المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المضاربات في البورصات الخليجية



بو نوره
02-02-2006, Thu 12:03 AM
"إن المضاربة في الأسهم أضحت سيد الموقف في كل البورصات الخليجية تقريباً، مدفوعة بأسعار فائدة مصرفية منخفضة"

من يتابع اليوم أداء البورصات الخليجية فإنه لا بد وأن تستوقفه الحركة الخارقة للتداول الطبيعي لأسهم الشركات الخليجية، وأن تعيد إلى أذهانه ذكريات “فورة” الأسهم التي شهدها سوق الإصدار الأولي للشركات المساهمة التي أنشئت إبان المرحلة التي شهدت أكبر طفرتين في أسعار النفط في القرن الماضي، وهما طفرة العام 1974 وطفرة العام 1979.

فطلبات الشراء في تصاعد، وحركة التداول بيعاً وشراءً في ذروتها، وعمليات التمويل المصرفي للصفقات تجري على قدم وساق، ونزعة الربح السريع والكسب السريع والإثراء السريع باتت محرك الجميع ومحفزهم إلى الانخراط في لعبة الاتجار في الأسهم.

وهكذا فإن المضاربة في الأسهم أضحت سيدة الموقف في كل البورصات الخليجية تقريباً، مدفوعة بأسعار فائدة مصرفية منخفضة ومساهمة عوائد النفط الضخمة الناجمة عن أسعار النفط المرتفعة في تدفق السيولة أيضاً. وواصلت البورصات الخليجية أداءها القوي في الربع الثاني من العام 2005، حيث أفصح المؤشر المركب لصندوق النقد العربي الذي يقيس الأداء العام للبورصات العربية، عن أن البورصات الخليجية نمت بنسبة %23.2 مقارنة بالربع الثاني من عام 2004 الذي نما فيه المؤشر بنسبة %118.9.

وبحسب مؤسسة التصنيف الدولية “ستاندرد أند بورز” فإن أداء البورصات الخليجية في الربع الثاني من هذا العام تخطى أداء بورصات الاقتصادات الناهضة التي نمت بواقع %6.1 وفقاً لمؤسسة التمويل الدولية. وقد سجل سوق دبي المالي أعلى ارتفاع بين أسواق المال العربية بارتفاع قدره %89.2، تلتها بورصة مسقط للأوراق المالية بنسبة %37.6.

كما احتلت بورصة دبي المرتبة الأولى من حيث الرسملة (Capitalisation) بنسبة ارتفاع قدرها %85.7 والبورصة السعودية بنسبة %31.76 إلى 518.241 مليار دولار وهو ما يشكل نسبة %49 من إجمالي رسملة أسواق المال العربية البالغ نحو 906 مليارات دولار. كما أن حجم الأسهم المتداولة يسجل ارتفاعاً كبيراً، بلغ في بورصة دبي على سبيل المثال %9233.، و%128.7 في البورصة السعودية، وهو ما يفسر اضطلاع السعودية بحصة تبلغ %76.4 من إجمالي قيمة الأسهم التي تم تداولها في الربع الثاني من العام 2005.وكما هو ملاحظ فإن البورصات الخليجية قد حققت نمواً قياسياً طال كافة مؤشرات قياس أدائها تقريباً خلال النصف الأول من العام الماضي. يضاف ذلك إلى الزيادة الملحوظة في حجم الاستثمارات المباشرة التي نجحت البلدان العربية عموماً وبلدان مجلس التعاون على نحو خاص في استقطابها.

وواصلت البورصات الخليجية أداءها القوي في النصف الثاني من العام 2005، سواء فيما يتصل بالإصدارات الجديدة (السوق الأولي) أو حجم وقيمة التداولات.

الآن هل ما يجري من مضاربات محمومة على أسهم الشركات المدرجة في البورصات الخليجية وأسهم الشركات تحت التأسيس، هو حالة طبيعية متناسقة مع المشهد الاقتصادي العام في المنطقة الذي يتميز برواج اقتصادي كبير تقوده قطاعات العقار والتشييد والتجارة والخدمات تحت تأثير الأسعار والعائدات النفطية القياسية؟

أما أن يكون “تصعيد” المضاربات في البورصات جزءً متمماً ومتناغماً مع الإحماء الزائد لبقية القطاعات الاقتصادية Economic overheating المستقطبة لرؤوس الأموال في هذه الدورة الاقتصادية بعينها، فهذا أمر نسلم به باعتباره واقعاً أملته ظروف وشروط صعود الدورة ذاتها.

وأما أن نعتبر ذلك حالة طبيعية، فهو الأمر الذي لا نوافق عليه بالنظر إلى أن تصعيد المضاربة يتم بإرادة المستثمرين الكبار الذين يجرّون وراءهم صغار المستثمرين الحالمين بقطف ثمار صعود السوق سريعاً. ناهيك عن أن هذه المضاربات لا تجري وفقاً للأساسيات الاقتصادية Fundamentals الحاكمة للنمو والهبوط بقدر ما تتم على أساس ما يسمى بالجوانب الفنية Technical الثانوية التي لا دخل لها بأداء الشركات المدرجة في البورصات ولا بالأداء الاقتصادي على مستوى الاقتصاد الكلي، وإنما هي مؤسسة على جوانب ذات طبيعة نفسية مثل الإشاعات التي يطلقها عادة المضاربون لدفع السوق صعوداً أو هبوطاً حسبما تقتضيه مصلحتهم في البيع والشراء، أو وقائع تتصل بتوجهات مجالس الإدارات والأجهزة التنفيذية للشركات والمؤسسات المدرجة.

لما كان ذلك فإن من غير المنطقي بمكان، في ظل سيادة اقتصاديات الأسواق المفتوحة، منع هذه الممارسات إلا بما تسمح به أنظمة ولوائح الاتجار في الأسواق المالية التي تحاول وضع حد لما هو غير مشروع وضار من هذه الممارسات التي يروم متعاطوها جني أرباح فاحشة بصورة غير مشروعة.

وما يثير الهواجس هنا من مغبة تصاعد حمى هذه المضاربات لجهة خلق فقاعة متضخمة في أسعار الأسهم، هو أن البنوك التجارية والمصارف الإسلامية التي تتوفر على أرصدة هائلة من الودائع والأرباح المدورة والمتراكمة، والتي لم تتوان عن الانخراط بقوة في تمويل صفقات الشراء في البورصات الخليجية، سوف تجد نفسها مدفوعة أكثر للبحث عن توظيف الودائع المتوقع أن تزداد في خزائنها نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة إلى مستويات مغرية للمودعين، ومنها وأسهلها وأكثرها وأسرعها ربحية المضاربة في بورصات الأسهم الخليجية.

كل ما نرجوه هو أن تتكلل عمليات التصحيح Corrections المتفاوتة الحجم التي تحدثها قوى السوق حالياً، بإعادة التوازن إلى أسواق المال الخليجية بما يجنبها ويجنب كافة المستثمرين فيها عواقب الهبوط الارتطامي Hard Landing.





* كاتب وباحث اقتصادي بحريني