أبو عزيز
17-03-2006, Fri 4:55 AM
خبير بالصدفة
ناصر عبدالله الحميضي
ليس له خبرة بالسوق ولايتعامل بالتجارة لكنه يتخذ مجلسه الدائم أول الطريق الرئيس المؤدي إلى السوق، وكل مرتادي السوق ممن يودون شراء بضائعهم لابد وأن يمروا من أمامه، يلقون عليه السلام في كل صباح ويبادلهم التحية، يأنسون بكلامه ويحبون أقواله، وليس له مصالح تتوافق أو تتصادم مع أحد، عرف في قريته بالاكتفاء عن الآخرين لأنه يتخذ القناعة منهجاً له في الحياة، أهم أهدافه الود والمحبة للآخرين ومن هنا أحبه الناس.
يسأله مرتادو السوق قبل الوصول إلى الساحة العامة التي فيها العرض والطلب والتي تتوافد إليها منتجات مزارع القرية، فيخبرهم في أغلب الأحيان بأن كل شيء (راكد) ويعني راكد في ذلك الوقت السوق مستقر، فلا ارتفاع ولا أنخفاض غير الطبيعي، وقوله لايعني أنه يقصد اطلاعه على السوق لكنه لايلحظ حركة غير طبيعية أو جلبة وضوضاء وتنازع حول سلعة.
وبالفعل يجد الناس أقواله تتوافق مع الواقع وأنه صادق في قوله والوضع كما قال بالضبط، فالسوق راكد مستقر، إنه الإيحاء النفسي منه.
في أحد الأيام ولعله أيام الجذاذ و(صرام) النخيل تزايد نقل التمر في عذوقه إلى السوق، ولعلها تساقطت بعض التمرات كالعادة في هذا الموسم تساقطت قبالة مجلسه، فأخذ يجمعها في يده ثم جلس في مجلسه.
وكما هو معتاد سأله بعض مرتادي السوق عن الحالة التي عليها سوقهم هذا الصباح، فقال إن التمر رخيص والناس معرضة عن شرائه، وهذا التقرير منه بناءً على معطيات وحيدة هي مجرد بعض التمرات المتساقطة أمامه فيرى أن التمر رخيص إلى حد العزوف عن جمعه من الطريق.
وبالفعل وجد الناس السوق يعاني من كثرة المعروض وقلة الطلب ورخص التمور، من هنا بدأ نجم الخبير يسطع وأقواله ترتفع إلى حد التأثير.
لاحظ أحد المزارعين أهمية تقرير ذلك الرجل البسيط و(الخبير بالصدفة) على حركة السوق فأراد الاستفادة من تأثيره إيجاباً على منتجاته الزراعية وأراد اختبار تأثيره بحيث يحركها لصالحه، فجاءه في الصباح الباكر بقليل من (العنب) وقال له خذ هذا العنب باكورة الإنتاج ولايوجد منه في السوق إلا القليل.
فلما بدأ الناس يتوافدون على سوق القرية سألوه كالعادة ما حال السوق؟
قال: العنب اليوم قليل ولن تجدوا مايكفيكم أو على حد تعبيره (ألحقوا عليه) فهب الناس في شرائه حتى ارتفع ثمنه وتقاسمه المشترون، ونظراً لهذا الإيحاء المسبق منه والتأثير النفسي عليهم زاد الطلب وقل العرض قياساً على تلك الكثرة فارتفع ثمنه فصدق الخبير الذي كان السبب المباشر في ذلك.
وفي يوم غد، جاء المزارع نفسه، فأعطاه حبة من (الاترنج) وقال خذ هذه (ترنجة) لا أظن يوجد منها شيء فالناس اشتروا ما في السوق، فقال للناس مثل ما قال بالأمس عن العنب فتسارع الناس لشراء (الاترنج) حتى انتهى من السوق بأغلى الأثمان، فصار المزارع يستفيد من الخبير بطريقة مقصودة فيرفع أسعار بضاعته ويوجه معلومات الخبير بدبلوماسية وتلطف، والخبير بالصدفة يذيع تقريره عن حسن نية، ولعلها تبادل المصالح منذ القديم وسلوك مرتادي السوق دوماً هو محصلة التقارير لا نتاج العقول والمعقول ربما بسبب الفضائيات وربما من تأثير الفول.
--------------------------------------------------------------------------------
هذا النوع من المقالات أستمتع بقرائته مرتين !
ناصر عبدالله الحميضي
ليس له خبرة بالسوق ولايتعامل بالتجارة لكنه يتخذ مجلسه الدائم أول الطريق الرئيس المؤدي إلى السوق، وكل مرتادي السوق ممن يودون شراء بضائعهم لابد وأن يمروا من أمامه، يلقون عليه السلام في كل صباح ويبادلهم التحية، يأنسون بكلامه ويحبون أقواله، وليس له مصالح تتوافق أو تتصادم مع أحد، عرف في قريته بالاكتفاء عن الآخرين لأنه يتخذ القناعة منهجاً له في الحياة، أهم أهدافه الود والمحبة للآخرين ومن هنا أحبه الناس.
يسأله مرتادو السوق قبل الوصول إلى الساحة العامة التي فيها العرض والطلب والتي تتوافد إليها منتجات مزارع القرية، فيخبرهم في أغلب الأحيان بأن كل شيء (راكد) ويعني راكد في ذلك الوقت السوق مستقر، فلا ارتفاع ولا أنخفاض غير الطبيعي، وقوله لايعني أنه يقصد اطلاعه على السوق لكنه لايلحظ حركة غير طبيعية أو جلبة وضوضاء وتنازع حول سلعة.
وبالفعل يجد الناس أقواله تتوافق مع الواقع وأنه صادق في قوله والوضع كما قال بالضبط، فالسوق راكد مستقر، إنه الإيحاء النفسي منه.
في أحد الأيام ولعله أيام الجذاذ و(صرام) النخيل تزايد نقل التمر في عذوقه إلى السوق، ولعلها تساقطت بعض التمرات كالعادة في هذا الموسم تساقطت قبالة مجلسه، فأخذ يجمعها في يده ثم جلس في مجلسه.
وكما هو معتاد سأله بعض مرتادي السوق عن الحالة التي عليها سوقهم هذا الصباح، فقال إن التمر رخيص والناس معرضة عن شرائه، وهذا التقرير منه بناءً على معطيات وحيدة هي مجرد بعض التمرات المتساقطة أمامه فيرى أن التمر رخيص إلى حد العزوف عن جمعه من الطريق.
وبالفعل وجد الناس السوق يعاني من كثرة المعروض وقلة الطلب ورخص التمور، من هنا بدأ نجم الخبير يسطع وأقواله ترتفع إلى حد التأثير.
لاحظ أحد المزارعين أهمية تقرير ذلك الرجل البسيط و(الخبير بالصدفة) على حركة السوق فأراد الاستفادة من تأثيره إيجاباً على منتجاته الزراعية وأراد اختبار تأثيره بحيث يحركها لصالحه، فجاءه في الصباح الباكر بقليل من (العنب) وقال له خذ هذا العنب باكورة الإنتاج ولايوجد منه في السوق إلا القليل.
فلما بدأ الناس يتوافدون على سوق القرية سألوه كالعادة ما حال السوق؟
قال: العنب اليوم قليل ولن تجدوا مايكفيكم أو على حد تعبيره (ألحقوا عليه) فهب الناس في شرائه حتى ارتفع ثمنه وتقاسمه المشترون، ونظراً لهذا الإيحاء المسبق منه والتأثير النفسي عليهم زاد الطلب وقل العرض قياساً على تلك الكثرة فارتفع ثمنه فصدق الخبير الذي كان السبب المباشر في ذلك.
وفي يوم غد، جاء المزارع نفسه، فأعطاه حبة من (الاترنج) وقال خذ هذه (ترنجة) لا أظن يوجد منها شيء فالناس اشتروا ما في السوق، فقال للناس مثل ما قال بالأمس عن العنب فتسارع الناس لشراء (الاترنج) حتى انتهى من السوق بأغلى الأثمان، فصار المزارع يستفيد من الخبير بطريقة مقصودة فيرفع أسعار بضاعته ويوجه معلومات الخبير بدبلوماسية وتلطف، والخبير بالصدفة يذيع تقريره عن حسن نية، ولعلها تبادل المصالح منذ القديم وسلوك مرتادي السوق دوماً هو محصلة التقارير لا نتاج العقول والمعقول ربما بسبب الفضائيات وربما من تأثير الفول.
--------------------------------------------------------------------------------
هذا النوع من المقالات أستمتع بقرائته مرتين !