المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شركات الوساطة وسوق المال.. حتى لا تتكرر مأساة سانتياجو



الهشام
17-02-2006, Fri 2:52 PM
شركات الوساطة وسوق المال.. حتى لا تتكرر مأساة سانتياجو
محمد بن ناصر الجديد - كلية الاقتصاد والإدارة، جامعة أدنبرة - المملكة المتحدة 18/01/1427هـ
يجب توكيد ضرورة سد جميع الثغرات التي قد تتسرب منها تحديات مستقبلية قد تعصف بحقوق المستثمرين والمتعاملين
شهدت تشيلي، "نمر أمريكا اللاتينية" كما يطلق عليها في الأوساط الدولية، خلال منتصف التسعينيات طفرة اقتصادية، هي الثانية في تاريخها والأشمل في جوانبها مقارنة بطفرتها الاقتصادية الأولى خلال بداية السبعينيات. فخلال الفترة 1985 إلى 1995، حقق الاقتصاد التشيلي معدل نمو سنوي بمقدار 8 في المائة، وانخفض كلُّ من معدل التضخم من 27 في المائة إلى 6 في المائة، ومعدل البطالة إلى 4 في المائة، ونسبة الفقر من 40 في المائة إلى 17 في المائة.
تعزى أسباب الطفرة الاقتصادية إلى سلسلة من الإصلاحات المالية، التي وضعت قيد التنفيذ مع مطلع الثمانينيات، وهدفت إلى تحديث آلية عمل المؤسسات غير المصرفية. من ضمنها إصدار نظام الأوراق المالية والتأمين، وإنشاء هيئة السوق المالية، وحصر نشاط الوساطة المالية في الشركات المتخصصة دون غيرها من المؤسسات المالية.
لم يكن سوق سانتياجو المالي La Bolsa de Comercio de Santiago بمعزل عن هذا النمو. حيث تضاعف حجمه، وازداد عمقه المالي، وسجلت أصوله معدل نمو سنوي بمقدار 55 في المائة. كما بلغت مساهمة الأوراق المالية في الناتج المحلي الإجمالي مستويات قياسية غير مسبوقة. منها زيادة حركة تداول الأسهم من أقل من 1 في المائة إلى 18 في المائة، ونما إجمالي قيمة السوق السوقية من 13 في المائة إلى 112 في المائة. أهَّلت هذه المستويات القياسية السوق إلى أن تصبح من أفضل وأقوى أسواق المال ليس على مستوى أمريكا اللاتينية فحسب، وإنما على مستوى جميع الدول النامية.
كانت السوق تتخذ من أحد المباني القديمة في وسط العاصمة سانتياجو مقرا لها. وبحسب نظام السوق، فإنه كان لزاما على جميع شركات الوساطة أن تتخذ من السوق مقرا رئيسيا لأنشطتها. وتحقيقا لمبادئ الشفافية والمساواة، ألزمت هيئة السوق الشركة المشغلة للسوق بأن تزود جميع مكاتب الوساطة بخطوط اتصال سريعة Ethernet communications lines لربطها بنظام التداول الآلي ولكي تستفيد من سرعة شبكة المعلومات، التي تصل إلى 100 ميجابايت، في تنفيذ صفقات عملائها وخدمتهم بكل يسر وسهولة.
مع بلوغ مؤشرات الاقتصاد التشيلي ذروته في نهاية عام 1995م، وتسجيل حركة تداول الأوراق المالية مستويات قياسية غير مسبوقة، لم تستطع شركات الوساطة مواكبة النمو السريع في حركة التداول. عندها، أعادت هيئة السوق النظر في حصر نشاط الوساطة في الشركات المتخصصة، وكسرت الجمود بإعلانها عن الترخيص لشركات التأمين لتقديم خدمات الوساطة.
وبسبب أن مقر السوق لا يستطيع استيعاب مكاتب جديدة، لم تجد شركات التأمين سوى اللجوء إلى المباني المحيطة بمبنى السوق ليكون مقرا رئيسيا لمزاولة أنشطة الوساطة. وهنا نشأت مشكلة فنية من جزئين، واضعة مبادئ الشفافية والمساواة أمام تحد كبير، ومهددة العمق المالي للسوق.
تمثل الجزء الأول في عدم قدرة الشركة المشغلة للسوق على توسعة شبكة معلوماتها لتغطي شركات التأمين خارج مبنى السوق. ذلك بسبب أن بلدية العاصمة سانتياجو لم تسمح بإجراء عمليات حفر لمد خطوط الاتصال السريعة. كما أن وزارة الخارجية رفضت إنشاء شبكة معلومات واسعة نظرا لوجود بعض المباني الدبلوماسية قرب السوق. وكحل مؤقت، زودت شركات التأمين بنهايات طرفية تعتمد على خطوط الهاتف تصل سرعتها في أحسن الأحوال إلى 52 ميجابايت.
تمثل الجزء الثاني من المشكلة في عدم قدرة شركات التأمين على استخدام نظام التداول الآلي بسبب أنه طور لكي يتوافق مع خطوط اتصال سريعة. وكحل مؤقت، تم التنسيق بين شركات الوساطة داخل السوق وشركات التأمين خارج السوق حول تولي الأولى القيام بإجراء صفقات التداول نيابة عن الثانية بمقابل مادي.
طفت على السطح انعكاسات هذه المشكلة بعد قرابة العام ومع إعلان نتائج شركات الوساطة. حيث أظهرت النتائج زيادة ملحوظة في صافي دخل شركات الوساطة العاملة داخل السوق مقابل زيادة متواضعة جدا لمثيلاتها من شركات التأمين. بدأت شركات التأمين مع إعلان النتائج بفقدان عملائها مصلحة شركات الوساطة العاملة داخل السوق. وعادت مشكلة سرعة تنفيذ الصفقات بالظهور من جديد.
شعر عملاء شركات التأمين بفقدان الثقة في السوق بعد اصطدام استثماراتهم بتصحيحاته المتتالية. وبدأوا بتهجير رساميلهم إلى أسواق المال المجاورة، وبدا نجم سوق سانتياجو المالي يأفل من سماء الاقتصاد التشيلي بعد فترة من اللمعان.
كان أفول نجم السوق مأساة اقتصادية بمعنى الكلمة. فخلال الفترة 1995 إلى 2000، انخفضت مساهمة أوراقه المالية في الناتج المحلي الإجمالي بشكل حاد. منها انخفاض حركة تداول الأسهم من 18 في المائة إلى 9 في المائة، وإجمالي قيمة السوق السوقية من 112 في المائة إلى 92 في المائة.
لم تستطع الأوساط الاقتصادية التشيلية تحديد المسؤول عن المأساة. فتارة يلقى باللوم على شركة تشغيل السوق، وتارة على قصور تشريعات هيئة السوق. بيروقراطية بلدية العاصمة سانتياجو وتعنُّت وزارة الخارجية نالهما جانبا من اللوم. وسواء كان المسؤول هذا أو ذاك أو غيره، فالواقع على الأرض هو أن "العطار لا يصلح ما أفسده الدهر".
مأساة سوق سانتياجو بكل أبعادها يجب أن ينظر إليها على أنها مثال على ما قد يؤول إليه الحال عندما تطغى مصلحة الفرد على مصلحة الجماعة. ففي هذه الأيام، تترقب السوق السعودية بدء عمل شركات الوساطة جنبا إلى جنب مع المصارف ذات الباع الطويل في تقديم الخدمة. ومعرفة المصارف بثقافة المستثمرين والمتعاملين في السوق المحلية، التي اكتسبتها طيلة العقدين الماضيين، قد تمنحها ميزة تنافسية، وحقا مشروعا يمكن الاعتماد عليه متى ما دعت الحاجة. عندها قد تلقي شركات الوساطة باللوم على هذه الميزة التنافسية وجميع من تسبب في تواضع أدائها، إن حصل، في محاولة للتبرير.
وعلى الرغم من أن هيئة السوق المالية لا تألو جهدا في سبيل تحقيق مبادئ الشفافية والمساواة بين المصارف وشركات الوساطة، إلا أنه يجب توكيد ضرورة سد جميع الثغرات التي قد تتسرب منها تحديات مستقبلية قد تعصف بحقوق المستثمرين والمتعاملين. ولكيلا يغني كلُّ على ليلاه، ولا يدعي كلُّ وصلاً بليلى.


http://www.aleqtisadiah.com/article.php?do=show&id=1148

المنبهر
17-02-2006, Fri 3:04 PM
ما أشبه الليلة بالبارحة.
وماحل بشامكم حل بيمنكم.
كلام مفيد وفيه موعظة. جزاك الله خيرا أخانا الهشام.

الرويلي
17-02-2006, Fri 4:04 PM
بوركت !

الهيئة الآن في وضع لاتحسد عليه :(

الدمشقي
18-02-2006, Sat 9:24 AM
أخوي الهشام تحية طيبة...أرجو أن تفيدني عن تهامة أنا شاريها على 635 هل تتوقع لها إرتداد قريب ووصولها لسعر 900 مع خالص مع شكري

Mohammed Saad
18-02-2006, Sat 9:36 AM
البنوك لدينا تذكرني بسياسة امريكا في الدول العربية و الأسلامية
شايف إشلون يالهشام - هؤلاء القوم يقولون أنت معي أو ضدي؟
طيب ممكن تعرف الإرهاب؟
أقصد إرهاب البنوك!!
صدقني ما وقعت عليه من أوراق في أي معاملة مع أي بنك في المملكة ممكن يدينك و يتهمك بأي تهمة! حتى القتل!

أبو ضاري
18-02-2006, Sat 10:24 AM
مقال أكثر من رائع ....
هذا الكاتب متميز في طروحاته..
ولايهون الهشام ...