المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المدلول الاقتصادي للإصلاح في الدول النامية



سيف الخيال
09-06-2005, Thu 3:47 PM
المدلول الاقتصادي للإصلاح في الدول النامية

الإصلاح الإداري سمة من السمات الأساسية التي يتصف بها علم الإدارة وتطبيقاته المختلفة في كافة ميادين الحياة وهي الديناميكية والحركية وسرعة الاستجابة للتطور والتقدم العلمي والتقاني وما يتماشى مع التغييرات الحاصلة في البيئات السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها. ولذلك كانت ولا تزال تظهر اتجاهات جديدة في مختلف دول العالم وخاصة المتقدمة منها لتؤكد ضرورة تحديث الأنظمة والهياكل الإدارية وأساليبها وأدوات وتقنيات عملها. وذلك من اجل رفع وتحسين مستوى كفاءة الأجهزة العامة.

وقد قدم علماء الإدارة مجموعة كبيرة من المصطلحات الدالة على عمليات التحديث والتطوير ومنها، التنمية الإدارية، الإصلاح الإداري، التطوير الإداري، إعادة الهيكلة، الهندرة، إعادة اختراع الحكومة وغير ذلك كثير من المصطلحات، لكن جميع هؤلاء العلماء لم يتمكنوا من تقديم تعاريف موحدة لهذه المفاهيم نظرا لتباين مدارسهم واتجاهاتهم الفكرية والعلمية والسياسية. فمفهوم الإصلاح الإداري وفقاً لهذا المدلول يعني القيام على فكرة الثقة في أن الدول الغربية قد حققت أفاقاُ عالية من الكفاءة الإدارية، تلك التي يكون نقلها إلي الدول النامية أمراً ضرورياً، ويكون الإصلاح الإداري طبقاً لهذا التعريف هو عملية نقل التكنولوجيا الغربية. وإذا ما ذهبنا لتعريف الإصلاح الإداري في الدول النامية من منطلق مفهوم هيئة الأمم المتحدة فانه حصيلة الجهود ذات الإعداد الخاص التي تستهدف إدخال تغييرات أساسية في المنظمة الإدارية العامة من خلال إصلاحات على مستوى النظام كأكل، أو على الأقل من خلال معايير تحسين واحدة أو أكثر من عناصرها الرئيسية مثل الهياكل الإدارية والأفراد والعمليات الإدارية. وكما هو واضح من التعريفيين السابقين فإن الأول تناول مسألة الإصلاح الإداري على أنها عملية نقل تقنيات فقط من الدول المتقدمة إلى الدول النامية متجاهلاً مسائل الإصلاح المرتبطة بالهياكل والنظم الإدارية وتخفيف المركزية وتطوير الأطر البشرية وغيرها. أما التعريف الثاني فإنه لم يتطرق لأثر البيئة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية على نشاطات الإصلاح وهذا يعنى إنكار تلك المدلولات الرئيسة في أية مسألة للإصلاح الاقتصادي أو الإداري. وبناء على ما تقدم يمكن التأكيد على أن المدلول الإداري لمفهوم الإصلاح يجب أن يعالج المسائل المتعلقة بـكفاءة أجهزة الإدارة العامة من خلال تبسيط الإجراءات وإعادة هيكلة الجهاز الإداري وتطوير منظومة القوانين والتشريعات الإدارية. ويوجد مفهوم أخر للإصلاح الإداري يعني بأن هناك مشاكل معينة تعوق عمل المنظمات الإدارية، أي تعوق سبيل تحقيقها لأهدافها العامة وتلك المشكلات أو المعوقات تحتاج لعلاج أو إصلاح إداري كي تتمكن الإدارة العامة من تأدية واجباتها في تحقيق الأهداف العامة. ومرد تلك المشكلات إلى أحد أمرين إما أن تكون نابعة من داخل أجهزة الإدارة العامة أي أن أسبابها كامنة داخل الأجهزة أو المنظمات الإدارية العامة، وأما أن تكون نابعة من خارجها أي من البيئة الخارجية والأجهزة السياسية والاقتصادية. وهناك فريق من الباحثين يفند المدلول الإداري للإصلاح على اعتبار أن هذا الأخير له أبعاد أوسع وأشمل من مجرد حصره في نطاق الجهاز الإداري المحدود، حيث أن أي نظام يعتبر جزءاً لا يتجزأ من مجموعة نظم أخرى ذات طبيعة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تؤثر وتتأثر بالنظام الإداري السائد، وهذا يعنى أن أي تغيير إداري غير كاف ما لم يكن جزءاً من تغيير شامل بجميع نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. أما إذا أردنا تحليل المدلول السياسي لمفهوم الإصلاح الإداري فانه يرتبط بالإصلاح السياسي أو بالنظام السياسي لدرجة أن بعض الإداريين يؤكد أن الإصلاح الإداري يقوم أساساً على الإصلاح السياسي وبدون هذا الأخير لا معنى للأول وخاصة في الدول النامية حيث أنه يعني تلك العملية السياسية التي تصيغ العلاقة ما بين السلطة والقوى المختلفة في المجتمع، وهذا يستتبع أن مشاكل الجهاز الإداري هي بالأصل سياسية وبالتالي فإن معالجتها يجب أن تأتى من قمة الهرم السياسي، على اعتبار أن وظائف الدولة تتسع وتتعمق أفقيا. ولكنه يؤخذ على هذا المدلول أنه يوازن مابين السلطة التنفيذية وباقي سلطات الدولة من حيث ضرورة التوافق في برامج الإصلاح بالنسبة لمستويات التنظيم الإداري والسياسي، لأن تغليب الإصلاح الإداري على السياسي سيقود إلى سيطرة الجهاز الإداري على سياسة الدولة. لهذا فإنه من المطلوب تحقيق التوافق في برنامجي الإصلاح الإداري والسياسي معا. كما يوجد هناك مدلول أخر وهو المدلول الاجتماعي تحت مظلة مفهوم الإصلاح الإداري، وترجع أهمية هذا المدلول إلى نشأة علم اجتماع الإدارة العامة، ذلك العلم الذي كان له أكبر الأثر في توجيه أنظار الباحثين إلى أهمية الوسط الاجتماعي في دراسات الإدارة بصفة عامة وفي جهود الإصلاح الإداري بصفة خاصة، حيث أن الأساليب والمفاهيم الإدارية ما هي إلا العناصر اللازمة لكي تحقق المنظمات الإدارية أهدافها في إطار اجتماعي محدود لها في ضوء الظروف والمعطيات الاجتماعية، ولهذا فإن العملية الإدارية لا يمكن استيعابها إلا بالفهم الكامل لإبعاد الوظيفة الاجتماعية للمنظمة، حيث أن المنظمات الإدارية ما هي إلا أنظمة اجتماعية فرعية تتكامل في نظام أكبر هو النظام الاجتماعي. وان الإصلاح الإداري يساعد على التقدم والتحول في البناء الاجتماعي ويعكس إلى حد ما إيديولوجية النظام الاقتصادي والاجتماعي السائد في الدولة. ولكن هناك فريق آخر من العلماء يرون أن مفهوم الإصلاح الإداري يعود لعدة أسباب أهمها، أن الإصلاح الإداري له مفهوم معياري قيمي وله أبعاد أخلاقية متعددة ذات أهداف تختلف معايير قياسها، والإصلاح يمثل عملية تنموية وسياسية واجتماعية لها جوانب تنفيذية واقتصادية ولكنه ليس علاجاً فقط لسلبية إدارية بل هو مضامين سياسية واجتماعية وارتباط بعملية تحول من وضع لآخر، وان التغير الاجتماعي يشكل الإطار العام للإصلاح الإداري، ولا يمكن التحدث عنه بمعزل عن التغير أو التطور الاجتماعي إذ إن كليهما يساند الآخر ويتداخل معه وهذا يعنى أن الإصلاح الإداري هو نتيجة حتمية وطبيعية لتطور القوى الاجتماعية التي تسعى لتحقيق التطور الإداري المطلوب ليس بصورة تلقائية بل بصورة إرادية مدروسة. وهكذا فإن المدلول الاجتماعي للإصلاح الإداري لا يمكن تجاهله على اعتبار إن الارتباط بين النظام الإداري من ناحية والنظام الاجتماعي من ناحية أخرى هي حقيقة علمية تقوم عليها نظرية الإدارة العامة، ولا مناص من الأخذ بها كشرط أساسي لتطبيق الأسلوب العلمي للإصلاح الإداري. ومن هنا يتضح لنا من خلال هذا الاستعراض مدلولات الإصلاح الإداري من النواحي الإدارية والسياسية والاجتماعية فإنه لا يمكننا إلا أن نسلم بضرورة تكامل هذه الأبعاد الثلاثة مع بعضها البعض لتشكل النسيج الشامل والمتوازن لمفهوم الإصلاح الإداري الذي لا تكتمل مضامينه في ظل غياب البعدين السياسي والاجتماعي. أما إذا نظرنا لمفهوم الإصلاح الإداري في الفكر الغربي فان كافة المصادر والدراسات الإدارية تشير إلى أن التطور التاريخي للنشاط الإداري كان مبنياً على إحداث تغيرات مستمرة في هيكل أجهزة الإدارة العامة من خلال استخدام المنهج التجريبي في الدراسات الإدارية القائم على أساس مبدأ التجربة والخطأ الذي يرتكز على دعامتين أساسيتين وهما، إقامة الهيكل التنظيمي للجهاز الإداري (مفهوم ستاتيكى) والثانية، أعادة بناء هذا الهيكل كلما أقتضى الأمر (مفهوم ديناميكي). فالدعامة الأولى تعنى إقامة الهيكل التنظيمي للجهاز الإداري الحكومي والبدء في عملية تشغيله والعمل على رصد واكتشاف الأخطاء ونقاط الضعف في حال وجودها ومن ثم تأتي الدعامة الثانية لإعادة بناء الهيكل التنظيمي للجهاز الإداري على الأسس التجريبية على أرض الواقع مع تجاوز الأخطاء ونقاط الضعف المكتشفة عند التشغيل في صياغة الهيكل الجديد. وهذا يؤكد على أن إقامة النظم الإدارية وإدخال التعديلات عليها هما وجهان لعمله واحدة هي الإدارة العلمية وعملية الإصلاح والتطوير الإداري في الدول الغربية تتم بواسطة تشكيل لجان فنية واستشارية أو حتى وحدات إدارية مستقلة يتم إلحاقها بالمستويات السياسية أو الإدارية العليا في الدولة. كما أن بعض الدول ووفقاً لظروفها فإنها قد تلجأ لإدخال إصلاحات سريعة غير روتينية في سياساتها التقليدية. وهنا لابد من إصلاح الجهاز الإداري ليصبح قادراً على تنفيذ برامج التغيير من خلال إنشاء لجان ذات طابع إستشاري (فني وسياسي) تقوم بدراسة التنظيم الإداري ثم تقدم توصياتها إلى السلطات المختصة لإصدار التشريعات اللازمة لإصلاح الجهاز الإداري للدولة وهذا ما يؤكد الدور الاستشاري للإصلاح الإداري.

أما من الزاوية التاريخية فإن مسألة الإصلاح الإداري في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية ليست وليدة النصف الثاني من القرن العشرين بل تعود في جذورها إلى الزمن القديم. لكننا لسنا بصدد تسليط الضوء هنا على التطور التاريخي لحركة الإصلاح الإداري عالميا، لكنه من المفيد الإشارة هنا إلى أن توماس جيفرسون أحد مؤسسي الولايات المتحدة الأوائل، اقترح تغير الدولة للهياكل الحكومية كل عشرين سنة تقريباً، وتوالت هناك البرامج الخاصة بالإصلاح منذ عام 1828 عندما تولى أندرو جاكسون الحكم الذي طبق مبدأ «دع الشعب يحكم« وتبعه أبراهام لنكولن الذي وسع من دور الدولة وزاد من نشاطها وإعداد موظيفها مروراً بتيودور روزفلت واندور ويلسون ورونالد ريغان ثم بيل كلينتون الذي وضع رؤية جديدة لتغيير أمريكا عن طريق الاهتمام بالناس أولا كأساس لهذا التغيير عبر التحول من بيروقراطية التسلسل القيادي إلى حكومة تتسم بروح منظمي الأعمال، لكن هناك عيوب أساسية في أداء بعض الحكومات تمثلت في:- اتساع حجم الخدمات الحكومية، والخدمات التي تقدمها الحكومة عادة تتسم ببيروقراطية شديدة وتضخم حجم الحكومة من حيث موظفها وميزانيتها الأمر الذي يجعل مساءلتها عملية صعبة ويوصل بعض القيادات الحكومية لحالة إفلاس بصورة عامة وفي النهاية يؤدي شعور الرأي العام لقلق شديد. لقد بدأ يظهر مصطلح الإصلاح الإداري بمفهومه الحديث في أواخر الستينيات من القرن العشرين عندما قام علماء الإدارة بالدعوة إلى إعادة تنظيم النظم الإدارية لتواكب التغيير وتتمشى مع البرامج الإنمائية القومية وقد ساعد على تقبل هذا الفكر الجديد إن النظم الإدارية القديمة فشلت في تنفيذ البرامج التي تعمل على تحقيق التنمية والتقدم وفي الثمانينات دعا علماء الإدارة الحكومات لتطبيق الفكر الجديد في أجهزتها الإدارية لأنه يعتمد على التغيير والتطوير المنظم لأداء الجهاز الإداري. وفي هذا السياق لابد للحكومات أن تنطلق من المبادئ التالية وهى: أن الحكومة ليست شراً لا بد منه كما يظن الكثيرون، فهي ضرورية وأساسية ومهمة لكل المجتمعات المتحضرة، وأن العاملين في الحكومة ليسوا هم أساس المشكلة في تراجع الإنتاج والخدمات ولكن النظام الإداري هو السبب والدليل أن كثيرين ممن يفشلون في عملهم في الإدارات الحكومية وينجحون في العمل بالقطاع الخاص أو الأهلي، وأن حكومات عصر الصناعة بمركزيتها وبيروقراطيتها والتي تعمل بطريقة متشابهة، لا ترقى إلى مستوى التحديات والمتغيرات السريعة التي تواكب عصر المعلومات، والمشكلة التي تواجهها الحكومة ليست بسبب الفكر الليبرالي التقليدي ولا الفكر المحافظ التقليدي وهى ليست متعلقة بالاتفاق أكثر أو تقليل الإنفاق، علينا أن نجعل الحكومات فعالة مرة أخرى وذلك بتجديدها، وأن نجاح أي حكومة في مسعاها للتطور لا يأتي إلا من خلال هدفها الأسمى الذي تؤمن به تماماً والمتمثل بالعدالة وتكافؤ الفرص. ومما يتم استنتاجه لأهم الأفكار التي تشكل السمات والخصائص إن الحكومة المجددة هي الحكومة الشركة، المجتمع، حكومة منافسة، حكومة ذات رسالة، إدارة حكومية بالنتائج، حكومة يسيرها عملاؤها، علما بان حكومة الأعمال تكسب أكثر مما تنفق حكومة غير مركزية وبعيدة النظر، أو حكومة مسيرة بعوامل السوق. وإذا ما عدنا لأهم الخصائص التي يتصف بها الإصلاح الإداري وفقا للأدبيات والتطبيقات الإدارية في العالم الليبرالي نجدها تتحدد في:

إن يتم وضع وتنفيذ برامج الإصلاح بصورة تدريجية وقد تكون بطيئة أحياناً وغير فجائية ذلك في ضوء دراسات واستشارات فنية وإدارية تقوم بها لجان من الخبراء في ضوء سياسة الدولة الاقتصادية والاجتماعية وكثيرا ما يكون محور الإصلاح منصباً على أحد عناصر النظام الإداري لان عملية الإصلاح عادة ما تبدأ من النظام الإداري نفسه وتنتهي بالجهاز الإداري وأن كان هو هدف الإصلاح، فإنه هو ذاته أداة هذا الإصلاح ووسيلة تنفيذه أيضاً.


عبدالباري الشهابي

نواف_جده
30-03-2006, Thu 11:54 PM
بارك الله فيك اخي سيف الخيال

الأخطبوط
24-11-2006, Fri 4:09 AM
مشكور ويعطيك العافيـــــــــــــــــة .