المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شبح التضخم يخيم من جديد على الاقتصاد العالمي



salem
05-09-2005, Mon 4:00 PM
صندوق النقد يحذّر من تبعات "اختلال التوازن" ويخفض توقعاته للنمو إلى .3% في 2005


يتسبب الارتفاع الحاد والمستمر في أسعار النفط الخام في تقليص القوة الشرائية للمستهلك في مختلف انحاء العالم ويزيد المخاوف من احتمال ان يبدأ الاقتصاد العالمي في التباطؤ كنتيجة للارتفاع القياسي في تكلفة الطاقة.

وبحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز” اللندنية، ارتفعت أسعار المستهلك في الولايات المتحدة بمعدل 0،5% في يوليو/ تموز الماضي وبنحو 3،2% على مدى الاشهر الماضية من العام الجاري. كما نمت الاجور في الولايات المتحدة بمعدل 2،7% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ويرجع السبب وراء ارتفاع مستوى التضخم الى ارتفاع أسعار البنزين التي قفزت بمعدل 6،1% في الشهر الماضي وبنحو 30% في الاشهر السبعة الماضية من عام 2005.

وعلى الرغم من نجاح الاقتصاد الامريكي الى الوقت الحاضر في استيعاب تبعات الارتفاع الحاد في تكلفة الذهب الاسود، إلا ان مقاومته على ما يبدو بدأت تتهاوى تحت وطأة الضغوط المتنامية، وفي ظل النمو السريع في أسعار الطاقة وخاصة الوقود، اذ تشير التقديرات الحديثة لإدارة معلومات الطاقة الامريكية الى ارتفاع تكلفة جالون البنزين في الولايات المتحدة من 2،29 دولار في مطلع الشهر الماضي الى ما يزيد على 2،55 دولار في منتصفه.

قال جوليان جيسوب كبير محللي الشؤون الدولية لدى كابيتال ايكونوميكس” ان من شأن الارتفاع الحاد في أسعار البترول ان يؤدي الى تقليص الدخل القابل للإنفاق في امريكا ليحد بالتالي من الانفاق الاستهلاكي الذي اسهم كثيراً في انتشال الاقتصاد من ركود حاد عانى آثاره في السنوات القليلة الماضية.

وكانت سلسلة محال التجزئة الامريكية الشهيرة “وول مارت” قد حذرت أخيراً من تأثيرات الارتفاع الكبير في تكلفة الوقود والطاقة. وقال لي سكوت الرئيس التنفيذي لوول مارت ان أسعار النفط المرتفعة سوف تؤدي الى إضاعة ما احرزته الولايات المتحدة من تحسين على صعيد التوظيف وارباح الشركات ومداخيل المواطنين الامر الذي سينعكس سلباً على الانفاق الاستهلاكي.

وتأتي هذه التحذيرات في أعقاب اعلان الشركة عن ارباح النصف الثاني التي جاءت مخيبة للآمال حيث لم يتجاوز نمو الارباح 5،8% في حين نمت مبيعات الشركة بمعدل 10،2% فقط لتصل الى 76،8 مليار دولار.

وفي بريطانيا تسببت تكلفة الوقود العالية في رفع مؤشر أسعار المستهلك بمعدل 3،_ في يوليو/ تموز الماضي، ويعد هذا اعلى معدل ارتفاع للمؤشر منذ العام 1997. وحذر دومينيك دي فيلبان رئيس وزراء فرنسا من تأثير ارتفاع أسعار النفط ورجح ان تحافظ الأسعار على مستوياتها الحالية للسنوات بل للعقود المقبلة.

ويرى الخبراء ان من شأن ارتفاع أسعار البترول الخام بصورة اكبر، ان تزيد الضغوط على مجلس الاحتياطي الفيدرالي الامريكي ليبادر الى الاسراع بخطى رفع الفائدة على الودائع قصيرة الامد لاحتواء مخاطر التضخم. ويتوقع المحللون ان يقوم المجلس باتخاذ تدابير اكثر حسماً في حال وصل معدل التضخم الرئيسي في الدولة الى معدل يزيد على 2%.

وقال بروس كلسمان رئيس خبراء الاقتصاد لدى “جي بي مورجان”: “على مجلس الاحتياطي الفيدرالي الحفاظ على خطوات هادئة ومستقرة لا تتجاوز ربع نقطة مئوية في رفعه لمعدلات الفائدة حتى بداية العام المقبل مادام الاقتصاد يواصل النمو بقوة وما دامت معدلات التضخم تحت نطاق السيطرة”.

وتتوقع “جي بي مورجان” ان يبادر المجلس الى رفع الفائدة من 3،5% في الوقت الحاضر لتصل الى 4،5 بحلول شهر فبراير/ شباط 2006.

ومن جهة أخرى أظهرت البيانات الحديثة انتعاش أداء أسواق العقارات الأمريكية مع ارتفاع أعداد المباني والمشاريع الجديدة وتزايد منح تراخيص البناء بمعدل يعتبر الأسرع منذ 32 عاماً. وأكد ناجيل جولت مدير مؤسسة “جلوبال انسايت” ان سوق العقارات الأمريكي يواصل الانتعاش بقوة الى حد يمكن أن يشجع مجلس الاحتياطي الفيدرالي على رفع الفائدة بصورة أكبر لتهدئة سرعة النمو.

وتستمر أسعار النفط المرتفعة في إلقاء ظلالها على الأداء الاقتصادي لدول أوروبا، حيث أكدت البيانات الحديثة أن وصول سعر البترول الى مستوياته القياسية هذا العام، أدى الى ارتفاع العجز التجاري لفرنسا ليسجل بدوره مستوى قياسياً في النصف الأول من العام الجاري.

وأظهرت البيانات الحديثة كذلك تراجع الفائض التجاري لمنطقة اليورو نتيجة الارتفاع الكبير في تكلفة الطاقة، حيث تقلص الفائض في النصف الأول من العام الجاري بمعدل يزيد على 50% مقارنة بالفترة نفسها من العام 2004. وقال الخبراء ان هذه البيانات تؤكد مخاوف البعض حيال تأثير الارتفاع المستمر في أسعار النفط الخام على الاقتصاد العالمي، وإمكانية تقويض معدلات النمو على المدى الطويل، ما لم يتم اتخاذ تدابير سريعة لاحتواء النمو في الأسعار من خلال زيادة العرض وتقليص الطلب.

ولعل أكبر المخاطر التي يخشاها خبراء الاقتصاد، هي المتمثلة في شبح التضخم الذي بدأ يخيم على الاقتصاد العالمي. وتعكس البيانات الحديثة في بريطانيا ارتفاعا حادا وغير متوقع في أسعار المستهلك، ناتج عن النمو الكبير في سعر البترول. ويرى الخبراء ان مخاوف التضخم على الأرجح ستمنع البنك المركزي البريطاني من خفض معدلات الفائدة بصورة أكبر بعد أن قام في بداية الشهر الماضي بخفض تكلفة الاقتراض بربع نقطة مئوية. وبالإضافة الى ذلك أظهرت البيانات الحديثة تراجع الانفاق الاستهلاكي في بريطانيا بحدة على مدى الأشهر الماضية نتيجة لارتفاع تكلفة الطاقة.

ومن جانبه حذر صندوق النقد الدولي في تقرير حديث له من الانعكاسات السلبية أو بالأحرى التهديد الذي يمكن أن يواجهه الاقتصاد العالمي في حال حافظت أسعار النفط على ارتفاعها، مشيرا الى أن ارتفاع سعر البترول من الممكن أن يؤدي الى تقويض النمو الاقتصادي في العام المقبل.

وقالت “الجارديان” ان الصندوق حذر في تقرير آفاق النمو الاقتصادي العالمي (الذي لم ينشر بعد وحصلت الصحيفة على تسريبات منه) من مغبة ارتفاع سعر البرميل الى أكثر من 67 دولارا. وحذر الصندوق في التقرير من امكانية تعرض الاقتصاد العالمي للركود في ظل الارتفاع المستمر لتكلفة الطاقة العالمية.

وكان الصندوق قد توقع في العام الماضي ان يصل سعر البرميل هذا العام الى حد لا يتجاوز 51 دولارا. كما قال في تقريره نصف السنوي الذي أصدره في ابريل/ نيسان الماضي ان الاقتصاد العالمي وصل الى مرحلة من “اختلال التوازن” نتيجة لارتفاع أسعار البترول وتنامي عجز الموازنة والحسابات الجارية في الولايات المتحدة. ويحذر الصندوق في تقريره الجديد من التفاقم المستمر للأوضاع الاقتصادية التي دخلت الى مرحلة حرجة بالفعل.

وقال التقرير ان ارتفاع سعر برميل النفط متجاوزا حاجز ال 60 دولارا سيكون له انعكاسات اقتصادية موجعة حيث سيعمل على تقليص الإنفاق الاستهلاكي ورفع مستوى التضخم كما سيؤدي كذلك الى تراجع الانفاق الاستثماري مع ارتفاع الأعباء والتكاليف وسيحد أيضا من أرباح الشركات.

وبادر الصندوق الى خفض توقعات النمو الخاصة بالاقتصاد العالمي الى مستوى لا يزيد على 4،3% في العام الجاري و4،4% في العام المقبل. كما خفض توقعات النمو الخاصة بمنطقة اليورو الى معدل 1،3% فقط في هذا العام.

ويتفق خبراء الاقتصاد على تراجع قدرة الاقتصاد العالمي على الصمود في مواجهة الارتفاع المستمر في الأسعار. وهم يجمعون على القول إن الاقتصاد اليوم بصدد الدخول الى مرحلة حرجة، وستزداد الأوضاع صعوبة في حال واصلت أسعار البترول الارتفاع ليواجه الاقتصاد أزمة حقيقية لا يستطيع أحد توقع نتائجها