المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إذا كنت تعيش بقوة السيف، فأنك لا محالة ميت بالسيف



alharbi
01-01-2002, Tue 11:15 PM
كيف سقطت اكبر شركة طاقة في العالم؟

عائدات شركة انرون تجاوزت مائة مليار دولار سنويا، لكن مشروعاتها الفاشلة حول العالم، والانخفاض المفاجئ في اسعار الطاقة تحالفا على طرحها ارضا.

سان فرانسيسكو - من أندي جولدبرج
عندما علم ديفيد فريمان رئيس هيئة كاليفورنيا للطاقة بانهيار شركة إنرون للطاقة قال "إذا كنت تعيش بقوة السيف، فأنك لا محالة ميت بالسيف".

ولم يكن فريمان وحيدا في الاعراب عن ترحيبه بانهيار الشركة التي كانت تعد أكبر شركة للطاقة وأكثرها نفوذا والتي يعتقد أنها كانت سببا رئيسيا في أزمة الطاقة التي اجتاحت كاليفورنيا العام الماضي.

وقد اعتقد كثيرون في كاليفورنيا إن أزمة الطاقة في الولاية ستجر عليها ليالي طويلة من الظلمة الحالكة بسبب انقطاع الكهرباء خاصة خلال شهور الصيف الحارة. إلا أنه ثبت أن ذلك غير صحيح. فقد كانت نتيجة جهود ترشيد استهلاك الكهرباء وإبرام عقود طويلة الامد بأسعار ثابتة أن فائضا كبيرا من الطاقة توفر لدى شركة إنرون مما جعلها تحت رحمة الشركات الصغيرة.

لكن وضع شركة إنرون في كاليفورنيا لم يكن هو السبب الوحيد الذي أدى إلى السقوط المريع لشركة الطاقة التي مقرها تكساس. فقد كانت الشركة التي أعلنت إفلاسها، رمزا لتحرير سوق الطاقة الاميركي كما أنها اعتبرت نموذجا للمبادئ المثالية للاقتصاد الجديد.

وقد برزت معالم القلق حول كيفية انهيار شركة مثل إنرون بهذه السرعة في الكونجرس عندما قال توم داشل زعيم الاغلبية بمجلس الشيوخ الاميركي إن انهيار الشركة يثير "بعض التساؤلات الخطيرة للغاية" يتعين على المشرعين إيجاد إجابات شافية لها.

وكانت شركة إنرون قد كبرت ونمت من مجرد شركة لانتاج الانابيب في الثمانينات من القرن الماضي إلى أكبر شركة للطاقة في العالم بأسره وليس داخل الولايات المتحدة فحسب، حيث استخدمت الانترنت في شراء وبيع الغاز الطبيعي وإمدادات الطاقة الكهربائية التي تحتاجها المرافق العامة ومستخدمي الطاقة الصناعية والمساعدة في حمايتهم من تقلبات الاسعار في أسواق الطاقة.

كما أصبحت إنرون لاعبا مؤثرا في تجارة السلع والبضائع وحتى في قيادة السوق في الاتجار في معاملات مالية مثل سندات مالية غامضة تتعلق بتوقعات الطقس، وهو شكل من أشكال التأمين لتعويض أي خسائر ذات صلة بالاحوال الجوية.

وكانت إنرون، التي دأبت على تحقيق أرباح طائلة من وراء عدد وافر من مختلف المشروعات، هي الوسيط الوحيد في حوالي ربع الصفقات الخاصة بالغاز الطبيعي والكهرباء التي أبرمت العام الماضي في الولايات المتحدة.

ومع حجم عائداتها التي تجاوزت مائة مليار دولار سنويا، كانت إنرون عملاقا غطت على شركة أي.بي.إم لبرامج الكمبيوتر وأيه تي أند تي للاتصالات اللتين بدتا كقزمين أمامها.

وكانت مجلة "فورتشن" قد أشادت بشركة إنرون، واصفة إياها بأنها أكثر الشركات إبداعا وابتكارا في أميركا، حيث احتلت المركز السابع كأكبر وأغنى شركة في قائمة المجلة التي تضم أكبر 500 شركة في الولايات المتحدة.

وبالنظر إلى أن قيمة السهم الواحد من أسهم إنرون كان يتداول في البورصة بسعر 68 دولارا قبل عام، فإن قليلين فقط هم الذين تكهنوا بأن ديون إنرون بحلول كانون أول/ديسمبر الحالي يمكن أن تحيل الشركة إلى مجرد خردة، وأن قوتها العاملة التي تقدر بنحو 21 ألف عامل ستكون في خطر فقد وظائفها.

وبعد أن كانت القيمة السوقية لشركة إنرون تربو على 80 مليار دولار في مطلع العام الحالي، فإن قيمتها السوقية وصلت إلى أقل من 500 مليون دولار في أواخر الشهر الماضي.

وقد بدا مستقبل الشركة أكثر إشراقا بعد انتخاب جورج دبليو. بوش رئيسا للولايات المتحدة، حيث كان كين لاي رئيس مجلس إدارة إنرون واحدا من أهم الداعمين الماليين لبوش لسنوات طويلة، فقد ساهم بأكثر من مليوني دولار في حملات بوش الانتخابية منذ عام 1993.

وطبقا لصحيفة وول ستريت جورنال، فإن لاي كان أحد المرشحين لشغل منصب وزير الخزانة عندما تولى بوش مهام منصبه رسميا في كانون ثان/يناير 2001.

لكن كيف وصل حال الشركة من هذا الوضع القوي إلى شفا الانهيار؟

يقول محللون إن شركة إنرون تأثرت سلبا للغاية بعدة عوامل، فاقم من أثارها فشل المديرين التنفيذيين بالشركة في التركيز على مجموعة واسعة من القضايا.

وتمخض عن ذلك سلسلة من عمليات الاستثمار المأساوية المفجعة، منها قيام إنرون بإهدار مليارات من الدولارات على بناء مصنع للطاقة في الهند ومنظومة للمياه في بريطانيا وشبكات من الالياف البصرية في أنحاء مختلفة من العالم. وتسببت كافة تلك المشروعات الفاشلة في تعرض الشركة لخسائر فادحة.

ثم جاء عامل آخر هو الانخفاض غير المتوقع في أسعار الطاقة خلال فصلي الربيع والصيف، الذي ضرب إيرادات إنرون وأسعار أسهمها في مقتل، وهو الامر الذي دفع مسئولي الشركة إلى عملية نزيف هائلة لارصدتها من الاموال السائلة، مما جعل المحللين يعيدون تقييم استراتيجية إنرون بالكامل.

وبينما بدأت إيرادات إنرون تقل وديونها تتزايد وتتراكم، حاولت الشركة أن تتغلب على المشكلة بمحاولة حجب ديونها عبر ترتيبات مشاركة معقدة عادت على مديري الشركة التنفيذيين بمكاسب بعدة ملايين من الدولارات.

وعندما بدأت التساؤلات تثور، اضطرت الشركة إلى الاعلان عن إيراداتها التي تعود إلى عام 1997 حيث تجاهلت الكشف عن أكثر من مليار دولار من دخلها، مما استلزم فتح تحقيق من جانب لجنة مراقبة عمليات البورصة.

وبحلول مطلع تشرين ثان/نوفمبر الماضي، أصبح وضع الشركة أكثر بؤسا لدرجة أنها وافقت على بيع أسهمها لشركة منافسة أصغر منها بكثير هي شركة "دينجي"، وذلك مقابل تسعة مليارات من الدولارات، إلى جانب تحملها عبء 13 مليار دولار من ديون إنرون.

وفي نهاية الامر، فإن الفشل الذريع لشركة إنرون ربما يكون قد قضى على ما كانت تمثله الشركة وهو الالتزام بأسعار سوق حرة للطاقة وعدم التقيد بأي قوانين حكومية. وكان من نتيجة ذلك أن انفتحت أبواب الاسواق على مضاربات مكثفة في البورصة انعكست سلبيا على المستهلكين وأيضا على الشركات التي شاركت في تلك المضاربات.

وكانت إنرون تعتقد أنه في أسواق هامة مثل أسواق إمدادات الطاقة، فإن عدم الالتزام بالقوانين والانظمة المقيدة تعتبر أفضل سياسة. لكن الان اتضح أن إنهيار إنرون سيعيد تشكيل تجارة الطاقة الاميركية، وذلك حسبما كتبت وول ستريت جورنال، وهي الصحيفة التي تعتبر أيضا من أقوى المؤيدين للسوق الحرة.

وفضلا عن ذلك، فإن سقوط إنرون سيلقي أيضا بشكوكه على الاعتقاد بأن أسواق الغاز والكهرباء يجب أن تخضع لقليل مع عمليات التنظيم والتقنين وأن تترك إداراتها في أيدي التجار المؤمنين بالتجارة الحرة، اذ اثبتت التجربة ان التجارة الحرة يجب ان يكون لها حدود، وان امتدادها لخدمات اساسية مثل خدمات الطاقة كان كارثة على سكان كاليفورنيا الذين عانوا من انقطاع الكهرباء، وعلى الشركة التي لم تلتزم بشيء سوى مصالحها

المصدر مجلة ميديست