المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفكر والاقتصاد



الونيس
10-07-2005, Sun 10:46 PM
:rolleyes: الفكر والاقتصاد

لازلت أعتقد بأن الكتابة عن الإقتصاد تسبقها الكتابة عن فكر المجتمع – كل المجتمع.

لقد مضى من الألفيةِ الثالثة 1,600 يومِ حتى الآن. "قَبْلَ ألف سنة، عندما اقتربت البشرية مِنْ نهايةِ الألفيةِ الأولى، بَعْض الناسِ احتفلوا، بَعْضهم تعبدوا، اعتقد البَعْض أن العالمَ أوشك على نهايته - والأغلبية الواسعة لم تشعر بذلك مطلقا لأنهم ببساطة لم يعرفوا معنىً للتقويمِ." (Newsweek)

اليوم، الأمور مختلفة نوعاً ما. فنحن ندخل في الألفية الثالثة بكثير من التحديات (وأكثر من أي وقت مضى) قلما نجد من بين ركامها بريق من الأمل في فرصة تخرجنا من النفق الطويل المظلم الذي أدخلنا أنفسنا فيه.:cool:

"الفكر هو صورة الحياة في مرآة الزمن، ولذا فهو في حالة تغير دائم وتحول مستمر. فإذا ما تخلف الفكر عن الإحاطة بأحداث الحياة وعجز عن تفسير ظواهر الطبيعة في أي وقت، فإنه يفقد قدرته على التأثير والفعل، وينزوي ويتوارى عن الأنظار، تاركا الميدان واسعا لفكر جديد.":cool:

لابد لنا، إذاً، من تشخيص لحالتنا، قبل أن يعجز الفكر عن الإحاطة بحيثياتها وتفسير عوارضها، وقبل وصف العلاج لها. فالأطباء يقولون أن ألم الرأس هو في الواقع عرَض وليس مرض. ومع أهمية مسكنات الألم التي توصف، وتباع حتى في البقالات، فهي في الغالب إنما تساعد في استفحال المرض الذي نحاول جاهدين أن نخفي أحد أعراضه: الألم.:cool:

وأنا، هنا، لا أدّعي وصولي إلى تشخيص دقيق لما نحن نعاني، لكن قد يفيدنا طرح بعض التساؤلات، وتحدي بعض المعطيات التي نتعامل معها كحقائق ثابتة لا تقبل الجدال. وأيضا، يمكننا أن نحقق في بعض المفردات التي نستخدم في محاولة تواصلنا وإيصال أفكارنا للآخرين.:rolleyes:

فلكي نبدأ مرحلة التشخيص،لابد، أولا، أن نعترف بأن إنتاجيتنا قد تضاءلت في العقود الماضية، بدلاً من الزيادة، كما هو الحال في العالم المتقدم الذي أستغل التطورات العملاقة في مجال تقنيات الإنتاج وجهود التدريب الرفيع المستوى و المتواصل للرأسمال البشري. أما نحن، وبالرغم من تحديث التجهيزات والآلات التي نستوردها بشكل متواصل والتحسين النسبي في البنية التحتية، فهناك مفارقة يجب أن تستوقفنا، وهي أن الإنتاجية للعامل في النشاط الاقتصادي قد تراجعت.;)

أن الحاجة ماسة لإجراء توازنات بين الحاجة لتخصصات معينة من بين مخرجات التعليم الجامعي، وما دونه، بما يتوافق ومتطلبات السوق للحد من ارتفاع مستوى البطالة لدى الشباب القابل للانفجار في أي لحظة. كما أن الحاجة ماسة، أيضا، للعمل على عودة الطبقة الوسطى للمجتمع الذي لا يمكنه الحياة بدونها.
أن فشلنا في تملك أساليب الإنتاج الحديثة وفشلنا في تأمين فرص العمل اللائقة للجيل الشاب وفشلنا أيضاً في إطلاق القدرات الإبداعية والإنتاجية، هو المسئول عن اضمحلال الطبقة الوسطى، وبالتالي، حالات الكآبة الجماعية التي نعيش.
:rolleyes:
وبالعودة للفكر، فإن الفكر الاقتصادي "يتبلور حول المشكلة الاقتصادية، والمشكلة الاقتصادية هي في الأساس مشكلة إشباع الحاجات الحياتية للإنسان، وإشباع الحاجات مجاله الطبيعة، والإنتاج هو وسيلة تحويل موارد الطبيعة الخام وقواها الكامنة إلى منتجات نافعة للإنسان، والإنتاج هو نشاط يتولى البشر تنظيمه سعيا وراء الاستحواذ، أكثر من غيرهم، على خيرات العمل وهبات الطبيعة. والاستحواذ هو سلوك غريزي يولد الكراهية وينشر البغضاء بين الناس في المجتمع. وحل إشكالية إشباع الحاجات، مع زرع بذور المودة والرحمة بين الناس هو القضية الجوهرية في الحياة، ويتحقق بخلق المنافع وتوزيعها بالعدل بينهم."

وخلق المنافع وتوزيعها بالعدل بين الناس يأتي ضمن أهداف السياسة الاقتصادية التي تختص بتقديم الوسائل والأدوات التي يمكن استخدامها للتأثير في مسار العلاقات والظواهر الاقتصادية. وهي في كل مجتمع تسعى إلى تحقيق أهداف أساسية، وهذه الأهداف تختلف مضامينها كما تختلف أهمية كل منها بالنسبة للآخر باختلاف المجتمع الذي يجرى فيه تطبيق تلك السياسات، وهي:

• الاستقرار الاقتصادي، ويتحقق إذا ما تحققت العمالة الكاملة دون تضخم.
• النمو الاقتصادي، ويتحقق إذا ما ارتفع الدخل القومي الحقيقي بمعدل أكبر من معدل نمو السكان.
• العدالة الاجتماعية، وتتحقق إذا ما تم توزيع هذا الدخل بين القوى الاجتماعية المشتركة في توليده توزيعا عادلا.

لا بد من أن نعي بأن التعلم من الغير ليس جريمة أو كفر. ونحن، وبعكس الأمم الأخرى، ما نزال نرفض الدخول في الحداثة الاقتصادية. "وقد أتت الطفرة النفطية لترسخ قواعد الاقتصاد الريعي، غير العادل وغير الفاعل والباعث على الكسل والسكون أمام مجابهة التحديات الحديثة في عالم الإنتاج وحركة العولمة، وذلك على حساب قواعد الاقتصاد الصناعي و الإنتاجي الذي وحده يمكن أن يخفف من حالات القلق الاقتصادي والاكتئاب النفسي الفردي والجماعي."

الحقيقة أن القلق الاقتصادي لن يزول إلا عبر تغيير عميق في الفكر الفردي والجماعي، حيث تكون ثقافة الفرد وثقافة المجتمع ترتكز على مبادئ ثابتة وواضحة ومرتبة ترتيباً أولويا من حيث أهميتها للحاضر والمستقبل، وعبر منظومة قيم مشتركة نستطيع من خلالها تحقيق الرؤى والرسالة الشخصية المنسجمة مع رؤى ورسالة الجماعة "بنيّة توزيع المداخيل و الثروات بحيث نتمكن من القضاء على ظواهر الاغتراب الداخلي النفسي أو الهروب من الواقع، وكذلك عبر تشجيع الإبداع و الإنتاج، لكي نخرج من حالات القلق و الخوف و الاكتئاب النفسي و انفصام الشخصية بين كره الغرب سياسيا و الانشداه تجاه انجازاته العلمية و التقنية. و هذا الطريق هو طويل و شاق، لكن لا بدّ من السير عليه لكي نشفى من أمراضنا الاجتماعية و الفردية المتعددة."

"فبما أن حاجات الإنسان هي متعددة من مأكل وملبس ومسكن إلى غير ذلك من الحاجات السلعية والخدمية و البيولوجية، وإن الموارد أو ممكنات توفير هذه الحاجات هي موارد محدودة، فإن كل مجتمع يبذل قصارى جهده ليوجه هذه الحاجات ويشبعها في إطار تلك المبادئ ومنظومة القيم المشتركة. فالحاجات تتزاحم على الموارد، كل منها تبغي إشباعا، ومن المستحيل إشباع كل هذه الحاجات. لذلك لا بد لهذا المجتمع أن يقرر الحاجات الأكثر أولوية في الاعتبار ومن ثم الإشباع، بالإضافة إلى كيفية أن ينظم المجتمع موارده المحدودة بحيث يمكن الحصول على أكبر قدر ممكن من الإشباع." تلك هي طبيعة المشكلة الاقتصادية.

لكننا، نحن، لا نعتقد بأن هناك أي مشكلة! فكيف لنا أن نعتقد بوجود مشكلة اقتصادية ونحن نأكل السياسة عوضا عن أكلنا الخبز، ونتحزب للسياسة على حساب الثقافة والمجتمع والاقتصاد؟

وكيف لنا أن نشعر بوجود مشكلة اقتصادية، (فقر، بطالة وسوء توزيع) والبعض منغمس في نشوة الثرثرة "المثقفة" من عهد التنوير؟ إلا إذا كان تنوير القرن الواحد والعشرين يشبه تنوير القرون الوسطى؟ وإرتكاسه يشبه إرتكاسهم؟ فعقارب الساعة، إذاً، لم تتحرك!

كيف لنا، إذاً، أن نطبق أي من تلك الأفكار"التنويرية" للخروج مما أحسبه كارثة اقتصادية تلوح في الأفق، تؤدي إلى كارثة اجتماعية حتمية؟ فالتنمية الاجتماعية هي، في المحصلة، الناتج الطبيعي للتنمية الاقتصادية.

فهل يكفينا ثراء الثرثرة عن ثراء الفكر ... والصناعة ... والبحث العلمي ... والتوفير ... والعمل؟

يكفي! فقد صرفت ما في الجيب، لعل أن يأتي ما في الغيب بأحسن منه!

هل أرتكس لحماقتي المعهودة، وأعيد تلك الجملة المجنونة: إنه الإقتصاد يا رجل؟

تباً لهذه الحماقة






طبعاااااااا ملتوووووووش