المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سوق الأسهم سينهض.. ولكن؟ مقال للدكتور مقبل صالح أحمد الذكير



المحترم
04-03-2006, Sat 1:50 PM
سوق الأسهم سينهض.. ولكن؟

د. مقبل صالح أحمد الذكير - 04/02/1427هـ
أسواق الأسهم لا تستمر دائما محلقة. فما عهدنا سوقا للأسهم في أي مكان في العالم ظلت متصاعدة إلى مالا نهاية! إن السؤال في مثل هذه الأسواق ليس هل يحدث تراجع، بل السؤال الصحيح هو متى يحدث؟
بعد إجازة عيد الأضحى، شهدت السوق ارتفاعا قويا ومتواصلا بل وجنونيا، بلغ نحو 25 في المائة من قيمة المؤشر.. وهو معدل نمو عال، لم يكن له مبرر لا من ناحية التحليل الأساسي ولا الفني، لقد كانت مضاربة محمومة، ولذلك كان حدوث التراجع التصحيحي حتميا ومتوقعا!
لكن ما لم يكن متوقعا هو أن يحدث هذا التراجع بشكل سريع وعميق ومتلاحق. وقد تضافرت أسباب متعددة لهذا، أغلبها يعود إلى توقيت وطريقة تنفيذ القرارات الجديدة التي أخذت بها هيئة سوق المال. صحيح أن النوايا التنظيمية لدى الهيئة لم تكن مفاجئة من حيث المبدأ، فقد أشرت إليها كلها في مقالي المعنون (مستقبل سوق الأسهم في عام 2006) والذي نشر هنا بتاريخ السابع من ذي الحجة 1426هـ. لكن المفاجأة كانت كما قلت في التوقيت والطريقة!
بدأ اضطراب السوق مع تعطل نظام التداول لعدة مرات خلال أيام قليلة. وبصرف النظر عن حقيقة أسباب هذا العطل، فإن مجرد حدوثه يخلق حالة نفسية غير إيجابية وغير مواتية. والسبب الثاني يعود إلى منع هيئة سوق المال البنوك من التنازل لكبار عملائها عن جزء من العمولة التى تتقاضاها منهم. أما السبب الثالث، فيعود إلى طريقة تشهير هيئة سوق المال ببعض المخالفين لضوابط العمل في السوق. فقد تم الإعلان عن أسماء الشركات التي تعامل بها المضاربون دون أسماء المضاربين أنفسهم، وكأن الهيئة بذلك تعاقب الشركات وليس المضاربين. والسبب الرابع، كان الإعلان عن تغيير نسبة تذبذب السعر اليومي (إلى 5 في المائة بدلا من 10 في المائة) بصورة كانت شبه مفاجئة لكثير من المتعاملين. فقد أعلن عنها في نهاية يوم التداول الأسبوعي، على أن يبدأ تطبيقها مع بداية الأسبوع. والسبب الخامس أن هذه القرارات جاءت في الفترة التي سمح بها بتداول سهم "ينساب"، وكان يفترض في الهيئة أن تتوقع هذا الاندفاع المحموم من قبل صغار المستثمرين فتؤجل بعض قراراتها. والسبب السادس هو انتشار إشاعات بقرب حدوث إجراءات أخرى، كتجزئة أسعار الأسهم، وتقسيم السوق إلى سوقين أو أكثر، دون وجود تصريح من الهيئة يؤكد أو ينفي هذه الإشاعات إلا بعد يومين من الهبوط!
أسواق البورصة في أي مكان شديدة الحساسية لأي تغيرات أو أحداث مفاجئة، ويلعب العامل النفسي أثرا قويا في اتجاهاتها، بل يؤثر فيها حتى مجرد انتشار شائعات معينة. ولذلك كان من أهم واجبات السلطات المسؤولة هو التصدي لمثل هذه الشائعات وبسرعة مناسبة. لا بد أن يظهر المتحدث الرسمي للهيئة أمام الملأ يوميا وبصورة متكررة إذا استدعى الحال، ليقضي على أي إشاعة غير صحيحة في مهدها. وكذلك يستحسن في مثل هذه الظروف أن يخرج رؤساء مجالس إدارات الشركات المعنية، أو من ينوب عنهم، ليبينوا حقيقة الموقف المالي لشركاتهم ويؤكدوا للناس أن لا داعي للخوف أو للذعر. لكن للأسف نحن أبطال الصمت المطبق أو في أحسن الأحوال، أبطال القرارات والتصريحات المتأخرة، فلا عجب!
الحقيقة المرة هي أننا كمتخصصين قد حذرنا مرارا وتكرارا من أن هذا الذي يجري في اقتصادنا هو حال غير سوي وغير طبيعي، ولا ينبغي أن يكون. فهذه السيولة الضخمة كان من الواجب استيعابها وتوجيهها نحو مشاريع اقتصادية حقيقية منتجة، وما أكثر تعطش اقتصادنا لمثلها. إن كل مستوى من النشاط الاقتصادي بحاجة إلى مستوى معين من السيولة النقدية. وعندما نحقن في الاقتصاد كمية من النقود أكثر مما يستدعيه مستوى النشاط الاقتصادي، فإن النتيجة ستكون كما نراها. الوظيفة الأساسية للنقود هي تسهيل عمليات تبادل الصفقات التجارية بين الناس، فإذا لم يجد الناس أمام هذا الفائض من النقود إلا الأسهم أو الأراضي أو حتى الحجارة أو العظام، فإن نقودهم سوف تتجه إليها طالما لاحظوا أن بإمكانهم تمرير ما يشترون بسعر أعلى لغيرهم. المحزن أن هذا ليس اكتشافا جديدا فقد تكرر هذا الوضع معنا في الطفرة الأولى، ولكن في صورة سيولة هائلة تطارد أراضي بيضاء. ويبدو أننا أرجأنا الاستفادة حتى من هذه التجارب لطفرة أخرى ثالثة مقبلة.. ففيم العجلة؟ أليس في التأني السلامة؟!
لا يمكن أن ُيلام عامة الناس على ما يفعلون. فإنهم يتصرفون وفق ما هو كائن ومشاهد فعلا، وليس وفقا لما يجب أن يكون. ما يجب أن يكون هو من مسؤولية السلطات، لأن الناس كأفراد لا يملكون قوة توجيه الاقتصاد نحو الأصلح. توجيه الاقتصاد هو من مسؤولية الحكومة، من خلال استخدامها لأدوات السياسات الاقتصادية (النقدية والمالية)، متخذة ً من كل الحوافز الممكنة والمؤثرة في القرارات الاقتصادية للأفراد والمؤسسات، وسيلة لبلوغ هدف تحقيق الاستقرار في الأسواق المختلفة، ومنها السوق المالية.
هل يمكن أن تطلب من مستثمر، دعك من أصحاب المدخرات البسيطة، أن يضع أمواله في مشروع يعطيه 20 في المائة أو حتى 50 في المائة سنويا، وهو يرى فرصة أخرى في سوق الأسهم تحقق له عوائد بنسبة 100 في المائة أو حتى 80 في المائة في أقل من سنة، بلا كد ولا نصب يذكر؟ إلا اللهم حسن المتابعة وكفاءة الإدارة بين العوائد والمخاطر في الأسهم؟ وهذا ما حدث فعلا، لقد ترك الناس النشاطات الاقتصادية الحقيقية، وانشغلوا بسوق تنتقل فيها الحقوق المالية من مالك إلى آخر إلكترونيا. وزاد من حدة هذه الظاهرة، أن بيئة الاستثمار المحلية لم ترق إلى مستوى التطورات التي صاحبت حجم السيولة الجديدة، فالعقبات الإدارية والبيروقراطية المنهكة والبطيئة والمحبطة تقف حجر عثرة أمام المشاريع الجديدة، في فترة كان يفترض أن تكون فترة رواج اقتصادي حقيقي!
الحقيقة أن كل المحاولات التي تمت لإصلاح الحال حتى الآن هي من قبيل معالجة الآثار وليس الأسباب. كان ينبغي التوجه نحو الأمرين معا. هيئة سوق المال تعمل، من ناحية، على رفع كفاءة السوق باستحداث القوانين والتنظيمات اللازمة مع ضرورة حسن توقيت تطبيقها. والأجهزة الحكومية الأخرى تعمل، من ناحية أخرى، وبسرعة مناسبة على إطلاق فرص استثمار جديدة تستوعب السيولة المتصاعدة.
في تصوري، أن هناك أزمة ثقة كبيرة نشأت بين أطراف السوق، والهيئة فقدت جزئيا السيطرة على اتجاه السوق. والأمر أصبح يستدعي خروج مسؤول مالي له سلطة أعلى منها، في مؤتمر صحافي صريح ومباشر يعيد الاطمئنان لها. وقد يستدعي الأمر تدخل بعض الجهات الحكومية الكبيرة المستثمرة في السوق كمصلحة التقاعد وسواها.
الآن وقد حدث ما حدث، فإن عامة الناس لا تريد فلسفة، بل هي تواقة إلى أن تعرف كيف تتصرف. وأقول وبالله التوفيق، أنه بنفس المنطق الذي جعلني أشير في بداية المقال إلى أن صعود السوق السابق للأزمة كان جنونيا وغير مبرر، فإن هذا التراجع الحاد ليس له مبرر أيضا. فكل الأسباب التي أدت إلى انتعاش السوق لا تزال قائمة: اقتصاد قوي، أسعار نفط متماسكة، سيولة عالية، بالإضافة إلى أوضاع أمنية مستقرة. أعتقد أن السوق ستعود للنهوض تدريجيا بحول الله، ولكن قد يستغرق هذا عدة أسابيع، وسيتوقف على كيفية تعامل السلطات مع الظاهرة. وأعتقد أن ما سيحدث اليوم السبت سيحدد وضع السوق لبقية هذا الأسبوع!
لكن بالطبع، لابد أن يستفيد الناس مما حدث. فالانسياق وراء مضاربات بحتة، يعني في الوقت نفسه مخاطر عالية. ومن الأجدى الآن، أن يلتقط المتعاملون أنفاسهم ويعيدوا ترتيب استراتيجياتهم وطريقة إدارة محافظهم.
لا أنصح بتعجل البيع بخسارة. وخاصة لمن كان يعمل بمال فائض عن حاجاته الأصلية، ولم يقترض مالا للمضاربة، وكانت أغلب أمواله مستثمرة في أسهم شركات قوية. نصيحتي هي ألا يتعجل التصرف بأسهمه. ولا يجعل صناع السوق يستغلون ذعره ويدفعونه للبيع بأسعار منخفضة. فالسوق إن شاء الله سوف تسترد عافيتها، قد تبقى متذبذبة لفترة أسبوع إلى ثلاثة أسابيع، ولكنها ستستقر في نهاية الأمر عندما يتم استيعاب التغيرات الجديدة، ثم تنطلق ولكن بوتيرة أكثر هدوءا.
فإذا حدث الاستقرار، فقد يكون من الأوفق للبعض أن يخرج من السوق كلية. مثل أولئك الذين اقترضوا الأموال التي يضاربون بها، وأولئك الذين باعوا عقاراتهم للمضاربة في السوق. أما الذين يعملون بأموال تفيض عن حاجاتهم الأساسية، فمن المناسب أن يبدؤوا إخراج رؤوس أموالهم تدريجيا أو على الأقل نصفها، ويعملوا بالنصف الآخر أو بالأرباح فقط، وهي فرصة لهم للشراء بأسعار منخفضة للأسهم نفسها التي يملكونها لو كانوا قد اشتروها بأسعار عالية لتخفيض متوسط التكلفة. وفي كل الأحوال، فإن تجنب المضاربة في أسهم الشركات الضعيفة ماليا هو تصرف سليم في الفترة المقبلة، خاصة أن الهيئة ستلزم هذه الشركات، إن لم يكن قد ألزمتها فعلا، بأن تعمل في نشاطها الأصلي. ولا تنسوا أن القدرة على تحمل مخاطر السوق تختلف من شخص إلى آخر، فلا تقلدوا بعضكم بعضا تحت إغراء المكاسب. وتذكروا كذلك، أن السوق يمكن أن تتأثر بتطورات سياسية مفاجئة قد تحدث في المنطقة المضطربة المحيطة بنا. لكل ذلك لا ينبغي النظر إلى الأرباح فقط دون المخاطر، حتى وإن عاد السوق يسجل أرقاما قياسا!
الشيء الإيجابي فيما حدث، هو أن هذا التراجع الكبير، سيجعل جميع الأطراف المؤثرة في السوق أكثر انضباطا وأقل اندفاعا وأشد حذرا، بما فيهم هيئة سوق المال!

Awad
04-03-2006, Sat 1:53 PM
ممكن


شكرا