المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إصلاح تسعيرة الكهرباء في الشرق الأوسط



Dr.M
26-03-2006, Sun 6:23 PM
إصلاح تسعيرة الكهرباء في الشرق الأوسط

- أحمد فاروقي وروبرت إيرل وأنيس عزوني - 26/02/1427هـ
المقالة التالية كتبت لصالح مجلة ميس MEES, 48:49, December 5, 2005. أحمد فاروقي وروبرت إيرل هما مستشاران في مكتب سي. آر . آي الدولي في كاليفورنيا. وأنيس عزوني رئيس مكتب عزوني للاستشارات في الخبر في المملكة العربية السعودية. توجه أي أسئلة إلى .aneesazzouni@asazzouni.com


قطاع الكهرباء هو أحد أكثر القطاعات كثافة رأسمالية في العالم. إضافة إلى ذلك، فإنه نظراً لأنه لا يمكن تخزين الكهرباء بشكل اقتصادي وبكميات كبيرة، فإنه يجب بناء طاقة توليد احتياطية لمقابلة الطلب عند أوقات الذروة، التي يمكن أن تظهر لأيام قلائل خلال السنة، والشرق الأوسط ليس استثناء من هذه الأحوال.

إن النمو السريع للطلب على الكهرباء، والناتج عن النمو السكاني والتطور الاقتصادي، يفرض على حكومات الشرق الأوسط أن تستثمر مليارات الدولارات في قطاع الكهرباء. وخلال العقد الماضي شهدت المنطقة معدلات نمو مستدام في استهلاك الكهرباء تجاوز 6 في المائة في السنة، مع وجود معدلات نمو أعلى للطلب في دول مثل: الأردن, لبنان, والإمارات. لا بل إن الدول الأكثر غنى كالمملكة العربية السعودية تجد صعوبات في الاستمرار في تمويل استثمارات واسعة النطاق في مجال الطاقة الكهربائية، ونتيجة لذلك فقد واجهت السعودية ودول أخرى مثل: لبنان, قطر, واليمن نقصاً في إمدادات الكهرباء في الصيف الماضي. وليس من المدهش أن تجد الدول الأقل ثراء صعوبات أكثر في زيادة إمدادات الطاقة الكهربائية.
ومن المفيد أن ندرس التوقعات حول السعة الإنتاجية لثلاث من دول الخليج العربي بين الآن وعام 2010. إذ تخطط المملكة العربية السعودية لبناء طاقة إنتاجية جديدة بسعة 20.000 ميجاواط وبتكلفة مقدارها 15 مليار دولار. كما تخطط الإمارات لبناء طاقة إنتاجية بسعة 6.600 ميجاواط وبتكلفة مقدارها 5.1 مليار دولار. بينما تخطط الكويت لبناء طاقة إنتاجية مقدارها 2400 ميجاواط وبتكلفة 2.5 مليار دولار. ويمكن تعميم توقعات مشابهة على بقية دول المنطقة وذلك نتيجة للنمو الاقتصادي والسكاني السريعين، واللذين يشكلان عاملي ضغط كبير على طاقات التوليد الوطنية. وتبعاً لما يراه بعض الخبراء فإن المنطقة ربما تحتاج إلى استثمارات في قطاع الكهرباء تبلغ واحد تريليون دولار خلال العقدين المقبلين.
برامج التخصيص: باستثناء إيران واليمن، فقد عملت حكومات المنطقة على حل مشكلة اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية في مجال الطاقة الكهربائية من خلال تخصيص المرافق التي تملكها الحكومات وهذا يتطلب غالبا إعادة هيكلة مرافق الكهرباء إلى شركات منفصلة للتوليد والنقل والتوزيع. وبينما يعد هذا الأسلوب بتوفير تحسينات في جانب العرض، فإنه يحتاج إلى تعزيزه بحلول في جانب الطلب.
ولأسباب مختلفة فإن الخيارات التي تؤكد بناء المزيد من طاقات النقل والتوليد لا يمكنها أن تتعامل مع هذه المشكلة في الوقت المناسب. فمثلاً، يمكن للتجارة الدولية في مجال الكهرباء أن تمنع النقص في طاقة التوليد في دول كانت تعمل بشكل منفرد. ولكن خلال السنتين الماضيتين كانت إيران، والأردن ولبنان هي الدول الوحيدة التي انغمست بشكل ملموس في التجارة الدولية لتوليد الطاقة. وبالمثل، فإن إيجاد طاقة توليد إقليمية بين دول مجلس التعاون الخليجي سيساعد على سد الفجوة في طاقة التوليد، ولكن لا يمكن أن يتوقع أن يزيلها، حيث من المتوقع أن تؤدي حرارة الطقس إلى إطلاق طلب ذروي متزامن. وعلى المدى القصير، فربما ينحصر استخدام هذه الطاقة لمقابلة احتياجات قصيرة المدى كإدارة الطلب في حالات الطوارئ.
وأحد العناصر الرئيسية لإدارة نمو الطلب هو التأكد من أن أسعار الكهرباء تعكس كامل تكلفة الإنتاج والتوصيل. ومن المعروف تماماً أن معظم دول الشرق الأوسط تقدم معونات لخفض سعر الكهرباء، مما يشجع على زيادة الطب بشكل أكبر مما لو لم تكن هناك مثل هذه المعونات. وأشد ما تكون المشكلة صعوبة عند أوقات الذروة، عندما تكون تكلفة الإمداد بالطاقة هي خمسة ـ عشرة أضعاف تكلفتها عند الأوقات العادية. وفي الوقت ذاته فإن أسعار الكهرباء، حسب التعرفة الحالية، تبقى هي نفسها في الأوقات العادية.
تكييف الهواء: تشير تحليلات الطلب على الطاقة في كثير من دول الشرق الأوسط إلى أن معظم نمو الطلب ناتج عن النمو السريع في استخدام مكيفات الهواء في المنازل والشركات. وعادة ما يؤدي النمو الاقتصادي إلى نمو الطلب على تكييف الهواء. ولكن الأسعار المدعمة لا توفر حوافز للمستهلكين لشراء معدات أكثر كفاءة في استخدام الطاقة. وبالمثل فإنها لا توفر حوافز لمصنعي هذه المعدات على تصميم معدات أكثر كفاءة. ونتيجة لذلك فإن طاقة التحميل لدى مرافق الكهرباء تتجه نحو الانخفاض، مما يؤدى إلى ارتفاع متوسط تكلفة الكهرباء.
وتحتاج دول الشرق الأوسط إلى التأكيد على حلول متكاملة في قطاع الكهرباء لتحسين الكفاءة الاقتصادية، وذلك بالتعامل مع جانبي العرض والطلب معاً. على جانب الطلب المشكلة ذات شقين. المشكلة الأولى هي أن متوسط الطلب يتزايد نتيجة للنمو السكاني ومستويات الدخل الأعلى. والمشكلة الثانية هي أن الطلب الذروي يتزايد بأسرع من متوسط الطلب، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى تزايد استخدام مكيفات الهواء. ويؤدي هذا الوضع إلى انخفاض معدلات التحميل ويتطلب طاقة إنتاجية إضافية تستخدم لبضع مئات من الساعات خلال العام، وتبقى عاطلة عن العمل بقية الوقت. ولذلك فإن التكاليف هي أعلى بالنسبة لجميع الزبائن مما لو كان الوضع على خلاف ذلك.
مقاربة ذات ثلاثة فروع: تستلزم هذه المقاربة التعامل مع كل من النمو في معدل الطلب والنمو الأعلى في ذروة الطلب. ومن المهم جداً تنفيذ الفروع الثلاثة لهذه المقاربة في نهاية الأمر حتى ولو لم يكن من الضروري تنفيذها جميعاً في الوقت نفسه.

يستلزم الفرع الأول حساب مقدار المعونة لسعر الكهرباء حسب فئة المستهلك. وليس من غير المعتاد أن نجد أن أسعار الكهرباء مدعمة بحدود 10 ـ 30 في المائة، وتتغير هذه المقادير حسب فئة المستهلك. وعندها فإن هذا الدعم ينقلب من دعم للأسعار إلى دعم للدخل. وحالما يزال دعم الأسعار، فإن المستهلكين سيرون السعر الكامل في الكهرباء وسيقتصدون في الاستهلاك، حتى ولو لم يتم تزويدهم بدعم للدخل يمكنهم من استهلاك المستويات السابقة. وأغلب الظن أنهم سيستخدمون جزءاً من دعم الدخل لشراء سلع وخدمات أخرى. وستؤدي إزالة الدعم عن أسعار الكهرباء إلى تحسين الموقف المالي لشركات الكهرباء في المنطقة، حيث إن بعضها في وضع صعب. وسينتقل العبء المالي للدعم إلى الحكومة حيث محلها المناسب. إن الدعم هو مسؤولية اجتماعية يجب أن تتحملها الحكومة بدلاً من فرضها على شركات الكهرباء. وفي نهاية الأمر، وعندما ترتفع مداخيل المستهلكين فإنه يمكن إزالة دعم الدخل، وتقليل العبء على خزانة الدولة.

وفي الفرع الثاني من المقاربة يتم تغيير معدلات الأسعار بحيث تكون أعلى في وقت الذروة وأقل خارج وقت الذروة. ومثل هذه التركيبة من الأسعار تسمى تركيبات الأسعار المعتمدة على وقت الاستعمال، وتستخدم على نطاق واسع خارج منطقة الشرق الأوسط. ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار كلا الخيارين التقليدي والديناميكي. وفي الخيار التقليدي يواجه المستهلك سعر الذروة نفسه خلال جميع أيام الصيف. وفي الخيار الديناميكي يواجه المستهلك سعراً أعلى بكثير خلال أعلى 12 ـ 15 يوم استهلاك. ويتم إخبار المستهلك في اليوم السابق "أن غداً هو يوم سعر مرتفع " حتى يستطيع أن يخطط لذلك. وتسمى هذه التركيبة من الأسعار " تسعيرة الذروة الحرجة ". وفي أكثر أنواع التسعير الديناميكي تقدماً، التي تستخدم عادة مع عدد كبير جداً من المستهلكين، تتغير الأسعار كل ساعة. ويسمى هذا النوع من الأسعار " أسعار وقت الاستهلاك الحقيقي ". ومن الواضح أنه كلما كانت تركيبة الأسعار أكثر ديناميكية، كانت الفوائد أعظم لنظام توليد الطاقة. وهذا الفرع من التسعير لا يقتصر على مجرد تغيير الأسعار، إنما تستلزم تغيير العدادات الحالية إلى عدادات كهربائية ذكية رقمية تستطيع إجراء القياسات في أوقات محدودة. وهناك عدة فوائد عملية من تغيير هذه العدادات مثل تخفيض تكلفة قراءة العدادات، واكتشاف انقطاع التيار بصورة أسرع ومنع سرقة التيار الكهربائي. وأخيراً ستكون هناك حاجة لتغيير نظام الفوترة. ويجب على شركات الكهرباء القيام بتحليل المنافع والتكاليف المترتبة على تغيير نظام التسعير والعدادات. فعلى جانب الفوائد يجب حساب مقدار الخفض الناتج في الاستثمارات اللازمة لبناء السعة الكهربائية والمنافع التشغيلية المترتبة على ذلك. وعلى جانب التكاليف فإن هناك تكلفة شراء وتركيب العدادات الذكية، وتغيير نظام الفوترة، إضافة إلى أي تكاليف أخرى ناتجة عن التغيير خدمة للمستهلك. وهذا الفرع الثاني من نظام التسعير سيخفض من معدل نمو الطلب وقت الذروة ويحسن عوامل تحميل نظام الكهرباء، ويؤدي بالتالي إلى تخفيض متوسط تكلفة الكهرباء لكل مستهلك.
وفي الفرع الثالث من مقاربة نظام التسعير، سيتم تأسيس معايير توضح الحد الأدنى من الكفاءة في استخدام الطاقة في المعدات والمباني. وتدل خبرة الدول الأخرى على أن هذه أفضل طريقة لترشيد النمو في استهلاك الطاقة. وهذه الطريقة أقل تكلفة بكثير من تكلفة إعطاء حوافز مالية للمستهلكين لشراء أجهزة أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة. وهي مقاربة أكثر قابلية للاستدامة، حيث لا أحد يستطيع تقديم حوافز إلى ما لا نهاية. وسيتطلب تطوير هذه المعايير بعض الجهد، وذلك للتأكد من أن المعايير أقل تكلفة في التطبيق من بناء سعة إنتاجية في التوليد والنقل وهذه المقاربة سوف تساعد على إدارة النمو في متوسط الطلب.

ولتطبيق هذه المقاربة ذات الفروع الثلاثة، ستكتشف معظم الدول أنها خفضت معدل نمو ذروة استهلاك الكهرباء بنحو نقطتين إلى ثلاث نقاط مئوية. وخلال فترة خمس سنوات فإن هذا سيترجم إلى تخفيض ذروة الطلب بنحو 10- 20 في المائة، مما يؤدي إلى تخفيض الحاجة إلى استثمارات رأسمالية. وكمحفز لذلك، فإن إصلاح نظام تسعير الكهرباء سيجعل اقتصادات الشرق الأوسط أكثر جاذبية لاستثمارات القطاع الخاص.


http://www.aleqt.com/news.php?do=show&id=18497