها فقرى سامراء لا تحتاج الى ذلك كله، ولكن العجز الامريكي وعدم القدرة على السيطرة، وضبط الأمن هو الذي جعلها تفقد قواها العقلية، فتأتي الى غزوات جهنمية فشلت كسابقاتها في قمع المقاومة العراقية تماماً كما كانت تفعل في ايامها الاخيرة في فيتنام حيث كانت تلقي طائراتها خمسين الف طن من القنابل المهلكة على القرى المجاورة لهانوي.
السيد بوش بشر بالحرب الأهلية الطائفية.. ولم يقل لنا من الذي كان السبب وراء هذه الحرب المتوقعة...؟ وكان قد قال لنا في البداية إنه جاء لإنقاذ امريكا والعالم من سلاح الدمار الشامل... ثم قال انه إنما جاء من اجل ارساء وترسيخ الديموقراطية والحرية وحقوق الانسان...! ثم ها هو يبشرنا هذه المرة بشرى صادقة وعملية بترسيخ قواعد الحرب الأهلية الطائفية!!
أرأيتم كيف يهيننا الامريكان ويحتقروننا ويجعلون اجسادنا وانفسنا وكرامتنا تتعفن ونحن احياء..؟
بل أرأيتم الى كم نحن رعاع أرخص من الصراصير والضفادع في نظر الغرب كله...؟
العرب اليوم هم مساكين الناس.. لا وزن لهم، ولا قيمة لهم، ولا يوضعون في الحسبان عند حياكة القرارات والألاعيب السياسية. ودورهم الرئيس ان يكونوا ضحايا، ومواد استهلاكية لهذه الألاعيب، فها هي امريكا تمارس تضليلها وخداعها حول المفاعل النووي الإيراني وتروج لهذا التضليل في المحافل الدولية، وتشغل العالم وتصرفه عن جرائمها الفظيعة في العراق، وهي في الوقت نفسه تدخل ايران في مفاوضات لم تعد سرية حول خارطة العراق السياسية الجديدة... وامريكا لا يمكن ان تدخل في لعبة تناقض عبثية ففي السياسة دوائر مغلقة لا يعرفها الا الراسخون في امور التقنية السياسية... وتظل فرضية التناقض الظاهرة هامشاً يجتهد فيه المحللون من ذوي النبرات الغبية، وبغال الإعلام العربي، ومن الذين لا يزالون يحلمون بوحدة عراقية في ظل ديموقراطية وحرية وعولمة تتزيا بالزي الامريكي، حتى وان بشرهم رئيس امريكا وحبرها الاكبر بحرب طائفية اهلية تجعل اهلها يتغذون بالتراب والبارود وكلس العظام بدلاً من اكياس الذهب. كما حلم صاحبنا أشعب.. الفرق بين أشعب والعرب ان أشعب صحا وأدرك واقعه. اما العرب فإنهم لا يزالون يشخرون ويحلمون، وربما لن يستيقظوا حتى يخوضوا في ما هو أسوأ مما خاض فيه المرحوم أشعب..
منقول.