المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصتي مع شيخ الهوامير



بوعبدالرحمن
03-03-2006, Fri 12:56 PM
قصتي مع شيخ الهوامير

علي الخشيبان
تكثر في هذه الأيام الأحلام والأساطير والشائعات حول أمور كثيرة منها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ولعل أقوى تلك القضايا قضية الأسهم وما يدور حولها من تكهنات. وسط هذه الحمى الملتهبة لسوق الأسهم والتي تحاصرنا في كل مكان فقد اختارت أن ترافقني في مواقع كثيرة، فلقد "رأيت فيما يرى النائم بعد ليلة مليئة بالنقاش حول الأسهم أنني أدخل أرضا خضراء مليئة بالنباتات وفيها أناس تمتد من أجسادهم حبالهم السرية كما لو كانوا في بطون أمهاتهم، وفي وسط هذه الأرض الخضراء يقف رجال سمان كبار الأجساد والرؤوس وتلتصق بهم تلك الحبال السرية الممتدة من أولئك البشر الذين يقفون وسط هذه الأرض الخضراء من كل جانب، وخيل لي وأنا في المنام أن الرجال في وسط هذه الأرض الخضراء يأكلون بشراهة ولكن أجسادهم لا تتغير بعكس أولئك أصحاب الأجساد الكبيرة والذين تكبر أجسادهم كل دقيقة، بل تخيلت أنها كل ثانية بينما هم لا يمدون أيديهم إلى أفواههم وكل ما يفعلونه أن بأيديهم صناديق كبيرة مليئة بأوراق لونها أخضر يرمون بها بعيدا عن أعين الناس".
قمت مفزوعا من هذا الحلم وشربت من الماء ما استطعت علّي أبتلع هذا المشهد، كنت خائفا أتحسس وسطي بألا أكون أحمل حبلا سريا يمتد إلى أحد أولئك الرجال الكبار في وسط تلك الأرض الخضراء الغناء والتي تشبه أحد المسطحات الخضراء قرب بحيرة في ولاية (مينسوتا) الأمريكية. انتظرت إلى الصباح وذهبت أبحث عن مفسري الأحلام ومعبري المنامات لسؤالهم عن هذا الحلم وجدت أحدهم فتقدمت إليه وهو يتأبط كتبه! فقلت عله يجد لي من بين ثنايا هذه الكتب تفسيرا لهذا الحلم، بدأت أقص عليه ما رأيت فتوجس الرجل وأحسست بالخوف فقال: هل نمت جائعا؟ قلت له: لا، استدار إلي وهو يمسكني بيده وقال سأخبرك بتفسير رؤياك ولكني لست مسؤولا عن تطابق هذه الرؤيا مع أحداث تعرفها أنت أو أشخاص تراهم أو تسمع بهم، قلت له وبكل ثقة أنا كذلك لست مسؤولا عما رأيت في المنام فلقد كنت نائما والنائم مرفوع عنه القلم. قلت له: استعن بالله وحدثني: التفت إليّ وقال: في رؤياك رجال كبار تمتد إليهم حبال سرية يتغذون منها، أما هؤلاء فهم هوامير الأسهم وأما أولئك الذين تمتد منهم تلك الحبال السرية فهم صغار المساهمين! استوقفته وقلت له: ولكن كيف وصل هؤلاء إلى هذه الحالة لم تفسر لي كل شيء! قال: ألا يكفيك ذلك؟ قلت: لا، أريد الأسباب التي ربطت أولئك الصغار بهؤلاء الكبار.
توقف قليلا وقال: المشكلة أن ما رأيت في منامك مختلف عن كل الرؤى والأحلام فعادة المنامات أنها تعبير عن المستقبل بينما حلمك جاء بصيغة الماضي وبما أني أعرف الحدث سوف أفسره لك بالتفصيل. هنا بدأت القصة تتشكل فقال: في يوم من الأيام اجتمع نفر من الإنس منهم مدير أحد البنوك وأحد أصدقائه فدار بينهما حديث عن تلك الحسابات الجارية في بنوك البلدة والتي لا تتحرك ولا يأخذ عليها أصحابها فوائد بنكية وهي جامدة منذ سنوات، فاقترح الصديق أن يتم البحث عن فكرة يتحرك بها هذا المال!. أطرق مسؤول البنك وقال: كيف؟ قال الصديق: نستدعي أحد كبار العملاء (شيخ الهوامير) بالبنك ونقنعه بفكرة سحب تلك الأموال إلى ميدان المضاربة بالأسهم ونغريه بالمكاسب التي سوف تحل عليه وكم سيجني من هذه الأموال وهكذا ننطلق إلى تنفيذ فكرتنا فأكون أنا استفدت وكذلك البنك بل كل المشاركين. استدعى الاثنان ثالثهما ليكون برفقتهما في هذه القصة ووافق الأخير على الخطة والمتمثلة في سحب كميات كبيرة من الأسهم في إحدى الشركات وطرحها بسعر معقول مع ترويج إشاعة تقول إن سعر هذه الشركة سوف يصل إلى مستويات مرتفعة مما يجعل البشر تقدم على شرائها بكل قوة.
نفذ المجتمعون هذه الفكرة مرات عديدة وأصبح هناك أكثر من مدير بنك أعجبته الفكرة وهناك أكثر من كبير من العملاء وهناك أكثر من وسيط (صاحب الفكرة الرئيسة) بالإضافة إلى قائمة من صغار المساهمين الذين اعتادوا على الأخذ من حساباتهم وإرسالها إلى أولئك في عقر دارهم. الجميع فهم الطريقة والمتمثلة في ضخ كميات كبيرة من الأسهم لتحريك تلك الأرصدة النائمة وجلبها إلى منطقة الصراع فيتهافت الناس على شرائها بكميات كبيرة وتقترب تلك الأرصدة من جيوب أولئك الكبار فإذا بلغت إلى أرصدتهم أموال أولئك الصغار خفضوا قيمة تلك الأسهم عبر ضخ الكثير منها في الأسواق وبسعر أقل فينهار أولئك الذين اشتروا بثمن أعلى.
ومع أن نسبة قليلة تحقق أرباحا معقولة إلا أنها لا تعادل شيئا في ميزان الخسارة التي يحصل عليها أولئك الصغار الذين كانت أرصدتهم في أمان قبل أن يفكر بها أولئك ويطلبوا المزيد فهم يمسكون بأيديهم العصا والجزرة وعندما يطلبون أموال أولئك الصغار يمدون لهم الجزرة وإذا أعطوهم أموالهم مدوا إليهم العصا.
عندما تذهب هذه الأموال إلى أولئك الكبار من المستثمرين يسافرون بها إلى حيث الأسواق العالمية حيث المرابحة بدون مخاطر كبرى وبأنظمة محكمة.
توقف معبر الأحلام عند هذه النقطة وبدا لي وكأنه عالم اقتصاد وليس مفسرا لأحلام المساكين ولكنه التفت إلي مرة أخرى وقال: إن تلك الحبال السرية التي رأيت هي الأرصدة التي يملكها أولئك الرجال في وسط الأرض الخضراء، أما أصحاب الأجساد الكبيرة فهم مدير البنك والبنك والوسيط وكبار العملاء، أما ما يرمونه وكأنه صناديق كبيرة من فوق رؤوس الرجال في وسط الأرض الخضراء فهذه استثمارات يذهبون بها إلى الخارج أو يخفونها في أرصدتهم. أدركت تماما الآن أنني رأيت سوق الأسهم في منامي وكيف يهبط ويرتفع يكسب فيه القليل ويخسر فيه ملايين الرجال والنساء أموالهم بل إنني أحسست أن أولئك الذين خططوا سوف تستهويهم الفكرة وقد يذهبون إلى الجهات المختصة ويطالبونها بتسهيل عمليات رهن الأصول والعقارات لكي يتم سحب مزيد من الأموال إلى ساحة المعركة التي يخرج منها الخاسرون لأرصدتهم بشكل كبير.
لقد عمل أولئك أيضا على ترويج فكرة تقول إن سوق الأسهم سوف تشهد مزيدا من الاكتتابات حيث فرص التعويض قادمة لكل من خسر في هذه المرة وما هذا القول إلا استدراج لنفس الدائرة الأولى. لقد كان حلما حقيقيا فكلما سال لعاب صغار المستثمرين في لعبة الأسهم وارتفع المؤشر استبشر أولئك الصغار فرحا ثم أغرقوا بما هم فيه.
إن الحلول الجذرية لهذه القضية تكمن في إبعاد أسماك القرش عن صغار السمك، ففي ظل العجز عن تلك التكتلات ورغبتها في الاستفراد بصغار المساهمين وتحقيق أحلامها "الاستعمارية" - أقصد الاستثمارية - لصغار المساهمين فإن الحلول المثلى قد تكمن في تشجيع المساهمين أو إرغامهم على التوجه نحو الصناديق الاستثمارية وهي حلول منطقية وقليلة المخاطر وصحية اقتصاديا.
إن إنقاذ الموقف يتطلب حفظ أموال الأفراد وعدم جعلها سهلة أمام كبار المستثمرين والمضاربين في السوق وذلك بالبحث عن الأفكار التي تجعل صغار المستثمرين يدخلون في تكتلات اقتصادية تجعل من حجم استثماراتهم مبالغ كبيرة تعادل ما لدى كبار المضاربين.
إن حاجتنا إلى تنظيم دائم وليس مؤقت تعادل حاجتنا أيضا إلى شرح الحقائق للمساهمين وجعلهم يدركون المتسبب الحقيقي في أزمتهم بحيث لا يحملون نظامنا الإداري تبعات هذه الأرجوحة الاقتصادية.

*كاتب سعودي