المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ارتفاع أسعار الأسهم ودور البنوك .. التنبؤ بالأزمة



Dr.M
06-02-2006, Mon 5:14 AM
ارتفاع أسعار الأسهم ودور البنوك .. التنبؤ بالأزمة

د. محمد أل عباس - كاتب اقتصادي 04/01/1427هـ

اليد الواحدة لا تصفق. تحدث الأزمات نتيجة تفاعل عدة عوامل وليس من جراء عامل واحد فقط. ما حدث من موت عند جسر الجمرات خلال موسم حج هذا العام كان نتيجة تفاعل عدة عوامل حدثت في لحظة مأساوية واحدة وما كان سقوط الأمتعة إلا الشرارة التي أشعلت فتيل الأزمة. ما جرني إلى الحديث عن موسم الحج هو السبب ذاته الذي يدفعني لكتابة هذا المقال عن السوق السعودية للأسهم. ولتوضيح ما أود تقديمه هنا سوف أعود إلى الثالث من أيلول (سبتمبر) لعام 1929 عندما أقفل مؤشر داو جونز الأمريكي عند 381 نقطة ثم استمر في الانخفاض حتى فقد أكثر من 20 في المائة من قيمته بحلول الـ 20 من تشرين الأول (أكتوبر) معلنا بذلك بداية أزمة الكساد الكبير. اتسعت المشكلة أكثر عندما تفاعلت العوامل دراميا وتصاعديا بإفلاس الشركات وازدياد البطالة لتنتهي بالحرب العالمية الثانية. وبعد أن هدأت المشكلة ولما تكبده العالم من خسائر فادحة عاد السؤال الصعب عن أسباب الأزمة للظهور. في البداية أثيرت نظرية المؤامرة وذلك في تسطيح متعمد للقضية ولكن وبعد التحليلات والدراسات والتحقيقات العلمية بدأت الأدلة في الظهور لينتج عنها أكبر ثورة تنظيمية وإصلاحية شهدتها الأسواق العالمية ولتنقل الاقتصاد العالمي ككل إلى حقبة جديدة.
وعليه فإنه لمنع وقوع الكارثة أو الأزمة لا بد من فهم عواملها ويمكن إبطاء التفاعل ولكن لإبطاله لا بد من عزل هذه العوامل بعضها عن بعض. عندما انهارت الأسواق المالية في حقبة الثلاثينيات أظهرت نتائج الدراسات الدور الخطير الذي لعبته البنوك في حدوث الأزمة لوقوعها في عمليات السحب على المكشوف وعندما بدأت الأسعار بالهبوط قامت هذه البنوك بتسييل المحافظ لاسترداد أموالها تزامنا مع حدوث عوامل أخرى, التي من بينها العديد من حالات الخداع والغش عن طريق خلق التعامل النشط على الأسهم في الوقت الذي لا يوجد مثل ذلك النشاط فعلا, ونتيجة لكل هذه العوامل وتفاعلها معا حدثت الأزمة وانهارت السوق.
بتحليل ما يحدث في السوق السعودية يمكن ملاحظة تجمع العديد من العوامل التي تُنبئ بأزمة لو تفاعلت معا . بداية أود أن أوضح أن ما أقدمه الآن أقرب ما يكون إلى ما يسمى Anecdotal Evidence , الذي من خلاله يمكن فهم وتنبؤ الأحداث والظواهر وإن لم يقدم دليلا ماديا أو إحصائيا معتمدا على النظرية الإيجابية. إن من أخطر العوامل التي تعرضت وتتعرض لها الأسواق المالية هو التدخل السافر للبنوك لاستغلال النشاط المتسارع والمتزايد في السوق لتحقيق مكاسب كبيرة بأقل المخاطر. ومما يفاقم تلك الخطورة لدينا أن البنوك التجارية تلعب أكثر من دور مؤثر جدا في وقت واحد, فهي تعمل متعهدا للشركات التي تطرح أسهما لأول مرة IPOs, وتقوم كمقرض للمستثمرين أو ما يسمى السحب على المكشوف (إضافة إلى عمليات التمويل الشخصي عن طريق الأسهم), وتلعب دور المستثمر عن طريق الصناديق الاستثمارية العديدة, وكصانع للسوق بما تملكه هذه الصناديق في مجموعها من رؤوس أموال ضخمة, وأحيانا مشرعا للسوق بطريقة غير مباشرة power, أضف إلى كل ذلك دورها كوسيط, والذي يمكنها من الحصول على عمولات ترتبط قيمتها بسعر السهم, وهنا مكمن الخطورة الكبير.
تعمل البنوك على جذب المدخرات إليها عن طرق الإعلان عن الأرباح الكبيرة التي تحققها صناديقها الاستثمارية. تزداد هذه العوائد بالطبع كلما ارتفعت أسعار الأسهم التي يمتلكها الصندوق الاستثماري (نواجه هنا مشكلة إفصاح حيث لا نعلم كم من تلك العوائد محققة وكم منها غير محققة), مما يزيد من نسبة المشاركة في الصندوق وزيادة إيداعات العملاء. هذا بالطبع يحفز البنك وبما يملك من صناديق استثمارية ذات رؤوس أموال ضخمة على أن يوجه السوق نحو الأسهم التي يريد وذلك عن طريق لعب دور بائع الجملة (يمتص الفائض من السهم ويضخ من مخزونه إذا انخفض الطلب) . وإذا علمنا أن هذه الصناديق تدار بواسطة مجموعة من التنفيذيين تدفعهم نزعة تعظيم المنافع Self-Interest(مشكلة إفصاح أخرى تواجهنا مع هذه الصناديق فلا نعلم هيكل المكافآت في هذه الصناديق ولا من وكم عدد التنفيذيين في كل صندوق ولا كيف تتم عمليات التقييم) فقد تتورط البنوك في اتفاق ضمني على رفع سعر سهم معين إذا علمت, بما لديها من قدرات ومعلومات غير متاحة لبقية اللاعبين حول التدفقات النقدية ومصادرها Information Asymmetry , باتجاهات السوق على هذا السهم أو ذاك فتجد البنوك وقد دخلت في تنافس على الأسهم المُحفزة، وإذا أخذنا في الاعتبار حجم السوق السعودية من حيث عدد الأسهم المتداولة لبعض الشركات فإنه نظرا لارتفاع سعر السهم سوف يرتفع بالتالي نسب التداول عليه بشكل كبير جدا, وهكذا نجد أن البنوك استطاعت مع ارتفاع سعر ذلك السهم وكثافة التداول عليه أن تحقق عوائد كبيرة من عمولات الوساطة عن هذه التداولات, وبذلك تبدأ العوامل في التفاعل التصاعدي فتحصل البنوك على عوائد ضخمة ومتزايدة، وذلك بأن تقوم الصناديق بالمضاربة على الأسهم ورفع أسعارها إلى مستويات قياسية فتحقق الصناديق عوائد كبيرة جدا ويحقق البنك في الوقت نفسه عوائد قياسية على العمولات نتيجة ارتفاع الأسعار في أسهم المضاربات مع ثبات كميات التداول أو ازديادها. وهكذا يستمر الوضع حتى تصبح العمولات أكبر محفز للسوق إلى أن يرتفع متوسط التكلفة الحدية للمضاربين سواء الناتجة من التداولات لارتفاع العمولات أو على القروض لارتفاع قيمة القرض مع انخفاض عدد الأسهم الممنوحة, الأمر الذي قد يقود في النهاية إلى الإحجام عن التداول أو انخفاض نسبه مما يضطر البنوك حينئذ إلى ممارسة سياسة صناعة السوق, وذلك بإعادة ضخ الأسهم. وبافتراض حدوث هذه العملية بشكل جماعي وتزامنا مع ما قد يحدث من عمليات خداع ومشاكل إفصاح عميقة وشائعات كثيرة فستبدأ الأسهم في الانخفاض وقد تصبح البنوك مضطرة إلى تصفية المحافظ الممنوحة أسهما على المكشوف الإجراء الذي قد يقود السوق إلى الانهيار وتبدأ الأزمة.
لإبطاء عملية تفاعل هذه العوامل لا بد من اتخاذ إجراءات تصحيحية وعاجلة منها تخفيض العمولات التي تحصل عليها البنوك, تجزئة الأسهم ولو بشكل تدريجي, تخفيض نسبة التذبذب في أسعار الأسهم إلى أقل من 10 في المائة (كنت قد عارضت هذا الحل سابقا). وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات ستساعد على تهدئة السوق ثم إبطاء عملية التفاعل إلا أنها لن تتمكن من تلافي الأزمة ما لم تتخذ إجراءات أكثر صرامة مع البنوك وذلك من خلال فصل أعمال الوساطة عن البنوك بحيث تتولاها شركات مستقلة. ومن الإجراءات المهمة أيضا فرض رقابة أكثر صرامة على الصناديق الاستثمارية ومطالبتها بإفصاح أكبر وأكثر تفصيلا.
إن ما حدث في إندونيسيا قبل نحو عام ليس زلزالا ولا تسونامي فحسب ولكن أخطاء جسيمة تفاعلت معا ليأتي الزلزال كشرارة إطلاق الكارثة.



http://www.aleqt.com/article.php?do=show&id=1010