المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل نحن بحاجةٍ إلى الدروس لسد «الثقوب»؟!



Dr.M
22-06-2005, Wed 1:17 PM
هل نحن بحاجةٍ إلى الدروس لسد «الثقوب»؟!

عبد الحميد العمري
21/04/2005

هل نحن بحاجةٍ إلى دروسٍ قاسية في الحياة لنتعلّم منها ومن عبرها؟! هل نحن بحاجةٍ إلى أن ندفع ثمن شيء ما عشرات أضعافه؟! الحقيقة أن هذا ما يحدث على أرض الواقع! قامت كثيرٌ من الأقلام المسؤولة تجاه وطنها ومجتمعها منذ فترة بالتحذير من الانخداع بشعارات وأرباح المساهمات التي يُعلن عنها هنا وهناك، استجاب القليل وسقط الكثير في ''فخاخ'' الأرباح الوهمية التي ستجلب معها الثراء السريع! بل واجهتْ بعض تلك الأقلام هجمةً شرسة ممن أغرتهم تلك المساهمات الواهمة بأرباحها الفلكية، وأقل تلك الهجمات تركّزت على أنها لم تظهر على صفحات الصحف إلا بدافعٍ من الحسد أن يستفيد أولئك الباحثون عن فرصٍ استثمارية مجدية! تتيح لهم تنمية دخولهم وثرواتهم. وهذا من ''طرائف'' ردود الفعل التي واجهتها حين كتبتُ قبل أكثر من شهر مقالين حول هذه القضية؛ الأول ''احذر فلوسك في خطر'' والثاني ''احذر.. تجّار الشنطة يتربّصون بك''.
إنها حلقةً مفرغة تشكّلت من غياب وضعف الوعي المالي والاستثماري لدى أفراد المجتمع بالقنوات الاستثمارية المتاحة الآمنة والبديلة عن تلك ''الفخاخ''، عزز من تروس تلك ''الحلقة المفرغة'' في الجهة المقابلة محدودية القنوات الاستثمارية المتاحة، والمعوقات البيروقراطية التي تواجهها طموحات الباحثين عن توظيف مدخراتهم وثرواتهم في مشاريع استثمارية متوسطة، تحقق لهم وللاقتصاد قيماً مضافة حقيقية، متسببةً ـ للأسف ـ في سد المنافذ التجارية والاقتصادية الملائمة للاقتصاد والأفراد، ومن غريب الصدف أنها متوافرة بصورةٍ جاذبة في اقتصاداتٍ مجاورة تتدفق منتجاتها وخدماتها بسهولة ويُسر إلى أسواقنا المحلية!
في ظل التداعيات الأخيرة التي بدأت تتكشف عن خطر ما تم التحذير منه، أجدني أعيد التأكيد على حاجتنا الماسّة إلى وضع ضوابط قانونية وتنظيمية أكثر صرامةً وجدية لأجل ارتقاء وصيانة البيئة التجارية والاستثمارية المحلية، ولمنع تفّشي هذه ''الثقوب السوداء'' في نسيج اقتصادنا الوطني، واستمرار العمل المؤسساتي الفاعل باتجاه خلق القنوات الاستثمارية الآمنة الخاضعة للرقابة المباشرة والمستمرة لأيٍ من تلك المشاريع أو المساهمات العقارية أو التجارية في أي مجالٍ كان، إذ إن الإلغاء ليس هو الحل! فالاقتصاد السعودي كاقتصادٍ ضخم يمتلك من الخيارات التجارية والاستثمارية الكثير الذي لا يمكن لأي اقتصادٍ مجاور منافسته، وهذه الميزة التنافسية هي التي يمكن الاعتماد عليها دون أدنى شك. وكما أن النظام المالي والنقدي السعودي يتمتع بأعلى درجات الثقة عالمياً بشهادة أرقى مؤسسات التقييم المالي والاقتصادي العالمية، فمن المناسب أن نتقدّم أكثر على طريق تطوير المناخ الاستثماري والتجاري، الذي يكفل حمايةً أكثر وآمن للمدخرات الوطنية. وكما سبق أن ذكرت، بأن العمل في هذا الاتجاه مهما كلّف من التكاليف المادية أو المعنوية لا يُمكن أن تصل بأي حالٍ من الأحوال إلى حتى 1 في المائة مما يمكن أن يتكبّده الاقتصاد الوطني من تفشي ''الثقوب السوداء'' التجارية في جسده!
الأمر الآخر الذي لا يقل عن الأول؛ هو الضرورة القصوى برفع مستوى الثقافة المالية والاستثمارية الراهن، والذي سمحت ''هشاشته'' لدى أفراد المجتمع بتغلغل كل من سوّلت له نفسه أمر شر، أن يغتال ـ دون خوفٍ من الله - أملهم وطموحهم بتعزيز وتأمين مستقبلهم المالي ومستقبل أسرهم، ليزعزع استقرارهم الراهن ويقذف به في مهب الريح! يتطلّب الأمر ـ في الأجل القريب - بكل مسؤولية ''ضخ'' برامج ودورات تثقيفية واسعة ومكثفة بلغةٍ مفهومة وسهلة في المجالات المالية والاستثمارية والتجارية، تتيح لأفراد المجتمع معرفة وفهم أحد أهم الجوانب المتعلقة مباشرةً بحياتهم ومستقبلهم، ويفضّل أن تكون نسبةً منها مجانية، وفي حال وضع لها رسوم مالية؛ أن توجّه تلك الرسوم أو أغلبها إلى جمعيات البر وأعمال الخير. وفي الأجل الطويل، يتطلب الأمر أن تُضاف إلى المناهج التعليمية مواضيع ومواد سلسة الفهم تهدف إلى رفع مستوى المعرفة المالية لدى الطلاب والطالبات، تتركز تلك البرامج التعليمية على نواحِي التخطيط المالي والاستثماري، تتيح لأفراد المستقبل إمكانية تطوير قدراتهم ومهارتهم الشخصية فيما يعزز من دخولهم المالية مستقبلاً ويؤهلهم لأن يتصرفوا بوعيٍ اقتصادي راشد يخدم أهدافهم وطموحاتهم، ويصب في مصلحة الاقتصاد والوطن بالنتيجة النهائية.
أخيراً، يقع على وسائل الإعلام مسؤولية كبيرة لا تقل عن مسؤولية الأجهزة والمؤسسات الحكومية أعلاه، فالكتاب ومنسوبو الوسائل الإعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة يتحمّل كل من ينتسب لتلك الأجهزة ـ خاصةً الاقتصاديين والقانونيين والماليين- مسؤولية كشف حقائق وخفايا أي من تلك المساهمات العقارية التي يُعلن عنها، إضافةً إلى بقية المساهمات التجارية التي يتم تسويقها في الخفاء في مجال تسويق وتوزيع المعدات الكهربائية وقطع الغيار والأثاث وخلافه، وفي ظل المرحلة الراهنة من استشراء حمّى المساهمات؛ لا أرى حقيقةً أي موضوعٍ اقتصاديٍ أهم منه يستحق تسليط الضوء عليه؛ إذ إن حماية مكتسبات الوطن والمجتمع تأتي في مقدمّة مسؤولياتنا جميعاً دون استثناء، وأي اختراق لحدود تلك المكتسبات واتساعه فيما بعد لا شك أنه سيجر خلفه كوارث اقتصادية يمكن أن تمتد آثارها المدمرة إلى كل ركنٍ من أركان الوطن والمجتمع، وذلك ما لا يمكن القبول به بأي حالٍ من الأحوال. ختاماً، القضايا الساخنة الآن على السطح التجاري والاقتصادي تتطلب ''مواجهةً مسؤولة'' من الجميع، والأمر يتطلب اتخاذ أكثر من قرار وإجراء، كما يتطلّب إعادة تنظيم ووضع الضوابط القانونية التي تحكم عملها، وأن تخضع تلك النشاطات العقارية والتجارية لرقابةٍ أشد صرامة وحزما، ولأن الموضوع أسخن من أي انفعال كتابي بعينه، فإنه يستحق أن يناقش مرة أخرى ومرات، والله من وراء القصد.


http://www.aleqt.com/ListRay.asp?NewsID=1221