المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سوق الأسهم والمحافظة على المكاسب



Dr.M
15-01-2006, Sun 2:02 PM
سوق الأسهم والمحافظة على المكاسب

د. مقبل صالح أحمد الذكير - 30/11/1426هـ

لم يشغل الناس في السنوات الأخيرة مثل ما شغلهم سوق الأسهم. لكن المخاوف أخذت تزداد في الآونة الأخيرة حول وضع السوق و احتمال تراجعه. والمقصود هنا هو التراجع الكبير وليس فقط التراجع التصحيحي الذي يدور حول المعدل العام المتصاعد لمؤشر السوق. ومع أن الناس تكره أن تسمع عن هذا الاحتمال، إلا أن الاستعداد له وعدم تجاهله هو من مصلحة المتعاملين بالسوق.
التذبذب هو من طبيعة عمل أسواق المصافق ( = البورصات ). إذ إن كل صعود فيها لابد أن يتلوه هبوط، والعكس صحيح. وعنصر عدم اليقين هو جزء لا يتجزأ من قواعد العمل في هذه الأسواق. لذا تتصف هذه الأسواق بعظم مخاطرها التي تتناسب طرديا مع أرباحها. و أقصى ما يستطيع أن يفعله المضاربون المحنكون هو أن يهيئوا أنفسهم لكل مرحلة انتقال إلى السوق سواء كانت حركة تصحيحية، أو تغيرا دراماتيكيا كبيرا من الصعود إلى الهبوط أو العكس.
وسوق الأسهم السعودي لن يبقى محلقا ومواصلا ارتفاعه دون تراجع. فشأنه كشأن أسواق الأسهم العالمية الأخرى. وهو ليس محصنا ضد الطبيعة المتذبذبة لعمل هذه الأسواق. لقد حدث التراجع لأسواق أكبر وأقوى من السوق السعودي سواء في الغرب أو الشرق. كتراجع عام 1987م لمؤشر داو جونز للشركات الصناعية في سوق نيويورك للأسهم، وتراجع مؤشر ناسداك الخاص بشركات التقنية والاتصالات عام 2000م. وهكذا فمن الناحية النظرية فإن سوقنا معرض للظاهرة نفسها.
لكن السؤال هو متى سيحدث التراجع الكبير؟ والجواب الأكيد هو أنه ليس هناك من يستطيع أن يدعي أنه يملك إجابة دقيقة عن هذا السؤال. سواء تعلق الأمر بسوق الأسهم السعودية، أو أي سوق من أسواق الأسهم العالمية! ولكن هناك مؤشرات عامة تدل على اتجاه هذه الأسواق وتساعد المحترفين من المتابعين للسوق على الإحساس بقرب حصول أي تغير. هؤلاء لا يعرفون متى سيحدث هذا التغيير بالضبط لكن لديهم مجسات استشعار يعرفون من خلالها بقرب حدوث تغير. وحدسهم قائم على أسس موضوعية educated guess مبني على متابعة هذه العوامل. فإذا ما رسخ عندهم هذا الإحساس فإنهم يتخذون قرارا بالخروج من السوق توخيا للسلامة، مكتفين بما حققوه مؤثرين المحافظة على مكاسبهم، بدلا من خسارة كل شيء. واستراتيجية الخروج تختلف من حالة إلى أخرى! لكن صغار المستثمرين في سوق الأسهم، وكذلك الذين اشتروا بأسعار السوق المرتفعة عليهم أن يتوخوا الحذر وأن يكونوا أكثر حرصا من غيرهم لأن تراجع السوق سيكون أكثر إيلاما لهم دون غيرهم.
الجميع يعلم أن سبب هذا الصعود الصاروخي في أسعار الأسهم خاصة في السنتين الأخيرتين يعود بشكل أساسي للسيولة الضخمة التي حُقنت في السوق بسبب التحسن الذي طرأ على أسعار النفط أخيرا، بالإضافة إلى عودة الأموال المستثمرة في الخارج بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2001. كما كان لضيق فرص الاستثمار المحلية أو انعدامها أحيانا، دور في توجّه هذه الأموال نحو سوق الأسهم. وقد اتجهت هذه الفوائض لسوق الأسهم هذه المرة بدلا من سوق العقار كما حدث في فترة الطفرة السابقة، نظرا للإغراء الذي مثله سوق الأسهم مقارنة بسوق العقار من حيث إمكانية دخول السوق بمبالغ صغيرة، بالإضافة إلى سرعة وبساطة الإجراءات اللازمة للدخول فيه مقارنة بسوق العقار، وكذلك سهولة الخروج منه عند الحاجة إلى السيولة. شجعت على ذلك وساعد عليه انتشار استخدام وسائل الاتصال الحاسوبية الحديثة (الإنترنت).
لكن المدى الذي وصل إليه السوق فاق كل توقع، فقد حققت السوق في العام الماضي زيادة بلغت في المتوسط 100 في المائة، ووصلت مكررات الأرباح لأسهم بعض الشركات إلى معدلات غير مسبوقة وغير منطقية! لقد تضخمت أسعار أسهم بعض الشركات تضخما ليس له أي مبرر اقتصادي. وهو في الواقع ارتفاع مصطنع لا يعكس حقيقة المراكز المالية لهذه الشركات ولا القيم الحقيقية لأصولها. لأن بعض هذه الشركات خاسرة، وبعضها لم يوزع أرباحا منذ عشر سنوات، وبعضها لم يمارس النشاط الذي أنشئت من أجله بعد، وبعضها الآخر لم يحقق أرباحا تشغيلية بل إن أرباحها ناتجة من استثمار أموال المساهمين في مضاربات في سوق الأسهم. والتفسير الوحيد لتضخم أسعارها يعود للمضاربة التي يقودها كبار المتعاملين بسوق الأسهم. وهذه عمليات أعطت أرباحا عالية لكن مخاطرها عظيمة في الوقت نفسه وخاصة على صغار المتعاملين.
إن على صغار المستثمرين اليوم توخي الحذر وعدم الاندفاع بوضع كل البيض في سلة واحدة. فهم آخر من تصلهم معلومات السوق وأكثر المتضررين عند حدوث الهبوط. عليهم أن ينوّعوا في أسهم الشركات ولا يبالغوا في الاحتفاظ بأسهم الشركات الضعيفة. لأن احتمال الخسارة والانكسار سيكون أقوى وأشد فيها - إذا حدث تراجع في السوق - من أسهم الشركات الجيدة! وأما كبار المتعاملين في سوق السهم فإن عليهم البدء بتنويع استثماراتهم بشكل عام وعدم تركيز كل استثماراتهم في مضاربات الأسهم.
قد يتحفظ البعض على هذا الرأي بالقول إن الأسباب التي أدت إلى ارتفاع أسعار الأسهم لا تزال قائمة بشكل كبير، خاصة ما يتعلق منها بالمؤشرات الإيجابية العامة للاقتصاد السعودي التي ظهرت مع بيانات الموازنة الحكومية أخيرا، ولذلك فليس هناك ما يدعو للقلق الكبير على وضع سوق الأسهم. وهذا صحيح، لكن علينا أن نتذكر أن الظروف العامة للاقتصاد هي أحد العوامل المؤثرة على سوق الأسهم وليست كل العوامل. وقد يعاكس السوق الظروف العامة الإيجابية. فقد انهارت أسواق المال في دول شرق آسيا عام 1997م، في وقت كانت فيه مؤشرات الاقتصاد العامة إيجابية. وعموما الأمر يعتمد على المضارب هل هو من النوع المحب للمخاطر أم المتجنب لها.
عندما وصل المؤشر العام للسوق قبل نحو سنة إلى حاجز10000 نقطة، تملك المتعاملين القلق والمخاوف نفسهما، لكن السوق استمر. واليوم والمؤشر يقترب من 17000 نقطة، يساور المتعاملين القلق نفسه، بل امتد هذا القلق ليشمل المسؤولين أيضا. لأن سلامة واستقرار سوق المال هما جزء من سلامة الاقتصاد. فإن انهيارا كبيرا في السوق- لا سمح الله - سيخلف آثارا اقتصادية واجتماعية سيئة. ومن هنا يأتي اهتمام المسؤولين بمتابعة تطورات السوق. فهذا محافظ مؤسسة النقد يصرح بأن السلطات النقدية تراقب الوضع عن كثب، وتنسق مع سلطة هيئة سوق المال لاتخاذ الاحتياطات اللازمة التي تحد من الآثار التي قد تسببها التغيرات المفاجئة في السوق. لكنه يذّكر الجميع أن هذه السوق تقوم على مبدأ حرية الحركة ارتفاعا وانخفاضا - وفقا للقواعد المنظمة للسوق - دون تدخل من ِقبل السلطات الحكومية. ومع ذلك فهذا لم يمنع مؤسسة النقد أن توجه البنوك بتقيد منح القروض الشخصية نظرا لما لاحظته من أنها كانت أسرع أنواع القروض الثلاثة ( الحكومية وقروض الشركات والقروض الشخصية) نموا في السنوات الأخيرة. وجاء التقييد خشية من تمادي الأفراد في الحصول على مزيد من التسهيلات الائتمانية لاستخدامها في المضاربة في سوق الأسهم، وهي عملية تزيد من مخاطر السوق.
لكن على الجميع أن يتذكر أن السلطات لا تستطيع أن تفعل شيئا للناس إذا وقعت الفأس في الرأس ! فهذا قرارهم الذي يتحملون مسؤولية ما يترتب عليه.
خلاصة القول، إن مؤشرات الاقتصاد العامة تدل على أن السوق سوف يستمر في التحسن خلال الأشهر القادمة. لكن مؤشرات السوق ذاتها توجب الحذر والمراقبة اللصيقة لأي تطورات. الحذر أصبح مطلوبا اليوم أكثر من أي يوم مضى. صحيح أن المكاسب جميلة، لكن الأجمل المحافظة عليها. والمحافظة عليها تكون بأن تعرف كيف تتصرف، قبل أن يكون الخروج من السوق مرا.


http://212.71.33.171/article.php?do=show&id=708